العاب الانترنت مابين الإدمان والانتحار

الدكتور إبراهيم الحريري

استيقظت الأم الساعة الثالثة فجرا اثر ضجيج مدوّ قادم من غرفة ابنتها الصغرى ذات العشر سنوات، فما إن دخلت غرفة ابنتها حتّى وجدتها جثّة هامدة معلّقة بمشنقة مربوطة الى السقف، وعلى ذراعها رسم حوت رسم بالدّم لا بقلم الرصاص كما علموها بالمدرسة. فوق الطاولة المجاورة كان لا يزال جهاز الهاتف الذكيّ يصدر موسيقى غريبة من خلال تطبيق لعبة الموت الذي سيكون مسؤولا عن وفاة هذه الطفلة التي بعمر الورود، وعدّة أطفال أخرين كانوا ضحية لتطبيقات الألعاب تلك.

فما قصة هذه الألعاب المسلية التي تبدأ باللعب والتشويق والتسلية وتنتهي بفاجعة من العيار الثقيل بالادمان أو الانتحار وبعد التحقيق بالجريمة اتضح ان القاتل ليس الأوبئة القاتلة، أو سوء التغذية أومصاصي الدماء البشرية لكنه قاتل من نوع لم نألفه ونتألف معه فهو قادم من الواقع المعزز ويلقب »بالحوت الأزرق« ولا يمكن القبض عليه ولا ادانته وكيف ذلك والبشر من لحم ودم ولكن هذه هي الحقيقة المرة التي تحصل يوميا وتتابع على مدار الساعة بمجتمعات الفضاء الالكتروني الذي غزا كل شي وحتى عقول فلدات أكبادنا.

و هذه القصة ليست من نسج الخيال فهي قصة حقيقية وما تزال تتكرر ليس بروسيا المصدرة لهذه اللعبة القاتلة فحسب بل بكثير من البلدان ومنها العربية كتونس الخضراء والجزائر والمغرب ومصر ولبنان وحتى دول الخليج العربي التي اصبحت مهددة بهذه اللعبة والعاب مشابهة أخرى لا تقل خطورة عن الحوت الازرق وما أكثر الحيتان والضحايا الصغار والمراهقين الذين يحبون التحدي ولا يخافونه وهنا بيت القصيد الذي بُنيت عليه كل هذه الالعاب من خلال دراسات نفسية وسيكولوجية لمتخصصين بهذا المجال ولتتحول الالعاب من تسلية وترفيه ومتعة الى العاب قاتلة لمستخدميها.

و كيف لا ونحن نطالع كل يوم بفعل استخدامنا للانترنت بكل لحظة اعلانات لألعاب إلكترونية مجانية كثيرة، و لكن هذه الالعاب من أنواع خاصة ومدروسة بعناية وموجهة توجيها مدروسا ومخططّا لمراحلها بأحكام لشد اللاعب لها ليدمن عليها فتصبح خطيرة أكثر مما نتصور، حيث جذبت هذه الألعاب اهتمام الكثير من الأطفال والمراهقين الباحثين عن التسلية والمتعة، وانتهت بهم إلى الادمان أو القتل والانتحار من خلال تعليمات افتراضية أثّرت بهم.

وإليكم أكثر هذه الألعاب خطورة:

 لعبة الحوت الأزرق: تعد من أخطر الألعاب الإلكترونية الحالية في العالم والأكثر شهرة، ورغم ما رافق ظهورها منذ 2013 من جدل واسع إلا أنّها مازالت متاحة للجميع عبر موقع الفيس بوك ولم تحظر إلى الآن، ومنذ ظهورها تسبّبت هذه اللعبة في انتحار ما يفوق الـ 1000 شخص عبر العالم أغلبهم من الأطفال حيث يتم الانتحار بعد 50 يوما .

ما هي لعبة الحوت الأزرق؟ ولماذا لا تستطيع تحميلها على هاتفك؟

كيف تأسست؟

في مقال نشره موقع »الدايلي ميل« البريطاني، فإن مخترع هذه اللعبة روسي يُدعى فيليب بوديكين )21 عاما(. وقد تم اتهامه بتحريض نحو 16 طالبة بعد مشاركتهن في اللعبة.

