إيران في عين العاصفة: سقوط الاتفاق النووي يهدد بزلزال داخل النظام الدولي

محمد قواص *

يسود إجماع في أن القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي دونالد بشأن موقف بلاده من الاتفاق النووي مع إيران يعتبر تطوراً جذريا، ليس فقط في علاقة واشنطن بطهران، بل بالنظام الدولي برمته، من حيث انتهاء قواعده وفق الرؤى التي أرادها له الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.

وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن الشهر الماضي الانسحاب من الاتفاق المبرم في 2015 الذي وافقت بمقتضاه إيران على تقييد برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية عليها وأبدى استعداده للتفاوض على اتفاق جديد رغم أن طهران استبعدت ذلك وهددت بالرد.

لم ينقلب ترامب على الاتفاق النووي فالوكالة الدولية للطاقة الذرية ما فتئت تصدر التقرير تلو التقرير مؤكدة التزام إيران الكامل ببنود الاتفاق. انقلب ترامب على إيران نفسها. لن تسمح إدارة الرئيس الأميركي، لا سيما في أجنحتها التي تزداد صقورية منذ تعيين جون بولتون ومايك

تعليق: لماذا قرر ترامب اغتيال الاتفاق النووي؟
تعليق: لماذا قرر ترامب اغتيال الاتفاق النووي؟

بومبيو في المواقع الأساسية للأمن والدبلوماسية في إدارة الرئيس ترامب، أن تكون ما تتمناه.

لم تكن إيران على أولويات الأمن الأميركي الاستراتيجي في مرحلة ما بعد »11 سبتمبر«. كانت طهران شريكا متواطئا في إسقاط نظاميّ طالبان في أفغانستان وصدام حسن في العراق، وبقيت كذلك في زمن الحرب ضد تنظيم داعش. بيد أن »الورقة الإيرانية« سقطت من حسابات واشنطن وباتت »أميركا العميقة« تعتبر أن إيران لم تعد فقط خطرا على أمن الحلفاء في الشرق الأوسط، بل باتت خطرا على الأمن الاستراتيجي الأميركي في المنطقة.

خروج واشنطن من الاتفاق النووي هو مدخل لعملية شاملة تروم إخراج إيران من بلدان المنطقة وإعادة نفوذها الحيوي إلى ما وراء الحدود. أدرك الأوروبيون أمر ذلك وهم الذي أقروا لواشنطن أن »الاتفاق لم يعد كافيا«، على حد تعبير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهم ذاهبون وفق حملة دبلوماسية جماعية إلى تغيير السلوك الإيراني قبل أن تتحوّل دعوات بومبيو وبولتون إلى تغيير النظام في إيران امرا حتميا في أجندات البيت الأبيض.

تصرّفت دول العالم المعنية بالاتفاق النووي مع إيران بانبهار ينمّ عن مفاجأة من أمر كان أعلن عنه دونالد ترامب حين كان مرشحا للانتخابات الرئاسية. عبرت كل الدول الموقعة، مع الولايات المتحدة، عن أسف، ثم بعد ذلك، عن تحذير مما يترتب على الأمر من تهديد للسلام وحتى للنظام الدولي برمته وفق الرواية التي صدرت عن الصين. بدا في لحظة واحدة أن العالم عاد عنقودا تمسك به واشنطن دون غيرها، وأن الحرد الأميركي مما يعتبر اتفاقا يعكس عالما متعدداً يعيد تصحيح ذلك المشهد وتأكيد أحادية قطبية لم تستطع طموحات روسيا ولا توسّع الصين من النيل من حقيقته.

ويقول محللون أميركيون إن ترامب أعاد موقع بلاده إلى قمة العالم وبعث برسائل إلى حلفاء الولايات المتحدة قبل الخصوم على أرجحية الموقف الأميركي على أي موقف آخر قد تتخذه دول كالصين وروسيا والاتحاد الأوروبي.

وأضاف هؤلاء أن البيت الأبيض قرر الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران على الرغم من أنه ليس اتفاقاً ثنائيا بين الولايات المتحدة وإيران بل هو اتفاق جماعي شاركت في إنتاجه خمس دول كبرى أخرى.

