القطاع العقاري في لبنان.. تصحيح ولا انهيار

    تغيّر عوامل الثبات في القطاع أنتج أزمة

    رهان على دور المصرف المركزي في منع الأسوأ

    توقف القروض السكنية ضاعف حجم المشكلة ولم يسببها

    القروض السكنية استنفدت دعماً قيمته 3.1 مليار دولار  في 13 شهراً

بيروت ـ هيثم محمود

لسنوات خلت كان القطاع العقاري في لبنان ملاذاً آمناً لكل من يرغب في حماية أمواله من فقدان قيمتها، وهناك مقولة شهيرة عن تعتبر أن العقار في لبنان غالباً ما يشهد ارتفاعاً في سعره وهو يثبت عند حد معيّن لكنه لا يخسر أبداً. وشهد القطاع طفرة بين عامي 2007 و2011، ظهرت نتائجه في  ارتفاع جنوني في أسعار العقارات،

وتؤكد دراسة نشرها مصرف  »بلوم انفست« الاستثماري هذه الحقيقة وتردها إلى زيادة كبيرة على الطلب نسبة إلى العرض الموجود في حينه. وتفصّل دراسة نشرها  »فرنسبنك« قبل سنة تقريباً  الأسباب التي دفعت بأسعار العقارات إلى الارتفاع بهذا الشكل، على النحو التالي:

  1. الطلب الأجنبي: حيث تذكر دراسة أخرى لـ »بلوم إنفست« أن 60٪ من حجم الاستثمارات الخارجية المباشرة، بين عامي 2007 و2010، قد وُضعت في سوق العقارات.
  2. طلب المغتربين اللبنانيين.
  3. الطلب المحلي الذي يبحث عن المساحات الصغيرة والمتوسطة لضعف قدرته الشرائية.

تستعرض دراسة حديثة لـ »بلوم إنفست« انخفاض الأسعار في السنوات الخمس الماضية، مقدّرة معدّله في بيروت بـ20٪. ويبدو هذا الانخفاض في الأسعار منطقياً بالنظر إلى العوامل التي ساهمت في خلق الفقّاعة والتي تغيرت على النحو التالي:

الاستثمارات الأجنبية المباشرة انخفضت من 4.25 مليار دولار سنوياً  بين 2007 و2010 إلى نحو 2.9 مليار سنوياً بين عامي 2011 و2016.

بقيت تحويلات المغتربين ثابتة كمعدل سنوي  ولكن ارتفاع عدد المغتربين أدى مباشرة إلى انخفاض حصة الفرد من التحويلات وهذا يعود أيضاً إلى التحوّلات الاقتصادية التي تشهدها دول الخليج. أما عامل الطلب المحلي فبقي على حاله الضعيف معتمداً على القروض السكنية

أسعار الشقق تقاوم قانون السوق؟

المتوفرة.

هذه الصورة الزاهية باتت جزءاً من الماضي، اليوم يتصاعد الحديث في لبنان عن الأزمة المحدقة بمفاصل الاقتصاد كافة وبما أن لبنان يعتمد إلى حد بعيد على قطاعات غير إنتاجية مثل السياحة والمصارف والخدمات فإن إصابتها بالشلل غالباً ما يُفرز مضاعفات عامة لا تنحصر بالقطاع ذاته بل تتعداه إلى آثار اجتماعية بجانب تلك الاقتصادية.  في هذا السياق يعيش القطاع العقاري اللبناني واحدة من أسوأ مراحله متأثراً بسلبيات متراكمة ليس أولها ابتعاد الخليجيين عن لبنان بما يملكونه من قدرات تملك كبيرة وليس آخرها أزمة قروض الإسكان المدعومة من المصرف المركزي مع ما ولّدته من مشكلة اجتماعية لآلاف الشاب وسط غياب أي حلول، وليس من بينها عزوف المغتربين اللبنانيين عن شراء مساكن لأسباب ترتبط بتغيّر ظروف المعيشة في دول الخليج خيث الثقل المالي للمغتربين اللبنانيين.

ثبات الأسعار في القطاع العقاري لفترة طويلة فسّره تقرير  »البنك الدولي« حول وضع المصارف اللبنانية، الصادر عام 2016، بسلة الحوافز التي قدّمها مصرف لبنان للمصارف عبر تقديم القروض لها بفوائد مخفّضة لتعيد إقراضها كقروض سكنيّة بفائدة أعلى . هذه السياسة حافظت على أسعار العقارات ولكنها كشفت المصارف على أخطار قطاع الإسكان،

ويصنّف التقرير هذه السياسة بالخطيرة على المصارف في حال انهيار أسعار العقارات. وما كُشف أخيراً عن تلاعب بعض المصارف بشروط الإقراض، إضافة إلى منحها لمضاربين، ما هو إلا القليل مما قد تسبّبه هذه السياسة من أخطار ستؤدّي في نهاية الأمر إلى انهيار أسعار العقارات في حال تخلّف عدد كبير من المقترضين عن السداد.

