الأردن.. التحولات الكبرى

القصر والنقابات والبرلمان والشارع تحرك لمواجهة أزمة البلد المالية

الأردن.. التحولات الكبرى!

محمد قواص *

لم يتوقع المراقبون أن تتدحرج أمور الاحتجاجات في الأردن لتطيح بحكومة وتأتي بأخرى. بقي الأردن بعيدا عن الجنون الذي أصاب المنطقة منذ البراكين التي اندلعت في المنطقة تحت سقف ما يسمى بالربيع العربي. ومن راقب يوميات الاحتجاجات التي اندلعت الشهر الماضي سيلحظ باعجاب سلمية الإضرابات والتظاهرات زالتجمعات، كما سيستنتج بدهشة الإدارة الحكيمة التي انتهجتها أجهزة السلطة من قمتها مرورا بأدواتها الأمنية في الحفاظ على هدوء الاحاجاجات وجعلها ضمن الحدود المقبلولة بحيث لا تهدد لأمن المملكة واستقرارها.

وكان واضحا من خلال هذه الاحتجاجات أن الشارع يعبر عن غضب وتبرم جراء القرارات التي اتخذتها حكومة هاني الملقي بشأن الضرائب وأسعار المشتقات النفطية ومستوى الأسعار بشكل عام، لكن هذا الشارع لم يحد عن شعاراته الدقيقة التي تستهدف هذه القرارات ولا يذهب باتجاهات عبثية فوضوية تؤثر على صحة الاحتجاجات ونجاعتها، كما تؤثر على وحدة البلد وسلمه الأهلي.

ولا يختلف الحدث الأردني عما حدث في بلدان أخرى خضعت لشروط صندوق النقد الدولي لجهة اتخاذ إجراءات تقشفية قاسية لطالما حركت الشوارع في هذا البلد أو ذاك. ولا يختلف الحدث الأردني لجهة ضرورة أن يقوم البلد بتحديث إدارته للثروة وإدارة سبل الانتاج ومنافذ الاستهلاك بما يتناسب مع موارد البلد وتقلص مداخيل كلاسيكية أخرى.

ويأتي مشهد الاحتجاجات في الأردن وفق سياق متقادم يذكّرنا بالإطلالات الأولى لموسم ˜الربيعŒ العربي التي انطلقت قبل سبع سنوات. ولئن تحوّلت احتجاجات الأمس إلى كوارث متدحرجة في سوريا وليبيا واليمن، فإن الأردنيين يعيدون إنعاش ما بات متقادماً بنسخةٍ محدثة تطهّر الأداء الجمعي من أي مطالب وشعارات تتجاوز السبب والمسبب وما بينهما.

يصوّب المحتجون الأردنيون آليات الاحتجاج. لا أحد يهتف لإسقاط النظام ولا أهداف سياسية يقودها تيار أيديولجي دنيوي أو ديني ولا أجندات عابرة للحدود تترجل داخل حشود المحتشدين. لم تقم الإضرابات فجأة ولم تندلع المظاهرات فجأة. تم التحضير للأمر على مدى الأسابيع

تعليق: الأردنيون خرجوا ضد الخضوع لصندوق النقد الدولي
تعليق: الأردنيون خرجوا ضد الخضوع لصندوق النقد الدولي

الأخيرة بشكل علني بعيداً عن أي غرف مشبوهة وبعيداً عن أي سرية خبيثة تعمل في الخفاء. أعلنت مواقع التواصل الاجتماعي بشكل شفاف بأن الشارع سيقف بالمرصاد ضد إجراءات حكومة هاني الملقي.