لم تبدأ المفاوضات حول البرنامج النووي مع الولايات المتحدة بل مع ما كان يسمى بالترويكا الأوربية. كان حسن روحاني حينها مشرفا على التفاوض ممنّيا النفس أن تغري ورشة التفاوض واشنطن فتلتحق بما يمكن أن يحوّل الجعجعة إلى اتفاق حقيقي يضع إيران في مصاف الكبار. كان روحاني يعرف أن لا اتفاق جدياً دون واشنطن، وبناء على ذلك انتخب رئيسا للجمهورية وكلّف بإنجاز هذا الحلم مع الأميركيين بعد أن أتاهم رئيس يرى في »عقيدته« أن الحل هو اتفاق مع طهران يغير يوما ما من شكل النظام الإيراني وسلوكه.

ويهدم قرار ترامب الإنجاز الرئيسي في السياسة الخارجية الذي حققه سلفه باراك أوباما ويفتح الباب أمام مواجهة أمريكية أكبر مع إيران ويوتر كذلك العلاقات مع بعض من أوثق حلفاء الولايات المتحدة، بريطانيا وفرنسا وألمانيا التي بذلت جهدا كبيرا لإقناعه بالحفاظ على الاتفاق.

لم يكن جوهر الاتفاق الذي وقعته مجموعة 5+1 مع إيران جماعيا. كان في حقيقته ثنائيا تمت المفاوضات حوله بين دبلوماسيين أميركيين وإيرانيين في مسقط عاصمة سلطنة عمان. جرى الأمر من وراء ظهر أهل المنطقة وأبلغ إلى »الشركاء« الذين محضوه توقيعا في يوليو من عام

الرئيس حسن روحاني: خطاب أقلق الإيرانيين.
الرئيس حسن روحاني: خطاب أقلق الإيرانيين

2015.

وحين جعل المرشح دونالد ترامب من »الانسحاب من أسوء اتفاق« عنوانا من عناوين الحجّ نحو الرئاسة في الولايات المتحدة، كان يعلم جيدا ظروف ولادة الاتفاق في ما هو معلن وما هو مضمر، وكان يدرك جيدا أن انسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق يحيل توقيع الآخرين حبرا على ورق.

ورأى دبلوماسيون في الأمم المتحدة في نيويورك أن الموقف الأميركي من الملف الإيراني أيقظ المجتمع الدولي على حقائق جديدة حول النظام الدولي، بحيث أن سقوط اتفاق بهذه الأهمية شاركت واشنطن وموسكو وبكين وباريس ولندن وبرلين في صياغته يمثل تحولاً في شكل العلاقات الدولية كما شكل اصطفافاتها التقليدية.

وأضاف هؤلاء ان فرص التوصل لاتفاق أوسع نطاقا مع إيران على أنشطتها النووية والصاروخية والإقليمية تبدو ضئيلة في أفضل التقديرات بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني.

وقالت مصادر قريبة من وزارة الخارجية الأميركية إنه، بعكس ما يعتقد البعض، فإن الدور الأوروبي كان محفزاً بشكل غير مباشر للرئيس الأميركي لاتخاذ قرار الانسحاب من الاتفاق.

وأوضحت أن ترامب كان وجه في إعلانه في 12 كانون الثاني/يناير إنذاراً نهائيّاً إلى الثلاثي الأوروبي المشارك في التوقيع على الاتفاق لـ »إصلاح العيوب الكارثيّة في الصفقة وإلا فستنسحب الولايات المتّحدة«. وتلخصت مطالب الرئيس الأميركي في إدخال التحسينات المطلوبة على الاتفاق النووي وأن تشمل هذه التعديلات على اتفاقات تتعلق ببرنامج إيران للصواريخ الباليستية وكيفية الحد من »نفوذ إيران المهدد للاستقرار في الشرق الأوسط«.

وأضافت المصادر الأميركية أن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان زار طهران في آذار/مارس الماضي كما زارها وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون قبل ذلك بعدة أشهر، وأن اجتماعاً جمع وزراء خارجية أوروبيين بوزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف في بروكسل في يناير الماضي، ناهيك عن تواصل جرى بين برلين وطهران لمناقشة سبل إنقاذ الاتفاق دون أن ترشح عن ذلك أي أعراض تفيد عن تقدم في هذا الملف.

