نهاية داعش في العراق وماذا بعد؟

المطلوب اعادة خمسة ملايين نازح عراقي قبل الانتخابات المقبلة

د. ماجد السامرائي

وأخيراً أعلن حيدر العبادي رئيس وزراء العراق بتاريخ 9 12 2017 انتهاء »داعش« في العراق بعد حرب استمرت ثلاث سنوات ونصف بدأت بعد فتوى المرجع الديني )السيستاني( في الثالث عشر من يونيو 2014 أي بعد اسبوع من اجتياح »داعش« للموصل، وتم تجنيد جميع صنوف القوات المسلحة العراقية بعد إعادة صفوفها إثر هزيمتها المدبرة أمام فلول »داعش« و شاركت في العمليات العسكرية الكبرى ووجهتها اكبر قوة عسكرية في العالم الولايات المتحدة الأميركية إلى جانب )ستين دولة( غربية وعالمية وعربية تحت مظلة ما سمي بالتحالف الدولي. كان اختيار مكان اعلان الانتصار في ساحة الاحتفالات ببغداد ذا رمزية خاصة لا بدّ أنها لم تعجب لا العبادي ولا حزبه ولا رفاقه الآخرين لكنه كان مجبراً على الوقوف على شرفاتها لأنه لا هو ولا حزبه استطاع بناء ساحة صغيرة يمكن الاطلال من خلالها على الناس. وقف العبادي محيياً القوات المسلحة ومعها قوات الحشد الشعبي التي انضمت للحرب بعد دعوة السيد السيستاني بفتوى الجهاد الكفائي، دون ذكر للقوات الكردية )البيشمركة( رغم تدارك الخطأ بالتصحيح اللاحق. وقف في ساحة الاحتفالات الكبرى التي تصدرها قوس النصر ذا السيفين المتقاطعين حيث تم بناء هذا النصب في نهاية الحرب العراقية الايرانية 1980 1988 وقيل إنه تم طبع كفي يدي صدام كمقبضين للسيفين وأطل الرئيس الراحل صدام حسين من تلك الشرفة محبياً الجمهور العراقي في 8 8 88 معلناً النصر على إيران في تلك الحرب ومن ذات الشرفة التي أطل منها اليوم حيدر العبادي بعد تسع وعشرين عاماً، مع إن للمكان رمزية معينة لكنه يبقى ملكاً لكل العراقيين، وقف العبادي محتفلا بعيد النصر على »داعش« هذه الحرب التي سفكت خلالها دماء عراقية زكية لم تفرقها الطوائف والأعراق، لأن »داعش« نادراً ما ترك أفراد طائفة أو عرق عراقي إلا وقتلهم او شردهم من ديارهم خصوصاً في الموصل الحدباء المسماة »أم الربيعين« ذات المليوني إنسان والتي تحول قسمها الغربي اليوم إلى مدينة أشباح إلى جانب المحافظات الأخرى التي احتلها )الأنبار وصلاح الدين وجزء من ديالى وكركوك( وإذا كانت صفحة الحرب العسكرية على »داعش« قد انتهت في العراق وهي تشرف على نهايتها في سوريا. فهناك جملة من الأسئلة والاستفهامات المشروعة لدى العراقيين حول هذه النهاية العسكرية لـ»داعش« في مقدمتها :

ـ حيدر العبادي... امامه مسؤولية وطنية مهمة
ـ حيدر العبادي… امامه مسؤولية وطنية مهمة

ماهي الأسباب الحقيقية التي مكنت داعش من احتلال أربع محافظات عراقية كبرى خلال أيام معدودة؟

وإذا ما تمت الاجابة الموضوعية على هذا التساؤل، فما هي الاجراءات التي تمنع من تكرار هذه المأساة السياسية والعسكرية؟

ماذا قدمت وتقدم حكومة العبادي والأحزاب الحاكمة من حلول لأهل المدن المنكوبة، وهل تمت إعادة النازحين إلى ديارهم؟ وما هي مشاريع إعادة الأعمار في ظل هيمنة امبراطورية الفساد في العراق؟ وما هو مستقبل العراق بعد نهاية »داعش«

