ترامب يثير نقمة شركاء واشنطن برسومه على واردات المعادن

شبح الحرب التجارية يلقي بظلالها على أفضل نمو عالمي متوقع في 7 سنوات

لندن ـ جمال الجزائري:

هل يتجه العالم نحو حرب تجارية ستلقي بظلالها على توقعات بتسجيل أفضل نمو اقتصادي عالمي في سبع سنوات؟ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تعتقد ذلك، وتؤكد في آخر تقرير لها أن التوترات التجارية تهدد أفضل توقعات للنمو العالمي في سبع سنوات مضيفة أن من المرجح أن تشهد الولايات المتحدة رفع أسعار الفائدة أربع مرات هذا العام حيث ستنشط التخفيضات الضريبية أكبر اقتصاد في العالم بينما سيضغط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على اقتصاد البلاد.

وفي حين تبدو المنظمة أكثر تفاؤلا عنها قبل أشهر قليلة، فإنها حذرت من حرب تجارية قد تهدد الأفق، وتوقعت أن يتخلف النمو في بريطانيا عن جميع الدول الأعضاء في مجموعة العشرين نظرا للضبابية التي تكتنف الانفصال المقرر عن الاتحاد الأوروبي.

وفي تحديث لتوقعاتها لمجموعة العشرين، رفعت منظمة التعاون الاقتصادي، التي تضم 34 دولة من الاقتصادات المتقدمة، توقعاتها للنمو العالمي في 2018 و2019 إلى 3.9 بالمئة، وهو أعلى مستوى منذ 2011، وذلك من تقديرات سابقة عند 3.6 بالمئة لكل من العامين.

وعزت المنظمة رفع التوقعات إلى أسباب منها التقديرات بأن التخفيضات الضريبية في الولايات المتحدة ستدعم النمو الاقتصادي هناك.

وقال ألفارو بيريرا كبير الاقتصاديين بالإنابة لدى المنظمة »نعتقد أن تحسن الاقتصاد سيستمر في العامين القادمين. عدنا لأوضاع أكثر طبيعية عما كنا عليه في العشر سنوات الأخيرة«.

وتتوقع المنظمة أن يبقي انتعاش الاستثمارات العالمية نمو التجارة الدولية عند نحو خمسة بالمئة هذا العام.

تريزا ماي... طالما لا تقدم حلا من الصعب جدا احراز تقدم جوهري في مفاوضات بريكست
تريزا ماي… طالما لا تقدم حلا من الصعب جدا احراز تقدم جوهري في مفاوضات بريكست

ورغم ذلك، قالت المنظمة إن الاقتصاد العالمي عرضة لاندلاع توترات تجارية بعدما فرضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوما على واردات الصلب والألومنيوم، في خطوة يتوقع أن تحفز تحركا مضادا من أوروبا وآخرين.

وقال بيريرا »من الواضح أن ذلك قد يهدد التعافي. نعتقد بلا ريب أنها مخاطر كبيرة، لذا نأمل ألا تتحقق نظرا لما ستلحقه من أضرار.«

مدير منظمة التجارة يحذر من تصعيد الرد على الرسوم الأمريكية على المعادن

وقد حذر المدير العام لمنظمة التجارة العالمية روبرتو أزيفيدو من العاصمة البرازيلية من مخاطر حصول تصعيد في »تدابير الرد« على قرار الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألمنيوم.

وقال أزيفيدو إنه في حال تصاعد »تدابير الرد المتبادلة« على الصعيد التجاري، فسيكون »من الصعب التراجع« في هذا الموضوع.

وقال للصحافيين بعد لقاء مع الرئيس البرازيلي ميشال تامر »نعرف متى وكيف يبدأ ذلك، لكن لا يمكن أن نعرف كيف ومتى ينتهي«.

وأضاف أزيفيدو البرازيلي أن »البرازيل على تواصل مع بلدان أخرى قد تطالها هذه الإجراءات، لدرس حلول مناسبة أكثر«.

من جهة أخرى، شدد على أنه لا يتوقع »في الوقت الحاضر« أن يتوجه البرازيل إلى منظمة التجارة العالمية للاحتجاج على القرار الأميركي، وأن المنظمة لم تتلق أي شكوى من أي دولة أخرى حتى الآن.

ودعا إلى اعتماد الحوار، معتبرا أن »مبدأ الفعل ورد الفعل يقود أحيانا إلى حروب تجارية لا مصلحة لأي كان فيها، ولا يخرج منها أي منتصر، بل مجرد خاسرين«.

وفرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 8 مارس/ آذار الماضي رسوما جمركية تصل إلى 25 على واردات الصلب و10 على واردات الحديد. وستدخل هذه الرسوم حيز التنفيذ خلال 15 يوما من تاريخ صدور المرسوم.

وقد تجاهل ترامب التحذيرات المتكررة من عدد من حلفائه في طليعتهم الاتحاد الأوروبي، وأثار نقمة الشركاء التجاريين للولايات المتحدة وفي مقدمهم الصين واليابان. وتهدد خطوته بإشعال حرب تجارية لا يمكن التكهن بعواقبها.