وكشفت المصادر أن ما حمله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى الرئيس الأميركي قبل أسابيع من اعلانه الانسحاب نت الاتفاق النووي يعبر عن فشل في تلبية الشروط التي طلبها ترامب، ليس وفق تحليلات ضبابية، بل وفق معطيات عملية ناتجة عن اتصالات مباشرة أجراها الأوروبيون مع طهران.

وربما كانت الخطوة التي اتخذها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 24 نيسان/ابريل بطرح فكرة العمل مع إيران على »اتفاق جديد« جاءت انطلاقا من إحساسه خلال زيارة لواشنطن أن ترامب سيتخلى عن الاتفاق.

وقال ماكرون إن مثل هذا الاتفاق سيرتكز على أربعة أعمدة هي تقييد برنامج إيران النووي في الأجلين القريب والبعيد، وتقييد برنامجها للصواريخ الباليستية والحد مما يعتبره الغرب أنشطة مزعزعة للاستقرار في سوريا واليمن والعراق ولبنان، وهي تماما المطالب التي تطرحها

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: هل من حظوظ لإنقاذ الاتفاق؟
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: هل من حظوظ لإنقاذ الاتفاق؟

واشنطن

وقال مسؤولون فرنسيون إن الفكرة وراء ذلك كانت الإبقاء على الأمل في الدبلوماسية إذا ما انسحب ترامب من الاتفاق.

غير أن دبلوماسيين حاليين وسابقين فرنسيون قالوا إن إعادة إيران إلى مائدة التفاوض لإبرام مثل هذه »الصفقة الكبرى« سيكون أمرا في غاية الصعوبة وخاصة بعد ما تعتبره تراجع واشنطن عن الاتفاق.

ونقل عن خبراء في الشؤون الأوروبية في بروكسل أن الاتحاد الأوروبي يقف أمام استحقاق قد يكشف ضعف هذا التجمع الاقليمي عن اتخاذ موقف مستقل عن واشنطن.

وقال هؤلاء إن الأوروبيين سعوا إلى البحث عما يرضي ترامب لدى الإيرانيين دون أن يظهروا جهوداً جدية لاجتراح آليات تحمي الاتفاق النووي حتى دون الولايات المتحدة.

وأضافت هذه المصادر أنه من الصعب على الاتحاد الاوروبي أن يجد نقطة توازن ذات مصداقية تبقي أوروبا حليفة للولايات المتحدة برئاسة دونالد ترامب وتبقيها في الوقت عينه قريبة من إيران من خلال التمسك بالاتفاق النووي، وأن لا مفر للأوروبيين من الالتحاق بالموقف الأميركي ولو بصيغ ولهجة وسبل أخرى.

وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إثر قرارا ترامب إنه ينبغي عدم التشكيك في الاتفاق النووي مع إيران لكن لابد من إجراء محادثات بشأن اتفاق أشمل يتجاوز نطاق الاتفاق الأصلي، معبرة عن شعورها بالأسف والقلق بشأن قرار الرئيس الأمريكي.

ونقلت رويترز عن دبلوماسي أوروبي قوله إن الإيرانيين يتزايد انقسامهم بين من يعتقدون أن سبيل الحفاظ على الجمهورية الإسلامية هو تحسين الاقتصاد ومن يشعرون بأنه التشدد في الداخل والجرأة في الخارج.

وأضاف »الرسالة من جانبنا نحن الأوروبيين هي أننا لا نخوض )لعبة( تغيير النظام… فما نعتقده هو أن اتفاقا شاملا يسهم باطراد في تغيير شكل إيران« وربما يقنعها في نهاية المطاف بالتخلي عن الهيمنة الإقليمية.

وتابع »نعم هذا يتصف بالطموح لكنه )يعكس( أن الناس الذين تعاملنا معهم يوما بعد يوم منذ يوليو 2015 في البنية التحتية والتعاون الثقافي والأعمال والتعليم والنقل هم الناس الذين يرون التقدم… من خلال التحديث الاقتصادي لا من خلال الهيمنة الإقليمية«.

