في حوار مع المستشرقة والمترجمة الألمانية كورنيليا تسييرات

ليندا نصّار

»العالم في عيوننا«، أنطولوجيا نسائيّة لبنانيّة صدرت عن »دار شاكر« بمدينة آخن ألمانية، يتضمّن الكتاب قصائد تناولت مواضيع مختلفة لـ 37 شاعرة لبنانية، ترجمها إلى اللغة الألمانية المترجم الدكتور »سرجون كرم« أستاذ اللغة العربيّة والترجمة في معهد الدّراسات الشرقيّة والآسيويّة في جامعة بون ذ ألمانيا، والمستشرقة الدكتورة »كورنيليا تسيرات« من مدينة بون الألمانيّة وهي الحائزة على دبلوم في إدارة الفنادق والسياحة، بالإضافة إلى ماستر في الدراسات الشرقيّة والآسيويّة من جامعة بون، اختصاص اللغة العربيّة والترجمة. كما أنّها تعمل كمترجمة محلّفة للشؤون القضائيّة في مقاطعة الراينلاند بفالس – ألمانيا. وهي مدقّقة لغويّة للترجمات الأدبيّة من العربيّة إلى الألمانيّة، ومترجمة لعدد من مشاريع الأدب العربيّ الحديث إلى اللغة الألمانيّة. وقد قامت بتصميم الغلاف المهندسة »جان عيسى كرم«.  ورسمت الفنانة التشكيليّة اللبنانيّة »جنان الخليل« اللوحة في واجهة الكتاب.

وقد جاء في المقدّمة: »تعكس هذه الأنطولوجيا الموزاييك الدينيّ والاجتماعيّ للبنان؛ ففيها ترفع شاعرات لبنانيّات من مختلف الطوائف والمناطق الصوت للتعبير عن قضايا مثل: تقدير الذات للمرأة، نظرة المرأة إلى الرجل، نظرة المرأة إلى المرأة، العلاقة بالجسد، المشاكل

 المستشرقة والمترجمة الألمانية كورنيليا تسييرات
المستشرقة والمترجمة الألمانية كورنيليا تسييرات

الاجتماعيّة، العنف، جريمة الشرف، التمييز ووضع »الخادمات في المنازل« وتوزيع الأدوار بين الرجال والنساء. ويعمل قسم كبير من كاتبات وشاعرات هذه الأنطولوجيا في مجال الإعلام سواء مذيعاتٍ أم محرّراتٍ، في حين يعمل القسم الآخر في مجال التربية والتعليم.«

»الحصاد« التقت المترجمة كورنيليا تسييرات في بيروت وكان لها معها الحوار الآتي:

»الحصاد«:  ما هي الخطوات الّتي اتبّعتها مع الدّكتور سرجون كرم لإنجاز هذه الأنطولوجيا وإلامَ استندتما في اختيار المواضيع؟

كورنيليا تسييرات: إنّ فكرة الأنطولوجيا النسائيّة هي بمناسبة يوم المرأة العالميّ وتهدف إلى إعطاء المرأة اللبنانيّة بغض النظر عن منطقتها أو ديانتها أو خلفيّتها الاجتماعيّة، فرصة التعبير عن مشاكل آنيّة تواجهها. كما تبيّن لنا التقارير الإعلاميّة الراهنة منها تقرير »سيداو«: وهي معاهدة دوليّة للأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، فإنّ أشكال العنف المنزليّ والاعتداءات اللفظيّة والجسديّة على النساء وقمعهن لا تزال قائمة. فالشاعرات اللبنانيّات المختلفات يمثّلن في الأنطولوجيا المرأة اللبنانيّة في المجتمع الذي يغلب عليه الطابع الذكوريّ. ولقد وجدنا في اليوم العالميّ للمرأة الفرصة المناسبة لمعالجة هذه الإشكاليّة.

»الحصاد«:  بالنّسبة إليك ما هي طبيعةالعلاقة بين المترجم والمؤلّف لكي يكون العمل ناجحا؟

كورنيليا تسييرات: في الأنطولوجيا سبع وثلاثون شاعرة. وكلّ واحدة منهنّ تشكل تحدّيا لنا من ناحية التفكير في طبيعة مشاعرهنّ لإيجاد التعبير المناسب في الترجمة. كلّ شاعرة لها سيرتها الخاصّة وطريقة تفكيرها وطريقتها في التعبير بكلمات عن المعاش أو المُدرك. الأمر يحتاج إلى شعور مرهف لنكون عادلين تجاه كل كلمة وكلّ شاعرة في أثناء الترجمة.

