الأغلبية السياسية هل ستكون حلا للوضع العراقي ؟

د.ماجد السامرائي

في حمى الحملة الانتخابية الأخيرة تم تداول فكرتين تتعلقان بأشكال وأساليب السيطرة على الحكم، الأولى البقاء على الصيغة الحالية وهي التوافق بين المكونات الثلاث )شيعة سنة اكراد( أو صيغة مبتكرة جديدة هي )الأغلبية السياسية( وسبق أن نجحت صيغة التوافق بين المكونات في تمرير هيمنة سهلة للأحزاب الشيعية خلال الدورات الانتخابية الماضية الثلاث ضمن الأغلبية العددية للطائفة الشيعية وما أضفي عليها من صفات سياسية مقصودة هي )المظلومية الشيعية( والتي ينبغي أن يكون عهد ما بعد الاحتلال الأمريكي قد أنهاها في سيطرة من يعلنون تمثليهم للطائفة على حكم العراق رغم ما واجهته صيغة »التوافق« من مشكلات خاصة لدى المكون السني وممثليهم الذين دائما ما يشكون من عدم مشاركتهم الحقيقية في القرار السياسي مقابل الاتفاق الاستراتيجي )الكردي الشيعي( حيث كان للأكراد تأثيرهم الواضح في صناعة الحاكم »الشيعي« ومرّد شكاوى الضلع السني ما يواجهونه من تهميش حقيقي بسبب اختزان السياسيين »الشيعة« أحكاماً ظالمة ضد العرب السنة باعتقاد واهم بأنهم حكموا العراق ومن خلفهم أجدادهم العرب لألف وأربعمائة سنة بإقامة دولة عربية سنية طاردة للشيعة.

وهو تسويق سياسي »طائفي« أكثر منه حقيقة تاريخية شكل غطاء لإبعاد المنتمين لتلك الطائفة للمشاركة الفعلية في الحكم، أو ادارة البلاد بعد عام 2003 وإبقاء الهيمنة للحكم »الشيعي« تحت عنوان الغالبية العددية للطائفة. وواقعياً عجزت صيغة التوافق عن تقديم كتلة سياسية قادرة على بناء الدولة المدنية الجديدة حتى بصيغتها الطائفية بعد تغييب الكفاءات العراقية مما ولّد خيبة حتى لأبناء الطائفة الشيعية نفسها ذلك إن ما أفرزته تلك الأحزاب من زعامات قد فشلت في إدارة الحكم وابتعدت عن قضايا الاصلاح الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي وأدخل العراق في جحيم الأزمات الأمنية والسياسية والتقوقع الطائفي واصبحت وصفة »المحاصصة الطائفية« التي انتجتها صيغة التوافق وعاءا وملاذا للفاشلين والمتخلفين وتحولت وزارات الدولة إلى إقطاعيات مقتسمة بين الأحزاب الكبيرة من أجل النهب المالي بما بنى امبراطورية للفساد أفقرت الناس وقسمتهم إلى »شيعي وسني وكردي« بديلا عن المواطنة الحقيقية وغياباً للعدالة.

لكن مع ذلك لم تعد صيغة »التوافق« مريحة للقوى السياسية »الشيعية« الكبيرة وقسم من زعامات حزب »الدعوة« التي وجدت إن التوافق يعرقل بعض برامجها الشمولية، ويجعل زعامتها قلقة، ويثير لديها الغضب من حالات النقد والشكاوى من السياسات الممنهجة ضد الطائفة العربية السنية، ولهذا فهي لا تريد بقاء حالة الازدواج السياسي بين المشاركة في بعض الوزارات الخدمية من جهة والمعارضة لقيادة الحكم من جهة أخرى.

وتزّعم فكرة الخروج من حالة التوافق )نوري المالكي( زعيم حزب الدعوة إلى صيغة »الأغلبية السياسية« ولحقه آخرون مثل )عمار الحكيم( في مشروعه »الأغلبية الوطنية« وبدا شعار »الأغلبية السياسية« خلال الحملات الانتخابية الأخيرة براقاً وجاذبا لمن يدعون إلى تخليص العملية السياسية مما اوقعته فيها »المحاصصة الطائفية« من مشكلات، رغم المخاوف من أن هذا الشعار أو المشروع التعديلي الجديد لوصفة الحكم بأن لا يخرج عن عباءة »الطائفية السياسية« ولكن لإظهارها وكأنها ضد صيغة المحاصصة الحالية.

لكن )حيدر العبادي( وهو إبن حزب الدعوة والناشط من أجل الحصول على ولاية ثانية أعلن عن خصومته لمشروع »الأغلبية السياسية« ودعا إلى إعادة مشروع التوافق السياسي بصيغة متطورة حسب إعلانه، كما رفضها الزعيم الديني )مقتدى الصدر( معتبراً إياها صيغة مخادعة جديدة لهيمنة الفاسددين مرة اخرى.