صور لمفاعل نووي إيراني
صور لمفاعل نووي إيراني

وقال إن »الفترة التي نحن على وشك دخولها قد تقود إلى ضغط حقيقي على النظام الإيراني. ولذلك فنحن نقول لهم بالفعل إن اتفاقا شاملا بهذه الأعمدة الأربعة )التي طرحها ماكرون( شيء يمكن أن يفيدكم«.

واعتبرت مراجع دبلوماسية بريطانية أن تهديد مستشار الامن القومي الاميركي جون بولتون بفرض عقوبات ضد الشركات الاوروبية التي تعمل في إيران يمثل موقفا متشدداً ضد الشركاء الأوروبيين، كما يكشف عن عزم واشنطن على تقويض هذا الاتفاق بشكله الحالي حتى لو كانت خارجه.

يعلن قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري أن الأوروبيين مرتبطون بالولايات المتحدة ولا يمكنهم اتخاذ قرار مستقل للحفاظ على الاتفاق. صدق الرجل في هذا، وهو أمر يحمل أخبارا سيئة لإيران. يعلن جعفري في ما يريد له أن يكون موقفا مُحقراً لأوروبا، أن إيران فقدت الاتفاق الحلم وأن ذلك التداول الثنائي في مسقط الذي أبصر النور اتفاقا في فيينا لن يتيح لإيران أن تكون أمرا واقعا يُفرض على العالم بالرعاية الكاملة للولايات المتحدة.

على هذا فإن خروج الولايات المتحدة بصفتها إحدى الدول الموقعة من الاتفاق يُسقط الاتفاق، في حين أن بقاء كل الموقعين الخمسة الآخرين لا ينقذ هذا الاتفاق. أمر تعرفه طهران وهي تكابر للإيحاء بغير ذلك.

ونقلت وكالة رويترز عن مسؤولين إيرانيين إن القرار يهيئ الساحة لتصاعد الخلافات السياسية داخل هيكل السلطة المعقد في إيران وربما يقوي شوكة المتشددين الساعين للحد من قدرة روحاني على الانفتاح على الغرب.

وقال مسؤول كبير بالحكومة الإيرانية قبل أن يعلن ترامب قراره »إذا انسحب ترامب من الاتفاق وفرض عقوبات يمكن أن تصيب مبيعات النفط الإيرانية بالشلل فلن يكون أمام إيران من خيار سوى إبداء رد فعل خشن«.

لم تعترف طهران يوما بسعيها لامتلاك القنبلة النووية، وذهب المرشد علي خامنئي إلى اعتبار الأمر ضد الدين ومخالف للشرع. كانت طهران منذ »تسريبها« لمعلومات حول برنامجها النووي السري، تروم التلويح للعالم بما تمتلكه من إمكانيات تقود إلى التحوّل في ذلك نحو أغراض صناعية، أي عسكرية. بالمقابل ساهمت البروباغندا الإسرائيلية المستمرة حتى الأسابيع الأخيرة في التعظيم من شأن الخطط الإيرانية لامتلاك أسلحة نووية تهددها وتهدد السلم الدولي.

كانت المفاعلات الذرية تعمل وأجهزة الطرد تدور مخصّبة اليورانيوم فيما ورشة إيران الحقيقة تعمل بجدَ في كل بلدان المنطقة. نشرت طهران مراكزها الثقافية في السودان ودول المغرب العربي ومصر، ونشرت خلاياها في دول الخليج، وتوسّعت مخالبها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان. باتت إيران رقما صعبا في كل المنطقة العربية، أقرت منابرها بـ »احتلال أربع عواصم عربية« قبل أن يعلن أحد كبار مسؤوليها أن إيران أصبحت »أمبراطورية عاصمتها بغداد«.

لم تكن إيران تريد من اتفاقها النووي إلا الانتقال في الشرق الأوسط من وضع الدولة المارقة إلى وضع الدولة العظمى المعترف بها دوليا. وربما يجوز في هذا الإطار التساؤل عما يضمره تعبير »5+1« من اعتراف بإيران كدولة تخاطبها وحدها دول ست كبرى. وربما أيضا يجوز التساؤل عن سرّ غياب العرب وتركيا عن اتفاق مع دولة إقليمية يرتبط بهم الخلاف أو الاتفاق معها أكثر من ارتباط الأمر مع دول لا حدود جغرافية ولا حكايات تاريخية معها.