»الحصاد«:  كونك مستشرقة ألمانية ومتابعة للأدب العربيّ والترجمات. ما رأيك بالأدب العربيّ عموما والأدب اللّبنانيّ خصوصا؟

كورنيليا تسييرات: أنا لست متخصّصة في مجال الأدب. أنا لغويّة واختصاصي في الدرجة الأولى هو دراسة تطوّر اللغة العربيّة في القرن التاسع عشر. في مجال الأدب العربيّ تنحصر ثقافتي في ما درسته في الجامعة وفي ما اطّلعت عليه لاحقا بمفردي. معرفتي بالأدب الجديد جاءت من علاقتي بالترجمة. انطلاقا ممّا سبق، إنّه من الصعب عليّ أن أقيم مقارنة عامّة بين الأدب العربيّ والأدب الألمانيّ. لقد كان للأدب العربيّ القديم صدى في ألمانيا إبّان القرن التاسع عشر، في حين الشعر العربيّ الحديث ليس معروفا. ربّما يتعلّق الأمر في قلّة ترجمة هذا الشعر من العربيّة وبالإضافة إلى ذلك، ليس هناك اهتمام في الوقت الحالي بالاطّلاع عليه. ما نجده على رفوف المكتبات الألمانيّة لا يتعدّى كتبا لمؤلّفين وشعراء عرب عاشوا في الغرب ويكتبون باللغة الأجنبيّة بعامل تسويق كتاباتهم. كقارئة ألمانيّة أبحث دائما عن المعنى في النص، عن الفكرة العميقة، في الوقت الراهن ليس للشعر في ألمانيا قيمة كبيرة كما هو الحال في العالم العربيّ، إذ إنّ القارئ الألمانيّ يهتمّ أكثر بالرواية كونها عقلانيّة أكثر من الشعر.

»الحصاد«:  بعد اطّلاعك على قصائد الشاعرات اللبنانيات بنظرة شاملة، هل يمكن التّحدّث عن أدب ذكوريّ وأدب نسويّ؟ ما الفرق بينهما ؟

كورنيليا تسييرات: من الصعب مقارنة هذه الأنطولوجيا مع الأدب »الذكوريّ« لأنّ المواضيع فيها كانت محدّدة سابقا. فلقد قامت الشاعرات بالتعبير عن إشكاليّة يتواجهن معها، وعلى هذا الأساس قمن باختيار قصائدهنّ. بعد قيامي بترجمة قصائد كتبها رجال ونساء، لا يمكنني أن أحدّد فرقا بين الجنسين من ناحية الشكل الشعريّ، غير أنّ النساء يعبّرن بطريقة مختلفة وبطريقة عاطفيّة أكثر من الرجال.

»الحصاد«:  إلى أيّ مدى استطعت من خلال الأنطولوجيا التي صدرت مؤخّرا بعنوان »العالم في عيوننا«، أن تكتشفي المسكوت عنه لدى المرأة اللبنانيّة،وهل يمكن اعتبارها مناضلة في مجتمع تغلب عليه النظرة الذكورية وتمنعها من ممارسة دورها والحصول على حقوقها؟ وما هي نظرتك إليها مقارنة مع المرأة الألمانيّة؟

كورنيليا تسييرات: أنا أنظر إلى كلّ شاعرة في هذه الأنطولوجيا على أنّها مناضلة من أجل حقوقها وحقوق النساء الأخريات. فقط من يتكلّم، يكسر الصمت. القصائد هي طريقة للتعبير في مجتمع ذكوري. كثير من المواضيع التي تمّ التطرّق إليها تعني المرأة الألمانيّة أيضا، على الرغم من أنّ الغرب يعاني بشكل أقلّ من الهيمنة الذكوريّة. ولكن هناك نقاط مشتركة كما في السابق من ناحية عدم المساواة بين الرّجل والمرأة من جهة المعاملة.

