الاجتياح التكنولوجي

جاد الحاج

في القراءة المعمقة للوضع الاقتصادي في العام الجديد يبدو اكيدا ان »الاجتياح التكنولوجي« هو القوة الاولى بلامنازع. عبر العالم الغني الصناعي وما بعد الصناعي، من المنتظرر أن يتصدى السياسيون لعمالقة التكنولوجيا العصرية ويصبوا جام غضبهم عليها ذ وتحديدا منظومة الفيسبوك وشركتي غوغل وأمازون ذ إذ من المنتظر تلقيها غرامات مالية وفرض قيود جديدة على نشاطها، ناهيك عن تأويل أشد صرامة لمضمون قوانين المنافسة والمزاحمة. لذا يتوقع كثر أن يشبه العام الجديد وربما ما يليه معادل القرن الحادي والعشرين لحقبة مناهضة التروستات والاحتكارات قبل ما يقرب من مئة عام من اليوم، الأمر الذي يدفع إلى التقليل من شأن عمالقة التكنولوجيا وإلباسها دور الأوغاد الذين يقومون بعمل أشباه المحتكرين الخبثاء، يعمل سلوكهم على إضعاف الديمقراطية وقمع المزاحمة والمنافسة والقضاء على الوظائف وفرص العمل. ولا يغيب عن البال احتمال تداول الحديث اليوم وغدا عن إمكان تفتيت الشركات العملاقة أو تقسيمها إلى وحدات منفصلة متخصصة.

سوف يعمد الاتحاد الأوروبي إلى تحديد الوتيرة والإيقاع في هذا المجال، وهو الذي كان في الأصل قد لاحق كلا من شركة أمازون ومنظومة فيسبوك بسبب تحاشيهما تسديد الضرائب المستحقة عليهما، ثم شركة غوغل بذريعة ممارستها الكبت غير النزيه وغير المنصف للمنافسة والمزاحمة. والمفترض بقانون الخصوصية الجديد الشامل والقانون الآخر المعروف بالنظام الأوروبي لحماية البيانات، أن يعملا على نقل السلطة بصورة حاسمة على البيانات الشخصية من شركات التكنولوجيا إلى الأفراد. كما ينتظر منهما أن يحدا مما يمكن لشركات التكنولوجيا العملاقة القيام به بخصوص البيانات، مع تحميلها عبء غرامات مالية ثقيلة نتيجة انتهاكها أحكام هذين القانونين. نتيجة لذلك من المتوقع أن يطرأ تغيير ملموس وواضح للغاية على ممارسات الشركات والأعمال والنماذج التي تقتدي بها تلك المؤسسات.

إلا أن الاجتياح التكنولوجي في الولايات المتحدة ينتظر أن يبدو الأشد إثارة، الأمر الذي قد يعني قلبا للرأي السائد على مدى سنوات طويلة اعتاد الناس خلالها على استعمال لفظة »وادي سيليكون« للحديث أو التعبير عن التألق العلمي والفكري والتقدم التقني والصناعي. من جهة أخرى، ينتظر من مجلس النواب الأميركي، الذي يشعر بالصدمة العميقة والشديدة من مدى التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية التي شهدتها الولايات المتحدة في العام 2016، أن يمعن التفكير في اشتراط قيام فيسبوك وغيرها من منظومات التواصل الاجتماعي بالكشف عن هوية من يعمدون إلى شراء الإعلانات السياسية. لكن ذلك لن يكون نهاية المطاف في هذا الخصوص. فليس مستبعدا أن تتم ممارسة ضغوط شديدة ومؤثرة من أجل اعتماد الشفافية بخصوص أصل المحتويات المنشورة فورا وبصورة مباشرة عبر الشبكة العنكبوتية ودقتها، علما أن هذا الترتيب يوجه ضربة مباشرة إلى صميم النموذج التجاري لهذه الشركات. والاجتياح التكنولوجي هذا يعني إخضاع عمليات شراء كامل أسهم هذه الشركات وأصولها للفحص الدقيق، وبخاصة مع زيادة السلطات المتخصصة بمكافحة الاحتكارات والتروستات تشددها إزاء المحاولات الرامية إلى القضاء على المنافسين المحتملين عن طريق شراء أسهمهم وأصولهم.