الى متى يتشبث فقراء اميركا الجنوبية باشتراكية متهالكة؟

بيروت – جاد الحاج

يبدو ان حالة الهلع إزاء اجراءات الرئيس الاميركي الجديد آخذة في التراجع على امتداد القارة الاميركية، وذلك بعدما تأكدت الاوساط المراقبة للحالة الاقتصادية ان واشنطن لن تتمكن من احداث خلل جسيم تؤثر مفاعيله سلباً على استقرار المنطقة، جنوباً وشمالاً على السواء. ولم يبق في الهامش الخطر سوى الوعيد الترامبي باقامة جدار يفصل المكسيك عن الولايات المتحدة، مع ان التدبير المذكور لا يحظى بموافقة وازنة لدى الكونغرس ناهيك بمضض المزارعين الاميركيين الذين يفيدون من رخص اليد العاملة الوافدة سرّا عبر الحدود الجنوبية.

كندا

المتوقع لقوى المعارضة أن تنتعش آخر الأمر وتسترجع مكانتها وفاعليتها بعد الهزيمة النكراء التي لحقت بها نتيجة انتخابات 2015، الأمر الذي يعني تشكيل منافسة أصلب وأشرس لحكومة حزب الأحرار برئاسة جوستين ترودو.

من ناحيتها، قررت الحكومة الدفع قدما بتطبيق سياسات ترمي إلى تعزيز سبل ارتزاق أبناء الطبقة الوسطى ومعيشتهم، وخفض مستوى انبعاثات غازات الدفيئة وتشجيع النمو الاقتصادي. مع ذلك، سوف تثبت الصعوبة المتزايدة لعملية إحداث المزيد من التغييرات والوفاء بالوعود المتعلقة بها، ولا سيما خطوط الأنابيب الجديدة لتسهيل عملية نقل النفط من رمال مقاطعة ألبرتا النفطية.

وسوف يختبر الاقتصاد الكندي مرحلة همود الغليان بعد أن كان العام الماضي قد شهد أسرع معدلات النمو خلال ستة أعوام، علما أن الإنفاق من قبل المستهلكين الأفراد والشركات والأعمال والقطاع العام ينتظر أن يبقي هذا الجانب ساخناً.

المكسيك

الرئيس إنريكو بنينييتو ممثل الحزب الثوري المؤسسي من يمين الوسط من المنتظر أن يقارب الانتخابات في تموز )يوليو( المقبل باعتباره قوة مستهلكة أو نافدة، كما هو متوقع )لأنه محظور على الرئيس دستوريا الترشح لأكثر من ولاية رئاسية بوتيرة متعاقبة(.

هذا هو بالضبط الوضع الذي يجعل مرشح حركة التجدد الوطني اليسارية أندريه مانويل لوبيز أوبرادور في وضع يسمح له بخلافة بنينييتو على نحو شبه مؤكد، إذ نجد الأول يستفيد بشكل جيد من الانقلاب في الرأي العام يتيح التصويت ضد طروح الهيئة السياسية الاجتماعية الحاكمة.

من جهتها، سوف تركز الحكومة على تنفيذ إصلاحات أساسية وجوهرية في قطاع الأعمال والشركات ومجال نشاطها، علما أنها كانت قد سنت عددا من القوانين في مرحلة باكرة من عهد الرئيس بنينييتو، الأمر الذي يمكِّنها من الاستجابة بالشكل الصحيح لأي تدابير وإجراءات حمائية قد تعتمدها الجارة الكبرى إلى الشمال، أي الولايات المتحدة. على أن الدفع نحو الإصلاح ينتظر أن يجعل الاقتصاد في وضع أكثر ملاءمة في نهاية المطاف.

ومن الضروري أن يتم الانتهاء قريبا من إعادة التفاوض على أحكام معاهدة أو اتفاق التجارة الحرة لأميركا الشمالية وبنودها وشروطها في وقت باكر من العام الطالع، وذلك قبل موعد حلول الانتخابات الرئاسية المرتقبة في المكسيك أولا، ثم التشريعية في الولايات المتحدة قبيل نهاية هذا العام.

الولايات المتحدة

إذا افترضنا أن الرئيس دونالد ترامب سوف يستمر في شغل منصبه في البيت الأبيض حتى نهاية العام الجديد، فمن شبه المؤكد أن برنامج عمله المسمى »أميركا أولا« سوف يتعرض للفشل والإخفاق أكثر مما ينتظر أن يعرف النجاح والتوفيق.