ولفتت مصادر إيرانية معارضة إلى أن طهران كانت تبلغت بقرار ترامب الانسحاب من الاتفاق مبكراً، وأن ما صدر من مواقف إيرانية متعددة قبل إعلان القرار الأميركي كان هدفه تحضير الرأي العام الداخلي كما منابر الطبقة السياسية في إيران إلى مروحة الخيارات التي ستناور طهران داخلها في هذه المرحلة.

وقد ترواحت هذه المواقف بين التهديد بالانسحاب من الاتفاق ومن المعاهدة الدولية للحد من الأسلحة النووية وتصعيد لهجة جنرالات الحرس الثوري من جهة، والوعد بالبقاء داخل الاتفاق إذا ما قدم الأوروبيون الضمانات المالية اللازمة.

ولفت المراقبون إلى أن طهران أعدت جيداً لموقف رسمي أعلنه الرئيس حسن روحاني بنفسه محاطاً بشخصيات من حكومته بعد دقائق فقط من خطاب ترامب في هذا الصدد، على نحو يكشف في شكل الوقوف أمام الكاميرا وفي مضمون نص خطابه أن أمر انسحاب ترامب لم يكن مفاجئا لإيران.

غير أن مراقبين دعوا إلى قراءة غير متسرعة لخطاب الروحاني ورأوا أن الشق المتعلق بالرد الإيراني الرسمي على الموقف الأميركي كان متوقعا وضمن هامش الخيارات المعروفة المتاحة.

إلا أنهم لفتوا إلى أن توجه روحاني إلى الشعب الإيراني مطمئنا إياه أن لا خطر على توفر المواد الأولية والحاجات الأساسية يبعث برسالة إلى الإيرانيين كما إلى النظام السياسي في البلاد إلى خطورة الوضع الاقتصادي والسياسي الذي سيتأتى بعد قرار ترامب، خصوصا إذا ما أدى ذلك إلى سقوط الاتفاق نهائيا.

منح باراك أوباما إيران ما تريد. تعامل معها بحنان المحبّ وراح يوجّه سهام انتقاداته إلى خصومها ناصحا إياهم بالذهاب نحوها والاتفاق معها على تقاسم النفوذ في المنطقة. كان الرجل يتحرى تبرير »فعلته« فأخرجها ضمن رؤية استراتيجية شاملة للعالم في ما عرف في مجلة »أتلانتيك« الأميركية بـ »عقيدة أوباما«. انتشت طهران بما أنجزت وخرج الإيرانيون فرحين بالتطور المتعلق بالعلاقة المقبلة مع الولايات المتحدة أكثر مما تنطق به أحرف الاتفاق الشهير. بالمقابل سال لعاب الشركاء، لا سيما الأوروبيين، في ما يمكن أن يوفره سوق إيران لشركاتهم الكبرى من عقود.

لكن شيئا ما زلنا لا نعرفه في الولايات المتحدة هو الذي لم يطوّر الاتفاق إلى ما تصبو إليه طهران وهو الذي أوحى للمرشح دونالد ترامب بأن لا مستقبل أميركي لهذه الصفقة، على الأقل في متنها الحالي. لم يبح أوباما بسرّ ذلك ولم يصدر عن وزير خارجيته آنذاك جون كيري ما يفيد نظيره الإيراني محمد جواد ظريف عن سبب إحجام واشنطن عن رفع الفيتو الذي يتيح للنظام المصرفي والمالي الإيراني أن يكون جزءا من النظام الدولي في هذا المضمار.

ورأت مصادر دبلوماسية في جامعة الدول العربية أن العرب يجب أن لا يكونوا هذه المرة غائبين عن أي مداولات دولية تجري مع إيران كما يجب عدم تكرار تجربة الاتفاق النووي الذي أبرم مع الدول الكبرى دون أي تشاور مع دول المنطقة، وأن ما صدر عن وزارة الخارجية المصرية مصيب في هذا الصدد.

وقالت وزارة الخارجية المصرية في هذا الصدد إن مصر تؤكد على أهمية إشراك الدول العربية في أي حوار يتعلق باحتمالات تعديل الاتفاق النووي الدولي مع إيران، وذلك في أعقاب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق.

