انتخابات العراق.. لا جديد في السياسة والحكم لما بعد داعش

600 مليار دولار ذهبت الى جيوب مسؤولين حزبيين وحكوميين لم يُقدّم احد منهم الى القضاء حتى الآن

د. ماجد السامرائي

العراق ليس حديث عهد بالانتخابات فقد بدأ العهد البرلماني منذ تأسيس دولة العراق عام 1921، كانت الانتخابات تفرز وجهاء وسياسيي العهد الملكي الذين دافعوا عن عهد الدولة الجديدة رغم الهيمنة البريطانية في ذلك الوقت، بعد نهاية ذلك العهد ظهرت القوى الثورية والاستقلالية بعد عام 1958 التي وجدت المشروعية الثورية بديلا للمشروعية البرلمانية لكنها تحولت الى حكومات دكتاتورية استبدادية رغم الواجهات اللاحقة في ما سمي )بالمجلس الوطني( في نظام حكم صدام حسين الذي ضم من يؤمنون بالقيادة السياسية للحكم من العرب والأكراد والتركمان والمسيحيين وغيرهم. ثم قدّم الاحتلال الأمريكي الوصفة الديمقراطية لتقاسم السلطة عبر المحاصصة الطائفية، ولهذا كان على المنتفعين وأصحاب المصالح الخاصة أن يشكلوا كتلا وأحزابا ذات ولاءات طائفية وعرقية ومناطقية لكي يتمكنوا من الظفر بشراكة السلطة.

مر العراق بثلاث دورات انتخابية منذ العام 2006 ولحد 2018 كانت فيها الحملات الانتخابية مسرحاً لعمليات التسقيط السياسي بين من يدعون تمثيل الطوائف والأعراق ولم تكن هناك سياقات ديمقراطية تفرز الصالح من الطالح عبر الانجاز السياسي والاجتماعي، بل على أساس صناعة الخصم للطائفة أو العشيرة، استخدمت في المرحلة الأولى عام 2006 المرجعيات كرصيد للحملات الانتخابية، ثم الحرب على الإرهاب ثم« داعش« ومعظم وسائل التعبئات الاعلامية لم تضع مصالح الناس في برامجها، ولم تتم محاسبة السياسيين على أساس الانجاز. كان العمود الفقري للحكم قد اعتمد على شراكة استراتيجية سياسية بين القيادات )الشيعية والكردية( مع إدخال ممثلي العرب السنة كتابعين للعملية السياسية. ومنذ وقت مبكر من هذا العام بدأت الحملة الانتخابية الجديدة وسط توقعات ببزوغ مرحلة سياسية جديدة لما بعد القضاء على »داعش« في ديسمبر من عام 2017 حيث توقع المراقبون احتمالات الاستفادة من هذه التجربة القاسية باحتلال مجموعة متطرفة ضالة لا علاقة لها بالاسلام لثلث أراضي العراق، لكي تبنى مرحلة من السلم الأهلي والتصالح الاجتماعي ونبذ الكراهية والثأر، والدخول في برنامج محاربة الفساد خصوصاَ إن حيدر العبادي رئيس الوزراء هو رافع لهذا الشعار وأعلن مراراً إن نهاية الانتصار العسكري على »داعش« تمهد لتنفيذ الحرب الجديدة ضد الفساد، لكنه رشح نفسه كرئيس لقائمة )النصر( ودخل في تحالف مع قيادات » الحشد الشعبي » لم يستمر أكثر

حيدر العبادي رفع شعار الحرب على الفساد
حيدر العبادي رفع شعار الحرب على الفساد

من أربع وعشرين ساعة بسبب الصراع على رقم واحد في ذلك الإئتلاف الذي سيصبح رئيسا للوزراء.وتوزعت الكتل والأحزاب الشيعية الى خمس تحالفات )الفتح، النصر دولة القانون، الحكمة، الثائرون( اما القوى السنية فتوزعت بين قوائم وائتلافات ابرزها ائتلاف )القرار العراقي( بقيادة اسامة النجيفي الى جانب ائتلاف الوطنية بقيادة )أياد علاوي(. ولم تتبلور قوى انتخابية تدافع بصورة جدية عن حالة العراقيين بصورة عامة وبصورة خاصة التعبير عن المشكلات التي خلفها احتلال » داعش« عام 2014 حيث ملايين النازحين والذين لم تتوفر أمامهم فرصة العودة الى ديارهم المهدمة. ومما يظهر حاليا إن الترويج لتلك التحالفات الانتخابية يبتعد خطابها عن المواجهة الحقيقية أمام الجمهور. أما الأكراد فيعتقد ساسة الحزب الديمقراطي الكُردستاني أن الظروف الحالية تمنحه قوة انتخابية تسمح له بإحراز أغلب المقاعد البرلمانية في إقليم كردستان والمناطق المُتنازع عليها، وكذلك على الساحة الانتخابية العراقية رغم إعلانه الأخير بعدم خوض الانتخابات في كركوك وأن ذلك سيمنحه القدرة على استقطاب الكثير من الكتل البرلمانية الكردية الأصغر فيما بعد، وبذلك يغدو من الكتلة البرلمانية الكردية التي لا يمكن تجاوزها في البرلمان العراقي.أما حزب الاتحاد الوطني الكُردستاني الذي كان دوما شريك الحزب الديمقراطي، فإنه فقد الكثير من وزنه السياسي بعد انشقاق حركة التغيير عنه، كما سادت بعض الخلافات على وقع عملية إعادة انتشار القوات الأمنية العراقية في كركوك في أكتوبر الماضي، فيما قيل عن اتفاق جناح من الحزب مع بغداد دون علم الأجنحة الباقية.وتضاعف ذلك في الفترة الأخيرة مع انشقاق نائب الأمين العام للحزب برهم صالح وتأسيسه لـلتحالف من أجل الديمقراطية والعدالة.لكن رغم ذلك يعتقد الحزب أنه لا يزال يُسيطر على الحياة الاقتصادية والإدارية والعسكرية بشكل شبه مُطلق في مُحافظتي السُليمانية وحلبجة وبعض مناطق مُحافظة أربيل. لذلك فإنه يستطيع أن يُحرز مقاعد انتخابية تتجاوز كافة التوقعات التي تعتقد أنه سيفقد حضوره البرلماني بشكل شبه مطلق، وأنه سيعيد المفاجأة التي حققها في انتخابات عام 2014، حينما أحرز أغلب مقاعد محافظة كركوك، وتجاوز خسارته على مستوى الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان.

