الانتخابات اللبنانية والقانون النسبي – تغيير في الوجوه لا يمس المعادلات القائمة

غسان الحبال

»إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم« )الرعد:11(

لشد ما ينطبق ما جاء في السورة الكريمة، على واقع الانتخابات البرلمانية اللبنانية الموعودة في لبنان والمرتقبة في السادس من شهر أيار/مايو 2018 المقبل، بقدر ما ينطبق أيضا على أهل الحكم والناخبين جميعا، حيث يجمع المراقبون والمحللون أن شيئا لن يتغير في لبنان وفي معاناة اللبنانيين، سوى بعض الوجوه، نتيجة الانتخابات التي ستجري وفق القانون النسبي الذي وضعه المرشحون للتجديد لأنفسهم أو لتوريث أبنائهم مقاعدهم النيابية الحالية، مستندين في ما أقروه الى قواعد وبنود من شأنها ان تبقي الناخب أسير الفرز الطائفي والمذهبي الذي أرادوه لضمان نتائج محسومة وفق حساباتهم.

ويرى قانونيون مخضرمون أن القانون النسبي، بما ينص عليه لجهة فرض اللوائح المقفلة والصوت التفضيلي، يحرم الناخبين اللبنانيين من حرية الاختيار ويعطل مفاعيل البرامج الانتخابية التي يمكن للناخب أن يختار مرشحه على أساسها، وبالتالي فإن ذهاب المواطن الى صناديق الاقتراع لن يحدث أي تغيير منشود، لا بل سيأتي بالنتائج المرسومة سلفا.

في المجتمع اللبناني قوتان لا يستهان بهما تنشدان التغيير للأفضل هما: المجتمع المدني والمرأة اللبنانية، لا بل يمكن اختصارهما في قوة واحدة هي المجتمع المدني الذي تنخرط فيه المرأة اللبنانية بقوة وبشكل فاعل وملحوظ، فلماذا هذا التشاؤم إذن من عدم إمكانية التغيير؟

المجتمع المدني

يقول المستشار الاقليمي في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا )الاسكوا( أديب نعمة، في دراسة إعلامية أن »الجمعيات لعبت دورا مهما في إدخال المقاربة التنموية في العمل الإجتماعي، وفي عملية تمكين الناس«، إلا أنه يرى ضرورة التمييز بين مصطلحي المجتمع المدني ومنظمات المجتمع المدني، »فالمجتمع المدني هو مساحة التشّكل الإجتماعي التي تقع خارج الدولة كجهاز، وخارج السوق بما هي مساحة محكومة بقانون الربح، وايضا خارج مساحة الخاص الذي تمثله الاسرة. أما ما يسمي منظمات المجتمع المدني، فهي الجمعيات واللجان والهيئات والتنظيمات والحركات من مختلف الاشكال التي تتشكل أو تنشط ضمن المجتمع المدني. ومن الامثلة على ذلك الجمعيات والاندية والنقابات والاتحادات المهنية والروابط، واللجان الشعبية، والحركات الاجتماعية«. ويعطي مثال تطبيقيا على ذلك ما حصل في الثورا ت العربية،

أي وعد ستحمله الانتخابات للمواطن اللبناني
أي وعد ستحمله الانتخابات للمواطن اللبناني

»فالثورة التي حصلت في مصر أو تونس قام بها فعليا المجتمع المدني )غير الممأسس( وليس منظمات المجتمع المدني«.

ويقول أيضا: »إن تشّكّل المجتمع مدنيّا موجود منذ القدم، ومؤخرا بتنا نستعمل مفهوم المجتمع المدني في إطار التنمية.. وهناك خطأ كبير في افتراض ان منظمات المجتمع المدني تم تأسيسها في السنوات الاخيرة بتأثير من المانحين والمنظمات الدولية، فالنقابات والجمعيات والهيئات المهنية وغيرها من الاشكال الاجتماعية موجودة في لبنان منذ مئات او عشرات السنين، وهي نابعة من صلب المجتمع.. وقد لعبت الجمعيّات الحديثة من النمط التنموي دورا مهما خصوصا على صعيد إدخال المقاربة التنموية في العمل الإجتماعي، وعملية تمكين الناس، والإهتمام بالسياسات وليس الخدمات، في حين أن الجمعيات التقليدية ساهمت في امتصاص الصدمات وتوفير الخدمات على اختلافها، وسدّت النقص في أداء القطاع العام الخدماتي خصوصا في فترات الحرب، وهي ما تزال تقوم بهذا الدور.. وقد اهتمت الجمعيات الوطنية ذات الطابع التنموي، والتي ربما لا يتعدى عددها المئة جمعية او مؤسسة، بالدعاية والمناصرة والسعي لتعديل القوانين من خلال حملات أو انشطة منظمة، ومثال على ذلك حملة )بلدي بلدتي بلديتي( التي استطاعت أن تُغيّر وأن تؤدي دورا مهما على صعيد إلغاء القرار بتأجيل الإنتخابات البلدية بعد انقطاع دام 35 سنة«.

