بصمة عصام العبد الله

أم حازم، لا تشهقي، أتعبنا الجري خلف الموت..لقد رَكَن عصام ظلّه ومضى، بضحكةٍ أخيرة، وشهقةٍ صادمة…مُعلناً »خلص الحكي« وبدأ الكلام…

كانت خيارات عصام العبد الله محدودة، بين أن يوسّع ضحكته، أو يخفي صوته قسراً..فاختار أن يكون الحارس الأمين لفضاء المقهى..وضحكة الأبد…

ماذا سأفعل يا نعيم إذا وقعت الحرب…ستنزع منّي أعزّ ما أملك، ارتياد المقهى…الرغبة، الشهوة، العشق…دون أن أدوس على قلوب الآخرين…فَعَشِقَهُ الموت وأرداه وهو ينفث سيجارة المُتعة الأخيرة…

السؤال المركزي الذي يُطرح: هل مارسَ عصام العبد الله نصّه أم حنث به….

إبن بلدة الخيام الجنوبية، اختار أن يكون ابن المدينة التي وصفها بـ »عنقود الضيع« فآثرها، وعجنها، خاف منها وعليها، وصار لصيقاً بالمدينة فحجز مقعداً في مقاهيها، وأصرَّ على أن يكون مدنياً بامتياز…

هل كل الذين يرتادون المقاهي هم مدنيّون بامتياز؟

بالطبع لا..هل الذي يتكلمون بالعلمانية هم علمانيون، وهل الذي يحلفون بالديمقراطية هم ديمقراطيون؟ وهل الذين يتولّون المرأة وحقوقها ويتزيّنون بالمرأة جَنْبَهم على طريق الواجب هم كذلك في منازلهم وتصرفاتهم وأعمالهم.؟؟؟ بالتأكيد لا !!!

عصام العبد الله ترَكَ بصمة واحدة، أنه ألغى طائفيته ومناطقيته ومذاهبه وحرص أن يموت كما يشتهي، فربّى عائلة مدنية أطاعت أفكاره التي يحمل، فقرّر أن يُدفَن في بيروت المدينة التي مارسها وعشقها، لا في قريته الخيام…

المقدرة هي في تنفيذ الوصية لا في الموصي فحسب…

وأوصى كذلك أن يكون عَزاؤه فرَحاً، بوسّع ضحكته، فأصرّت مدينته مع أصدقائه الذين أحبّوه أن يبادلوه التحية، فجعلوا من مكان التعزية فرَحاً وأمسيةً شعرية له مع موسيقى رتّبها من كتابه »مقام الصوت« »وسطر النمل«، على إيقاع زياد الرحباني…

قلت مرّة لعصام العبد الله، قليلون الذين يحظون بشرف الموت من أجل عقيدة، وعقيدتك كانت الحب والعشق والبسمة…أنت الذي كنت تقول أن الفصحى هي لغة بنت الملك، أما المحكية هي لغة بنت البواب فيا إبن الملك، الذي أقفل قصره، وقرّر أن يكون ابن البواب، فسرق مفتاح الملك وقرر أن يفتح المدينة…

وصيتك هي البصمة الأشهى، ومنفّذو الوصية من أهلك هم باب المدينة التي اخترت أن تكون والياً عليها…