لا استنساخ لمشروع امريكا في العراق على إيران

د. ماجد السامرائي

واحدا من أخطر السيناريوهات المتداولة حاليا في تصعيد المعركة السياسية الأمريكية ضد إيران هو إستنساخ سيناريو احتواء العراق ونظامه منذ إندحار احتلال الجيش العراقي للكويت مطلع عام 1991 وما تلته من سلسلة إجراءات غير مسبوقة في التاريخ ضمن السياسة الأمريكية في احتوء النظام ومن ثم إسقاطه في احتلال عام 2003. فقد ظهرت العديد من تصريحات الزعماء السياسيين من ديلوماسيين عملوا في المنطقة ومستشارين في مراكز البحوث الأمريكية الكبرى ومسؤولي مخابرات في الاعداد لاحتلال العراق أكثرها مثيرة للانتباه ما قاله )جون كرياكو( وهو ضابط كبير في المخابرات الأمريكية في مقال نشره موقع »كونسرتيوم نيوز« الأمريكي إن مسؤولا رفيعا أخبره بعد عودته من باكستان عام 2002 أن الإدارة الأمريكية ستذهب إلى الأمم المتحدة للتظاهر بالحاجة إلى قرار من مجلس الأمن، لكن القرار الحقيقي بغزو العراق اتخذ بالفعل.

وبعد ذلك بفترة وجيزة بدأت تحركات وزير الخارجية الأمريكي آنذاك كولن باول نحو أوروبا والشرق الأوسط لحشد دعم دولي لعملية غزو العراق، بحجة أنه يمتلك أسلحة دمار شامل مما يستلزم الغزو لأنه يشكل تهديدا وشيكا على الولايات المتحدة »وأكد الضابط أن القضية برمتها مجرد كذبة فقد تم اتخاذ قرار الغزو في دوائر الاستخبارات والبيت الأبيض، ثم بدأت عملية خلق الذرائع لحشد دعم دولي للحرب على العراق. وإن الإدارة الأمريكية الحالية تكرر اليوم السيناريو العراقي في إيران وبدأ هذا العمل بخلق الذرائع والحشد الدولي« وإن إلتئام الصفور داخل الإدارة الجديدة وغالبيتهم ممن نادوا سابقاً بضرورة إسقاط نظام طهران.