لم تبدو الدولة الأردنية مربكة. انضبط الحراك على أهميته داخل حدود الأردن وتحت سقف العيش الأردني. وجري النزال بين شرائح متضررة من قوانين الحكومة وقراراتها كما يجري الأمر تماما في أي دولة متقدمة في هذا العالم. انخرط في ذلك النزال مواطنون ونقابات وشخصيات عامة وبرلمانيون وإعلام ووزارت معنية ورجال أمن. بدا الأردن في حالة سجال داخلي تتنازعه ضغوط هذا الطرف ومرونة ذاك الطرف وعناد ذلك الطرف. وفي ذلك، للمفارقة، ما يكشف عن أردن يتنفس لا عن أردن يختنق.

تلخص غضب الأردنيين بشعار بسيط: ˜معناش. وفي ذلك الشعار في بساطته ما يقر بأن البلد يعاني من أزمة اقتصادية وأن الأردن يحتاج إلى الخروج من عنق الزجاجة وأن للحكومة الحق في تحري المنافذ الناجعة بالتنسيق مع المؤسسات المالية الدولية لضبط الإنفاق ورفع الموارد. لكن المشكلة كما يراها المحتجون تتلخص بكلمة واحدة: ˜معناش.

يتحاور الأردنيون. مفاوضات بين الحكومة والنقابات للوصول إلى تسويات. وعن تلك المفاوضات تخرج همهمات حلّ أو انسداد يحتاج إلى مفاوضات أخرى. في لغة الأردنيين حداثة صاعقة لم نشاهدها في تلك التي راجت في سوريا وليبيا واليمن. ظهرت القطيعة بسرعة في تلك البلدان بين ˜الشعب و˜النظام إلى حد المجاهرة بالطلاق الكامل والمواجهة الشرسة بأغلظ السبل لـ ˜اسقاط النظام.

قد يقول قائل إن الأردنيين، نظاماً وشعباً استخلصوا العبر من الكوارث المحيطة فراحوا يمارسون الحيطة والتأني والحذر في ما يرومونه من حراكهم وفي التكتيكات التي تستخدمها السلطات للتعامل مع سخط الحشود. بيد أن عودة إلى السنوات الأولى لـ ˜ربيع العرب تذكرنا بأن الأردن أصابته تلك العدوى فخرج الناس وخرج رجال الأمن، قال كل قولته، فتصارخوا وتعاركوا وتناتشوا حتى انتهى حراك ذلك الزمن دون أن يسقط قتيل واحد في وقت كانت المجازر ترتكب في الجوار بإسم اسقاط النظام والدفاع عنه.

تصرف الأردن وفق مسلّمة أن الحراك الحالي سينتهي ولن يتجاوز حدود الأسباب التي خرج بسببها. يستنتج المراقب بسهولة أن الدولة ليست بصدد التراجع السهل وأن ما أمر به العاهل الأردني الملك عبد الله ثاني بشأن ˜تجميد قرارات الحكومة ثم تعيين عكر الرزاز رئيسا جديدا للوزراء يكشف عن أن رأس السلطة يرعى الوفاق والسلم الأهليين دون أي تشكيك في صحة الحيثيات التي انطلقت منها الحكومة الأردنية لإطلاق قوانينها وتدابيرها. وواضح وفق ذلك المنحى أن نهايات السجال ستخلص إلى تسويات تصوّب من إيقاع تلك القرارات وتخفف من وقعها بحيث لا تسقط الحكومة ولا يخيب سعي المحتجين. وأغلب الظن أن من قرر إطلاق تلك الرزمة القاسية من قوانين ˜شد الأحزمة كان يتوقع أن بعد هذا الفعل ردّ فعل، وأنه لا شك سيخرج من جيبه الخلفي ˜الخطة بـلتمرير ما يمكن أن يكون وسطياً بين الممكن والمستحيل.

