طارق بشاشة والروح الجميلة

   شابٌ يظفر بشرف الانتماء الى اللغة، يحمل لحيته الكثّة ويصارع ببعض بياضها حنكة الدهر… هو موسيقي موهوب لا يعيد النغمة، »فلا قاعدة للقواعد«.. حسّه نظيف يعرف كيف يلتقط ظلّه متى تعثّر جسده… فالنغمة حين تطفح تهرب من أنفاسه، كلوحة فنية شاءت أن تخرج عن مبناها الى شكل جديد ، كدلالة على مجرى جديد للنهر…

هكذا هو الشاعر لا يعيد الكلام نفسه حين يقول… لتنطبع الكلمة بطابع خاص اسمه الشعر… وهكذا هو طارق بشاشة في أوتاره لا يعيد نَفَسَاً رحل، وإنما يصمت ليفاوض المعنى، فالصمت إحدى أدوات اللغة الحقيقية لتثبيت المعنى…

طارق بشاشة يعزف بحنينه على الة الكلارينت في شهرياد
طارق بشاشة يعزف بحنينه على الة الكلارينت في شهرياد

يأتي هذا الكلام في طارق بشاشة، لمعرفة واسعة بهذا الشاب الذي يحاور داخله مرات كثيرة، ليفضي الى سيرورة تشي بأهداف… منها رحلة الفن الحقيقية، التي لا يمكن أن تحصل دون أن »تنقِّز« الزمن، هذه هي بصمة الفنان ذالشاعر- الموهوب، وبلا الموهبة لا تطلّ معرفة ولا يشدو بلبل على سطح البسيطة… ليس بالضرورة أن يكسب الفنان الحياة ليخسر نفسه، الأهم كيف يصادق الحياة اللحظة، ليرعب الزمن الذي لا يقف أحدٌ في طريقه سوى واحدٌ أحد: الموهوب، المبدع، الخلاّق، على كثير من المعرفة… إنه العارف لا المتعلم، إنه النتيجة وليس السبب، إنه المعنى لا المبنى… إنه علم العلوم ونهاية النهايات…

حين أسمع طارق بشاشة أعود الى زمن يختلف عن زمن الآخرين فيه… يجعلني أبكي وأضحك وأجنّ في لحظة واحدة، إنه التشابك اللغوي بين أن تركن لسانك، أو أن تخلق نَفَسَك… لتستبصر الحقيقة الجمالية لهذا الكون…

لهذا، أؤمن بأن الوتر ليس في الجسد وإنما في الروح، في الصدى، في عمق الكيان، حين ينظر الشاعر الى المرآة، لا يرى تفاصيل جسده، وإنما تجاعيد روحه، بعكس الرسام الذي ينظر الى تجاعيد الجسد، طارق بشاشة يجمع بآلته الموسيقية الاثنين معاً…

يعيدني هذا الرجل الى مرآة روحي، كأن أنغامه صدى الزمن الذي يستولد الحقيقة… هكذا يجب أن نفهم الفن الحقيقي، وهكذا نفهم الثقافة: الموهبة / العطاء ، المحبة ، والاحترام.. وكلها في روح هذا الرجل، الصامت الذي تسمع منه الكثير دون أن يقول…

شكراً لك يا الله على روح طارق الجميلة…