في الذكرى السابعة لثورة تونس

ليال من الصدامات وتوقيف المئات

انتشر الجيش التونسي في عدة مدن تونسية لحماية المقرات السيادية، في وقت شهدت فيه البلاد احتجاجات اجتماعية. وقال الناطق باسم وزارة الدفاع التونسية، بلحسن الوسلاتي، إنه ˜تم بالتنسيق مع السلطات المدنية )الولاة( نشر أكثر من ألفي جندي تونسي لحماية المقرات السيادية والمنشآت الحساسة والحيوية.

وقال الوسلاتي إنه ˜تم في مرحلة أولى ، نشر ألفي جندي في 123 نقطة مختلفة من البلاد. وتابع أن عدد الجنود ارتفع إلى أكثر من 2100 عسكري. وأوضح أن ˜الجنود يقومون بدوريات مشتركة مع وحدات الأمن وأخرى منفردة، كما أن ˜هناك تشكيلات عسكرية موجودة في الثكنات جاهزة للتدخل عند الحاجة.

من جهتها قالت وزارة الداخلية التونسية، إن الشرطة اعتقلت 330 محتجا متورطين في أعمال شغب وتخريب الليلة الماضية، مع تصاعد حدة الاحتجاجات العنيفة التي اجتاحت البلاد ضد إجراءات تقشف، بينما انتشر الجيش في عدة مدن تونسية.

التظاهرات عمت مدنا تونسية عدة
التظاهرات عمت مدنا تونسية عدة

وأوقف أكثر من 300 شخص في الساعات الـ24 الأخيرة في تونس حيث جرت صدامات بين متظاهرين والشرطة لليلة الثالثة على التوالي، كما أعلنت السلطات الخميس. وبذلك يرتفع عدد الموقوفين في هذه الحوادث إلى 500 شخص منذ اندلاع هذه الاضطرابات التي يغذيها استياء شعبي، الإثنين، مع اقتراب الذكرى السابعة للثورة التونسية التي طالبت بالعمل والكرامة، وأطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي في كانون الثاني/يناير 2011.

وأوقف 328 شخصا الأربعاء بتهم سرقة ونهب وإضرام حرائق وإغلاق طرق وقعت في الأيام الأخيرة، حسبما قال الناطق باسم وزارة الداخلية خليفة الشيباني، موضحا في الوقت نفسه أن ˜حدة العنف تراجعت عما كانت عليه في الأيام السابقة. وكان 237 شخصا أوقفوا الثلاثاء، حسب المصدر نفسه.

وحسب المتحدث، عمد محتجون إلى إحراق منطقة الأمن الوطني في مدينة تالة التابعة لولاية القصرين )وسط غرب تونس(. كما جرى تحطيم بعض المحال التجارية، وروى شهود أمس تعرضهم إلى عمليات سطو من قبل عدد من المخربين المدججين بالسيوف.

ووقعت صدامات جديدة ليل الأربعاء الخميس في مدن عدة بينها سليانة )شمال غرب( والقصرين )وسط( وطبربة التي تبعد ثلاثين كيلومترا غرب العاصمة التونسية. ففي سليانة رشق شبان قوات الأمن في الحجارة والزجاجات الحارقة وحاولوا اقتحام محكمة في وسط المدينة، في حين ردت عليهم الشرطة بقنابل الغاز المسيل للدموع. ووقعت مواجهات في بعض أحياء العاصمة أيضا.

وفي مدينة القصرين الواقعة في منطقة فقيرة تجددت الصدامات بين المتظاهرين وقوات الأمن، حيث حاول شبان تقل أعمارهم عن 20 عاما قطع الطرقات بالإطارات المشتعلة وعمدوا أيضا إلى رشق عناصر الأمن في الحجارة.

وفي طبربة نزل عشرات المتظاهرين إلى شوارع هذه المدينة التي شيعت رجلا توفي أثناء الصدامات. وردت الشرطة على المتظاهرين بكميات كبيرة من قنابل الغاز المسيل للدموع، بحسب ما أفاد أحد السكان. وقال الشيباني إن المركز الرئيسي لشرطة تالة )شمال( أحرق، مشيرا إلى أن 21 شرطيا جرحوا في جميع أنحاء البلاد. وقال شهود إن الجيش انتشر في مدينة تالة القريبة من الحدود الجزائرية بعد انسحاب كلي لقوات الأمن من المدينة عقب حرق المتظاهرين لمنطقة الأمن الوطني في المدينة.

