السعودية: المغامرة الإصلاحية – قوانين طالت المجتمع والمرأة وسوق العمل والاقتصاد ومكافحة الفساد

محمد قواص *

تتراكم أوراق كثيرة في السعي لفهم التبدل الذي حصل في السعودية في السنوات الأخيرة، إلا أن الحسم في تقييم خيارات المملكة الجديدة ما زالت متسرعة وسطحية، ليس بسبب العجلة في الاستنتاج، بل من المستحيل البناء على أحداث متسارعة داهمت السعودية وعدم الأخذ بالحسبان تقاليد الحكم التي صاحبت كافة عهود داخل الدولة السعودية الحديثة.

وما يجري في السعودية يمثل انقلابا على ثوابت ألفها السعوديون كما العالمان العربي والإسلامي، ناهيك عن دوائر العواصم الكبرى.

في الداخل، لا سيما في العقود الأخيرة، عاشت المملكة وفق روح »الصحوة الدينية« التي هيمنت على البلاد ودفعتها شعبا وحاكما إلى انتهاج الانغلاق الديني على النحو الذي جعل البلد معزولا في قيمه وعاداته وسلوكه اليومي عن شروط العصر، ليس في العالم البعيد، بل حتى ذلك

 أي إصلاح بإمكان الملك سلمان انجازه في السعودية
أي إصلاح بإمكان الملك سلمان انجازه في السعودية

القريب داخل دول مجلس التعاون العربي والدول العربية الأخرى. وعليه فإن أجيالا كاملة من السعوديين عاشت سعودية الصحوة بصفتها أصلا كاملا من أصول الحكم. وعليه أيضا فإن المسلمين في العالم خضعوا للصورة النمطية التي تبثها المملكة عن نفسها والتي تختلف عن تلك الصورة التي تبثها البلدان الإسلامية عن نفسها. فأجمع المسلمون على التسليم بأن خصوصية السعودية تتعلق بإشراف الرياض على الأماكن المقدسة للمسلمين في العالم في مكة والمدينة.

تمّثل السعودية الجديدة منذ تبوء الملك سلمان بن عبد العزيز عرش بلاده حلقة أساسية من سلسلة من التحولات التي شهدها العالم في السنوات القليلة الماضية. فإذا كان تصويت البريطانيين على خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي ثم انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة بمواكبة صعود روسيا بوتين في المشهد الدولي العام هي علامات للزمن الراهن، فإن ما شهدته السعودية خلال السنوات الأخيرة يعتبر »ثورة« غير متوقعة لم تستشرفها مراكز البحوث في العالم ولم تتوقعها أجهزةُ العواصم الكبرى.

والحال أن السعوديين الذين كانوا يتأملون اندلاع »الربيع« العربي في شوارع مدن المنطقة، لم يتخيلوا أن ربيعهم سيأتي من منابع أخرى تنطلق من قصور الحكم. وبغضّ النظر عن تقييم هذا وذاك للتّحولات التي طرأت على المملكة، وبغضّ النظر عن تفاوت الآراء السعودية الداخلية كما تلك في العالم عما تحدثه تلك التحوّلات من »صدمة« محلية وإقليمية ودولية، فإن الأمر بات واقعا يعيد العالم تموضعه حوله بصفته محددا استراتيجيا نهائيا وجب أخذه في أي حسابات تتعلق بمستقبل الخليج والشرق الأوسط كما موازين القوى في العالم.

واللافت أن السعوديين كما العالم أجمع كانوا اعتادوا على رتابة في يوميات المملكة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأن الخروج من تلك الرتابة على النحو الذي شهدته البلاد في مجالات كانت محرّمة في السابق، أصاب الداخل السعودي كما العربي كما ذلك الدولي بجمود وتحفّظ وحذر إزاء تطور غير متوقع )ليس بهذا الإيقاع على الأقل(، وأثار لديهم غريزة القلق والتوجس وربما التشكيك في عدم جدية تلك التحولات، بما فضح النزوع الدائم للاكتفاء بما هو ثابت والخشية من مواكبة ما هو متحوّل.