والولايات المتحدة هي المستورد الأول للصلب في العالم ومزودها الرئيسي هو كندا )15 6 من الواردات(، ثم البرازيل )9 1( وكوريا الجنوبية )8 3( والمكسيك، بحسب أرقام وزارة التجارة الأميركية.

كما أن الولايات المتحدة هي من المستوردين الرئيسيين للصلب البرازيلي بحسب وزارة الصناعة والتجارة الخارجية.

والاجراء الاميركي لا يشمل كندا اول شريك تجاري واول مصدر للفولاذ والالمنيوم الى الولايات المتحدة معفي »في الوقت الراهن« من الرسوم، ومثلها المكسيك.

ومصير هذين البلدين المجاورين للولايات المتحدة في الامد المتوسط، مرتبط خصوصا بنتيجة المفاوضات الجارية حول اتفاقية التبادل الحر لأمريكا الشمالية )نافتا(.

وكان ترامب قال »اذا توصلنا الى اتفاق، فلن تفرض رسوم على كندا والمكسيك«، مؤكدا قناعته بان المفاوضات الشاقة الجارية يمكن ان تفضي الى نتيجة.

وقد أعلنت اوتاوا وواشنطن ان رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب تباحثا من خلال مكالمة هاتفية في مسألة الرسوم التي فرضها الاخير على واردات الولايات المتحدة من الالمنيوم والصلب وأعفى منها موقتا تلك المستوردة من كندا والمكسيك.

وقالت رئاسة الوزراء الكندية في بيان انه بعد اسبوع من اول مكالمة هاتفية جرت بينهما حول هذه المسألة تباحث ترودو وترامب في »مجموعة متنوعة من التحديات التي تواجه كندا والويات المتحدة، بما في ذلك صناعات الصلب والألمنيوم التكاملية في أميركا الشمالية«.

ونقل البيان عن ترودو تشديده على مسامع ترامب على »اهمية الحفاظ على سلاسل التزويد المتبادلة المنفعة الموجودة لدينا اذا ما اردنا حماية الوظائف والأعمال التجارية على جانبي الحدود«.

من جهته شدد ترامب، بحسب ما نقل عنه بيان اصدره البيت الابيض، على »اهمية الانتهاء سريعا من المفاوضات الجارية حول نافتا )معاهدة التبادل التجاري الحر في اميركا الشمالية( لضمان حيوية الصناعات التحويلية في الولايات المتحدة واميركا الشمالية ولحماية الامن القومي والاقتصادي للولايات المتحدة«.

وسارعت كندا على لسان وزيرة خارجيتها كريستيا فريلاند الى رفض تقديم اي تنازل في المفاوضات حول نافتا، مؤكدة ان اوتاوا تعتبر المسألتين »قضيتين منفصلتين«.

وقالت ان استثناء كندا والمكسيك من هذه الرسوم هو »مجرد خطوة الى الامام« ونتيجة »العمل النشط« لكل المسؤولين الكنديين لدى نظرائهم الاميركيين، مؤكدة ان »هذا العمل مستمر وسيتواصل حتى ازالة احتمال فرضها بالكامل وبشكل دائم«.

وفي العام 2017، بلغ إجمالي واردات الولايات المتحدة من الصلب 33 46 مليار دولار مقابل 24 28 مليار دولار عام 2016، بزيادة نسبتها 37 8. اما وارداتها من الالومنيوم فبلغت 17 31 مليار دولار مقابل 13 14 مليار بزيادة حجمها 31 7 ..

توقعات برفع الفائدة

وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن ينمو الاقتصاد الأمريكي 2.9 بالمئة وهذا العام و2.8 بالمئة في 2019 حيث ستضيف التخفيضات الضريبية ما بين 0.5 و0.75 نقطة مئوية إلى التوقعات لكل من العامين.

لذا قد يتعين على مجلس الاحتياطي الاتحادي )البنك المركزي الأمريكي( رفع أسعار الفائدة أربع مرات هذا العام مع ارتفاع التضخم، حسبما قاله بيريرا. وتوقعت المنظمة في وقت سابق رفع الفائدة ثلاث مرات هذا العام.

وفي ظل الدعم الذي ستقدمه التخفيضات الضريبية للاقتصاد الأمريكي هذا العام والعام القادم، تتوقع المنظمة أن يصل الحد الأعلى لفائدة الأموال الاتحادية الذي يستهدفه البنك المركزي إلى 3.25 بالمئة بنهاية 2019 من 1.5 بالمئة حاليا.

ومن المتوقع أن تتخلف بريطانيا عن موجة الصعود العالمي، لتحتل المركز الأخير بين مجموعة الدول العشرين بنمو متوقع قدره 1.3 بالمئة فقط. وهذا أعلى من توقعات نوفمبر تشرين الثاني التي كانت لنمو قدره 1.2 بالمئة نظرا لتحسن عالمي أوسع نطاقا.