»الحصاد«:  هذه الأنطولوجيا هي ثمرة عمل مشترك مع الدكتور سرجون كرم الذي سبق أن خاض هذه التجربة في أربعة أعمال ألمانيّة لبنانيّة.في هذا المجال، إلى أيّ مدى يمكن اعتبار العمل الثّنائيّ ناجحا ؟ وما هي الصّعوبات والعقبات التي واجهتموها خلال تحضيركما لهذا العمل؟

كورنيليا تسييرات: إنّ التعاون مع د. سرجون كرم كان تجربة قيّمة بالنسبة إلي. أن أعمل مع أستاذي السابق في الجامعة شرف كبير لي. لقد زرت دروسه بانتظام وكذلك محاضراته عن الأدب العربيّ، وهذا ما وسّع آفاقي. لم أكن قادرة على إنجاز هذه الترجمة بمفردي على الإطلاق، كوني أحتاج إلى معرفة نوعا ما بالخلفيّة الثقافيّة والاجتماعيّة لفهم كافّة التفاصيل. فالنصوص لا يمكن ترجمتها حرفيّا. كان سرجون كرم يشرح لي دائما فكرة المقاطع الشعريّة ومعناها، لنبحث معا بعدها عن ترجمة مناسبة باللغة الألمانيّة. أعتقد أنّه في كتاب يضمّ اللغتين كهذا، من الإيجابيّ جدّا أن يشترك في إنجازه شخصان لغتهما الأمّ العربيّة والألمانيّة.

»الحصاد«:  ما هي شروط العمل على الترجمة وكيف يمكن ترجمة نصّ شعريّ مع الحرص على الصّورة الشعرية وكسر الحواجز اللّغويّة، علما بأنّ ترجمة الرّوايات تعدّ عمليّة أسهل من الشّعر؟

كورنيليا تسييرات: إنّ الصعوبات التي واجهناها في خلال هذه الترجمة هي نفسها تلك التي يتعرّض لها جميع المترجمين إلى اللغات الأخرى. يجب أن يكون المترجم خلاقا ليتمكّن من نقل اللمسات الفنيّة الأدبيّة بطريقة أنيقة ومتطابقة ما أمكن. الكثير من الاستعارات ليست نفسها في اللغة الألمانيّة، لذا وجب علينا إعادة تركيبها وصياغتها. وهذه عمليّة لا نهاية لأخذ القرار فيها. فمن خلال التجربة فقط يمكن نقل النصّ كما هو ولكن بكلمات مختلفة. الصعب في الأدب العربيّ هو التداعيات والاتكاء الكثير على عوامل دينيّة وثقافيّة. وهذا ما يجب توضيحه عند النقل إلى اللغة الألمانيّة حتّى يتمكّن المتلقّي من فهمه. لهذا السبب، من الأسهل برأيي ترجمة الروايات كونها لا تضمّ هذا النوع من الاستعارات والصور المجازيّة واللعب على الكلمات التي من الصعب التمسّك بها حرفيّا في أثناء الترجمة.

»الحصاد«:  في عرضه للأنطولوجيا، كتب دكتور سرجون كرم أنّ معظم الدعم كان معنويّا وقد تكلّف بكلّ المستحقات المادية. ما هي أسباب عدم الدعم المادي لهذا العمل؟ وعلى مَن تقع مسؤوليّة تمويل المنجزات الأدبيّة في غياب الهيئات الرّسميّة الموكلة الاعتناء بالثقافة؟

كورنيليا تسييرات: بالفعل، جميع المشاريع وحتّى هذا المشروع تكفّل به د. سرجون كرم ماديّا. من الصعب إيجاد دعم مادّي لمشاريع ثقافيّة من هذا النوع. هناك مساعدات تقدّمها هيئات ومؤسّسات ثقافيّة، غير أنّها تخضع لشروط كثيرة ولا تمنح إلا ضمن شروط معيّنة.

ولكن نحن سعداء جدّا بالدعم المعنويّ الذي حصلنا عليه من المؤسّسات المذكورة في الأنطولوجيا. فالمؤسّسات الخاصّة تموّل نفسها من التبرعات غالبا، بحيث ليس هناك دعم لهكذا مشاريع كمشروعنا.

لقد كان هذا الكتاب مشروعا مقدّما إلى النساء اللبنانيّات ولم نفكّر مسبقا بتأمين أي دعم ماديّ وهذا ما أبلغنا به جميع المؤسّسات التي قدّمت لنا دعمها.

»الحصاد«:  بعد صدور هذه الأنطولوجيا، هل تتطلّعين إلى خوض هذه التجربة مرة أخرى؟

كورنيليا تسييرات: لقد وجدت ترجمتنا صدى كبيرا ستظهر آثاره في المرحلة المقبلة بالإضافة إلى أنّه لفت انتباها واسعا. هذا النوع من الأنطولوجيات التي تتضمّن عدّة مشاركات يعبّرن عن موضوع مختلف ويصبّ في الناحية الإنسانيّة أجده محفّزا جديدا لي. وهناك فكرة يتمّ التداول بها حاليّا.