الواقع العربي بعد مئة عام على وعد بلفور

الاستفادة من دروس الماضي بناء مستقبل افضل

دمشق ـ إياد البني:

تزامناً مع الذكرى المئوية لصدور وعد بلفور المشؤوم الذي شكل البداية لتكريس وجود الكيان الصهيوني في جريمة تاريخية كبرى لا تزال آثارها ماثلة حتى يومنا هذا وتأكيداً على قرب انتهاء الحرب على سورية وبدء مرحلة البحث عن حلول لقضايا الأمة العربية وعلى أن فلسطين ستبقى البوصلة وبمشاركة نخبة من المفكرين والكتاب العرب افتتحت فعاليات المؤتمر الحواري تحت عنوان »الواقع العربي بعد مئة عام على وعد بلفور.. الاستفادة من دروس الماضي لبناء مستقبل أفضل« وذلك على مدرج جامعة دمشق.

وأكدت المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية الدكتورة بثينة شعبان أن الهدف من المؤتمر ملامسة الأسباب التي أوصلت هذه الأمة إلى الحالة الراهنة وكيف تمكن أصحاب المخططات كـ سايكس بيكو ووعد بلفور من النفاذ منها والبناء عليها واستخدامها كإحدى وسائل تنفيذ مخططاتهم مشددة على أن إحدى أهم هذه الثغرات ناجمة عن عدم المصارحة والمكاشفة في تاريخنا لحفظ مصالح شخصية أو حزبية أو غير ذلك متناسين أن الأوطان هي الأهم والأحق بأن نخشى عليها من الأذى وهذه ثغرة مستمرة عبر تاريخنا.

وقالت شعبان في كلمتها خلال المؤتمر »إننا معنيون بما تمر به أمتنا وبوضع الخطط لمواجهة كل ما يحاك ضدنا.. وإن الأوطان هي الأهم والأحق بأن نخشى عليها« مؤكدة أن الشعب السوري وجيشه الباسل ترجما معنى الانتماء والتضحية والشهادة والشجاعة والجرأة ودفعا ثمنا باهظا كي تبقى هذه الأرض عزيزة كريمة لأهلها وعصية مستحيلة على أعدائها وإننا اليوم وبعد سبع سنوات من هذه الحرب الإرهابية توصلنا إلى سر هذه الاستمرارية والذي هو عشق الأبناء لهذه الأرض واستعدادهم أن يستشهدوا دفاعا عنها وعن كرامتها ووجودها» موضحة أن المؤتمر خلص إلى مجموعة من الأفكار غير النهائية والقابلة للتطوير يتم نقاشها للوصول إلى استراتيجية يتبناها الجميع تساهم في تصويب المسار والبحث عن الطريق الصحيح.

جانب من كبار الشخصيات في حفل الافتتاح
جانب من كبار الشخصيات في حفل الافتتاح

وقدمت شعبان ورقة بعنوان »خفايا المشهد الإقليمي والدولي في النصف الثاني من القرن العشرين« استعرضت فيها حقيقة ما جرى في المشهد العربي وأسبابه مع وضع مصلحة الأوطان فوق كل اعتبار مشددة على ضرورة مقاربة الأحداث التاريخية مقاربة جريئة وشفافة هدفها الأساسي تحقيق المناعة والحصانة ضد تكرار النكسات التي حلت بنا وعلى أن أمتنا كانت ومازالت مستهدفة منذ قرون من خلال حياكة المؤامرات المتعددة والمختلفة لإضعافها وشرذمتها واستنزاف طاقاتها وأن وجود تلك الخطط لا يجب أن يعني نجاحها إذا ما تمكنا من أدوات إفشالها عبر فهم كيف كانت استجاباتنا لها ومعرفة العثرات التي حالت دون التصدي الحقيقي الذي يئدها في مهدها.

بدوره أكد سماحة المفتي العام للجمهورية الدكتور أحمد بدر الدين حسون في كلمته أننا نقرأ وثيقة وعد بلفور المشؤوم لنرد عليه بالوعيد أن فلسطين ستبقى في قلب الأمة العربية مشددا على ضرورة أن نتذكر ونحن نقرأ وثيقة وعد بلفور كيف كانت أخطاؤنا ليستمر هذا الوعد وأين كان ضعفنا لنحوله إلى قوة ولنرد هذا الوعد المشؤوم بالوعيد.. نعم نحن اليوم لا نبكي على أطلال فلسطين والدليل ما يفعله اليوم وبالأمس وغدا الجيل الجديد الذي ظنوا أنه سينسى التاريخ وسينسى فلسطين.

وبين مفتي الجمهورية أن سورية صمدت بوجه أعتى حرب إرهابية بفضل قائدها الذي أحب الله والإنسان وقال من اللحظة الأولى.. سورية الله حاميها.

من جهته أكد المفكر طلال أبو غزالة في كلمة متلفزة له خلال افتتاح المؤتمر أن الشعب الفلسطيني متمسك بقضيته العادلة وحقه في العودة لوطنه حتى تحرير أرضه وإقامة دولته المستقلة مشددا على أن إعلان وعد بلفور المشؤوم أداة من أدوات المؤامرة المنسوجة ضد الشعب الفلسطيني والعالم العربي والسلام والإنسانية جمعاء وهو إعلان »لاغ وباطل« وأن جميع التدابير ذات الصلة بإضفاء الشرعية على الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين لاغية وباطلة.