أن ترفع الحكومة النسب التصاعدية لضريبة الدخل وأن يستقر رفع الدعم الحكومي عن بعض السلع على ارتفاع في أسعارها وأن ترتفع أسعار المحروقات… إلخ، فإن ذلك أصاب الطبقة الوسطى مباشرة فاستفزها وأخرجها من خلف الكواليس إلى واجهة المسرح. تأمل المراقب

الملك عبد الله الثاني: إصغاء لصراخ الشارع
الملك عبد الله الثاني: إصغاء لصراخ الشارع

حشود الشبان والشابات المتحدرين من هذا الزمن يتحركون بأدوات العصر ومفرداته. تظهر من داخل الحشود عصبية تدافع عن الأردن مفهوماً وهوية وبلداً بالرؤى الحديثة. وفي سخط الطبقة الوسطى من أطباء ومهندسين ومحامين وحرفيين ومعلمين“ إلخ ما يوقظ قماشة الأردن الأصلية صوب هدف الدفاع عن ˜المصالح بالمعنى المادي. ولتلك المصالح شكل وشبكات وقيم وأرقام ومستويات حسابية تهددها قوانين الحكومة. بيد أن تحرّك الطبقة الوسطى يوفّر إنذارا مقلقاً لأولي الأمر، ذلك أن حراك الطبقات ما تحت الوسطى قد يأخذ أبعاداً يصعب استشرافها يسهل لأصحاب الأجندات المستوردة اختراقه.

يعرف الأردنيون أن صخبهم الداخلي يتصادف مع لحظات تاريخية حساسة تعيشها المنطقة تدلي بدلو مباشر على أمن الأردن كما مساره ومصيره. ولئن تكثر الجلبة على الحدود الأردنية السورية وتنشط ورش دولية داخل الغرف الداخلية في عمان لإخراج تسوية ما في جنوب سوريا، فإن مستقبل التحّولات في العراق وفلسطين كما تلك المتعلقة بمصير المواجهة الدولية مع إيران يطرح داخل المملكة أسئلة حول مستقبل البلاد وموقعها داخل خريطة جيو استراتيجية شديدة الوهن غامضة الملامح.

داخل ذلك السياق يدور همس كثير حول وظيفة ودور الأردن داخل مشهد سياسي إقليمي ودولي مستجد يقلب صفحة ما كان متعارفاً عليه منذ قيام المملكة الأردنية الهامشية. تجهد عمان بوضوح لإيجاد تموضع ما بين علاقة تاريخية مقلقة مع واشنطن وصعود نفوذ موسكو، لا سيما في سوريا. تتروى المملكة في الذهاب بعيداً في مواجهة إيران على الرغم من أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تذهب باتجاه ما حذّر منه الملك عبد الله الثاني عام 2004 من قيام هلال شيعي تقوده طهران في المنطقة. ويسعى ملك البلاد إلى تطوير علاقات صعبة مع دول الخليج دون الانزلاق داخل الاصطفافات المعقدة. ووفق تلك المعطيات المقلقة يواجه الأردن علله الاقتصادية وفق منظومة تقنية دولية معروفة في معالجاتها ومعروفه في أعراضها الجانبية الخطيرة.

معناش. هذا جلّ ما في الأمر. هكذا عبر الأردنيون عن تململهم. المسألة في عرفهم أن ما تطلبه الحكومة يفوق طاقاتهم وإمكاناتهم. يفتح السجال دفاتر عتيقة حول سياسات اعتمدت وقرارات اتخذت وأموال أنفقت وظواهر فساد سجلت أوصلت الوضع الإقتصادي إلى ما هو عليه الآن. لا يفهم المحتجون لماذا عليهم أن يدفعوا ثمن خطايا ارتكبت دون مشورتهم، وبالتالي فأن يُطرق باب الأردنيين فذلك يستدعي إعادة قراءة لأصول الحكم وعلاقته بالبلد وناس البلد.

