الحكم.. الديموقراطية والانتخابات- الإصلاح ومكافحة الفساد يقرران نجاح »سيدر« أو فشله في إنقاذ الاقتصاد اللبناني

غسان الحبال

يشهد لبنان خلال الايام القليلة المقبلة، اول انتخابات نيابية تجري وفق القانون النسبي الذي أقره البرلمان اللبناني الممدد لولايته ثلاث مرات، والذي يعتبر من اول وأبرز إنجازات عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.

الانتخابات والتحديات

لا يمكن الادعاء أن مصاعب اللبنانيين سوف تنتهي مع نجاحهم في السادس من شهر مايو/أيار 2018 في إجراء الانتخابات النيابية، أيا كانت نتائجها، لا بل من المناسب القول أن متاعب وتحديات جديدة سوف تظهر ابتداء من السابع من مايو/أيار، وفور انتهاء الاحتفالات بإنجاز انتخابات شهدت تحالفات بين مختلف أطرافها المتناقضة ان لم نقل المتنازعة، وافتراقا انتخابيا بين أطرافها المتحالفة أساسا، في أعقاب انفراط عقد كل من القوتين السياسيتين الرئيسيتين والمتمثلتين ب 8 و14 آذار.

مؤتمر سيدر: الإصلاح ومكافحة الفساد أولا
مؤتمر سيدر: الإصلاح ومكافحة الفساد أولا

وقبل الحديث عن التحديات الجديدة التي ستطرأ في أعقاب الانتخابات، لابد من الإشارة إلى أن الملفات المزمنة ستبقى قائمة وسوف تفرض نفسها مجددا على المجلس النيابي الجديد والحكومة الجديدة، وهي ملفات لمشكلات أصبحت معروفة وتتمثل بقضايا شائكة لم يعد المواطن قادرا على التعايش معها أو السماح باستمرارها من دون حل، على الرغم من الوعود الكثيرة والتعهد بحلها مع كل مؤتمر دولي لدعم الاقتصاد اللبناني أو مع كل استحقاق انتخابي نيابي أو بلدي.

الإصلاح ومكافحة الفساد

يتقدم هذه الملفات ملف مكافحة الفساد الذي يعتبر من أبرز أسباب التخلف الذي يجتاح مختلف المرافق الرسمية في لبنان، والذي يعتبر مدخلا رئيساً للإصلاح الموعود. وتكاد أزمات النفايات والكهرباء والمياه المزمنة تختصر مؤشرات الفساد المستشري في الادارة بالآتي:

1 – تعمد المسؤول اعتبار مسؤولياته واعتمادها تشريفا ووجاهة وليست تكليفا وتضحية وطنية.

2 – التصرف عشوائيا بالمال العام وصولا الى السرقة.

3 – الجشع حيث يصر المسؤول على اعتبار غنائم الموقع حقوقا مكتسبة.

4 – ارتكاب تجاوزات قانونية وصياغة قرارات تتيح له أبواب الإثراء غير المشروع.

5 – قبول الرشاوى وفرض الخوات لقاء السماح لنفسه باستغلال موقعه لتمرير معاملات لا تستوفي الشروط القانونية.

واستتباعا فإن التحدي الثاني المكمل لمكافحة الفساد، والذي سيواجه الحكم بسلطتيه التنفيذية والتشريعية المرتقبتين بعد الانتخابات النيابية، وهو تحد سياسي أكثر منه خدماتي، ويتمثل بدراسة واقرار بنود الإصلاح في الادارة والنظام عموما وعلى مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

واذا كان التغني بكلمات مثل الاصلاح ومكافحة الفساد يعتبر أمرا سهل التناول في محاضرة او في خطاب جماهيري، فان دون تحقيقهما عقبات كبرى وعراقيل جمة تعتبر مواجهتها امتحانا عسيرا سوف يدخله لبنان مع دخوله الثلث الثاني للعهد الحالي، إذ ستظهر أمام الحكم الصورة واضحة جلية بأن وطنا كان إستقلاله تسوية وفشل أبناؤه في إصلاحه بعد سبعين عاماً من عمره، فإن من الصعب اليوم إصلاحه بمجرد قانون للإنتخابات النيابية، وأنه في مكافحة الفساد يمكن للدولة أن تستعيد ثقة مواطنيها، وفي الإصلاح يمكن لها أن تستعيد هيبتها وسلطتها على كل شبر من أراضيها.