وفي ما كَتبَ من كانوا يدّعون خبرة في شؤون السعودية في العالم، ظهر مدى الجهل بالطاقات الكامنة التي ممكن للسعودية أن تفعّلها، ومن قبل الحاكم نفسه، والتي لم تلحظها قريحة المتخصصين. وحتى حين سعت المنابر البحثية الدولية لتفسير الظاهرة المستجدة، انزلقت تعبيراتها باتجاه إدراج التحوّلات داخل تفصيلات »مشوّقة« داخل أروقة الحكم وغرفه المغلقة.

ولا شك أن قصور المتخصصين عن فهم السعودية في نسختها الجديدة، اضطر العواصم الكبرى لتجاوز فتاوى المتخصصين والدفع بوفودها للاطلاع مباشرة على ما يجري في المملكة ومستقبل ذلك على البلد والمنطقة والعالم.

من يعرف السعودية وسيرة الحكم داخلها يعرف أيضا أن الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان لم يكونا مضطرين للوثوب نحو زمن التغيير صيانة لحكم أو رعاية لمستقبله.

بدا أن مفردات الحكم الحالي تنهل مضامينها من سياق آخر يختلف عما عرفته المملكة في العقود الأخيرة. وبدا أيضا أن العهد السعودي الحالي يتأسس على معطيات البلد وشعبه وثروته وموقعه في العالم، وأن ما اتخذ من تدابير وإجراءات وما صدر من أوامر ملكية، يتأسس على

محمد بن سلمان: ولي عهد السعودية ورؤية 2030
محمد بن سلمان: ولي عهد السعودية ورؤية 2030

»حاجة« وليس على ترف للتصدي لتحديات حقيقية تواجه المملكة، وهي تحديات جرى القفز عنها أو تأجيل مقاربتها في السابق. والواضح أن التحولات السعودية تنهل لزوميتها من مشهد حسابي حقيقي لواقع البلد، بحيث لم يعد باستطاعة المملكة أن تمارس نعمة »الاستثناء« الذي جعلها لعقود تعيش عزلة مجتمعية وثقافية بات العالم يؤمن أنها من ثوابت البلد ومن أصول قيام الدولة السعودية فيه.

يتعرف العالم على السعودية الجديدة التي تطمح، للمفارقة، أن تكون بلدا طبيعيا يشارك العالم قيمه وقواعد العيش في الزمن الراهن. بات مطلوبا من السعوديين أن يألفوا ما لم يعتادوه سابقا من مشاركة في كلفة إدارة البلد والتخطيط لمستقبله كما في ممارسة يومياتهم على النمط الذي تمارسه شعوب الأرض من التحام بالحياة في واقعها الحقيقي. لم يعد من عائق »مجهول« يمنع السعوديات من قيادة السيارة، بما يعني أيضا في طيات ذلك، من قيادة مصيرهن كشريكات فاعلات داخل الوطن في العمل والاقتصاد والرأي والقرار. كما لم يعد من مانع قانوني ومنطقي يعزل المجتمع السعودي عن عروض الموسيقى والمسرح والموسيقى والسينما والرياضة. باختصار فإن »صدمة« هذا العالم أن السعودية توقفت عن كونها حالة »صادمة«.

من زار السعودية قبل عقود كان يلحظ اجماع النخب على ضرورات الاصلاح والاعتدال والانفتاح. بدت ملامح ذلك في عهد الملك فهد واشتدت أعراضها في عهد الملك عبد الله. بيد أن هذه النخب نفسها كانت حذرة في التطلع إلى ذلك متمسكة بنظرية الإيقاع البطيء الذي لا يحدث صدمة مجتمعية فيها كثير من المخاطرة.

يحسب لأهل الحكم في السعودية هذه الأيام أنهم اختاروا مخاطرة كان بإمكانهم عدم الخوض بها. يتحدث الأمير محمد بن سلمان عن العلاج بالصدمة وهو يطل على العالم حاملا تلك »الصدمة« مروجا لها كعلاج تحتاجها بلاده لتسريع وتيرة التحاق السعودية بلغة العصر.

لم يعترض المجتمع على قرار السماح للمرأة قيادة السيارة، ولم يمانع بأن تتولى هيئة رسمية وظيفتها الترفيه تنظيم ما كان السعوديون يفتشون عنه خارج بلادهم، ووقفت البلاد تتأمل بصمت يستبطن الدهشة حملات مكافحة الفساد.