أفصح مشهد ˜الدوار الرابع في عمان كما مشهد مناطق الأردن الأخرى عن حالة صحية يتحلّق الأردنيون حولها ملكاً وحكومة وبرلماناً ونقابات وحشوداً، لا سيما تلك الشابة. تبدو ˜معناش صرخة كرامة وحق وليست صرخة استجداء واستعطاف. غير أن في صدى ذلك الهتاف رسائل مباشرة إلى أصحاب السلطة في الأردن كما إلى البيروقراطيين في مكاتب صندوق الدولي في واشنطن كما إلى العواصم المعنية والمتضررة من أي خلل داخل الأردن. والظاهر أن كثيراً من تلك الرسائل قد وصلت وأن عواصم مجاورة أعادت الوصل من عمان لمد اليد إلى أزمة قد تتجاوز تداعياتها حدود المملكة.

سيشتغل الأردن كثيرا على ترشيق اقتصاده واحترام الدولية في هذا الشأن لإعادة انعاش الأداء الاقتصادي عامة. وأيا كان شكل الدبلوماسية الأردنية التي قد تعيد تخصيب الاقتصاد الأردني بجرعات مالية من الخارج، إلا أن الجدل أردني بيتي داخلي يأخذ أشكالا وطنية يشارك به كل المنابر الممثلة لكافة تيارات المصالح في البلاد. وفي ذلك أن الأردن يعيش وضعا صحيا في تفاعله الداخلي حتى لو أخذ هذه التفاعل أشكالا على النحو الذي شهدته شوارع البلد.

 لا أحد يهتف لإسقاط النظام ولا أهداف سياسية يقودها تيار أيديولجي دنيوي أو ديني ولا أجندات عابرة للحدود تترجل داخل حشود المحتشدين.

معناش. هذا جلّ ما في الأمر. هكذا عبر الأردنيون عن تململهم. المسألة في عرفهم أن ما تطلبه الحكومة يفوق طاقاتهم وإمكاناتهم. يفتح السجال دفاتر عتيقة حول سياسات اعتمدت وقرارات اتخذت وأموال أنفقت وظواهر فساد سجلت أوصلت الوضع الإقتصادي إلى ما هو عليه الآن. لا يفهم المحتجون لماذا عليهم أن يدفعوا ثمن خطايا ارتكبت دون مشورتهم، وبالتالي فأن يُطرق باب الأردنيين فذلك يستدعي إعادة قراءة لأصول الحكم وعلاقته بالبلد وناس البلد.

يدور همس كثير حول وظيفة ودور الأردن داخل مشهد سياسي إقليمي ودولي مستجد يقلب صفحة ما كان متعارفاً عليه منذ قيام المملكة الأردنية الهامشية. تجهد عمان بوضوح لإيجاد تموضع ما بين علاقة تاريخية مقلقة مع واشنطن وصعود نفوذ موسكو، لا سيما في سوريا.

رئيس الحكومة المستقيل هاني الملقي: إجرائات تقشفيه أسقطها المحتجون
رئيس الحكومة المستقيل هاني الملقي: إجرائات تقشفيه أسقطها المحتجون

كادرات

ما الذي فجر الأزمة؟

تقوم خطط الإصلاح المالي للحكومة الأردنية -استجابة لتوجيهات صندوق النقد الدولي- على تحصيل إيرادات ضريبية بقيمة 1. 5 مليار دينار )ملياري دولار( خلال 2017-2019 من جيوب الأردنيين.

وكان رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي السابق أشار إلى إنجاز 70 من البرنامج الإصلاحي، وأنه في حال إقرار القانون المعدل نكون أنهينا البرنامج تمهيدا للعبور إلى بر الأمان منتصف العام المقبل.

ويقضي القانون المعدل بفرض ضريبة بنسبة 5 على كل من يتجاوز دخله عتبة ثمانية آلاف دينار للفرد )11. 2 ألف دولار( أو 16 ألف دينار للعائلة )22. 5 ألف دولار(، والتي تتصاعد بشكل تدريجي حتى تصل إلى 25 مع تصاعد شرائح الدخل.

كما يزيد مشروع القانون الضرائب المفروضة على شركات التعدين والبنوك والشركات الماليّة وشركات التأمين والاتصالات والكهرباء بنسب تتراوح بين 20 و40. وتُقدر الحكومة أن توفر هذه التعديلات على مشروع القانون لخزينة الدولة قرابة 100 مليون دينار )141 مليون دولار(.