كما إن أوسطاً سياسية من المكونين الكردي والسني تثير قلقها من صيغة »الأغلبية السياسية« وتعتقد إنها محاولة للالتفاف على مكانة ممثلي هذين المكونين في السلطة، لتلقي بمن لا يناسبهم في صفوف »المعارضة« داخل البرلمان بعد اختيار من يناسبهم من الأكراد او العرب السنة وضمهم إلى »الأغلبية السياسية«. مبدئياً ووفق تقاليد النظام الديمقراطي تشكل الأغلبية السياسية الصيغة الوحيدة والطريق الطبيعي للفوز الانتخابي وتشكيل الحكومة. فعلى سبيل المثال يكون التنافس في بريطانيا بين الحزبين العريقين )المحافظون والعمال( إلى جانب حزب )الليبراليون الديمقراطيون( وأحزاب ثانوية أخرى، والفائز في الانتخابات يشكل الحكومة، واذا لم يتمكن من تحقيق الأغلبية وهذا دائماً ما يحصل يتشكل إثتلاف مع الحزب الثاني الفائز والأحزاب الأخرى تكون في المعارضة ويصبح أعضاء تلك المعارضة )حكومة ظل( لهم دورهم في الحياة السياسية ويشكلون العين المراقبة على الحزب الحاكم.

وهذه الحالة شائعة في جميع الديمقراطيات في العالم التي لا تعيش فيها الأحزاب الدينية أو القومية التي قد يكون لها وجود لكنها معزولة، فالأغلبية السياسية هنا منطقية، وليس مثلما يراد له أن يصنع في العراق خلال الأيام المقبلة، في بلد تتسيد فيه الأحزاب الدينية )الطائفية( ويسمي الدستور البلد بدولة »المكونات« فهل يجوز وضع مقاسات مدنية لرداء )الجبة والعمامة( إنه خلط وتعد على المبادئ الديمقراطية.

نحن نتمنى أن يتم تطبيق »الأغلبية السياسية« على بيئة مدنية تنشط فيها أحزاب وطنية تؤمن بالعراق وتحبه وتسعى لبنائه وتتعزز فيه إرادة العراقيين الحقيقية وسيادتهم على وطنهم، وليس بلدا تكون فيه الأحزاب الدينية ونتاجها الطائفي هي المتسيدة، ومخترقة من التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية. يقول مروجوا »الأغلبية السياسية« إنها مخرج مهم لعقدة التوافق التي كانت سبب المشاكل، ولكن اولئك لا يواجهون الحقيقة وهي إن جولة الانتخابات لم تفرز وضعاً سياسياً جديدا خارج هيمنة الأحزاب الدينية التي توزعت حالياً على خمس قوائم رئيسية جميعها كان ضمن »التحالف الشيعي« وهي )دولة القانون، النصر، الفتح، الحكمة، سائرون(، وليس من المعقول أن تجتمع جميعها في الكتلة الأكبر التي تختار رئيس الوزراء والحكومة، وستحصل تحالفات ثانوية مع قوائم أو كتل من من خارج الكتل الشيعية من داخل الوسطين السني أو الكردي، وعلى سبيل المثال يمكن لحيدر العبادي أن يفوز على أقرانه من »الشيعة« إذا تحالف مع كل من الإئتلافات السنية )أسامة النجيفي وأياد علاوي( إلى جانب الأكراد ممثلين بالحزبين الرئيسيين الديمقراطي والوطني الكردستانيين، وإذا ما توحدت هذه التحالفات فيمكن أن تشكل غالبية محرجة للتحالفات »الشيعية« الأخرى، ليس من المتوقع على سبيل المثال أن الكتلة التي برعاها )الصدر( أن تكون متوافقة مع مشروع »الأغلبية« الذي يتبناه )المالكي( كما لا يتوقع قبول الكتل الشيعية التي لن تتشكل منها الحكومة أن يجلس أعضاؤها كمعارضين في مقاعد المعارضة في البرلمان والذي سيحصل تحالف أكبر الكتل الشيعية الفائزة لتشكيل الحكومة فما الذي سيتغيّر وفق »الأغالبية السياسية« لقد قدم )المالكي( هذا الطعم الكبير وهي مناورة سياسية ذكية يحاول أن يلعبها لتشكيل كتلة كبيرة لها وزنها في تقرير مقعد )رئاسة الوزراء( الذي يحلم به )العبادي( واصطدم بسببه مع تحالف »الفتح« بزعامة )هادي العامري( الحالم الجديد برئاسة الوزراة، فلا أغلبية سياسية إن لم تتحقق نتائج الفوز في الحكم لصالح الكتل »الشيعية« وهذا هو الأهم.

إن صيغة الأعلبية السياسية تتحقق لدى أحزاب لا دينية وإنما تلك القائمة على أسس مشاريعها السياسية، وهذا غير متوفر في الحالة العراقية فالنظام السياسي لم تتبدل قواعده الأساسية، وهي هيمنة الأحزاب الدينية على الحكم، ولهذا ستمرر نتائج الانتخابات لاختيار رئيس وزراء من بين المتنافسين من داخل »البيت الشيعي« ورغم الأزمات السياسية وما أنتجته تلك الأحزاب من فشل متواصل ومن سيادة لمافيات الفساد حسب اعتراف )مرجعية السيستاني( لكنها ستبقى متسيّدة على الحكم حتى وإن كانت تحت مسميات جديدة تحاول من خلالها إبعاد الشبهات المقبلة عن العنوانين السابقة.

 هناك مشكلات جدّية سترافق مرحلة اختيار رئاستي )البرلمان ورئاسة الجمهورية( بعد حسم رئاسة الوزارة، تلكما الرئاستين كانتا تتمان وفق التوافق )سني للبرلمان وكردي للرئاسة( ويبدو إن الوضع الجديد سيجعل هناك تبادلا في الموقعين في ضوء مكانة الكتلة الكردية الجديدة وما أفرزته أوضاع ما بعد الاستفتاء الكردي. الأغلبية السياسية لا تتحقق بمقاييسها الحقيقية في ظل الأوضاع العراقية الحالية.