وفيما ما زال يمكن تخيّل دهشة المتحفّظين على السرعة التي مرر بها الحاكم في السعودية إصلاحاته، يمكن أيضا استنتاج أن السلطة السياسية هي التي كانت مسؤولة في السابق عن عدم العبور نحو هذه الاصلاحات، وأن المجتمع بكافة قطاعاته، حتى تلك التي لطالما اعتبرت تقليدية منغلقة، جاهز للتأقلم ومواكبة الإرادة السياسية في هذا المجال.

وربما يجب أن لا يغيب عن البال أن السعودية التي لطالما كانت جزءا من كلّ في مراحل الحرب الباردة، تعيد اكتشاف وظيفتها الراهنة بصفتها قطبا منفصلا في همومه ومهماته عن تلك التي تشغل واشنطن وباريس ولندن وموسكو.

تقود الرياض خيارات إقليمية تضعها في مواجهة التحديات المتعددة الأجندات، بحيث أن غياب دول عربية أخرى في زمن »الربيع« العربي ألقى على كاهل المملكة حصرية قيادة رؤية عربية تقف مانعا أمام التقدم التركي والإيراني في المنطقة كما تقف رادعا أمام تيارات الإرهاب الجهادي كما تعيد ترتيب المشهد الإقليمي المضطرب والمهدد بزوال قواعده التقليدية القديمة.

يحتاج العالم إلى وقت لكي يعيد ضبط ساعته وفق التوقيت السعودي النهائي. تبدو العواصم الإقليمية كما تلك الدولية متأنية في التعامل مع ظاهرة السعودية الجديدة، كما تبدو الرياض نفسها رشيقة في تطوير قراراتها وأدائها بما يتناسب مع عالم شديد التبدل وحاد التحوّل. تكفي مراقبة البراغماتية التي تتعامل بها السعودية الحالية مع كافة الملفات بحيث أن في ما يصدر عن ملك البلاد وولي عهده ما يعكس حسن قراءة لموازين القوى وقوانين الممكن والمستحيل.

تتحول السعودية في تحولاتها إلى ثابت دولي يقرأ مستجدات العالم وقواعده الجديدة. وبالتالي فإن الرياض مضطرة الى انتهاج دينامية حديثة تسقط خلال كافة العقائد السياسية التي لطالما صنفت الرياض داخل هذا المعسكر أو ذاك، في هذا الزمة أو ذاك، وفق أجندات لا تخضع

المرأة في زمن سلمان وولي عهده
المرأة في زمن سلمان وولي عهده

بالضرورة لمصالح البلد المباشرة. والظاهر أن ما كان مسموحا به أيام الطفرة النفطية الأولى والثانية وما تلاها لم يعد يسمح بالانقياد صوب تيارات دولية موجعة ومكلفة. والظاهر أيضا أن »السعودة« التي ترمي إليها البلاد في قطاع المال والاقتصاد والعمالة، باتت تنسحب على الخيارات السياسية العليا التي تأخذ بالاعتبار مصالح السعودية، ليس فقط كبلد في حدوده الجغرافية، لكن أيضا كقوة إقليمية صاعدة بات دورها الدولي جزءا من بقائها وهوية وظيفتها.

يتعرف العالم على السعودية الجديدة التي تطمح، للمفارقة، أن تكون بلدا طبيعيا يشارك العالم قيمه وقواعد العيش في الزمن الراهن. بات مطلوبا من السعوديين أن يألفوا ما لم يعتادوه سابقا من مشاركة في كلفة إدارة البلد والتخطيط لمستقبله كما في ممارسة يومياتهم على النمط الذي تمارسه شعوب الأرض من التحام بالحياة في واقعها الحقيقي.

من زار السعودية قبل عقود كان يلحظ اجماع النخب على ضرورات الاصلاح والاعتدال والانفتاح. بدت ملامح ذلك في عهد الملك فهد واشتدت أعراضها في عهد الملك عبد الله. بيد أن هذه النخب نفسها كانت حذرة في التطلع إلى ذلك متمسكة بنظرية الإيقاع البطيء الذي لا يحدث صدمة مجتمعية فيها كثير من المخاطرة.