أوساط سياسية تتحدث عن جانب آخر للأزمة في الأردن، يتعلق بما يرى هؤلاء أنه ˜تخلي دول إقليمية عن دعم الأردنŒ، وسط حديث بين النخب الأردنية عن ثمن سياسي مطلوب من الأردن في ملفات إقليمية تتعلق أساسا بـصفقة القرن وموقف الأردن من القدس والقضية الفلسطينية.

وكانت الحكومة رفعت مطلع العام الحالي أسعار الخبز، وفرضت ضرائب جديدة على العديد من السلع والمواد بهدف خفض الدين العام الذي يبلغ 35 مليار دولار.

غضب ضد الحكومة والبرلمان

تجاوزت الحكومة الأردنية مطلع العام الحالي كافة ˜الخطوط الحمراءŒ التي حسبت لها الحكومات السابقة ألف حساب، وذلك بعدما رفعت خلال العامين 2017 و2018 أسعار أكثر من 1730 مادة غذائية، 30 منها مواد أساسية أبرزها الخبز، بنسب وصلت إلى 100، فضلا عن الكهرباء والمحروقات.

وتخضع معظم السلع والبضائع بشكل عام في الأردن لضريبة مبيعات قيمتها 16، إضافة إلى رسوم جمركية وضرائب أخرى تفوق أحيانا ثلاثة أضعاف القيمة السعرية الأصلية للسلعة. وتبشر الحكومة الأردنيين بحزمة جديدة من الضرائب وارتفاع في الأسعار للعام القادم 2019،

مر الرزاز رئيس الحكومة الجديد: التعويل على الأسلوب
مر الرزاز رئيس الحكومة الجديد: التعويل على الأسلوب

لتحصيل 750 مليون دولار.

ورغم وجود أصوات برلمانية منحازة لمطالب المحتجين في الشارع والنقابات المهنية، وإعلان تسعين عضوا في مجلس النواب رفضهم مشروع قانون ضريبة الدخل ووصفه بأنه ˜غير صالح شكلا ومضموناŒ.

ومن جانبه أكد رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة أن المجلس سيكون مع الشعب لتجنب الوصول إلى جيوب الطبقتين الوسطى والفقراء، موضحا أن المجلس لن يبخل بأي جهد وطني يقرب وجهات النظر لخدمة الأردن.

إلا أن الغضب الشعبي على الحكومة بات يشمل مجلس النواب الذي تحمّله شرائح واسعة من الأردنيين مسؤولية إقرار الموازنة مطلع العام الجاري، والتي برأيهم منحت الحكومة تفويضا لرفع الأسعار وفرض الضرائب بصورة غير مسبوقة.

تدخل الملك

أكد ملك الأردن عبد الله الثاني خلال ترؤسه اجتماعا لمجلس السياسات الوطني، أنه ليس من العدل أن يتحمل المواطن وحده تداعيات الإصلاحات المالية، وأنه لا تهاون مع التقصير في الأداء، خصوصا في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين من تعليم وصحة ونقل.

وأضاف أن التحديات التي تواجه الاقتصاد الأردني سببها الظرف الإقليمي الصعب، مشيرا إلى أن الظروف والخيارات أمام الأردن اليوم ليست نفس الظروف قبل خمس سنوات أو عشر. وشدد على أن الدولة بكل مؤسساتها مطالبة بضبط وترشيد حقيقي للنفقات، وأهمية أن يكون هناك توازن بين مستوى الضرائب ونوعية الخدمات المقدمة للمواطنين، مؤكدا على أهمية مشاركة الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني في الحوار بصورة فاعلة.