وليس غريبا ان يؤدي تعطيل النشاط والعمل في صفوف حزبه الجمهوري، وتحديدا بين أعضاء مجلس النواب، إلى تعطيل القسم الأكبر من مساعيه، حتى ولو أمكن للرئيس أن يضمن إقرار مشروع قانون لإصلاح نظام الجباية والضرائب؛ ولعله أيضا يصيب مقدارا مقبولا من النجاح في إبطال بعض القوانين والأنظمة والقيود.

أما التحقيق بشأن صلات الرئيس ترامب المزعومة مع روسيا وحكومة الرئيس بوتين، فينتظر أن يشكل تشتيتا للجهود والانتباه لمدة عام كامل. على أن معدل النمو المقدر بنسبة 2 تقريبا يشكل مقياسا عاديا جديدا، وذلك على الرغم من تفاخر الرئيس ترامب بأن في وسعه رفع هذا المعدل حتى يلامس نسبة 3.

الأرجنتين

يستمر المشهد السياسي على حاله من التقلب وعدم الاستقرار في ظل رئاسة السياسي من يمين الوسط، ماوريسيو ماكري، وحكومته الائتلافية المعتبرة حكومة أقلية.

على الرغم من مواجهة الرئيس ماكري برلمانا معاديا، فإن ءالرجل نجح في تكريس الاستقرار في الاقتصاد الوطني، الذي كان يعاني الاضطراب والفوضى في زمن سلفه ومع بداية عهده، بينما بدأ منذ بعض الوقت حملة ترمي إلى اعتماد إصلاحات اقتصادية في البلاد، ينتظر أن تشكل الأساس الثابت أو شبه الثابت للنمو المستدام على مدى الأعوام المقبلة.

مع ذلك، عملت حال التقشف المعتمدة منذ بعض الوقت على استعداء الناخبين المعرضين لضغوط شديدة ومتواصلة. في جميع الحالات، من المتوقع للاقتصاد أن يحقق نموا وفق المعدل الأسرع والأكبر المسجل منذ العام 2011 وحتى بداية العام الجديد.

الإكوادور

أمكن للحزب اليساري الحاكم، وهو حزب التحالف الوطني، أن يحرز الفوز في الانتخابات الرئاسية خلال العام المنصرم، وذلك على ضوء تخلي الرئيس رافاييل كوريا عن موقعه لمصلحة نائب الرئيس الأسبق لينين مورينو، الذي امسى رئيس الدولة خلفا للشخصية التي باتت معروفة بنهجها اليساري التنموي.

غير أن هذه الاستمرارية في ظاهرها تخفي في حقيقة الأمر الكثير من المشاكسات وحالات عدم التفاهم والاتفاق ضمن خارطة الحياة السياسية الإكوادورية، حيث تعتبر الانقسامات بين المعتدلين الذين يتولون السلطة والمتطرفين الذين نقلوها إليهم أشد إيذاءً وتخريبا من تلك القائمة بين الحكومة والمعارضة.

من ناحيته، يفترض بالرئيس مورينو أن يسعى إلى معالجة أحوال المالية العامة المعرضة للضربات والاختلال، وإحداث التنويع في الاقتصاد المعتمد على النفط.

الأوروغواي

تَظهر دلائل التعب وعلاماته على ائتلاف الجبهة الكبيرة من يسار الوسط، علما أن هذا التحالف يتولى السلطة منذ العام 2005 دون انقطاع. والرئيس تاباريه فاسكيز يواجه مقدارا من النفور والكراهية داخل صفوف الائتلاف يوازي ما يتعرض له من هذه المشاعر غير الودية في صفوف المعارضة.

في جميع الحالات، من المنتظر أن يسعى الرئيس فاسكيز إلى تضييق الفجوة المالية في العام الطالع، وذلك عن طريق خفض النفقات وزيادة الضرائب، وهذا النوع من التدابير قد يزيد من خطر تنظيم احتجاجات جماهيرية ضاغطة قد تؤثر في المشهد السياسي المتسم بالهشاشة وعدم الاستقرار.

البرازيل

يود حلفاء الرئيسة السابقة من يسار الوسط دِلما روسيف، التي كانت قد أطيحت في العام 2016 بسبب تورطها المزعوم في فضيحة تتعلق بالموازنة، أن يعاينوا سقوط خلفها، الرئيس ميشال تامر الليبرالي من يمين الوسط الذي تحيط به الفضائح وهو الذي كان حليفا في السابق للرئيسة روسيف.

