جدّتي… في طريقها إلى الإنقراض!

ريما كركي

لا أعرف ما إذا كنا سنشهد عما قريب ولادة منظمة إجتماعية لحماية الجدّات من »الإنقراض«، فالطريقة التي تغزو فيها عمليات التجميل الناس ومن كل الأعمار، قد تكون في بعض الأحيان مخيفة وتدفع إلى تساؤلات كثيرة!

المشكلة أنه يفوتنا أحياناً، أن الشكل مرتبط، شئنا أم أبينا، بنموّنا وتغيّر أدوارنا: ففي المراهقة نحب لفت أنظار الجنس الآخر، وفي الشباب يبدأ جمالنا بالظهور، وفي سن الارتباط والزواج تكتمل الصورة وتتّضح، وتبدأ بعدها بالتحوّل.

لن أتكلم عن المبالغة في عمليات التجميل، أو عن »العيب« الذي يكون ميزة جمالية أحياناً، ونذهب لـ »شطبه« في غرفة العمليات، أو عن الجمال الـ standard بحيث بات الكل متشابها وغابت الخصوصية وضاع التنوّع: فالشعر منسدل ومخلوط بـ »شعورٍ« أخرى حسب الـ extension، والأنف كحبة الفستق تكاد تبحث عنه لتطمئن إلى أنه لا يزال هناك سبيل للتنفس، والعيون »دبّاحة« والفم »خلقة بيضل مفتوح«، والصدر »مدلوق« والبطن مكشوف والأرداف »منحوتة«. طبعاً أنا لا أقصد السخرية، فقد ألجأ يوماً إلى إحدى عمليات التحسين هذه.

ولكن السؤال: هل كل عمليات التجميل تجمّلنا فعلاً؟ هل نبحث عما يليق بنا؟ بشكلنا »الخاص«؟ بسنّنا؟ أم أننا نريد أن نتخلّص من »شخصنا« ونتحوّل إلى نسخة من فلانة وعلانة؟

ما يقلقني عن الجدّات، هذا الدور التاريخي الذي ارتبطت فيه تجاعيد »الخبرة والحكمة«، بالطيبة والزهد والإلتفات إلى من هُم »أعز من الولد«، والتحوّل إلى دور عاطفي بامتياز. لا أعرف إذا كان هذا الدور يرتبط فيه الشكل بالمضمون، أو يؤثّر الإثنان على بعضهما ؟ فكيف يمكن لجدّتي عندما تصبح نتيجة »التحسين« أجمل مني، أن ترضى بدور واحد؟ أن لا تخرج ليرى الجميع جمالها؟ أن لا »تحرقص« صديقتها التي »صارت مبيّنة أكبر منها«؟ أن لا تسعى لعمل في »جمعيات« وأن لا تظهر في المجلات؟ وأن لا تذهب إلى نوادٍ وأن لا »تصاحب« إذا كانت ملفتة للأنظار وإذا كان جدّي قد رحل »من زمان« وهي »لا تزال لحد هلق قمر يا حرام«؟ وقد تعترض على مناداتها بـ »أم فلان« وتفضل أن تُنادى باسمها مباشرة أو حتى باسم الدلع.

ماذا سيكون الدور الجديد لهذه المرأة التي كانت مصدر الحنان والحكمة وملجأ الأبناء ودفء العائلة؟ لا شك بأن العاطفة لا تتغيّر وقد تكون أكثر حناناً »إذا كانت مرتاحة مع حالها«، ولكنها على الأقل »مش رح تكون فاضية« لتأمين أو لتغطية هذا الدور بالتفرّغ المعهود، كما  قد يصبح   بالنسبة إليها دوراً démodé   !!لا أعرف إذا كنّا نشهد تحوّلات سيصبح لها مبرر منطقي في ما بعد، وقد يصبح ما أنا قلقة منه »تخلّفاً«! لكني لا أعتقد لغاية الآن أنه من الجميل أن نرى الجدّة والأم والحفيدة في الملابس نفسها، وأن نحتار »مين أُم مين؟« قد يكون الشكل مسألة سطحية ولكن اختلاط الأدوار وضياع هوّيتها قد يكون لهما تأثيرات أخرى، وقد يكون للتجميل »في غير وقته ومحله وميزانه المعقول«، عوارض جانبية كثيرة!

لا نزال في عصرنا هذا، محظوظين بكثير من الجدّات ذوات الصورة »المألوفة«، ولا ضرر في أن تكون ممزوجة ببعض التحسّن من حيث الأناقة والعصرية والطاقة والطموح المستمر، ولكن مع »الهجوم العشوائي للتطوّرات البلاستيكية« وغير المدروسة، قد تحتاج الأجيال القادمة إما إلى جمعيات تكافح »انقراض الجدّات« أو إلى جمعيات تُؤمِّن »أدواراً بديلة«!!