وكتب )إيفان ساشا شياهين( المدير التنفيذي لكلية الشؤون العامة والشؤون الدولية في جامعة بالتيمور، أن )بولتون( يريد إسقاط النظام الإيراني ولكن ليس بعمل عسكري بل من خلال دعم المعارضة للإطاحة بنظام ولاية الفقيه في طهران. واكد ذلك كبير المفاوضين والمتحدث الرسمي السابق باسم الفريق التفاوضي النووي والمعاون السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني )حسين موسويان( إن ترمب جاد في سياسة تغيير النظام في طهران. وعن الخطوات العملية لتصعيد الصراع الأمريكي الإيراني ذكرت صحيفة نيويورك تايمز نقلاً عن مسؤولين أمريكيين أن إدارة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية عينت مايكل دي آندريا مسؤولاً عن جميع عملياتها في إيران وذكرت الصحيفة إنه أشرف على اصطياد الزعيم السابق لتنظيم القاعدة الإرهابي رقم واحد أسامة بن لادن، الذي قُتل على يد القوات الأمريكية في مدينة أبوت آباد الباكستانية يوم 01/05 /2011. وهو الذي دبر اغتيال مدير العمليات الخارجية في حزب الله اللبناني عماد مغنية يوم 12 /02/2008 في العاصمة السورية دمشق. وحسب موقع )واشنطن فري بيكون( المقرب من البيت الأبيض إن هناك خطة سرّية متعددة الصفحات لتغيير النظام الإيراني وتؤكد نصوص الخطة: »أن السياسة الأميركية الحالية تجاه إيران مبنية على أساسين رئيسين: الأول حرية الشعب الإيراني على أساس أنه هو صاحب السيادة على بلده وأن هذه الإستراتجية يجب أن تكون السياسة الأمريكية الرسمية تجاه نظام إيران؛ والثاني تخطيط شامل وجاد للتدخل العسكري إذا فشلت كل الطرق الأخرى لتغيير النظامس. إن سبب رواج هذا السيناريو ليس التشابه ما بين نظامي طهران الحالي وبغداد السابق من حيث شعاراتهما بمعاداة أمريكا، لأن لكل منهما تاريخ طويل من التعاون بمختلف الميادين السياسية والاقتصادية وحتى الاستخبارية مع واشنطن بل ذهب نظام ولاية الفقيه الى مديات أبعد في تقديم التسهيلات اللوجستية ومهد الطريق للأمريكان في احتلال بغداد حسب تصريحات المسؤولين الإيرانيين أنفسهم. لكن في المقابل يقلل بعض الخبراء السياسيين من جدية الهجوم السياسي الأمريكي الحالي الذي يقوده الرئيس )ترامب( ويؤكدون بأن هذه التظاهرة لا تخفي مشروعاً لإسقاط النظام السياسي الإيراني والدليل التصريح الأخير لوزير الخارجية الأمريكي )بومبيو( بأنهم لا يريدون إسقاط نظام طهران، وهو يتناقض مع تصريحات سلفه في هذه الإدارة )تيلرسون( الذي 1أفصح »بإن الاستراتيجية الجديدة التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بشأن إيران، تهدف إلى دعم القوى المطالبة بالديمقراطية، وتغيير النظام الحاكم في طهران«. معنى هذا إنها لا تتجاوز الضغوط السياسة والاقتصادية لتعديل السلوك الإيراني وإجباره على الانكفاء نجو الداخل الإيراني وتقليل مخاطره على جيرانه العرب. ومن المفيد توصيف ظواهر التشابه بين المعركتين الأمريكيتين ضد كل من العراق وإيران. فتاريخياً كانت لدى إدارة )بوش الإبن( الجدية المبرمجة لإسقاط نظام صدام منذ أواخر عام 1990 واستطاعت استخدام »الثغرة« التي قدمها ذلك النظام بمجانية لتتحول الى انفتاح مشروع العمل على إسقاطه عبر عمل سياسي واعلامي واستخباري متواصل وشاق باستثمار المنصتين العربية أولا والدولية ثانياً، ومسك هذا المفتاح السحري وهو احتلال الكويت بكونه يتعارض مع الأعراف الدولية والانتقال من نظرية »الاحتواء« القريبة مما يحصل حالياً ضد إيران وبمستويات أقل من الحالة العراقية، والتي قاومها النظام السياسي العراقي في استثمار لاتفاقية »النفط مقابل الغذاء« رغم عدم رضاه عنها للانفلات من الطوق المهلك الشامل. لكن المفتاح الحالي بهيمنة إيران ونفوذها في أربع عواصم عربية لا يصل الى تلك الدرجة من القوة لأن طهران لم ترسل قوات نظامية لاحتلال تلك العواصم، وإنما ترسل قوات )الحرس الثوري( برضى حكومتي )دمشق وبغداد( وإرغام كل من لبنان واليمن على تواجد ميليشيات مسلحة وصلت فيهما الى مواقع السلطة النافذة. أما معركة التفتيش ضد أسلحة الدمار الشامل ولجنتها سيئة الصيت في العراق والتي كانت سياسية بامتياز وخادمة لذلك المشروع فلم يستطع نظام صدام مقاومة أهدافها اللاحقة، وكان مسؤولوه يعلمون جيداً بأنها صفحة من صفحات إسقاط ذلك النظام، أما ما يلوح به الرئيس الأمريكي الآن عبر نقاطه الإثنتي عشرة التي أعلنها وزير خارجيته )بومبيو( في تضمينها دعوات عامة لخضوع طهران للتفتيش الدولي، ومنعها من التخصيب لليورانيوم بدرجة »الصفر« فلا تعدو أن تكون )سَلطَة( كما يقول المثل عما واجهه نظام صدام ورئيسه حين دخلت لجان التفتيش الى غرف نومه لإيصاله الى لحظة طرد تلك اللجان والوصول الى حافات المعركة النهائية بعد استنفاذ عقوبات »الحصار« الشامل.