مع ذلك، سوف يعمل الرئيس اللبناني الأصل المتولي السلطة في برازيليا على الدفع قدما بتطبيق خطة ترمي إلى تحديث قوانين العمل البرازيلية وعصرنتها وسط موجة من العداء لِشخصه لا تضعف ولا تتراخى في الأوساط والدوائر السياسية والقضائية في أكبر بلدان أميركا اللاتينية.

من شبه المؤكد أن كل هذه المناورات والمساجلات سوف تعمل بصورة موثوقة على تأكل رأسمال الرجل السياسي، علما أن قوة دفعه الخاصة سوف تتراجع بل وتتلاشى في رأي المحللين، ولا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات المقررة في تشرين الأول )أكتوبر( المقبل. على أن جميع هذه المناوشات يحتمل أن تتسبب بإضعاف تأثيره ونفوذه، بينما ينتظر من سلطانه أن يتأكل ويضعف كلما اقترب موعد الانتخابات المقررة منذ زمن بعيد في مطلع الخريف المقبل.

أما التعديلات والتغييرات في رواتب التقاعد الهامة، بل والحاسمة، لصحة البرازيل الاقتصادية في المدى البعيد، فليست مدرجة على الأوراق في هذا العهد الرئاسي.ومع تراجع الحماسة والتأييد للأحزاب السياسية العريقة في الأوساط الشعبية، يتعاظم احتمال توفير الانتخابات مجالا فسيحا أمام ظهور شخص جديد على الساحة.

ومن المنتظر أن تشهد مدينة بيراسيكابا خلال أشهر العام الطالع افتتاح أول منتزه للتسلية والترفيه يتخصص بموضوع الجنس وثيماته حول العالم، وهو يحمل تسمية »بلاد الانفعال الجنسي«.

الباراغواي

من المتوقع لحزب كولورادو الحاكم أن يحرز الانتصار والفوز في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ، حتى ولو لم يكن في وسع الرئيس هوراسيو كارتيز المتولي للسلطة حاليا ترشيح نفسه لولاية رئاسية أخرى بموجب أحكام دستور الأوروغواي ومواده.

عليه، من الجدير بجميع المراقبين أن يتوقعوا حدوث حملة أو معركة أولية بين السناتور ماريو بنيتاز والمرشح سانتياغو بينا الذي يحظى بتأييد الرئيس الحالي. أما حكومة بينيتاز، وهي الحصيلة المرجحة لمعركة الانتخابات، فينتظر أن تحافظ على السياسات الصديقة والملائمة للاستثمارات الأجنبية التي كان الرئيس كارتيز قد اعتمدها ووضعها موضع التنفيذ في خلال ولايته السابقة، علما أنها في الواقع أخذت تعطي مردودا سياسيا.

كذلك لا يغيب عن البال في جميع الحالات أن الطلب الخارجي الضعيف سوف يعمل على إلحاق الوهن والضعف بمستوى النمو ومعدله السنوي.

بوليفيا

سوف يقضي الرئيس اليساري إيفو مورالِس العام الطالع بأكمله وهو يتهيأ للترشح لولاية رئاسية رابعة وخوض معركتها في الانتخابات المقررة في العام المقبل، علما أن الدستور الذي كان الرجل نفسه قد طرحه وعمل على اعتماده في العام 2009 قد حظر ذلك عليه، بينما صار إلى إجهاض محاولة ترمي إلى توسيع نطاق الولايات الرئاسية وحدودها، وذلك بنتيجة الاستفتاء الشعبي الذي جرى تنظيمه في العام 2016.

من المفترض أن يشكل كل من تباطؤ النمو وانخفاض أسعار صادرات البلاد من الغاز الطبيعي عواملا سلبية مؤثرة، سوف تحرم الحكومة من الوسائل اللازمة لِتمويه الصدوع في القاعدة الشعبية الجماهيرية للحزب الحاكم. لذا تتوقع مجلة الإكونومست البريطانية في نشرتها الخاصة بالعام الجديد أن يجد الرئيس مورالِس نفسه مضطرا لخوض معركة بالغة الصعوبة، هي أشبه بسباق خاص بتسلق تل أو جبل وبصعوده.

البيرو

يحتفظ الرئيس بدرو ببلو كوزنسكي من حزب البيروفيين برعاية الكامبيو من يمين الوسط بتأييد 17 نائبا فقط من أصل أعضاء المجلس التشريعي البالغ مجموعهم 130 مقعدا. جدير بالذكر أن الأكثرية المترتبة على القوة الشعبية تطلبت ثمنا باهظا للغاية. في هذا السياق، صار إلى إقالة ثلاثة وزراء، بينما لا يكاد البرنامج التشريعي يتحرك ولو قليلا إلى الأمام.