وأضافت الوزارة أن على إيران الوفاء بالتزاماتها الكاملة وفقا لمعاهدة عدم الانتشار النووي »بما يضمن استمرار وضعيتها كدولة غير حائزة للسلاح النووي«.

لم تكن إيران على أولويات الأمن الأميركي الاستراتيجي في مرحلة ما بعد »11 سبتمبر«. كانت طهران شريكا متواطئا في إسقاط نظاميّ طالبان في أفغانستان وصدام حسن في العراق، وبقيت كذلك في زمن الحرب ضد تنظيم داعش. بيد أن »الورقة الإيرانية« سقطت من حسابات واشنطن وباتت »أميركا العميقة« تعتبر أن إيران لم تعد فقط خطرا على أمن الحلفاء في الشرق الأوسط، بل باتت خطرا على الأمن الاستراتيجي الأميركي في المنطقة.

تصرّفت دول العالم المعنية بالاتفاق النووي مع إيران بانبهار ينمّ عن مفاجأة من أمر كان أعلن عنه دونالد ترامب حين كان مرشحا للانتخابات الرئاسية. عبرت كل الدول الموقعة، مع الولايات المتحدة، عن أسف، ثم بعد ذلك، عن تحذير مما يترتب على الأمر من تهديد للسلام وحتى للنظام الدولي برمته وفق الرواية التي صدرت عن الصين. بدا في لحظة واحدة أن العالم عاد عنقودا تمسك به واشنطن دون غيرها، وأن الحرد الأميركي مما يعتبر اتفاقا يعكس عالما متعدداً يعيد تصحيح ذلك المشهد وتأكيد أحادية قطبية لم تستطع طموحات روسيا ولا توسّع الصين من النيل من حقيقته.

وحين جعل المرشح دونالد ترامب من »الانسحاب من أسوء اتفاق« عنوانا من عناوين الحجّ نحو الرئاسة في الولايات المتحدة، كان يعلم جيدا ظروف ولادة الاتفاق في ما هو معلن وما هو مضمر، وكان يدرك جيدا أن انسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق يحيل توقيع الآخرين حبرا على ورق.

لم تعترف طهران يوما بسعيها لامتلاك القنبلة النووية، وذهب المرشد علي خامنئي إلى اعتبار الأمر ضد الدين ومخالف للشرع. كانت طهران منذ »تسريبها« لمعلومات حول برنامجها النووي السري، تروم التلويح للعالم بما تمتلكه من إمكانيات تقود إلى التحوّل في ذلك نحو أغراض صناعية، أي عسكرية. بالمقابل ساهمت البروباغندا الإسرائيلية المستمرة حتى الأسابيع الأخيرة في التعظيم من شأن الخطط الإيرانية لامتلاك أسلحة نووية تهددها وتهدد السلم الدولي

منح باراك أوباما إيران ما تريد. تعامل معها بحنان المحبّ وراح يوجّه سهام انتقاداته إلى خصومها ناصحا إياهم بالذهاب نحوها والاتفاق معها على تقاسم النفوذ في المنطقة. كان الرجل يتحرى تبرير »فعلته« فأخرجها ضمن رؤية استراتيجية شاملة للعالم في ما عرف في مجلة »أتلانتيك« الأميركية بـ »عقيدة أوباما«. انتشت طهران بما أنجزت وخرج الإيرانيون فرحين بالتطور المتعلق بالعلاقة المقبلة مع الولايات المتحدة أكثر مما تنطق به أحرف الاتفاق الشهير. بالمقابل سال لعاب الشركاء، لا سيما الأوروبيين، في ما يمكن أن يوفره سوق إيران لشركاتهم الكبرى من عقود.

شيء ما زلنا لا نعرفه في الولايات المتحدة هو الذي لم يطوّر الاتفاق إلى ما تصبو إليه طهران وهو الذي أوحى للمرشح دونالد ترامب بأن لا مستقبل أميركي لهذه الصفقة، على الأقل في متنها الحالي. لم يبح أوباما بسرّ ذلك ولم يصدر عن وزير خارجيته آنذاك جون كيري ما يفيد نظيره الإيراني محمد جواد ظريف عن سبب إحجام واشنطن عن رفع الفيتو الذي يتيح للنظام المصرفي والمالي الإيراني أن يكون جزءا من النظام الدولي في هذا المضمار.