وأطلقت قوات الأمن قنابل الغاز ولاحقت المحتجين. وانتشر الجيش في سوسة وقبلي أيضا سعيا لحماية المباني الحكومية التي أصبحت هدفا للمتظاهرين في عدة مدن. وقال خليفة الشيباني المتحدث باسم وزارة الداخلية إن القوات الأمنية اعتقلت حوالى 330 شخصا متورطين في أعمال تخريب وسلب، ليرتفع عدد المعتقلين إلى حوالى 778 شخصا.

وبدأت تظاهرات سلمية متقطعة في تونس احتجاجا على ارتفاع الأسعار وموازنة تقشف دخلت حيز التنفيذ في الأول من كانون الثاني/يناير 2018 ونصت على زيادة الضرائب.

حرب هاشتاغات بين الحكومة التونسية والمحتجين

 اللافت في الأزمة الأخيرة التي تعيشها تونس نتيجة الاحتجاجات  المتواصلة المطالبة بإسقاط قانون المالية وكبح الأسعار المرتفعة، هو دخول الحكومة على خط المواجهة ˜الافتراضيةŒ والتي بدأها انشطاء الشباب بحملات إلكترونية في إطار ˜فاش نستناو )ماذا ننتظر( وغيره.

وكان عدد من النشطاء أطلقوا مؤخرا حملة الكترونية واسعة بعنوان ˜فاش نستناوŒ وأنشأوا وسما )هاشتاغ( باسم الحملة تبناه عدد من السياسيين والنشطاء المعارضين لسياسة الحكومة والداعين أساسا لإسقاط قانون المالية وكبح الأسعار، كما تبنّى حراك ˜مانيش مسامح )لن

الجيش انتشر لحماية المنشآت الحيوية
الجيش انتشر لحماية المنشآت الحيوية

أسامح( المعارض لقانون المصالحة هذه الحملة، فيما أطلق سياسيون آخرون وسوما من قبيل ˜خيبة الدولة و˜سياسة التحيل وغيرها.

وردت الحكومة وأنصارها بعدة وسوم تدعو للتهدئة، حيث أطلقت وزارة الداخلية التونسية هاشتاغ على على موقع ˜فيسبوك بعنوان ˜ما تخربش بلادك تونس محتاجتلك )لا تخرّب بلدك. تونس تحتاجك( دعت من خلاله إلى التهدئة والاحتجاح السلمي في النهار والابتعاد عن عمليات النهب وتخريب المؤسسات الحكومية والخاصة.

كما أطلق نشطاء آخرون مؤيدون للحكومة رسوما من قبيل ˜احتج ولا تخرّب بلادك و˜الأسعار غالية لكن تونس أغلى، حيث كتب أحد النشطاء ˜الصبر على الجوع في وطني حتى يستقر، أهون من أن يسرقه الطامع مني،ويضيع في داخلي الأمل. احتج وارفع صوتك بالحق ولكن لا تهد ولا تخرب، فهذا مستقبل اطفالنا وملاذهم وأمانه، تونس جنة فأخرجوا منها الشياطين واتركوها سليمة، وأضاف آخر ˜إ و  ب ك و تسبب  أذ أ أي رة  الصور، ك  سّ ن أ ا و أ  ات ا و   اء. لا للتخريب. لا للفوضى . لا للعنف.

يذكر أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد اتهم ˜الجبهة الشعبية )أكبر تكتل معارض( وشبكات الفساد بالتحريض على الفوضى والعنف، هو ما دعا المعارضة إلى مطالبته بتقديم الدليل ومحاكمة الجبهة أو تقديم استقالتهŒ.

تونس: 778 شخصاً أوقفوا منذ بدء الإضطرابات

صرح الناطق باسم وزارة الداخلية التونسية خليفة الشيباني ان حوالي 780 شخصاً اوقفوا في تونس منذ بدء الاضطرابات الاجتماعية احتجاجاً على الاجراءات التقشفية الاثنين.

من جهتها، دعت حركة ˜فاش نستناو؟ )ماذا تنتظرون؟( التي بدأت في مطلع العام الحركة الاحتجاجية على غلاء الاسعار، الى تعبئة جديدة.

وقال الشيباني انه لم تسجل اعمال عنف او نهب في البلاد. واكد ان الصدامات بين الشبان ورجال الشرطة كانت ˜محدودة و˜غير خطيرة.

لكنه اضاف ان 151 شخصاً متورطين في اعمال عنف اوقفوا في البلاد، ما يرفع عدد المعتقلين الى 778 شخصاً منذ الاثنين.