وربما يجب ألا يغيب عن البال أن السعودية التي لطالما كانت جزءا من كلّ في مراحل الحرب الباردة، تعيد اكتشاف وظيفتها الراهنة بصفتها قطبا منفصلا في همومه ومهماته عن تلك التي تشغل واشنطن وباريس ولندن وموسكو.

رؤية السعودية 2030 في سطور

إنشاء أضخم صندوق استثمارات بالعالم

كشفت الرياض عن خطتها الطموحة لإنشاء صندوق الثروة السيادية، سيستثمر في الدولة وبالخارج لتنويع مجالات الاقتصاد وخلق مصادر دخل جديدة للحكومة.

وتقول الحكومة إن الصندوق سيُقدر بسبعة تريليونات ريال أو ما يعادل تريليوني دولار بحلول عام 2030، وهو أكثر من ضعف حجم صندوق الثروة السيادية النرويجي، المعروف حاليا بأنه الأضخم في العالم.

الخصخصة

ستحوّل السعودية شركتها العملاقة للنفط، أرامكو السعودية، فضلا عن غيرها من الشركات المملوكة للدولة إلى الصندوق، وتخطط لتحويل الشركة إلى »تكتلات صناعية عالمية«. إذ تريد للقطاع الخاص أن يُمثل ما يقرب من ثلثي الاقتصاد بحلول عام 2030، وسيكون ذلك ارتفاعا من النسبة الحالية وهي 40 في المائة، كما تأمل أيضا بجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.

الصناعات الجديدة

قالت الحكومة السعودية إن الصندوق الجديد سيساعد في الصناعات والتكنولوجيا والسياحة والتعدين المحلي، وتأمل في رفع الإيرادات التي تحصل عليها من الأنشطة غير النفطية إلى تريليون ريال أو ما يعادل 266 مليار دولار بحلول عام 2030، من 163 مليار ريال أو ما يعادل

الترفيه والموسيقى جزء من راهن السعودية
الترفيه والموسيقى جزء من راهن السعودية

43 مليار دولار في الوقت الحاضر.

توفير المزيد من الوظائف

تهدف الخطة الاقتصادية لخفض البطالة إلى 7 في المائة من 11.6 في المائة، وتقول الحكومة إنها تريد أيضا رفع عدد النساء المشاركات في القوى العاملة إلى 30 في المائة من 22 في المائة بالوقت الحاضر، لكنها لم تذكر تفاصيل حول كيفية تحقيق ذلك.

وحُدد قطاع التجزئة كأحد القطاعات التي ستساعد على دفع نمو العمالة في المستقبل، وتأمل الحكومة إنشاء مليون وظيفة إضافية في مجال تجارة التجزئة في السنوات الأربع المقبلة.

السياحة

السياحة الدينية هي مصدر متزايد الأهمية للدخل في المملكة، وتهدف الخطة الجديدة إلى زيادة عدد الحجاج إلى 30 مليون سنويا بحلول عام 2030، ارتفاعا من ثمانية ملايين حاج.

مدينة »نيوم«… أضخم مشروع سعودي يمتد بين ثلاث دول

 كشف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن مشروع مدينة المستقبل »نيوم« ضمن فعاليات منتدى »مبادرة مستقبل الاستثمار« المنعقد بالرياض، في إطار التطلعات الطموحة لرؤية 2030. وتبلغ قيمة المدينة التي ستمتد حتى خارج حدود المملكة 500 مليار دولار، ولن تتبع القواعد المعمول بها في بقية السعودية التي تطبق أحكام الشريعة.

بات مسار رؤية 2030 يتبلور يوما بعد يوم في السعودية خصوصا وأنه يتمحور حول نقل المملكة من اقتصاد يعتمد بأغلبيته على عائدات النفط إلى تنويع الموارد وتقليص هذا الاعتماد، بالإضافة لتخفيف الأعباء عن الدولة نتيجة الاقتصاد الريعي والتركيز على توسيع ودعم القطاع الخاص لخلق فرص عمل للشباب السعودي.