وقد اعترف بوديكين بالجرائم التي تسبب بحدوثها، وقد اعتبرها محاولة تنظيف للمجتمع من » النفايات البيولوجية، التي كانت ستؤذي المجتمع لاحقا«. وأضاف أن »جميع من خاض هذه اللعبة هم سعداء بالموت«.

وبدأ بوديكين محاولاته عام 2013 من طريق دعوة مجموعة من الأطفال إلى موقع vk.com، وأولاهم مهمة جذب أكبر قدر ممكن من الأطفال وأوكل إليهم مهمات بسيطة، يبدأ على إثرها العديد منهم بالانسحاب.

يُكلف من تبقى منهم مهمات أصعب وأقسى كالوقوف على حافة سطح المنزل أو التسبب بجروح في الجسد. والقلة القليلة التي تتبع كل ما أملي عليها بشكل أعمى هي التي تستمر.

تكون هذه المجموعة الصغيرة على استعداد لفعل المستحيل للبقاء ضمن السرب، ويعمل الإداريون على التأكد من جعل الأطفال يمضون قدما في اللعبة. وكان بوديكين يستهدف من لديهم مشاكل عائلية أو اجتماعية.

ويقبع حاليا بوديكين في السجن، كما ان المجموعات الخاصة بهذه اللعبة في صفحات التواصل الإجتماعي والتي تميز نفسها برمز F57 قد تم إغلاقها من قبل إدارة الموقع، وفقا لـ »الدايلي ميل«.

لعل عامل الجذب الرئيسي نحو هذه اللعبة من الأطفال هي انها تؤمن لهم مكانا إفتراضيا يحاولون إثبات أنفسهم فيه، لا سيما لأولئك الأطفال غير المندمجين مع محيطهم، وبعد أن تشعرهم هذه اللعبة بالانتماء وبأنهم أشخاص مهمون وذوو سلطة، تنقض عليهم نحو الهاوية.

 لعبة مريم:

»مريم«، لعبة مماثلة ظهرت في العالم العربي وخصوصا دول الخليج ومبرمجها شاب سعودي، يتم تنزيلها من »الآبستور«. اللعبة تحكي قصة فتاة صغيرة اسمها مريم تائهة تطلب من اللاعب أن يساعدها كي تعود إلى منزلها.خلال رحلة العودة إلى المنزل تسأل مريم اللاعب عددا من الأسئلة منها ما هو شخصي مثل ما هو أسمك وعنوان بيتك، ومنها ما هو عام.

بعد ذلك تطلب مريم من اللاعب أن يدخل غرفة معينة، لكي يتعرف على والدها وعائلتها وتستكمل معه لعبة الأسئلة. كل سؤال له احتمال معين ومرتبط بإجابة اللاعب، وقد تصل إلى مرحلة تخبرك مريم أنها ستستكمل معك الأسئلة غدا، وتجد نفسك مضطرا إلى الانتظار مدة 24 ساعة، حتى تستطيع استكمال الأسئلة تخبرك مريم أيضا أنها ليست لعبة »الحوت الأزرق«، وذلك بعدما انتشرت تغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي تشبه لعبة مريم بلعبة الحوت الأزرق الذي يؤدي إلى الانتحار بعد 50 سؤالا.

 لعبة البوكيمون غو: ظهرت في 2016، واستحوذت على عقول الملايين عبر العالم وعلى الرغم من التسلية التي تحققها اللعبة لمستخدميها، إلا أنها تسببت في العديد من الحوادث القاتلة بسبب انشغال اللاعبين بمطاردة والتقاط شخصيات البوكيمون المختلفة خلال سيرهم في الشوارع.