ومع انفصال بريطانيا المرتقب عن الاتحاد الأوروبي العام القادم، من المتوقع أن يتراجع نموها الاقتصادي إلى 1.1 بالمئة في 2019، وذلك دون تغيير عن توقعات المنظمة في نوفمبر تشرين الثاني.

وقالت المنظمة إن ارتفاع التضخم سيؤثر على مستويات الدخل، بينما ستتباطأ استثمارات الشركات في مواجهة حالة الضبابية بخصوص علاقات بريطانيا بالاتحاد الأوروبي في المستقبل.

في المقابل فإن النمو القوي في فرنسا وألمانيا يدعم توقعات نمو منطقة اليورو عموما 2.3 بالمئة هذا العام و2.1 بالمئة في 2019. وكانت المنظمة تتوقع من قبل 2.1 و1.9 بالمئة على الترتيب.

ومن المنتظر أن يعزز التيسير المالي في ألمانيا النمو في أكبر اقتصاد بمنطقة اليورو ليصل إلى 2.4 بالمئة هذا العام وإلى 2.2 بالمئة في 2019.

وبحسب المنظمة ستساعد إصلاحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على صعيد الرفاه الاجتماعي والضرائب وسوق العمل بلاده في تضييق الفجوة مع ألمانيا في ظل نمو متوقع قدره 2.2 بالمئة، وهو الأعلى في 11 عاما، ليتراجع إلى 1.9 بالمئة في 2019.

وقالت المنظمة إنه في ظل متانة اقتصاد منطقة اليورو، فإن ارتفاع التضخم سيتيح للبنك المركزي الأوروبي خفض مشترياته من السندات تدريجيا هذا العام ثم الخروج بعد ذلك من سياسة أسعار الفائدة السلبية.

اتحاد الصناعات الألمانية يدعو للاستعداد للأسوأ إزاء »بريكست«

وقد حض اتحاد الصناعات الألمانية شركات الأعمال على ضرورة الاستعداد لمواجهة الأسوأ في إطار سيناريو »بريكست قاس« من شأنه أن يؤدي إلى خفض حجم التجارة بين بريطانيا والاتحاد الاوروبي إذا لم يتم التوصل لاتفاق في قمة للتكتل الاوروبي الاسبوع المقبل.

وحث الاتحاد واسع النفوذ رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي والدول الـ27 الباقية في التكتل الاوروبي على الموافقة على مرحلة انتقالية »يبقى فيها الوضع على ما هو عليه« ويستمر العمل بالترتيبات التجارية الحالية لفترة ما بعد انفصال بريطانيا عن الاتحاد في 29 آذار/مارس 2019.

وقال المدير التنفيذي للاتحاد يواخيم لانغ »خلاف ذلك، بعض الشركات ستجبر على تفعيل خطط الطوارئ للتعاطي مع السيناريو الأسوأ وهذا لا يريده أحد وسيكون وبالا على الجميع«.

وأشار الاتحاد إلى أن الآثار السلبية أصبحت جلية مع اقتراب موعد تطبيق بريكست مع تراجع بريطانيا من ثاني لخامس أهم شريك تجاري لألمانيا العام الفائت.

ويبدو من الصعب الاتفاق على المرحلة الانتقالية بعد مغادرة بريطانيا الرسمية من الاتحاد الاوروبي، إذ أن لندن وبروكسل في خلاف حول كيفية ضبط الحدود بين جمهورية ايرلندا وايرلندا الشمالية التابعة لبريطانيا.

وتعتزم لندن مغادرة السوق الموحدة والاتحاد الجمركي للاتحاد الاوروبي، ما يتطلب الحاجة لضبط الحدود في مكان ما.

وتنص وثائق الاتحاد الاوروبي ان ايرلندا الشمالية يجب ان تبقى في الاتحاد الجمركي مع بقية الاتحاد إذا لم يتم التوصل لاتفاق افضل وذلك لتجنب فرض حدود فعلية، الامر الذي ترفضه بريطانيا.

وقال رئيس مجلس اوروبا دونالد توسك »طالما لا تقدم بريطانيا حلا، من الصعب جدا تصور تقدم جوهري في مفاوضات بريكست«.

وإذا ما تم التوصل لاتفاق، سيمكن لبريطانيا ان تمضي قدما من التفاوض على شروط الخروج، التي تتضمن الالتزامات المالية، وحقوق المواطنين الاوروبيين في بريطانيا والبريطانيين في الاتحاد الاوروبي، والحدود الايرلندية، إلى العلاقات بعد بريكست التي تتضمن المرحلة الانتقالية.

ويؤيد اتحاد الصناعات البريطاني إقامة اتحاد جمركي مع الاتحاد الاوروبي بعد بريكست.

كما يؤيد حزب العمال البريطاني المعارض إقامة اتحاد جمركي مع الاتحاد الاوروبي بعد بريكست يكون موازيا للنظام الجمركي الحالي، ما يسمح بتبادل حر للسلع والأشخاص ورؤوس الأموال والخدمات.