وفي هذا الإطار، أخرج ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في 24 تشرين الأول/أكتوبر من جعبته مشروع »نيوم«، وهي المدينة العملاقة البالغة قيمتها 500 مليار دولار والتي ستقام على مساحة 26 ألفا و500 كيلومتر مربع وتمتد إلى أراضي الأردن ومصر خلال مجريات منتدى »مبادرة مستقبل الاستثمار« الذي تستضيفه الرياض على مدى ثلاثة أيام.

والمفاجأة أتت خلال إعلان ولي العهد عن إدراج مدينة نيوم مستقبلا في الأسواق المالية بجانب شركة النفط العملاقة أرامكو، وهي الحلقة الأحدث والأكثر استثنائية في سلسلة من برامج الخصخصة في المملكة.

وأعلن صندوق الاستثمارات العامة السعودي أن مدينة نيوم ستكون مملوكة للصندوق بالكامل وستجذب استثمارات من شركات في قطاعات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الحيوية والصناعات المتقدمة والترفيه.

وقال الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع رويترز إن المدينة ستكون » أول مدينة رأسمالية في العالم… هذا هو الشيء الفريد الذي سيحدث ثورة«، مضيفا » لن تدرج في الأسواق حتى تختمر الفكرة بشكل كاف، قد يكون الإدراج بعد 2030، وقد يكون قبل، لكن الفكرة الاستراتيجية هي أن يتم طرحها في نهاية المطاف«.

المنطقة الجغرافية

يقع المشروع شمال غرب المملكة، ويشتمل على أراض داخل الحدود المصرية والأردنية، مما يعني أن المنطقة مجاورة للبحر الأحمر وخليج العقبة وبالقرب من ممرات بحرية تجارية معتمدة وستكون بوابة لجسر الملك سلمان المقترح الذي سيربط بين مصر والسعودية.

الرياض وحروب المنطقة
الرياض وحروب المنطقة

ومن المزايا الفريدة التي تقدمها المدينة، قربها من الأسواق ومسارات التجارة العالمية )قناة السويس(، كما يمكن لـ 70 من سكان العالم الوصول للموقع خلال 8 ساعات كحد أقصى، حسبما أتى في حفل تقديم المشروع.

كما وتختلف هذه المنطقة عن الطبيعة الصحراوية لأغلب أراضي المملكة، فشواطئ المدينة تمتد على مساحة تتجاوز 460 كم من ساحل البحر الأحمر وتقابلها العديد من الجزر. وتحتوي أيضا على جبال تطل على خليج العقبة والبحر الأحمر وتغطي قممها الثلوج خلال فصل الشتاء.

وستركز منطقة »نيوم« على 9 قطاعات استثمارية متخصصة وهي: مستقبل الطاقة والمياه ومستقبل التنقل ومستقبل التقنيات الحيوية ومستقبل الغذاء ومستقبل العلوم التقنية والرقمية ومستقبل التصنيع المتطور ومستقبل الإعلام والإنتاج الإعلامي ومستقبل الترفيه ومستقبل المعيشة الذي يمثل الركيزة الأساسية لباقي القطاعات، حسب وكالة الأنباء السعودية »واس«.

وسيعمل مشروع »نيوم« على جذب الاستثمارات الخاصة والاستثمارات والشراكات الحكومية.

تحول جذري

واللافت في المشروع أن المدينة لن تتبع القواعد واللوائح المعمول بها في بقية السعودية التي تطبق أحكام الشريعة.

فالمدينة الجديدة ستوفر لسكانها نمط حياة أكثر تحررا، إذ ستسمح بإقامة الحفلات الموسيقية والأنشطة الترفيهية في منطقة نائية من المملكة.

وسيكون لهذه الوجهة هيئتها التنظيمية الخاصة، مع إطار تنظيمي مصمم خصيصا لتوفير القوانين الاستثمارية المثلى ضمن فئتها، بالإضافة إلى دعم سبل العيش لقاطنيها، وتطوير القطاعات الاقتصادية المستهدفة. وسيكون هناك أيضا هيئة قضائية خاصة لحل النزاعات ضمن الإطار التنظيمي للمنطقة الخاصة.