وهناك من يتفاءل كثيراً من خلال بعض الظواهر الاعلامية لدرجة وصف ومقارنة استراتجية النقاط الإثنتي عشرة لبومبيو بتصريحات وزير الخارجية الأسبق )جيمس بيكر( خلال لقائه بوزير خارجية العراق الراحل )طارق عزيز( الذي رفض استلام رسالة )بوش( وتهديده بإعادة العراق الى العصور القديمة. لا شك إن العهدين الأمريكيين السابق والحالي مختلفان، العهد السابق كانت فيه أمريكا تعتقد بأنها أدخلت العالم عصرها، وكانت الجبهة الأوربية لا تقاوم »شبح« الانفراد بالعالم، وكان الاتحاد السوفييتي يلعق جراحه في هزيمته بإفغانستان، العهد الأمريكي الحالي يعاني من هزيمته في احتلال العراق، ولا يفكر رئيس أمريكي يحترم إرادة شعبه بالتورط باحتلال جديد، ولا يوجد حلفاء أوربيون الآن متضامنون مع سياسة )ترامب( وهناك ميل الى مصالحهم مع طهران حسب ما أعلنوه في عدم خروجهم من »الاتفاق النووي« مع طهران رغم إنهم في النهاية لن يتمكنوا من خسارة حلفهم المالي مع أمريكا. اليوم هناك معطيات جيوسياسية في كل من العراق وسوريا تدعم مشروع »إحتواء« إيران وليس إسقاط نظامها الذي هو مهمة شعوب إيران التي خرجت بحلقات متواصة من التظاهرات والاحتجاجات الشعبية، وقد تتصاعد بأشكال جدية في الأيام المقبلة في ظل نظام مفكك محاصر اقتصادياً، سيحسب الكثير للحفاظ على وجوده، ويعتقد بأنه يمتلك الكثير من أذرعه في العراق سوريا ولبنان واليمن ما زالت فادرة على مواجهة أمريكا إذا ما أرادت تصعيد معركتها السياسية، ايران تعتقد إنها قادرة على إيذاء السعودية ودول الخليج العربية أمنياً عبر وكلائها وعملائها داخل تلك البلدان لإثارة الاضطراب الأمني إذا ما احتاجت الى ذلك. ولكن الأهم هو تطورات الحالة السياسية العراقية الجديدة بعد الانتخابات وما ستتركه من تأثير لتقليص نفوذ إيران الطاغي حالياً، خصوصاً إذا ما تمكنت القوى المحبة للعراق من تعزيز مواقعها في السلطة المقبلة، وبناء دولة رصينة ذات استقلالية حقيقية تحافظ على ثروات العراق وتعزز التنمية الداخية وإيقاف نزيف تدفق السلع الإيرانية الاستهلاكية التي تدرّ المليارات لطهران، فرئيس نظام ولاية الفقيه )خامنئي( ومستشاروه منشغلين الآن في وضع ترتيبات الحفاظ على الحدود الدنيا لمصالحهم في العراق دون خسارة الكنز المتدفق الى إيران بإبقاء بوابة النفوذ الاقتصادي مفتوحة والاستمرار في تهريب الكثير من عائدات العراق لمواجهة حالة الحصار المتصاعد. وآخرها إتفاق مقابلة النفط العراقي الذي تم بموجبه توصيل كميات من النفط من كركوك عبر الشاحنات الى إيران لمواجهة أية احتمالات للتضييق الأمريكي ضدها. لن يتكرر السيناريو الأمريكي في العراق في المعركة السياسية الحالية ضد إيران ولكن سنجد إيران أخرى بوقت قريب