وفي سليانة المدينة الواقعة في شمال غرب البلاد، رشق عشرات الشباب بالحجارة لثلاث ساعات ليلا عناصر قوات الامن الذين ردوا باستخدام الغاز المسيل للدموع.

في المقابل، بقي الوضع هادئاً في القصرين وتالة وسيدي بوزيد في وسط البلاد الفقير ووكذلك في طبربة المدينة التي تبعد حوالي ثلاثين كيلومتراً غرب العاصمة وشهدت تظاهرات وصدامات في الايام الماضية.

واندلعت الاضطرابات مع اقتراب الذكرى السابعة للثورة التي طالبت بالعمل والكرامة واطاحت الدكتاتور زين العابدين بن علي في 14 كانون الثاني/يناير 2011.

وشهر كانون الثاني/يناير معروف تقليدياً بأنه فترة تعبئة اجتماعية في تونس، لكنه يتزامن هذا العام مع توتر استثنائي بسبب ارتفاع الاسعار وانتخابات بلدية هي الاولى بعد الثورة مقررة في ايار/مايو 2018.

احتجاجات تونس.. بين المسؤولية الاجتماعية والحسابات السياسية

احتجاجات منددة بالغلاء في تونس تفتح إحداثيات المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي المتأزم بالبلاد على أكثر من سيناريو.

تظاهرات غاضبة سرت عدواها إلى أكثر من 15 مدينة، وجعلت المواقف السياسية تتقاطع عند الخط الرفيع الفاصل بين المسؤولية الاجتماعية والحسابات الحزبية والسياسية.

اعتبر المتحدث باسم حركة ˜النهضة التونسية، عماد الخميري، أنّ ˜من واجب الحكومة اليوم أن تنصت وتخاطب وتفسر للناس كل ما يتعلق بقانون المالية، لأن هناك عدم وضوح بالنسبة لهم.

مسؤولية اجتماعية رأى الخميري، أنه ينبغي على الحكومة تحمّلها تجاه الطبقات الضعيفة، وذلك عبر إقرار حوار من شأنه أن يحافظ على الاستقرار السياسي.

مسؤولية سيكفل تحمّلها عدم توظيف الاحتجاجات سياسيا، مثل ˜المطالبة بإسقاط الحكومة أو استغلال المظاهرات لغايات انتخابية مبكرة، وفق تعبيره.

وتوقع صلاح البرقاوي، النائب عن حركة ˜مشروع تونس )21 نائبا( أن ˜هذه الأحداث ستتوقف، نظرا لطبيعتها الإجرامية من ناحية، ولأن من يخرج للنهب والسرقة لا يملك قضية يدافع عنهاŒ، في إشارة للأعمال التخريبية التي شابت الاحتجاجات.

وفي ما يتعلق بموقف حزبه، تابع: ˜أطلقنا دعوة لمواطنينا ليقفوا سدا منيعا لمساعدة قواتنا الأمنية للتصدي للنهب والحرق.

وفي إشارة ضمنية لضرورة تحمل الحكومة لمسؤوليتها الاجتماعية، قال البرقاوي، إنه ˜على من يريد أن يحارب النهب والسلب أن لا يفرق بين الليل والنّهار، وبين النّهب بالقانون والنهب بالفوضى، لأن كليهما سيان، وعليه أن يبحث في الأسباب العميقة للاحتجاجات المبررة، ويجد لها الحلولŒ.

كما اعتبر أنّ ˜السياسي هو المسؤول عن إعطاء الإيعاز والأوامر الواضحة للأمن حتى يتدّخل، ونطلب من الأمن أن يتّبع سياسة ضبط النّفس.

وبخصوص الردّ الحكومي على الاحتجاجات، رأى السياسي أن ˜هناك نقصا في الجهد السياسي المبذول بهذا الشأن، معتبرا أن الإشكال السياسي يكمن اليوم في ˜تخلّيها عن دورها لفائدة الأمن، وهذا أمر خاطئ، لأن الأمن لا يمكنه أن ينوب عن الحكومة في تنفيذ سياسة الدّولة.

 احتجاجات مشروعة يعكّرها ˜أعداء الثورة

أما غازي الشواشي، النائب عن الكتلة الديمقراطية، والأمين العام لحزب ˜التيار الديمقراطي )3 نواب(، فقال إن ˜الجميع يقر بمشروعية الاحتجاجات التي تعبر عن غضب المواطن التونسي، جراء تفاقم الاقتصاد، وانسداد الأفق، وحالة الإحباط وتهميش المناطق الداخلية.

