قصتي… من البطيخ إلى لندن

نهاد بدر

في احدى ليالي تركيا الصيفية، حيث كنت قد شارفت على التخرج من الجامعة تخصص تكنولوجيا المعلومات، وكعادة الطلبة ان نتجالس اخر النهار في احد البيوت للحديث والترفيه وخلال هذه الجلسة تم تقديم طبق كبير للجميع من البطيخ المقطع ووضع الشباب جرائد تركية اسفل هذا الطبق واثناء تناولى للبطيخ سقطت احدى بزور البطيخ على اعلان في الجريدة التركية مكتوب باللغة الانجليزية وهو ما لفت انتباهي، الاعلان كان عن وظيفة »صيانة حاسوب« شاغرة في احدى المدارس الخاصة وهي قريبة من المنطقة التي اسكنها.

قمت بنزع الاعلان وذهبت في اليوم التالي الي المدرسة وفي يدي السيرة الذاتية الخاصة بي وعندما قابلت موظفة الاستقبال وشرحت لها انني اريد التقدم للوظيفة المذكورة في الاعلان قالت لي انه وللاسف المطلوب موظفة حيث ان المدرسة خاصة بالبنات وقبل خروجي من مكتبها طلبت مني ان اترك السيرة الذاتية عندها للاحتفاظ بها في حال الحاجة.

بعد مرور ايام قليلة استقبلت مكالمة هاتفية من نفس موظفة الاستقبال في المدرسة تطلب مني المجئ لمقابلة المدير في اليوم التالي اعتقدت انهم لم يجدوا الشخص الصحيح المطلوب للوظيفة ولهذا قاموا باستدعائي. عندما قابلت مدير المدرسة في اليوم التالي وبعد الترحيب وبشكل مباشر عرض علي العمل في لندن حيث له احد الاقرباء يؤسس شركة ويحتاجون فيها إلى موظفين تتناسب مهاراتهم مع ما تم ذكره في سيرتي الذاتية بعد اطلاع المدير عليها.

لم يجد مدير المدرسة جوابا مني بالموافقة او الرفض حيث انتابتني الدهشة وارتسمت علامات الحيرة علي بما سمعته كما ولا اعلم ايضا جدية هذا العرض الا ان مدير المدرسة قام بالاتصال هاتفيا بمدير الشركة في لندن واعطاني الفرصة للحديث معه وقد عرض علي راتبا مغريا نسبيا بعد ان تاكد من مهاراتي في الحاسوب.

بعد الانتهاء من المكالمة، طُلب مني جواز السفر حتى يتسنى لهم تقديمه للحصول على فيزة عمل من السفارة البريطانية في تركيا. غادرت المدرسة وانا لا اعرف ماذا حصل فلم يخطر ببالي ابدا ان اذهب إلى بريطانيا للعمل وكنت انتظر فقط تخرجي من تركيا حتى ارجع الي بلدي.

في اليوم التالي قدمت جواز سفري إلى مدير المدرسة والذي قام بتجميع الاوراق المناسبة لتقديمها إلى السفارة لعمل الفيزا، وخلال اسبوعين كانت الفيزا ملصقة على الجواز.

باشرت باعلام اصدقائي الذين لم يبخلوا علي بالتشجيع للمضي قدما على اساس انها فرصة العمر التي يحلم بها كل طالب متخرج وكانوا يصفونني بـ »المحظوظ« لاني لم اسع إلى هذا كله. أمي كان لها رأى عاطفي حيث كانت تفضل ان استقر في البلد القريب من وطني.

انطلقت الطائرة نحو المجهول حيث انني لا اعلم شيئا عن بريطانيا سوى الملكة وساعة بيج بن ومستر بلير، وصلت الطائرة إلى لندن مساءً وكان مدير الشركة في استقبالي شخصيا حيث انه يسكن قريبا، وعندما أخذني من المطار سألني عن مكان توجهي وحين عرف انني لا اعلم شيئا عرض علي المكوث في بيته لليلة واحدة ومن ثم سيقوم بالبحث او ترتيب مكان لاقامتي. لاقيت ترحيبا من زوجته واولاده وبعد تناول العشاء في اول ليلة طلب مني ان العب معه »طاولة زهر«.

لم اعرف للنوم طعما في تلك اليلة وفي الصباح الباكر كان جميع افراد العائلة في انتظاري حول مائدة الافطار التي لم اتعرف على اي صنف منها، فالافطار المعتاد عند الغرب هو عبارة عن حبوب )cereal( ممزوجة مع حليب لم أتعود عليه من قبل، خطف نظري إلى حديقة البيت رؤية ثعلب ومن على الشجرة يرقض سنجاب اشياء كنت اراها فقط في برامج الرسوم المتحركة.

في اليوم الثاني لم يجد المدير فرصة لمساعدتي في ايجاد مكان للسكن وطلب منى ايضا المكوث في بيتهم ليوم اخر وفي المساء عاودنا اللعب بطاولة الزهر كما في اليوم الثالث، استمر الحال يوما بعد يوم إلى ان مكثت مع عائلته لسبع سنوات وقد اصبحت عائلته بمثابة اسرتي الثانية إلى ان تزوجت ومن ثم حصلت على الجنسية واستقر بي الحال في هذا البلد.

في ليلة وضحاها انتقل بنا الزمان والمكان من الشرق إلى الغرب الذي طالما حاولنا التعايش فيه الا ان قلوبنا ما تزال تشتاق وتستمع إلى نبض الحنين للوطن وكما اننا لم نتوقع قدومنا الي هذه البلاد فلا نعرف ايضا ماذا يخبئ لنا الغد.

كل منا له قصته الخاصة به، بعضها يكتب لها النجاح والبعض الآخر لم يحالفه النصيب او »الحظ« كما يناديه البعض.