ودعا الملك الحكومة ومجلس الأمة إلى أن يقودا حوارا وطنيا شاملا وعقلانيا للوصول إلى صيغة توافقية بشأن مشروع قانون ضريبة الدخل، وذلك بعد أن أخفق اجتماع رؤساء النقابات المهنية برئيس الحكومة الأردنية في سحب القانون الذي أثار غضب الأردنيين.

حراك الشارع

تفاعل الشارع الأردني بشكل واسع مع دعوة النقابات المهنية إلى الإضراب احتجاجا على مشروع قانون ضريبة الدخل، وشهدت محافظات عدة وقفات ومسيرات تطالب برحيل الحكومة والبرلمان، منها العاصمة عمان التي شهدت أكبر التجمعات على الدوار الرابع حيث يقع مقر رئاسة الوزراء، ونفذت مسيرات في إربد)شمال( والكرك )جنوب( والرمثا )شمال( والسلط )وسط( والزرقاء والمفرق )وسط(، وتم إغلاق طرق رئيسية بين المدن مثل العاصمة ومدينة جرش )شمال( وطريق السلط باتجاه الغور، وطريق البحر الميت باتجاه ناعور، وطريق المطار باتجاه عمّان.

ودعت النقابات المهنية إلى تجديد المظاهرات والاحتجاجات والإصرار على المطالب الشعبية بإسقاط الحكومة وحل البرلمان.

وفي مساع لاحتواء الأزمة، قرر مجلس الأعيان الأردني رفع توصيتين إلى الملك الأردني بشأن مشروع قانون الضريبة لنزع فتيل الأزمة في الشارع.

وتضمنت التوصيتان خيارين يختار الملك أنسبهما: تقضي الأولى بالطلب من الحكومة سحب القانون الحالي للضريبة وتشكيل لجنة حوار وطني بعدها لتدارس المنهج الاقتصادي برمته، وتوصي الثانية بإصدار إرادة ملكية بعقد دورة استثنائية لمجلس الأمة.

وقد دعا الملك عبد الله الثاني رئيس الوزراء هاني الملقي إلى لقائه في قصر الحسينية قدم الأخير إثره استقالة حكومته.

تاريخ من الأزمات الاقتصادية

مر على أزمة 88/ 1989 الاقتصادية عقدان كاملان. هذه الأزمة وضعت الأردن على منعطف حاد، وتركت علامات فارقة ميزت مرحلة ما بعد 88/ 1989 اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً عن العقود التي سبقتها.

منذ النصف الثاني من عام 1988 والأعوام القليلة التي تلته شهد سعر صرف الدينار الأردني سلسلة من الانهيارات ازاء العملات الدولية الرئيسية جعلته يفقد أكثر من نصف قيمته في فترة قصيرة جداً. فقد كان يعادل ثلاث دولارات في مطلع 1988 لكنه هبط إلى دولار ونصف

هل صحيح أن الأردن يدف ثمن موقفه من ˜صفقة القرن
هل صحيح أن الأردن يدف ثمن موقفه من ˜صفقة القرن

الدولار في نهاية 1990.

كما انفجرت أزمة مديونية الأردن العامة، وعجزت الحكومة عن خدمة الديون الخارجية مما أجبرها على طلب مساعدة صندوق النقد الدولي في اعادة جدولة هذه الديون، الأمر الذي فرض على الأردن، فوراً، تدابير تقشفية قاسية، ترافقت مع ازدياد معدلات التضخم والغلاء، جراء التخفيضات المتكررة والسريعة لأسعار صرف الدينار الأردني. وكما هو معروف فقد أدت التدابير الحكومية الرامية لخفض الانفاق والحد من العجز في الموازنة، ولا سيما رفع الدعم عن المحروقات والأعلاف والسلع الأساسية الأخرى إلى انفجار موجة احتجاجات شعبية.