وبحسب الشواشي، فإن ˜هذه التحركات لا تعتبر نتاجا لإجراءات قانون المالية، وإنما القانون شكّل القطرة التي أفاضت الكأس، بمعنى أن الاحتجاجات هي في الواقع، ˜نتيجة لسياسات فاشلة وخاطئة انتهجتها الحكومات المتعاقبة.

و˜بما أن الاحتجاجات كانت غير مؤطرةŒ، يتابع: فقد كان من البديهي أن تقع ˜عمليات تخريب ونهب، تقف وراءها عصابات ومهربون، ومنظومة قديمة رافضة لنجاح التجربة التونسية.

وبخصوص الانتشار العسكري لتأمين عدد من مقرات السيادة والمواقع الإستراتيجية، قال الشواشي: ˜نحن اليوم في تونس لا نزال نعيش حالة طوارئ تقتضي بدورها أن تكون المؤسسة العسكرية موجودة لحماية منشآت.

 حسابات سياسية

الشواشي أعرب عن رفضه لاتهام المعارضة بالوقوف وراء أعمال التخريب التي تخللت المظاهرات، معتبرا أن مثل هذه الاتهامات ˜لا تخدم المشهد السياسي، بل تخلق فقدان ثقة في الطبقة السياسية.

واعتبر أنه من غير الممكن أن تصدر مثل هذه الاتهامات عن مَسؤول أول في الدولة في إشارة إلى اتهام الشاهد لـ ˜الجبهة الشعبية )إئتلاف سياسي معارض/ 15 نائبا(، بوقوفها وراء عمليات التخريب بالبلاد.

اتهم الشاهد ما وصفها بـ˜شبكات الفساد، و˜الجبهة الشعبية، بالتحريض على أعمال العنف والتخريب التي تشهدها البِلاد عبر تجنيد عدد من الشباب.

وفي ردّها طالبت الجبهة، بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة في أحداث العنف التي تشهدها البلاد منذ أيام.

كما دعت رئيس الحكومة يوسف الشاهد، إلى إيجاد حلول للشّباب، الذّي يعاني البطالة والبؤس والفقر وتستهويه المخدرات والإرهاب، ˜عوض اتهام الجبهة بالوقوف وراء أحداث التّخريب.

واستدرك الشواشي، في تعقيبه على الاتهامات الموجهة للجبهة، بالقول: ˜لكن يحق له الاتهام عندما تكون بين يديه أدلة وملفات يقوم بإحالتها للقضاء.

السياسي حذّر أيضا من ˜استغلال الاحتقان السياسي لتصفية الحسابات بطريقة غير مسؤولة، فعدم الاستقرار السياسي سينجر عنه تعميق الأزمة الاقتصادية، وارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي، وهذا ليس من مصلحة تونس.

الخميري، من جهته، اتهم ˜أصواتا يسارية بالتحريض والوقوف وراء الاحتجاجات في طبرية )مدينة على بعد 40 كم غرب العاصمة(، وهي عناصر مقرّبة من الجبهة )الشعبية( لم تقم الأخيرة بتأطيرهم.

وتابع: ˜نحمّل المسؤولية لكل طرف سياسي يدعو للاحتجاج دون تأطير، وحرض عليها دون المحافظة على سلميتها، لافتا أن ˜التظاهر يجب أن يكون في وضح النهار، ولكنه في الليل يدخل في خانة الاجرام.

وعن توجيه الاتهام للجبهة، أكد الخميري أن ˜للحكومة من الإمكانيات والأجهزة الأمنية على الأرض تجعلها تتهم الجبهة الشعبية بالوقوف وراء هذه الارتباكات التي تحدث ليليا.

اتهامات نفاها البرقاوي، من جانبه، بالقول: ˜نحن لا نشاطر الشاهد الرأي عندما اتهم الجبهة الشعبية بالوقوف وراء أحداث الشغب الأخيرة.

واعتبرأن ˜نسب الانفلات الأخير للجبهة الشعبية فيه شيء من التجنّي، لأنه في ظل غياب إثباتات كافية، لا يمكن اتّهام جهة معينة بالوقوف بصورة مباشرة وراء أحداث العنف، ومساندة الجبهة للاحتجاجات لا تعني أن يكون لهم يد في التخريب.

البرقاوي شدد على أن ˜مواقف الجبهة كانت واضحة، وهي ضد عملية التخريب، غير أن الاحتجاج يظل من حقها، شأنها في ذلك شأن جميع أي تونسي وفق ما يضمنه الدّستور.