 لعبة جنيّة النار: تشجع هذه اللعبة الأطفال على اللعب بالنار، حيث توهمهم بتحولهم إلى مخلوقات نارية باستخدام غاز مواقد الطبخ، وتدعوهم إلى التواجد منفردين في الغرفة حتى لا يزول مفعول كلمات سحرية يرددونها، ومن ثم حرق أنفسهم بالغاز، ليتحولوا إلى »جنية نار«، وقد تسببّت في موت العديد من الأطفال حرقا، أو اختناقا بالغاز،

 لعبة تحدّي شارلي: تسببّت في حدوث عدة حالات انتحار لأطفال وشباب وكذلك في حالات إغماء بينهم، وهي لعبة شعبية انتشرت من خلال مجموعة فيديوهات على شبكة الإنترنت في 2015، وساهم في انتشارها استهدافها لأطفال المدارس، حيث تعتمد في لعبها على اللوازم المدرسية وبالتحديد الورقة وأقلام الرصاص لدعوة شخصية أسطورية مزعومة ميتة تدعى »تشارلي« ثم تصوير حركة قلم الرصاص مع الركض والصراخ

إذا فالأمر لا يتعلّق بتطبيق أو لعبة تستطيع الحكومات تعقّبها وحجبها، بل بمجموعة من المجرمين الذين يستخدمون الهندسة الاجتماعيّة والإيحاء النفسيّ للإيقاع بضحايا أغلبهم من القصّر وضعاف الشخصيّة، فيتحكمون في مصائرهم باستخدام التهديد والوعيد والتخويف. وينتشر التطبيق بين أطفال ومراهقين يغريهم هذا العالم المجهول الذي يتّسم بالخطورة والغرابة لاكتشاف أسراره؛ ليقعوا ضحيّة في شراك أشخاص ليس هدفهم المال أو الشهرة، إنّما الإيذاء فحسب.

و سنتتناول الحلول لهذه المعضلة الخطيرة التي تؤثر على فلذات اكبادنا وتخطفهم منا:

1 التوعية الحكومية والمجتمعية:الحكومات مستنفرة.. لكنها عاجزة عن فعل أي شي فالفضاء الالكتروني مفتوح وغير متاح حجب هذه الألعاب لان حظرها يتطلب حضر مواقع التواصل الاجتماعية من مثيل الفيسبوك وتويتر وانستغرام وسناب شات

2 إشراف عائليّ مطلوب أكثر من أي وقتٍ مضى:

انتشار الأجهزة الالكترونيّة في حياتنا اليوميّة، من هواتف، وحواسيب، ولوحات إلكترونيّة، صار في كثير من الأحيان ضروريّا. لكن مع هذا الانتشار، فإنّ مسؤوليّة الآباء على طريقة استخدام هذه التكنولوجيا، وسهولة الوصول إليها من طرف أبنائهم، صارت ملحّة أكثر من أيّ وقت آخر. ولعلّ الكثير من الآباء قد لا يجد في استخدام أبنائه لتطبيقات مشهورة تبدو »مسالمة« كـ»فيسبوك وتويتر وإنستغرام«، وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعيّ، خطرا في حدّ ذاته، لكن تواصل القصّر مع أشخاص مجهولين عبر هذه الوسائط قد يشكّل خطرا يهدّد حياتهم حرفيّا، كما رأينا مع لعبة الحوت الأزرق. ومن أجل ذلك ينبغي تفادي وقوع الأطفال في شراك هذه اللّعبة وغيرها؛ ينبغي على الآباء تفقّد المواقع التي يزورونها، والأشخاص الذين يدردشون معهم في الهاتف الذكي، كما يجب عليهم الحذر من بعض الأعراض الخطيرة بعينها: كالاستيقاظ في الصباح الباكر، أو الحديث عن أفكار انتحاريّة، أو العزلة والاكتئاب، أو مشاهدة أفلام رعب وموسيقى غريبة.

3 الحجب والرقابة لمواقع الالعاب الخطيرة ومنع تحميلهاإن توفر ذلك من قبل هيئة الاتصالات ومزودي خدمةالانترنت.

وبالنهاية كل الاختراعات والتكنولوجيا سلاح ذو حدين وما أكثر الاصطياد بهذا الفضاء الالكتروني المفتوح على مصراعيه، و ما أكثر ضعاف النفوس والمعاقين نفسيا والمخربين الذين يسكنون بالغرف المغلقة ويكيدون المكائد لبني البشر ولفلذات أكبادنا لكي يغووهم ويحرفوهم عن الفطرة السليمة وينموا الغرائز الشيطانية من إدمان وانتحار…. لذلك المسؤولية الاجتماعية هي الاساس السليم لمعالجة هذه المشاكل لذك تنبهوا واستفيقوا أيها الانترنتيون فقط جل الخطب حتى غاصت الركب.