من المعروف أن المسؤولين الحكوميين كابروا لسنوات طويلة في الاعتراف بالطبيعة الهيكلية للأزمة الاقتصادية في الأردن، والتي بدأت بالظهور مبكراً، منذ نهاية العام 1982. لكن الحكومة ظلت تعتقد، وتروج، أن الركود الذي بدأ يعاني منه الأردن ما هو إلا ظاهرة عابرة، وأنه تحت السيطرة، وراهنت الدوائر الاقتصادية على استئناف المساعدات العربية للأردن، ولا سيما من دول الخليج التي واجهت انخفاضاً حاداً في أسعار النفط مطلع الثمانينيات، واضطرت ذ دول الخليج – إلى خفض انفاقها الاستثماري والانمائي. وقد ترك ذلك آثاراً مباشرة على الاقتصاد الأردني جراء تراجع الطلب على الصادرات الأردنية في أسواق الخليج، وعلى الأيدي العاملة الأردنية، بل وعودة جزء منها إلى البلاد، وهو ما خفض معدلات التحويلات الخارجية، الرسمية منها والخاصة.

وفي الوقت الذي واجهت فيه الحكومة تراجع المعونات العربية المقررة بموجب قمة بغداد، باللجوء إلى الاقتراض الخارجي والداخلي، فإنها لم تحاول خفض النفقات الجارية، بل زادتها، مما رفع حجم المديونية الخارجية، خاصة في النصف الثاني من الثمانينيات وزاد من أعباء خدمة الديون، لا سيما مع ازدياد حصة القروض من المصادر الخارجية.

أدى تراجع معدلات النمو العام للناتج المحلي الاجمالي في الثمانينيات إلى تنامي معدلات البطالة، كما أدى تراجع التحويلات المالية الحكومية والخاصة إلى ازدياد صعوبة تغطية العجز في الميزان التجاري مع الخارج، وتنامي عجز الموازنة الحكومية. وهكذا تعمقت الاختلالات في الاقتصاد الأردني، الداخلية والخارجية. والأخطر من هذا كله أن يد الحكومة امتدت إلى أرصدة احتياطي الأردن بالعملات الأجنبية لدى البنك المركزي، إلى أن وصلت إلى النتيجة المحتمة: فقدان الغطاء الذي يحمي العملة الأردنية التي لم تكن مجرد عملة ورقية للتبادل، وإنما رمزاً وعنواناً للاستقرار النقدي، وأداة ادخارية مأمونة.

لقد تكشف خلال النصف الثاني من العام 1988 وخلال العامين اللاحقين، أن مديونية الأردن تصاعدت بوتائر متسارعة خلال النصف الثاني من الثمانينيات، من دون الإعلان عن أرقامها الحقيقية. وقد تكاتفت عوامل الفساد وسوء الإدارة وغياب الشفافية، مع تفاقم الاختلالات والعلل الهيكلية، لتقود إلى أضخم وأعمق الأزمات الاقتصادية/ المالية التي عرفها الأردن في تاريخه.

بالعودة إلى خطابات الموازنة العامة للسنوات الثلاث الأخيرة، والتي تقدم بها وزراء المالية إلى البرلمان، نجد اعترافاً رسمياً باستمرار الاختلالات الهيكلية المالية والخارجية، والتي ماتزال تقدم باعتبارها تحديات مستمرة للاقتصاد الأردني، وأبرزها:

– عجز الموازنة العامة للحكومة واستمرار اعتمادها على المساعدات الخارجية.

– ارتفاع المديونية العامة وارتفاع أعبائها، ولا سيما ارتفاع المديونية الداخلية، الأكثر كلفة على الحكومة وغير القابلة لإعادة الجدولة.

– تفاقم العجز في الميزان التجاري وظهور عجز متكرر في الحساب الجاري لميزان المدفوعات خلال السنوات القليلة الماضية.

– ارتفاع معدلات الفقر والبطالة.