من الحقائق البديهية هي إن تنظيم القاعدة وبعده داعش ولد ونما وانتشر في بيئات الظلم والقهر والاستبداد ولولا تلك البيئات التي تحولت فيما بعد إلى حواضن قتلها داعش نفسه لما أصبحت الحرب عليه ذات بعد عالمي متعدد الأغطية. فكل من أمريكا وروسيا وجدتا في هذه الحرب غطاء وميداناً وتبريراً لصراع النفوذ في أخطر منطقتين حيويتين في العالم هما العراق وسوريا، أما إيران فاعتقدت إنها بحاجة إلى الدخول في ذات اللعبة، واستثمار الحرب على داعش لتثبيت قواعد نفوذها في هذين البلدين المهمين وتوسيعها، وإلا فقدت مبررات تواجدها السياسي واللوجستي من خلال الحرس الثوري والمليشيات المحلية. فعنوان »داعش« أصبح بطاقة مرور لتنفيذ جميع المشاريع التوسعية وحمايتها. ومثلما تشاركت كل من امريكا وإيران في احتلال العراق عام 2003 ثم تمكنت إيران من الاستفراد بهذ البلد رغم ما يقال عن النفوذ السياسي الأمريكي، فهي كذلك تريد حصاد نتائج هذه الحرب لصالحها. إن الوقائع تقول إن »القاعدة«وفدت إلى العراق واستوطنته مباشرة بعد الاحتلال العسكري الأمريكي عام 2003 وبإذن منه استناداً إلى نظرية تقليدية في حرب العصابات ورثها القادة الأمريكان من حروبهم القذرة في كل من بوليفيا وأرغواي والبيرو وكولومبيا تقول بتجميع »الصيدة« بمكان واحد ليسهل اصطيادها وقتلها، لكن مفاجأة المقاومة الوطنية العراقية المسلحة قد أزعجت القوات الأمريكية وأدت إلى تغيير استراتيجيتها في مطاردة القاعدة التي نفذها بدهاء الجنرال )ديفيد بترايوس( عن طريق استخدام مقاتلين من العرب السنة سبق لهم مقاتلة القوات الأمريكية نفسها تحت عنوان مشروع )الصحوات( الذي استطاع الأمريكان من خلاله مطاردة تنظيم القاعدة من الأنبار بأدوات عراقية من أهل الأنبار أنفسهم.

الحقائق والمعطيات السياسية والأمنية قالت إنه قبل اجتياح »داعش« للموصل في يونيو 2014 بعد أن كانت متغلغلة بطرق شتى في الأنبار قبل هذا التاريخ، تم تهريب المئات من قادة تنظيم »القاعدة« من سجن )أبو غريب( في بغداد، تلك الحادئة التي أثارت التساؤلات المريبة عن كيفية قدرة هذا التنظيم بتهريب أكثر من خمسمائة مقاتل من ذلك السجن وفق تصريح وزير العدل العراقي السابق حسن الشمري بتاريخ 3 1 2014 الذي قال في حينه »إن القوات الأمنية المسؤولة عن حماية إدارة أمن سجن أبو غريب كانت قد انسحبت منه قبل اقتحام عناصر تنظيم القاعدة السجن والهروب منه«. وأضاف الشمري في لقاء تلفزيوني أن تهريب السجناء كان يهدف إلى تعظيم دور تنظيم القاعدة في سوريا. ورسالة إلى واشنطن بأن البديل للنظام السوري ستكون القاعدة وداعش. وقيل إن هذه المجموعة العددية هربت إلى الأراضي السورية واستجمعت قوتها مع قيادة »أبو بكر البغدادي« الذي ظهر على الساحة بعد مصرع »أبو مصعب الزرقاوي والذي كان يصول ويجول ما بين سوريا والعراق بحرية لحين اقتناصه بعد ان انتهى دوره مثلما انتهى دور معلمه الكبير )اسامة بن لادن( واضح أنّ أبا بكر البغدادي زعيم داعش والرجل الأخطر في العالم كما تصفه مجلة تايم الأمريكية تجاوز استراتيجية القاعدة وزعيميها السابق أسامة بن لادن والحالي أيمن الظواهري الذي وصف سورية بأنّها الولاية المكانية لجبهة النصرة، في حين سمّى العراق بالولاية المكانية لدولة العراق الإسلامية. كانت المجموعة الإرهابية لا تتعدى أعدادها المئات ودخلت الموصل بعد أن هربت أربع فرق عسكرية من المواجهة، سؤال مازال لم يقدم له الملف التحقيقي لاحتلال الموصل جواباً لحد اليوم خشية النيل من رؤوس كبيرة في القيادات العسكرية والسياسية العليا أمام تهاون البرلمان العراقي وعدم جديته رغم الإدعاء بأن الملف رحّل إلى الجهات القضائية العليا. وهذه القضية ستظل ورقة للصراع بين الأحزاب للأيام القريبة المقبلة خلال الجولة الانتخابية