الديمقراطية التوافقية.. شكلية

وفي مراجعة شاملة للنظام اللبناني منذ عهد الاستقلال وحتى يمكن القول أن لبنان يطبق الديمقراطية التوافقية بالشكل، أما فعلياً فهو يطبق نظاما طائفيا تسوويا بين أصحاب النفوذ فيه، وهو ما يعمق أزمة النظام من جيل إلى جيل ويعمق الهوة بين مكوناته، ويلغي المساحات المشتركة بين أبنائه.

ومن هنا يمكن الاستنتاج أن غياب الممارسة الديمقراطية يعتبر السبب الرئيسي في فشل النظام وتراجع الحقوق والحريات فيه، فضلا عن تعامل رجال الحكم مع الإستقلال كتسوية بين أصحاب النفوذ فيه وبينهم وبين فرنسا كدولة منتدبة عليه، وذلك على النقيض مما قضى دستوره نصا بأن الهدف هو بناء وطن نهائي لأبنائه، حيث ساهمت مختلف عهود الحكم في قمع النضالات الوطنية النقابية والحزبية من أجل إستحداث وطن تستثمر خيراته وتسخر ماليته العامة لشراء الأتباع والمناصرين، وتعميم ثقافة الفساد والتسويات المشبوهة والسمسرة والبيع والشراء.

ومؤخراً جاءت الانتخابات الأخيرة والأجواء التي رافقت حملاتها الإعلامية والاعلانية والوعود بالاصلاح التي أطلقتها هذه الحملات، لتضع النقاط على الحروف، ولتعترف بشكل غير مباشر بالفساد المستشري بسبب غياب العمل الديمقراطي والمحاسبة والشفافية.

«سيدر«.. والاقتصاد اللبناني؟

كما جاء مؤتمر »سيدر« الدولي الذي انعقد في العاصمة الفرنسية باريس في السابع من شهر إبريل/نيسان الماضي، دعما للاقتصاد اللبناني الذي بات على شفير الافلاس، وفقا لإعتراف جميع المعنيين اللبنانيين من داخل الحكم وخارجه، جاء هذا المؤتمر ليؤكد عبر الحملات التي رافقت الترويج لأهميته، فشل مؤتمرات اقتصادية  سابقة )باريس 3( في تحقيق البرامج التي وعدت بتنفيذها، بسبب الفساد في الادارة وغياب الإصلاح الموعود في النظام.

كما جاء مؤتمر »سيدر« ليفرض تحديات جديدة ستفرض نفسها على مسار الحكم والمؤسسات الدستورية بعد الانتخابات النيابية، تأكيدا على جدية تنفيذ الوعود في الاصلاح ومكافحة الفساد في إدارة الدولة وأجهرتها ومؤسساتها، إنقاذا للبنان وللإقتصاد اللبناني وتحقيقا للوعود التي تم إطلاقها في الحملات الانتخابية النيابية التي خاضها جميع الأطراف المشاركة في الحكم، ولاسيما تلك المعنية بالاشراف على سلامة العملية الانتخابية، وذلك خلافا  لقواعد العمل الديمقراطي الحقيقي المعمول بها في مختلف دول العالم الحر.

مؤتمر »سيدر« يجدد وعود 4 مؤتمرات سبقته

يواجه لبنان منذ التسعينات فشله في ادارة الاقتصاد والقطاع العام ومحاربة الفساد بمزيد من الاستدانة تحت عناوين براقة، في حين أن كل ما جناه المواطن إلى اليوم هو مزيد من الضرائب خدمة للدين العام المترتب عن دعم لبنان.

