ما بعد الانتخابات العراقية.. هل سيتحقق التغيير؟

د. ماجد السامرائي

هل ستحدث الانتخابات العراقية الحالية التغيير المطلوب الخادم للمواطن العراقي ؟ سؤال مشروع يتساءله أبناء البلد ونخبه السياسية والثقافية العراقية المحبة لوطنها وكذلك كثر من النخب العربية التي ما زالت تجد في العراق مركزاً للاشعاع رغم ما مر به من نكبات متراكمة آخر حلقاتها ما حصل فيه من إنهيار مبرمج منذ التاسع من أبريل 2003 ولحد الآن، ذلك إن الاستهداف كان للعقل العراقي وللبنى التحتية التي تحققت عبر سنوات طويلة وحقائق الواقع السياسي تقول بأن الاحتلال الأمريكي لم يجلب الديمقراطية الحقيقية في أعقاب الدكتاتورية والاستبداد، وإنما قنن مشروع الطائفية ومحاصصاتها وأقصى أية محاولة جادة للتحول الديمقراطي الذي يحقق دولة المواطن، ومنع اشاعة قيم المحبة والسلم الاجتماعي، لذلك أقر الدستور بأن العراق هو دولة »مكونات« وتمت الشراكة بين »الأكراد والسنة والشيعة« وهي ليست شراكة مبدئية، وانما لقسمة المصالح والمنافع الحزبية والطائفية، وتشكلت الأحزاب والكتل الانتخابية وفق هذه النظرية السياسية الجائرة، واعتلى المشهد وعبر ثلاث دورات انتخابية قادة دينيون تركوا مواقعهم الحقيقية في المسلجد والحسينيات ليتصدروا العمل السياسي، إضافة الى مجموعات من انصاف السياسيين تدربوا على فنون الخداع والكذب وطرق الاحتيال وسرقة المال العام عبر ممارسات شكلت أكثر مظاهر التنافس تخلفاً وتكريساً للانقسام الاجتماعي، وسادت المصالح الخاصة، وتبدلت المعادلات التقليدية المعروفة والقائمة على قاعدة الانجاز للمواطن لتحل محلها قاعدة الفوز الانتخابي للحصول على مراكز حكومية تدر المنافع المادية بدلا من خدمة المواطنين، وخلال إثني عشر عاما من مهرجانات الانتخابات سادت أدبيات غريبة في الممارسة الانتخابية فيها إهانة للمواطن واستغلال بشع لواقعه المتدهور، فالمرشحون يشحنون ماكنتهم الدعائية مما جنوه من السرقة، وأصبحت الأحزاب الكبيرة تمتلك القدرات الهائلة لإغراق الشوارع بالوسائل الدعائية المتخلفة »الملصقات الجدارية« على شوارع تملأها العثرات والمطبّات، وجدران تحكي قصص البؤس والدمار، وعبر قنوات فضائية »طائفية« تبث دعوات الكراهية والانتقام، ويتم التقرّب المؤقت من المواطنين عبر أساليب كثيرة مثل الحملات المفتعلة لإكساء الشوارع ووعود كاذبة بعقود وهمية، أو شراء البطاقات الانتخابية من الفقراء بمائة دولار فيما تختفي من البلد مشاريع الخدمات الرئيسية في الصحة والتعليم فلا إنجاز تحقق في بناء المدارس والمستشفيات والجامعات، ولم تتم محاسبة جادة للفاسدين الكبار وإمبراطوريتهم التي نهبت ثروات البلاد، حيث تقول الأرقام إن أكثر من )600( ملياردولار قد نهبت خلال السنوات الخمسة عشرة الماضية، وأصبحت بغداد من اكثر العواصم سوءاً في الحياة حسب منظمة الشفافية العالمية. رغم ذلك لم تتوقف تلك الأحزاب الكبيرة لمراجعة جادة ولأنها تعلم بأن مثل تلك المراجعة قد تطيح بمواقعها وزعاماتها. ولكي تبتعد عن المواجهة الجادة مع المواطن العراقي، استخدمت أساليب متقنة لإبعاد المواطن وإغراقه بمعارك سياسية وهمية وتوترات طائفية وصلت عام 2006 الى درجة الاقتتال بعد تفجير مرقد الإمامين العسكريين بسامراء، ما عدا المعركة الجادة ضد احتلال »داعش« الارهابي لثلث أرض العراق حيث قدم شباب العراق من مختلف الطوائف والأقليات دماءهم الزكية لطرده من أرض العراق، وكان لفتوى المرجع الشيعي )السيد علي السيستاني( دور