وتشمل التقنيات المستقبلية لتطوير منطقة »نيوم« مزايا فريدة، يتمثل بعضها في: حلول التنقل الذكية بدءا من القيادة الذاتية وحتى الطائرات ذاتية القيادة، الأساليب الحديثة للزراعة وإنتاج الغذاء، الرعاية الصحية التي تركز على الإنسان وتحيط به من أجل رفاهيته، الشبكات المجانية للإنترنت فائق السرعة أو ما يُسمى بـ »الهواء الرقمي«، التعليم المجاني المستمر على الإنترنت بأعلى المعايير العالمية، الخدمات الحكومية الرقمية المتكاملة.

سيكون المشروع منطقة خاصة مستثناة من أنظمة وقوانين الدولة الاعتيادية، كالضرائب والجمارك وقوانين العمل والقيود القانونية الأخرى على الأعمال التجارية، فيما عدا الأنظمة السيادية مما سيتيح للمنطقة القدرة على تصنيع منتجات وتوفير خدمات بأسعار منافسة عالميا.

أبرز التحديات

في إيضاح من ولي العهد حول الاسم الذي اعتمد للمدينة، قال بن سلمان أن نيوم )Neom( مشتق من كلمة )Neo( بمعنى »جديد« وحرف الميم أول حرف من كلمة »مستقبل« باللغة العربية.

ورغم أن ولي العهد الشاب يبدو طموحا جدا، إلا أن المملكة بتعقيداتها الاجتماعية قد لا تستطيع مجاراته بالسرعة التي يشتهيها.

فالعديد من المسؤولين التنفيذيين الذين حضروا المؤتمر الذي أطلق عليه اسم »دافوس في الصحراء«، بالإشارة لمؤتمر الاقتصاد العالمي السنوي في دافوس بسويسرا، قالوا إنهم ما زالوا قلقين بشأن قدرة الرياض على تنفيذ خططها، بحسب ما أفادت رويترز.

فمن التحديات التي قد تعيق التقدم في هكذا مشروع، النظام التشريعي غير المتطور والبيروقراطية البطيئة وضعف إنتاجية العمالة، مما يشكل عامل ردع للمستثمر الأجنبي ويتسبب بإحباط المشروع كما حصل سابقا ببعض الخطط الاقتصادية. بالإضافة لتسبب الركود الناجم عن انخفاض أسعار النفط والسياسات التقشفية في خفض نمو القطاع الخاص ليقترب من الصفر.

ويتخوف بعض رجال الدين سرا أو في العلن من أن المبادرات الجريئة للأمير في مجالات الترفيه والسياحة إنما تنذر بتغييرات في التعليم الذي يعد معقلا للتفكير المحافظ، حيث يعتقد منتقدون في الغرب أن سيطرة رجال الدين تشجع الإسلاميين المتطرفين ليس في السعودية فحسب

أي مستقبل للصراع السعودي الإيراني؟
أي مستقبل للصراع السعودي الإيراني؟

بل وفي أنحاء العالمين العربي والإسلامي.

هذا وتكلم ولي العهد عن دفعه المملكة والمجتمع السعودي باتجاه الاعتدال والتحرر من الأفكار المتشددة، والتي بحسب الأمير هي استجابة لتطلعات مجتمع سعودي يشكل الشباب فيه العمود الفقري و70 بالمئة من مكوناته.

وبعد تقليص سلطات الشرطة الدينية بشدة والأمر الملكي الذي سمح بموجبه للمرأة السعودية بالقيادة، والذي شكل نقلة نوعية على مستوى التحول الاجتماعي في المملكة، اعتبرت تصريحات ولي العهد خلال مشاركته في جلسة حوارية ضمن اليوم الأول من منتدى »مبادرة مستقبل الاستثمار« بالجريئة والعنيفة على أصحاب الأفكار المتشددة في المملكة المحافظة عندما تعهد بإعادتها للـ »إسلام الوسطي المعتدل«.

المرأة في عهد سلمان

نالت المرأة السعودية اهتماما كبيرا في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، وكان لدور المرأة السعودية في المجتمع السعودي حصة كبيرة من اهتمام الملك.

وتوج الملك سلمان ذلك الاهتمام بجملة من القرارات والتوصيات التي تسهم بشكل فعلي في تمكين المرأة السعودية في جوانب مختلفة من المجتمع السعودي العريق.

