صناعة الثقافة بيننا وبين الصين

نعيم تلحوق

من خلال سياسة الانفتاح التي تعتمدها الصين بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، يبدو أن الأمة الصينية أخذت تنجح في ملاقاة القارات الأخرى، باعتماد عناصر تأسيسية لمرحلة العولمة السياسية والاقتصادية والثقافية… وهذا مفهوم ذكي لتجنب أخطار القطب الواحد في العالم… وقد يبدو ملفتاً من خلال هذه الدورة هو عمل الصين على تجذير المفهوم الثقافي بتقنيات عصرية تخدم التفاعل البنائي والأقنومي للذاكرة الثقافية عند الجيل الجديد الذي يبحث عن موقع له ضمن الخارطة العولمية الجديدة…

اذا اتفقنا على أن الثقافة هي الانسان، لوجدنا أنفسنا أمام شكلين من التجربة العصرية هما التالي:

الابداع هو سمة قيمة لا سيمة فرق وهو ما يعني المنتج الثقافي أو السلعة الثقافية، وهذا يخدم التبادل والتعاون إلى أقصى حد ممكن.

الرؤيا حيث يضع العقل مجهوداته في اختصار الوقت وتقديم أفكار للمعرفة، أي ما يصح أن نطلق عليه السوق المعرفي فتتدخل الاشراقات التبادعية في سوق العمل فيصبح القليل من الكلام أهم من كل الكلام الذي يهدر الوقت.. وهذا ما اختصره فيلسوف وعالم من بلاد العرب اسمه النفري حين قال: »كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة«.. وهذا ما نقصد به التبادع المعرفي…

هنا أحب أن أسجل بعض الأفكار قبل البحث في موضوعات التبادل والتعاون وهي ما يلي:

الثقافة منجم لغوي واحد اسمه الخلق والابتكار، والصين أمة وليست دولة… أي هي مجمع دول في دولة تدعى الأمة، وحفاظها على الأقليات كمشروع ثقافي واحد… هي الصين التي تجمعهم تحت سقف البناء اللغوي الذي هو الأمة، يجعلها جديرة بالانتباه إلى سمة القيمة لا إلى سمة الفرق بين الأعراق…

الفكرة هي المساحة التي تستغل في الثقافة كي تصبح صناعة توظيفية يشارك فيها كل شرائح المتحد الاجتماعي لهذه الدولة، وذلك في خدمة الانسان والرأسمال في آن واحد…

أما الآن يمكنني أن انتقل إلى المحور الذي يجمع موضوعات المناقشة وهي صناعة الثقافة ونيّة التعاون بين الدول العربية والصين أو بلدي الذي أمثله بينكم وهو لبنان…

لبنان بحاجة إلى تعاون وثيق في مجال الصناعة الثقافية مع الصين، وذلك لاعتبارات انفتاحه على كل النظم العالمية ما سوى »اسرائيل« التي لا تتوافق شروط بنائها مع إرثه الثقافي ولا منتوجه الفكري رغم محاولات جرّه بهذا الاتجاه في ظل السيطرة الأميركية على المنطقة وتأثيرها على كل الدول النامية…

لكن لا أظن أن الصين يمكنها أن تدخل عالم الآخر ومسرحها ثابت غير متنقل… وذلك يحتاج إلى استثمارات بالغة الكلفة… إن دولنا صغيرة جداً بقياس بلادكم لكن مسرحاً ضخماً وموسيقى رائعة بهذا الوزن الحضاري يجب أن يجد له توظيفات ثقافية أكبر وأبعد من حدود الصين نفسها… وهو ما نسميه الاستثمار الحضاري…

أما على صعيد إدارة الثقافة الانترنت، فلبنان بلد مفتوح وقد دخل هذا المجال منذ منتصف التسعينات بشكل كثيف ومبرمج، مما جعل المدارس والمعاهد الجامعية يدخلونه في صلب المنهاج الدراسي. أما بالنسبة إلى حماية التراث الثقافي غير المادي، فقد وقّع لبنان أكثر من اتفاقية بهذا الخصوص رغم أن الحرب اللبنانية كان لها أثراً سلبياً في تدمير وسرقة بعض الآثارات التي تدر استثمارات جديدة، وقد جاء البناء العولمي ليلغي بعضها ويهرّب البعض الآخر إلى خارج البلاد… وكان لتأثير صراع القبائل والأعراق والطوائف الدور الكبير في هذا المجال…

أما الوضع الراهن فهو مأسور للسياسة الدولية بسبب عدم الاستقرار الكافي للبنان، مما يؤخر عجلة التنمية لناحية السوق، وكذلك الوضع الأمني غير المستقر الذي يؤثر على المسرح والموسيقى والفن التشكيلي والسينما، أما الشعر والقصة القصيرة واللذين لم ألحظهما في الصين خلال الدورة الدراسية التدريبية، أو لقاءات حوارية مع أدباء وشعراء وقصاصين كبار من الصين للاستماع إلى آرائهم وأفكارهم في ميادين الأدب الصيني والعالمي، وكذلك صناعة الكتاب كأن يصبح منتوجاً سلعياً كباقي السلع الثقافية الأخرى، عبر ابتكار كتاب الجَيب الذي يسمح لأي كائن أن يقرأه بساعة واحدة في الطريق الممتدة من تشينجن إلى كوانشو، وهو عبارة عن خمسة آلاف كلمة تقطع فيها ثلاث كتب دفعة واحدة بثلاث ساعات كما هي الحال في أميركا وأوروبا…

التوصيات

إنشاء المراكز الثقافية الصينية في كل الدول العربية…

العمل الجاد على ترجمة الآداب العربية إلى اللغة الصينية وبالعكس…

التشدد في موضوع حماية الملكية غير المادية كي يبقى عنصر الحفاظ على الحضارات والأقليات مشروع حضاري يوظف في موضوع الوطن-الأمة واستثمار تراثه وفلكلوره…

انفتاح الصين في ثقافة الانترنت إلى ما هو غير صيني، كإدخال برامج أجنبية ومسلسلات ومواقع عالمية كما هو حاصل في كل دول العالم وباللغات جميعها…