مهم لانتظام الشباب في التطوع لصالح تحرير العراق، لكن بعض القوى »المليشياوية« استثمرت ذلك لأهداف سياسية للدخول في معركة السلطة، ولتحدث تغييرا في موازين الأحزاب الكبيرة التقليدية. فوجدنا خلال الشهرين السابقين للانتخابات ظهور قوائم فيها عمليات تنافس بين الأحزاب »الشيعية« لمن يشكل رأس هرم السلطة، والتنافس حصل داخل قيادات حزب )الدعوة( الذي يرأسه )نوري المالكي( حيث نافسه بقوة رئيس الوزراء الحالي )حيدر العبادي( الذي حاول استخدام النصر العسكري على »داعش« في معركته الانتخابية بعد ان أسس إئتلاف »النصر« كمنافس لإئتلاف »دولة القانون« الذي يرأسه المالكي في ترتيب قيل عنه بأنه محاولة لكسب اصوات الناخبين في الوسط الشيعي، ومن ثم الدخول في حوارات الرقم واحد بعد الانتخابات، الى جانب قوائم عمار الحكيم ومقتدى الصدر، وقائمة )هادي العامري( الذي يبدو إنه يسعى للوصول الى رئاسة الوزراء بدعم خارجي إقليمي، وباستثمار سياسي للنصر على »داعش« لكي تصبح زعامات قوات »الحشد الشعبي« قوة منافسة كبيرة انتقدتها »المرجعية الشيعية« بالنجف حين عبرت عن رفضها توظيف قتال العراقيين للمكاسب السياسية، وكان الزعيم الديني )مقتدى الصدر( أكثر وضوحاً في رفض إدخال زعامات )الحشد الشعبي( في العملية الانتخابية. أما التجمعات السنية فهي موزعة على إئتلافات وقوائم مختلفة أبرزها التحالف بين )أياد علاوي( رغم إنه لم يطرح مشروعاً طائفياً مع )سليم الجبوري(ذي التوجهات الاسلامية »السنية« وفي هذه الحالة لم يكن متوقعاً أن تفوز قائمة واحدة او إثنتين بالأغلبية، بل تتوزع الأصوات على عدة قوائم أبرزها خمسة، أما الأكراد فقد تركت تداعيات )استفتاء كردستان( في سبتمبر الماضي تأثيراتها في تراجع متوقع لعدد اصوات القيادتين الكرديتين )الديمقراطي والوطني( خصوصاً في كركوك التي دخلتها القوات الحكومية وطردت »البيشمركة« منها في السادس عشر من اكتوبر 2017، ومناطق سهل نينوى والموصل، الى جانب تنامي كتلة التغيير المتمردة على قيادة »البرزاني« والتكتلات الإسلامية الكردية. ما يمكن توقعه بعد الانتخابات هو قيام تحالفات لتشكيل الكتلة الأكبر داخل البرلمان والتي ستشكل الحكومة المقبلة، والتي لا يتوقع لها الخروج عن هيمنة حزب »الدعوة« سواء أكان للمالكي أو العبادي والذي يبدو إن حظوظه أكبر بسبب الدعم الأمريكي له، كما لن تخرج عملية اختيار الحكومة ورئيسها في العراق عن لعبة المصالح الدولية خصوصاً )طهران وواشنطن(. ومهما قيل عن تبديل العناونين الانتخابية تحت مسميات )الأغلبية السياسية أو الوطنية( لدى الأحزاب الشيعية فإن وجوه الزعامات التقليدية ستبقى والتي كان حصادها الفشل وعدم الانجاز، ولا يمكن توقع أن يتبدل المنهج السياسي للعملية السياسية، بل سيتم تكثيف وإطلاق يد القوى المغلفة بالدين وبشكل متطرف، ولا يتوقع كذلك أن تنفرج الحالة الاقتصادية في ظل تكبيل العراق بالقروض حيث تشكل نسبتها في ميزانية العام الحالي 2018 )60( مليار دولار، وسط حالة من التقشف تمس حياة المواطنين وخصوصاً العاملين في اجهزة الحكومة الذين وصل عددهم العشرة ملايين حيث تستنزف رواتبهم تلك الميزانية ولهذا لجأت حكومة العبادي الى إقتطاع نسب من تلك الرواتب وفرض ضرائب عدة على الناس من دون مقابل بالخدمات العامة، كما لن يتم المساس بزعامات مافيا الفساد، ولا مكان لحلم العراقيين بحياة آمنة مستقرة مزدهرة لهم ولآطفالهم وشبابهم خصوصاً أولئك الملايين في المحافظات التي تحررت من داعش.