ويعتقد الاتحاد أن ذلك أفضل من أن يدخل في تحالف انتخابي من موقع الضعيف، والذي سوف يفقده الكثير من وزنه السياسي بشكل شرعي.وتتمركز حركة التغيير في الأساس بمحافظة السليمانية وبعض مناطق محافظة أربيل، وهي مُتهمة من قِبل الحزبين الرئيسيين بأنها حركة شبه انقلابية، لا تُريد أن تحافظ على مبدأ التوافق بين الأحزاب الكُردية التي حافظت على العملية السياسية في الإقليم منذ تأسيسه. ولا يعرف الى أي مدى ستتمكن القوى الموالية لولاية الفقيه في إيران من التأثير في مشهد الحكم للسنوات الأربع المقبلة حسب تصريحات أحد قادة الحشد بأن رئيس الوزراء المقبل سيكون من الحشد الشعبي والمقصود )هادي العامري( أم سيفوز المشروع العقلاني الناتج من تجربة الحكم الشيعي للسنوات الأربع عشرة الماضية، والذي تعهد العبادي بأنه سيتحمل مسؤولية تنفيذه للسنوات الأربع المقبلة وشكل بصيص أمل لقطاع واسع من الجمهور العراقي ممن لم يعد يعنيه أن يكون الحاكم سنيا أم شيعيا؟ بل هل سيرفع هذا الحاكم جزءا من أثقال هموم الحياة البائسة التي يعيشونها وخاصة ما لا يقل عن ثلث سكان العراق النازحين والمهجرين والمبتلين بالفقر والحاجة وعدم الأمان وفقدان بوصلة الأمل، في ظل إجراءات حكومية وحزبية جعلت من الحرب على الإرهاب غطاء شرعياً لمنع تحركهم الحر في أرض الوطن والمنع من دخول العاصمة التي شملتها عمليات التغيير والفصل الديمغرافي والاستبدال القسري لحزامها البشري؟ وفي ظل هذا الوضع المعقد للخارطة الانتخابية يلاحظ ضعف لوجود التيار الليبرالي الديمقراطي الداعي الى قيام الدولة المدنية دولة المواطنة، حيث يتوزع بعض الشخصيات لدى هذا الائتلاف أو ذاك دون حضور مميز يعطي فرصة لإمكانيات التغيير السياسي لصالح المواطنين.ولا يتوقع حصول تغييرات جذرية في قيادات الحكم العراقي المستقبلية ولا في توجهاتها التي خلفت كل الأزمات والانهيارات في البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ما وضع العراق على أعلى قوائم الفساد إلى درجة مديونيته بحدود 65 مليار دولار في ظل هذا الوضع المعقد حيث سرق من خزينته مبالغ تصل إلى 600 مليار ذهبت إلى جيوب مسؤولين حزبيين وحكوميين لم يقدم أحد منهم إلى القضاء إلى حد الآن ولم يتم استرجاع تلك الأموال المنهوبة، مما يضع جميع القائمين على السلطات الحاليين والحالمين بتجديد سلطاتهم في مواقع المسؤولية والشبهة، في مفارقة عجيبة لا تحصل سوى في العراق. فالفاشل والفاسد والمتسبب في ضياع الأرض وإفقار الناس وتجويعهم وإضاعة بيوتهم أو في منعهم من العودة إليها يمتلك الجرأة على طرح نفسه مجددا للبرلمان أو السلطة في ظل حقيقة عامة تقول بعدم صلاحية عاصمة العراق بغداد التي سبق وأن ضربت بها الأمثال بالأمن والزهو قبل عام 2003 للحياة الآمنة الكريمة وفي بلد مداخيله من النفط تؤمن حياة للعراقيين تضاهي حياة الرفاهية لأبناء الخليج.لا يتوقع إن تكون هناك آمال جدية باحتمالات الانتقال من المحاصصة الطائفية الى الولاء للوطن، بل هناك دعوة جديدة للأغلبية السياسية بديلا عن صيغة »التوافق » التي أصبحت جزءاً من مرحلة انتهت. فيما لا توجد هناك بوادر لحلول عراقية تعيد الاعتبار للمواطن العراقي الذي يحلم بأن تخلى الساحة السياسية من جميع الفاسدين والفاشلين، وتعطى الفرصة للمخلصين من أبناء هذا البلد الرافضين للطائفية السياسية التي خلفت كل هذا الدمار الذي يعيشه العراق.