احتلال داعش لثلث أرض العراق في العاشر من يونيو 2014 عزز المشاريع الطائفية في العزلة الطائفية والقومية، وكان لهذا التنظيم دوره في تبلور مشاريع العزل، كان تنظيم داعش الارهابي يوهم العرب السنة بأن مستقبلهم الحقيقي في ظل دولته »الخلافة الإسلامية« التي رسمت خطوطاً جغرافية طائفية امتدت ما بين الأنبار وصلاح الدين والموصل والرقة السورية في الوقت الذي كان يقتل فيه أبناء العرب السنة المخالفون له. كان هذا الايهام يتطابق مع دعوات »التقسيم« الطائفي التي راجت خلال الثلاثين سنة الماضية، مزيداً من الحروب الطائفية لتعزيز فكرة الانفصال. كان هذا التنظيم كاذبا ولو كانت دعواته صادقة لوفر لأهل الموصل وتكريت والانبار وديالي والحويجة الأمن والطمأنينة لكي يعطي التبرير لولاء العرب السنة الذين وجدوا أنفسهم بين فكي )اضطهاد أهل الحكم وداعش( لاعتبارات أمنية وسياسية كثيرة فإن عدم إنهاء مبررات قسام »داعش« في العراق يعني احتمالات عودة الإرهاب بتظيمات ذات واجهات جديدة وبذلك يتجدد العنف والتطرف في العراق. وهذا ما يجعل العبادي رئيس الوزراء امام مسؤولية وطنية مهمة من خلال مشروع انهاء مبررات »داعش« على المستوى الواقعي الإجرائي وذلك من خلال :

أولا العمل المبرمج لإعادة خمسة ملايين نازح عراقي حسب الإحصائيات العراقية الرسمية قبل الشروع بالانتخابات العراقية المقبلة في موعدها الذي حدده رئيس الوزراء في الأسبوع الأول من مايو )ايار( 2018 مع ملاحظة عدم إشراك )المليشيات( المسلحة بتلك الانتخابات وحل جميع المشكلات التي خلفتها كارثة النزوح بجوانبها الاجتماعية والاقتصادية، أي أن يتحقق الاستقرار للعائدين وتأهيل المجتمع لمحو مخلفات داعش وثقافة العنف والكراهية، وتحشيد كل الجهود الوطنية من أجل تحقيق هذه الأهداف الوطنية والإنسانية

ثانيا العمل التنفيذي على سحب السلاح من القوى والمليشيات وحصره بيد الدولة وإلغاء المظاهر المسلحة بشكل نهائي، واحترام أحكام القضاء وسيادة القانون في جميع مفاصل الدولة والمجتمع.

ثالثاً العمل على الخروج من ثنائية الطائفية السياسية والفساد بصورة كاملة من خلال تعزيز قيم المواطنة وبناء الدولة المدنية العراقية والاستماع إلى الرأي الآخر واحترامه وأن يكون للجميع دورهم في بناء التنمية وإعادة الإعمار بعد تخليصها من هيمنة »إمبراطورية الفساد وتعزيز مبادئ سياسة خارجية قائمة على الاستناد على المحيط العربي وإمكانياته في إعادة الإعمار والالتزام بسياسة عدم التدخل بالشؤون الداخلية في العلاقات بدول الجوار«.

رابعاً إن محاربة الفساد في العراق ليس شعاراً ترفياً، بل هو حاجة ضرورية لتخليص العراق وإخراجه عملياً من قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم. عن طريق فتح الملفات وأصحابها بكل قوة وشجاعة وعدم خوف، ذلك إن من يريد خلاص العراق لا بد له من المجازفة الوطنية، وهذه مهمة رئيس الوزراء حيدر العبادي إن كان طامحاً بولاية ثانية في حكمه ويبدو إنه الأكثر الزعامات المؤهلة لذلك في الأيام المقبلة.