ومن هنا يأتي اليقين بقدرة المجتمع المدني على التغيير، شرط عدم الانغلاق على ذاته والتواصل بشكل فعال مع النقابات والجمعيات الأهلية والوطنية، وإعطاء الأهمية للعمل التطوعي لردم الهوة القائمة حاليا بينه وبين الناس، وقبل كل أمر الاستقلال عن الأحزاب السياسي، بما يدفع في اتجاه أحياء دوره التغييري والفعال.

المرأة والانتخابات

يبلغ عدد النساء اللواتي دخلن الندوة البرلمانية اللبنانية منذ العام 1953، عام إقرار حق المرأة بالانتخاب والترشح، حتى يومنا هذا عشرٌ نساء فقط، بعضهنّ مثلن الشعب أكثر من مرة، ومعظمهن من بنات أو زوجات أو أخوات رجال سياسة، وبالتالي يصبح من غير المستغرب أن يحتلّ لبنان المرتبة 180 عالميا والـ15 عربيا في نسبة مشاركة النساء في البرلمانات.

 وكانت ميرنا البستاني أوّل نائبة لبنانية وانتُخبت بالتزكية سنة 1963، خلفا لوالدها النائب ورجل الأعمال البارز إميل البستاني الذي قضى في حادثة تحطم طائرته الخاصة. وانتظر اللبنانيون 28 عاما، حتى عام 1991، ليروا امرأة جديدة في برلمانهم هي نائلة معوّض التي عُيّنت في البرلمان عام 1991 )جرت حينذاك تعيينات نيابية(، بعد اغتيال زوجها الرئيس رينيه معوض.

وبعدهما، انتُخبت 9 نساء، بينهنّ معوّض، في دورات برلمانية مختلفة، وأعيد انتخاب خمس منهنّ أكثر من مرّة.

وفي البرلمان الحالي الذي يتألف من 128 نائبا، توجد أربع سيدات فقط. واللافت أنهنّ وصلن بفعل عامل الوراثة السياسية. فالنائبة بهية الحريري هي شقيقة رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وستريدا جعجع زوجة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ونايلة تويني ابنة النائب السابق جبران تويني، وجيلبيرت زوين ابنة النائب والوزير الراحل موريس زوين.

ومع اقتراب موعد الانتخابات المقبلة، في 6 أيار/مايو 2018، بعد نحو خمس سنوات من التمديد للمجلس الحالي، تسعى لبنانيات، مستقلات وحزبيات، إلى الفوز بمقاعد نيابية والمشاركة في الحياة التشريعية، في ظل رفض إقرار الكوتا النسائية في قانون الانتخابات الصادر عام

القانون النسبي والنتائج المحسومة سلفا
القانون النسبي والنتائج المحسومة سلفا

2017.

وبعد أن كان عدد المرشحات لانتخابات العام 1992 ست نساء فقط، بلغ عدد المرشحات الآن 111 امرأة لبنانية، من أصل 976 شخصا تقدموا بترشيحهم عند إقفال باب الترشيح لخوض الإنتخابات المقبلة، وهو تقدم ملحوظ يُظهر بوضوح زيادة وعي المرأة اللبنانية بأهمية مشاركتها في الحياة السياسية وبحقها في ممارسة دورها التشريعي.

ويعادل عدد المرشحات 12 في المئة تقريبا من العدد الإجمالي للمرشحين، ما يعتبر خطوة متقدمة وأساسية لتمكين المرأة بالمشهد السياسي، على الرغم من أن قاعدة التوريث السياسي ما زالت هي المسيطرة بنسبة كبيرة على اللوائح الانتخابية التي تم تشكيلها، حيث نشر ناشطون لبنانيون أسماء 32 شخصية سياسية لبنانية، تعمل لتوريث أبناءها مناصبها النيابية على مشارف الانتخابات المرتقبة.

للتغيير ثمن وتضحيات

وإذا كان هناك من خلاصة لكل ما سبق حول دور كل من المجتمع المدني والمرأة اللبنانية كعاملين من أبرز العوامل القادرة على التغيير،

فيما لو تركت للناخب المواطن حرية اختيار المرشح لتمثيله وليس المرشح المفروض عليه، قإن قانون الانتخابات النسبي جاء ليكرس الحصار الطائفي والمذهبي المضروب على المواطن الذي سيقف يوم الانتخابات عاجزا عن اختيار أي مرشح مستقل ومن خارج اللوائح المغلقة على التشطيب والاستبدال، الأمر الذي سيحد حكما من اندفاع لوائح محدودة تعد برامجها الانتخابية بالتغيير، وليبطل بالتالي فعاليتها في مواجهة لوائح التحالفات الظرفية وتحالفات المحاصصة والمصالح، وليضع المجتمع المدني بنسائه ورجاله أمام أثمان جديدة وتضحيات غالية لابد من بذلها قبل تحقيق التغيير المنشود.

01

02