ففي »باريس 3« تعهد لبنان إصلاح قطاع الكهرباء من خلال تحرير إنتاج الطاقة وإنشاء الهيئة الناظمة للقطاع تمهيداً لخصخصته، وفي »سيدر« الراهن يتعهد لبنان بإصلاح قطاع الطاقة وخصخصته، فهل سيحصل اللبناني فعلا على كهرباء؟

في »باريس 3«، تعهدت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بخصخصة قطاع النقل تحديداً وما له علاقة بالمرفأ والمطار، وفي »سيدر« الراهن تتعهد الحكومة بخصخصة قطاع النقل وتوسعة مطار رفيق الحريري الدولي على أساس الشراكة وإجراء بعض التحسينات على البنية التحتية.

وفي »باريس 2و3«، تعهد لبنان بتخفيض الدين العام، وتطبيق إصلاحات بنيوية ومحاربة الفساد وخلق حوكمة مالية افضل، ومنذ حينه، الدين العام إلى ارتفاع والفساد بلغ حدا بات يهدد وجود الدولة بحسب اعتراف اركانها.

هنا قائمة بأربعة مؤمرات سبقت مؤتمر »سيدر« ووعوده:

 مؤتمر واشنطن: عقد في العام 1996 تحت شعار »مؤتمر أصدقاء لبنان«، حيث تقرّرت مجموعة مساعدات وقروض لتمويل مشاريع إنمائيّة.

مؤتمر باريس 1: عقد في فبراير/شباط 2001 في قصر الإليزيه. وتمحورت فيه خطّة الحكومة اللبنانيّة على دعم القطاع الخاص، ودمج الاقتصاد اللبناني بالاقتصاد العالمي، وخفض العجز المالي في الموازنة، إدارة الدين والخصخصة. وحصل لبنان على 500 مليون يورو على شكل مساعدات وقروض ميسّرة كمساعدة أوليّة.

مؤتمر باريس 2: عقد في نوفمبر/تشرين الثاني 2002 في قصر الإليزيه بمشاركة 23 دولة أوروبيّة وعربيّة وآسيويّة، ومؤسسات ماليّة دوليّة.

تركّزت خطّة الحكومة على خفض العجز المالي وإعادة هيكلة الدين العام وخصخصة قطاعي الاتصالات والكهرباء. حصل فيه لبنان على قروض بقيمة 4.4 مليارات يورو بفائدة 5٪: 3.1 مليارات كمساعدة ماليّة و1.3 مليار لمشاريع بنى تحتية.

مؤتمر باريس 3: عقد عام 2007، وركز على إصلاح القطاع المالي وتطوير الأسواق الماليّة وبيئة الأعمال للقطاعات الإنتاجيّة، وتقوية شبكة الحماية الاجتماعيّة للفئات الضعيفة والمهمّشة، تقليص العجز والدين العام والمحافظة على الاستقرار المالي والنقدي، الخصخصة، والمحافظة على استقرار سعر الصرف ودعم وتمويل مؤسسات القطاع الخاص ودعم القطاع المصرفي. وحصل لبنان على هبات وقروض ميسّرة بقيمة 7.533 مليارات دولار.

في حسابات الانتخابات، مؤتمر سيدر رابح لفريق الحكم، ووعود بتمويلات تعوم إنجازات الحكومة، وتستثمر في الإعلام والخطابات حتى مايو/أيار، أما في الحسابات العملية، فإن لبنان يخسر مجددا امام سقطات الفكر الاقتصادي المبني على الاستدانة، والمواطن اللبناني سيدفع مجددا ثمن وعود لم تتحقق من التسعينات، ولم تجلب سوى المزيد من الدين وخدمة الدين، فيما صرفت الملايين من دون رقيب أو حسيب.