هذا إضافة إلى اختلالات بنيوية وأخرى مستجدة أو تعاظمت أهميتها مؤخراً. والسؤال هو لماذا لا يترافق النمو الكمي لحجم الاقتصاد الأردني مع تحسن في بنيته القطاعية وقدراته الإنتاجية والتصديرية؟ ولماذا يظل اقتصادنا يدور في حلقة مفرغة، فما أن يبدأ في تصحيح هذه الاختلالات حتى يعود إلى نقطة البداية، وكأنها قدر لا راد له، أو كما لو أنها معضلة غير قابلة للعلاج، حتى أن البعض يدعو للقبول بها والتعايش معها!

المشكلة أن الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الأردني قد يبدو ممكناً التسليم بها في الظروف الطبيعية ومعالجة نتائجها أولاً بأول في الأحوال العادية، أي عندما تكون اقتصادات المنطقة والعالم في حالة نمو، وعندما يتمتع الأردن بعلاقات سياسية واقتصادية مميزة مع الدول الكبرى وبلدان الخليج.

لكن المشكلة لا يمكن معالجتها بالمسكنات والحلول المؤقتة في ظروف الأزمات والاضطرابات الاقتصادية والمالية، كما هو حال الأزمة العالمية الراهنة، والتي يُخشى أن تستمر لعدة سنوات وربما تتفاقم قبل أن تنفرج. ولمثل هذه الأزمات مضاعفات وآثار مباشرة وغير مباشرة على الأردن، لا تقتصر على حجم المساعدات الخارجية التي يمكن أن تتأثر سلباً وتنخفض، وإنما تشمل مصادر دخل أخرى مثل التحويلات الخارجية الخاصة والصادرات الوطنية إلى الأسواق المجاورة والدول الأخرى، وقدرة السوق الأردني على التكيف مع مناخ الانكماش وعدم اليقين المحيطة به.

وبكلمات أخرى فإن أي خلل في البيئة الخارجية للاقتصاد الأردني، يشكل عنصراً كاشفاً للاختلالات البنيوية الداخلية، ويظهر نقاط ضعفه، وذلك بسبب صغر قاعدته الإنتاجية وضيق حجم سوقه الداخلي واندماجه الواسع في الاقتصاد الاقليمي والعالمي.

إن الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة بقدر ما تطرح من تحديات على الأردن، فإنها فرصة جديدة لإعادة النظر في النظام الاقتصادي المعمول به، والبحث عن نموذج اقتصادي ملائم للأردن، يوفر له الاستقرار والاستدامة، ويجعله أقل عرضة للتأثر بالتقلبات والأزمات الاقليمية والعالمية.

من هو عمر الرزاز؟

شغل عمر الرزاز منصب وزير التربية والتعليم منذ 14 كانون الثاني / يناير 2017 وكان رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي الأردني، كما كان رئيس الفريق الفني الأردني لإعداد الاستراتيجية الوطنية للتشغيل، ومديراً عاماً للضمان الاجتماعي.

وعمر الرزاز حاصل على شهادة الدكتوراة في التخطيط الحضري من جامعة هارفارد، وكذلك شهادة الدكتوراه في القانون من نفس الجامعة.

وهو نجل السياسي الراحل منيف الرزاز، الذي كان عضوا بارزا في القيادة القومية لحزب البعث الذي كان يحكم في العراق. يذكر أن منيف الرزاز ولد في سوريا في عام 1919 ولكنه ترعرع في الأردن.

واضافة الى المناصب التي شغلها عمر الرزاز كان يعمل لفترة اقتصاديا في البنك الدولي.

وتشمل خبرته في البنك الدولي مجالات تنمية القطاع الخاص وتمويل البنية التحتية. وتضمنت الدول التي عمل فيها خلال وجوده في البنك الدولي روسيا وأوزبكستان وتركمنستان واستونيا وروسيا البيضاء ومقدونيا وجنوب أفريقيا وساحل العاج وإفريقيا الوسطى والمملكة العربية السعودية واليمن وإيران ولبنان والأردن.

* صحافي وكاتب سياسي لبناني