… أم الحاجة… وأم الإختراع

ريما كركي

»الحاجة أمّ التنازل«… قول سمعته واستوقفني لما فيه من واقعية واضحة… وبحسب علمي أن »الحاجة أمّ الإختراع«، لكنها تبدو لي أكثر »أمّ التنازل«… هي »أمّ التنازل« بالفطرة، بِحَمْلٍ طبيعي، وقد تكون »أمّ الاختراع« بالتبني يعني مش بالأصالة… فحالات الإختراع ضئيلة بالمقارنة مع حالات التنازل، لأن الحاجة بطبعها تشلّ أكثر من كونها تُحفِّز على الخلق… خاصة في أيامنا هذه، فالناس لا وقت لديها لتبتكر، لأن من يتوقف عن الجري يُداس، يهرس في زحمة الضغوطات والفقر والعوز والجوع…

فالحاجة هذه الأيام تكسر المبادئ و»تليّن« المواقف، وتحوّل الجبل إلى تلّة يسهل صعودها، والبحر إلى نهر يسهل ركوبه، والأسد إلى حيوان أليف يسهل ترويضه…

لكنه رغم بشاعة الحاجة إلى الآخرين كطلب زاد أو وظيفة، تبقى »الحاجة« للحنان والحب، الحاجة إلى الشعور أننا أحياء، نُحِب ونُحَب، هي الأصعب… فقد نُصبّر بعضنا على كل »الحاجات« بعاطفة جياشة حلوة أو كلمة دافئة تواسينا، لكن أن تكون »الحاجة« نقصاً في العاطفة فتلك هي الكارثة…

فحال غياب العاطفة كحالِ البناء الذي يصبح »آيلاً للسقوط« لمجرد تخلخل حجر واحد فيه… بناءٌ لا ينفع فيه ترميم ولا تدعيم…

إن »الحاجة« في المجال العاطفي تفرض تناقصاً ما لا رجوع عنه، ولا حلّ له… وفي أحسن الأحوال، إن عبّرنا عن الثغرة التي نعاني منها، تأتي الحلول ترقيعاً، وافتعالاً ومجهوداً لمسألة تكمن »حلاوتها وعافيتها« بتلقائيتها…

كما أن التنازل في هذه الحالة لن يُشبع الحاجة ولن ينقذ الحب الضائع، بل سيخلق نقمة صامتة، وندماً على عطاء لم نحصد منه ما توقّعنا…

»الحاجة« في العاطفة هي الحاجة الوحيدة »العقيمة«… إنها الوحيدة التي ليست »أُمّ« أحد… لا أُمّ التنازل ولا أُمّ الاختراع… قد تكون »أُمّ« نقص أو خسارة لن تعوّض…