النحّات يصوّر داخله

نعيم تلحوق

الفراتي جمعة الناشف نحّات ورسام يريد أن يرسم الصخر بالكلمة، أدوات التعبير لا تقف عند منحى، اللغة مستطاع حيّ للإرادة أو الحركة التي لا تظهر عن نفسها إلاّ بمظهر أو لبوس تقع فيه، وقد وجد الفنان في الفراتي بعض حروف سقطت من منحوتاته ولوحاته فآثرها »خربشة« حروفية استدعت إقامته في ظل الحركة التي هي وشيجة المعنى المراد إيصاله…

خربشات الفراتي تظهر جمعة الأحمد، كنص مستلقٍ على حافة هضبة، فلوحاته تعبّر عن منحى لا يدركه إلاّ الحاذق بالفنون البصرية… لكن ما استرعى انتباهي، أن الفراتي في »خربشاته« يشرح منحوتاته ورسوماته التي ضمّنها الخربشات بوجع مقضّ أتعبه وهو رحيل ابنته الأحب الى قلبه، فاطمة، والتي أهداها هذه »الخربشات«، وهو من خلالها يحاكي حاله وفراته وبلده التي تعيش مآسٍ وأحوال يصعب تفصيلها على من لم يتذوقها…

والفراتي يعترف أنه لم يكتب شعراً، ولا أدباً، هو كتب حنينه وعشقه الذي سقط من لوحاته ومنحوتاته.. فجمعها في نصوص جاءت بالنسبة اليه مكاناً للتعبير عمّا يجول داخله مرفقاً كل نص بجانب لوحة بالحبر الصيني، بقيت خطوطها »خلف القماشة« كما يحلو للفراتي تسميتها…

هذه النصوص ليست مقاماً لنضعه في خانة الشعر، إنها وشيجة وجدانية اعترت قلب الفراتي فضمّنها ما تبقّى من جسده الحي بحروف من حنين، وعبارات من قُبَلْ…

لم تتدخل »فواصل« في عناد الفراتي كثيراً لتلميع صورة النص لأن ما يشوب الحياة أكثر من معناها وأقل من حركتها والعكس قد يكون صحيحاً…

هذه الخربشات ذ التداعيات لا تقدم نصاً إبداعياً، وإنما ما تبقى من غبار منحوتات الفراتي وألوانه المسرّبة الى القعر…

عندما تريدون قراءة خربشات جمعة الناشف، لا تقرأوا الكلام، بل ارسموا صورة في ذهنكم، وتخيلوا شخصاً ينحته ليبقي على ما انتهى منه إليه، لا ما جاءت الصورة عليه، انها لغة جديدة في استثمار الحركة، للوصول إلى المبتغى …

جمعة الناشف، الفراتي، يحمل همّه بالمحكيّة لغة شرقي سوريا التي تلهج المحكية الفراتية القريبة الى اللهجة العراقية، وكأنما يخبرنا أن الجبل الفراتي السوري والعراقي واحد في المتون يجمع بينهما نهر اختار أن يأخذ اسمه.. الفرات.. وقد حرّرها بقرصٍ مدمج بصوته كي يستطيع القارئ أن يفهم اللهجة بطريقة أقرب الى القلب، فاسمعوا الفراتي لتنتبه قلوبكم…