وتمنى أبو غزالة أن يخرج المؤتمر باتفاق يدفن واقع الندب العربي وتجاوز ذلك إلى السعي لإصدار إعلان عربي موحد وحقيقي للرد على وعد بلفور الباطل أمام العالم كله معربا عن شكره وتقديره لسورية قيادة وشعبا لوقوفهم إلى جانب الشعب الفلسطيني في نضاله ضد الاحتلال الإسرائيلي.

وفي اليوم الثاني ناقش المؤتمر عددا من المحاور كان أولها )المشروع النهضوي العربي ومستقبل العمل العربي المشترك( حيث تم التأكيد على أن مئوية وعد بلفور نداء توحيدي للعرب جميعا وللإنسانية من أجل بذل الجهود لإسقاط كل ما ترتب عليه وتعزيز التعاون بين المؤسسات الشعبية والثقافية والعلمية في الوطن العربي واعتبار أولويات العمل العربي هي المقاومة ضد الكيان الصهيوني وأي مشاريع تهدد سيادة الدول واستقلالها.

أما المحور الثاني فقد شدد على أن الحامل الأساسي المشترك للهوية العربية هو وجود مشروع سياسي وطني يتمتع بحيوية سياسية ويتضمن حوامله الداخلية في تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية والحرية السياسية وأن الهوية ليست مكونا وجوديا ثابتا ونهائيا إنما كينونة ديناميكية حية قابلة للتطور والبناء.

وأشار المحور الثالث إلى مخاطر التطبيع وطالب بتفعيل مكاتب المقاطعة للعدو الصهيوني والعمل في كل الساحات العربية والإسلامية على إصدار قوانين تجرم التطبيع والضغط على الحكومات من أجل إيقاف كل أشكال التطبيع والانخراط في المعركة المفتوحة للقوى العالمية التي تعمل على مقاطعة الكيان الصهيوني في كل أرجاء العالم في حين تناول المحور الرابع كيفية مواجهة التفتيت من خلال تبني القوانين الضامنة لتحقيق المواطنة وتفعيل المؤسسات التي تضمن تطبيق القوانين القائمة على المساواة بين الجميع واعتماد المنهج العلمي ونشره في الثقافة وتفعيله لمحاربة الفكر الإرهابي.

أما المحور الخامس فقد تطرق إلى التحولات الكبرى في المنطقة والعالم والتي نتجت عن صمود سورية وفشل العدوان عليها ما فتح الطريق أمام البحث في طبيعة النظام الإقليمي القادر على تلبية متطلبات المرحلة القادمة ومراكمة إنجازات محور المقاومة في حين ناقش المحور السادس موضوع العرب والنظام الدولي بينما تركز المحور السابع حول تعزيز دور حركة التحرر الوطني العربية كمرتكز لتحقيق النظام السياسي العربي المستقل بهوية وطنية قومية.

وخلال مؤتمر صحفي في ختام المؤتمر أكدت شعبان أن ما حدث في سورية والعراق يوضح أن المخططات لتقسيم بلداننا ليست جديدة مبينة أن وقوف الشعبين السوري والعراقي في وجهها أحبطها جميعا وأنه يجب أن نكون على يقين بأن الشعب حين يتصدى لأي مخطط في العالم يستطيع أن يهزمه لافتة إلى أن انتصارات المقاومة اللبنانية كسرت ما سمي أسطورة الجيش الصهيوني.

وأكد عدد من المشاركين أن »دمشق مركز القرار العربي وبقيت متمسكة بالقضية الفلسطينية رغم كل ما تتعرض له من إرهاب» في حين قال المفكر والباحث اللبناني كريم بقرادوني إن «مرحلة الاهتزاز مؤامرات مرت على الوطن العربي بالتقسيم والتفكيك توقفت عند سورية التي استطاعت منع ذلك«.

وقال السفير أنور عبد الهادي مدير الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية إن »بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية« يتحملون مسؤولية ما يحدث في المنطقة من مشاكل ومصائب وإن سورية لم تنس القضية الفلسطينية وبقيت متمسكة بها رغم الإرهاب الذي تتعرض له في حين تناستها الكثير من الدول العربية».

أما المفكر والكاتب السياسي أنيس النقاش فقد أكد في ورقة عمل تحت عنوان »حول أزمة الهوية العربية« أن الهويات القومية ليست جميعها متناسقة في نسق واحد وتختلف أسباب بروزها ومهماتها وأن هويات قومية برزت نتيجة تفاعلات سياسية نتجت عن حروب تعرضت لها مجتمعات معينة أدت إلى وحدة وعي جمعي بينها أمام الخطر ونجم عنها وعي وطني أو قومي» في حين رأى الباحث المصري الدكتور أشرف بيومي أنه لا بد من بلورة خطوط عريضة للمستقبل العربي وركائز النهضة بعد الانتصار الكامل في المنطقة من خلال التركيز على العلم والتكنولوجيا في بناء الاقتصاد وعلى مبدأ »استقلال إرادة الدول العربية«.

حضر وقائع المؤتمر حشد من كبار نخبة الشخصيات العربية من مثقفين ومفكرين وأدباء وإعلاميين الذين أثنوا على أهمية انعقاد المؤتمر وخاصة في ظل الظروف الراهنة التي تشهدها المنطقة.