البحث عن الحقيقة

نعيم تلحوق

سبعون عاماً مضَت ونحن نبحث عن الحقيقة..

سبعون عاماً ونحن في محاولةٍ دائمة لتوليف القضايا، وتصنيف الأفكار،

سبعون عاماً، والإعدام مستمر منذ فجر الثامن من تموز وإعلان دولة الكيان الصهيوني، ومسلسل التمزّق والتباغض والتفرقة والأنانية والانتهازية والكيانية الضيّقة، مستمرة…

لم يزل مسلسل الإعدام والإغتيال مستمراً منذ أكثر من ستين عاما، حتى بات العقل مرسحاً لحمأة الجنون الذي تعيشه الأمّة والبلاد، وكأننا ندفع فدية ثمن أخطائنا التي ارتكبها الجنون المؤسس لذهنية الفوضى والجَهل والتخلّف…

لقد جاء فكر أنطون سعادة ليضيء القلوب ويُشعل حرارةَ الإيمان في النفوس، علَّ يقظةً تولَدُ من رحَمِ أمّةٍ يتآكلها العفَن الطائفي السرطاني المخيف، وليَنزع من داخلنا الأنا المهدِّدة لوحدة الجماعة، فانتصر بعقيدته وفكرِه ومناقِبَ روحِه على الجلآد والمستعمرين، ليحفظَ بدَمِه، حقّ أجيالٍ تولد من رحم الإنسان الجديد والحياة الجديدة…

في الذكرى السبعين لاغتيال سعادة، المفكّر، المصلح الاجتماعي، النهضَوي الذي أكّد على أن الحريّة صراع، وأكّد بفكرِه على حقّ التقدّم، هو مادةَ بحثٍ علميّ لدارسي الفكر الإنساني، ولا يمكن أن نُقْصِرَهُ على أبناء عقيدته دون سواهم، فحين درَس ودرَّس في الكليّة السورية الإنجيلية في بيروت )الجامعة الأميركية اليوم( اللغات التي كان يُتقنها وهي، الألمانية والسبانيولية )اللاتينية( الى جانب الانكليزية والعربية، فهو كان يتدارس فكرة التلاقح اللغوي لنهضة أمّةٍ ترقى بين الأمم الحيّة، ليعمل على وضع صياغة جديدة لأمّةٍ ترفض القبر لها مكاناً تحت الشمس، فأثمَرت تجربته غنىً لفرادة الحياة ووحدة المجتمع…

ومن أهمّ ما يمكن أن نشير إليه في هذا الرجل الذي لخَّصَ الحياة كلها بوقفة عزّ، أنه افتدى نفسَه في سبيل فكرِه وعقيدتِه، ورفَضَ أن يتنازل قيدَ أُنْملة عن حقيقة ما اعتقد. وكان من الضروري أن تقوم »جمعية لبنان الموحّد« منذ عشر سنوات وبالتعاون مع الجامعة الأميركية الى إطلاق »برنامج أنطون سعادة للدكتوراه« في بيروت، مع منحة دراسية دائمة بإسمه، وهو المفكِّر النهضوي، والمصلح الاجتماعي، والأديب الذي فوجِئْتُ برائعاتِ أدَبِهِ وتصاويرِه من خلال قصتّي »فاجعة حبّ« و»عيد سيدة صيدنايا«…

ليس أنطون سعادة ملكاً للسوريين القوميين الاجتماعيين وحدَهم، فهو كتاب، عقل، ومساحة للآخرين أن يكونوا داخل عقله، لذا، يحتمل الرجل أن تُطلق مبادرات علمية ونقدية عديدة لفهمه كي تكون الرافعة لجعل من لا يعرف أنطون سعادة أن يعرفه، أكاديمياً، ومفكّراً، وفيلسوفاً، بعيداً عن التنظيم، وهذا أكبر إنجاز يقوم به عاقل اليوم لتحقيق هذا الهدف…