على الرغم من العداء الملحوظ بين الأحزاب السياسية المختلفة، فإن جميع الأطراف يَظهرون كما لو أنهم على استعداد لتأييد السياسات التي تشجع الأعمال الصغيرة، وتسعى إلى تحجيم الإدارة الحكومية وتحديثها وتحسين أدائها. أما النمو، فينتظر له أن يسجل بعض الانتعاش في أعقاب تباطؤ ناتج من الأحوال الجوية المرتبطة بظاهرة النينو.

 سوف تنطلق البيرو اعتبارا من مطلع كانون الثاني )يناير( الحالي في تمثيل القارة اللاتينية على مدى فترة عامين من تولي مقعد دولة غير دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.

تشيلي

استقالت الرئيسة ميشال باشاليت اليسارية من منصبها قبل ان تمضي في حال ترنح البطة العرجاء وتعثرها خصوصاً أنها تحملت المزاعم والاتهامات الثقيلة بالتورط في الفساد، وفي تعثر الاقتصاد ونموه، وتعطل شبه تام للتقدم على صعيد تحقيق برنامج عملها التشريعي.

كذلك من المرجح أن يصار إلى استبدال التركيبة الحكومية بأخرى من ائتلاف تشيلي فاموس من يمين الوسط بقيادة الرئيس الأسبق سيباستيان بنيرا. ومن المفترض بإدارة بنيرا أيضا أن تحرك وتدفع قدما الضرائب والإصلاحات المطلوب اعتمادها في قطاع الأعمال والشركات عوضا عن تبديلها، ولا سيما أن الناخبين يتحدثون عن مساورتهم الشعور بخيبة الأمل والإحباط نتيجة سوء التنفيذ أكثر منهم تجاه السياسات نفسها وتوجهاتها ومحتواها.

المتوقع من فريق عمل حكومي جديد أن يتيح للاقتصاد التشيلي فرصة التمتع بالانتعاش والطفرة بعد الأداء المتردي بل والمزري في العام المنصرم.

كوبا

المفترض حسب التقارير الإخبارية المتداولة أن يقوم راوُل كاسترو بإعلان تنحيه عن منصب رئيس الدولة في غضون العام الحالي. إلا أنه لن يبتعد عن الإمساك بزمام السلطة الفعلية في البلاد، إذ ينتظر أن يحتفظ برئاسة الحزب الشيوعي الحاكم وربما بالقيادة العليا للجيش والقوات المسلحة أيضا.

ومن المتوقع أن يخلف الرجل نائب الرئيس ميغيل دياز كنال في موقع رئاسة الدولة؛ لكن، مع انتقال السلطة من يد الزعيم الثوري الطاعن في السن إلى أيدي الأجيال الشابة نسبيا، فمن المؤكد بل والطبيعي للغاية تسجيل مقدار من التزاحم والصراع على السلطة بغية الفوز بالمواقع والمناصب.

لا شك أن السعي جارٍ من أجل تأمين عملية انتقال حذرة إلى اقتصاد موجه نحو السوق، لكن هامش المناورة سوف يظل مقيدا ومحصورا بسبب الأزمة المتمادية التي تعاني من نشوبها فنزويلا بسبب الحصار الأميركي.

كولومبيا

سوف يبلغ اتفاق السلام التاريخي الموقع بين حكومة بوغوتا وقيادة ثوار الجبهة الكولمبية المسلحة )فارك(، والذي تم التوصل إليه في العام 2016، مرحلة دقيقة وحاسمة مع سعي المجموعة إلى الفوز بمقاعد في مجلس النواب عن طريق الانتخابات البرلمانية . وتجدر الإشارة إلى أن عملية التصويت تؤشر إلى نهاية الولاية الرئاسية الثانية للرئيس خوان مانويل سانتوس، علما أن نائبه فرغاس فييراس يبدو في وضع جيد وسليم يتيح له ان يخلفه.

يظل أمام الجميع الكثير مما ينبغي العمل لإنجازه على صعيد تأهيل جبهة فارك، والتفاوض مع مجموعة المتمردين الصغيرة المعروفة باسم إي إل إن الذي يتقدم ببطء شديد، علما أن عائد السلام ينتظر أن يأخذ بالظهور والحدوث مما يعني رفع مستوى الاقتصاد وزيادة تطوره.