ومن جملة تلك القرارات:

 تمكين المرأة من الخدمات:

وجه الملك سلمان بن عبد العزيز، في شهر أيار/مايو الماضي، إلى عدم مطالبة المرأة السعودية بالحصول على موافقة ولي أمرها في حال تقديم الخدمات لها، ما لم يكن هناك سند نظامي لهذا الطلب وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية.

وقد صدر هذا في تعميم ملكي على جميع الجهات الحكومية المعنية بالأمر بعد الموافقة على المقترحات التي رفعتها الأمانة العامة لمجلس الوزراء السعودي، وذلك بهدف حل الإشكالات التي تتعلق بحقوق المرأة السعودية.

فيما أكد الأمر الملكي على الجهات المعنية بضرورة مراجعة الإجراءات المعمول بها لديها ولدى الأجهزة المرتبطة بها ذات الصلة بالتعامل مع الطلبات والخدمات المقدمة للمرأة، وحصر جميع الاشتراطات التي تتضمن طلب الحصول على موافقة ولي أمر المرأة لإتمام أي إجراء أو الحصول على أي خدمة مع إيضاح أساسها النظامي والرفع عنها في مدة لا تتجاوز 3 أشهر من تاريخ صدور الأمر.

 صندوق النفقة:

حيث أصبح بوسع المرأة السعودية المطلقة وأبنائها الحصول على مساندة مباشرة من صندوق النفقة، الذي صدرت موافقة نائب رئيس مجلس الوزراء السعودي على تنظيمه في شهر آب أغسطس الماضي.

وبدءا من 23 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل ستحصل المطلقات ممن صدرت لهن أحكام قضائية لم تنفذ »لغير عذر الإعسار« على نفقة من الصندوق، كما تحصل على النفقة من صدرت لهن أوامر قضائية ولا تزال مطالبتهن بها منظورة أمام المحاكم، ويتوسع الصندوق أيضا ليدعم المستفيدات قبل صدور أحكام النفقة بصرف نفقة مؤقتة لهن، فيما تسترد من المبالغ المستحقة لهن بموجب حكم النفقة.

 ضبط زواج القاصرات:

وهو من أهم القرارات الصادرة في عهد الملك سلمان، حيث أقرت وزارة العدل السعودية قرارا في 16 آب/أغسطس الماضي، يحمي المرأة السعودية، وذلك من خلال ضبط زواج القاصرات، جاء هذا القرار بعد أن تقدمت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بمقترحات في هذا الشأن، من بينها »قصر الإذن بتزويج من هي في سن 17 فما دون على المحكمة المختصة، وأن يكون طلب التزويج مقدما من الفتاة أو وليها الشرعي في النكاح، أو والدتها«.

 المجالس البلدية:

حيث أعلن للمرة الأولى، عن تعيين أول امرأة في منصب مساعد رئيس بلدية تحقيقا لرؤية 2030، حيث أصدر أمين المنطقة الشرقية فهد بن محمد الجبير قرارا يقضي بتعيين إيمان بنت عبدالله الغامدي، مساعد رئيس بلدية محافظة الخبر لتقنية المعلومات ورئاسة قسم الخدمات النسائية.

وأوضح أمين المنطقة الشرقية المهندس فهد بن محمد الجبير، أنه بناء على ما رفعه رئيس بلدية محافظة الخبر بشأن طلب تأسيس وحدة نسائية تابعة للبلدية وذلك للحاجة الماسة للعنصر النسائي هناك، فقد تقرر استحداث قسم الخدمات النسائية في بلدية الخبر والذي يرتبط مباشرة برئيس البلدية.

 السماح بقيادة السيارة:

انتصار قيادة السيارة

الانتصار الأخير الذي أحرزته المرأة السعودية في عهد الملك سلمان كان من خلال أمر ملكي للملك سلمان يقضي بالسماح للمرأة بتملك رخصة لقيادة السيارة بالمملكة العربية السعودية.

حيث جاء في الأمر الملكي »صدور أمر سام باعتماد تطبيق أحكام نظام المرور ولائحته التنفيذية، بما فيها إصدار رخص القيادة على الذكور والإناث على حد سواء«

* صحافي وكاتب سياسي لبناني