قروض الاسكان

منذ سنوات تعتمد شريحة واسعة من الشباب اللبناني ومن أصحاب الدخل المحدود والمتوسط على القروض السكنية التي تقدمها  المؤسسة العامة للإسكان بالتعاون مع المصارف والمصرف المركزي. تعتمد المؤسسة على آلية سلسة تقوم على حصول الفرد على قرض سكني يجري تسديده على امتداد 30 سنة فيسدد خلال النصق الأول من المدة أصل المبلغ بينما يسدد في النصف الثاني قيمة الفوائد على أن يدعم المصرف المركزي الفوائد في السنوات الـ15 الأولى.

خلال الشهور االـ13 الماضية استنفدت القروض السكنية دعماً مالياً بلغ 3.1 مليار دولار موزعة بين المصرف المركزي بقيمة 2.3 مليار دولار و800 مليون أخرى قدمتها المصارف الخاصة

في أخر التطورات التي شهدها هذا الملف، إصدار رئيس مجلس الإدارة – المدير العام للمؤسسة العامة للإسكان المهندس روني لحود، مذكرة داخلية طالبا  »وقف قبول أي طلب قرض سكني جديد اعتبارا من 09 تموز/ يوليو 2018 وحتى إشعار آخر«. وذكر المكتب الاعلامي للمؤسسة ان  »الإجراء الذي اتخذه مجلس إدارة المؤسسة في آخر اجتماع له، جاء منعا للإحراج والتدخلات والوساطات، بعدما لاقت بعض المصارف صعوبة في الموافقة على جميع طلبات القروض السكنية المستوفاة كامل شروط بروتوكول التعاون الموقع بين المؤسسة وجمعية مصارف لبنان، ولجوء أخرى الى الاستنسابية في التعاطي مع المقترضين«.

وأكد لحود ان كل طلبات القروض السكنية المقدمة سابقا لن تتوقف، وأوضح انهم لن يستقبلوا طلبات جديدة في الوقت الحالي، لافتا الى أن القروض السكنية المدعومة من مصرف لبنان متوقفة  »لذا تم رفض الطلبات الجديدة«.

وعقدت  »جمعية منشئي وتجار الأبنية« في لبنان اجتماعا مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وخرج عن هذا الاجتماع اقتناع راسخ لدى الطرفين بأن القطاع العقاري في لبنان بعيد عن الانهيار، وليس هناك أي عمليات إفلاس للشركات العقارية كما يشاع.

مصادر في الجمعية قالت لـ »الحصاد« أن قرار دعم القروض الإسكانية ضروري وواجب، بل هو  ركيزة لتحريك الاقتصاد الوطني، وتحديداً قطاع البناء وما له من ارتباطات بالقطاعات الأخرى ويشكل نحو 30٪ من حركة الاقتصاد المحلي. ودعت المصادر الى إعادة النظر في الوقف المفاجئ لدعم القروض الإسكانية.

وطالبت الجمعية، جميع المسؤولين العمل بجدية وفعالية لإيجاد حل فوري للأزمة من خلال التخطيط ووضع سياسة إسكانية على المديين القريب والبعيد، ودعم الفوائد والمساهمة في استئصال الفساد في عملية إدارة المال العام، والتي يمكن ان تكون أحد روافد دعم القروض السكنية، فضلا عن ضرورة دعم جهود  »المؤسسة العامة للإسكان« وسائر المؤسسات الإسكانية لكونها الجهات الأساسية والذراع التنفيذية للدولة في هذا المجال.

سلامة: الدعم آتٍ

حاكم المصرف المركزي، رياض سلامة، أشار إلى أن تخصيص رؤوس أموال جديدة من البنك المركزي لدعم القروض السكنية لا يزال مبدئياً ساري المفعول بالنسبة الى البنك المركزي، ولكن حصة سنة 2018 نفدت ويجب انتظار أوائل  2019 لإعادة طرح حزمة قروض

المصارف.. مؤشرات حول المستقبل المالي والاقتصادي

إسكانية مدعومة جديدة.

وفي كلمة القاها خلال مؤتمر مصرفي، رفض سلامة الحديث عن تعثر بعض الشركات العقارية، فرأى أنه ليس من سبب لانهيار الشركات، والأزمة ليست كما يتم تصويرها خصوصاً في ظل تعميم يسمح للمقاول بأن يدفع دينه مقابل رهن عقار، وفي الوقت عينه فإن المصرف يستطيع أن يبيع العقار المرهون خلال فترة خمس سنوات، واذا لم يتم بيعه فإنه يستطيع أن يقسط كلفته طوال عشرين سنة.

ولم يجد  حاكم  »المركزي« أي رابط بين ازمة القطاع العقاري وأزمة الاسكان،  »فالقطاع بدأ بالتراجع منذ 2011، وبعدما كان حجم القطاع العقاري يقدر بنحو 12 مليار دولار وصل حالياً الى سبعة مليارات دولار. هناك انحدار يعم المنطقة ودول تواجه ازمات عقارية أكثر من لبنان«.  ورداً على سؤال عن توقيت ضخ  »مصرف لبنان« أموالاً جديدة، أجاب  »لا امكان لذلك في 2018، أما في 2019 فستكون هناك رزمة جديدة، نحدد قيمتها في آخر السنة«.

الانهيار مستبعد.. ولو توفرت عوامله

الأخطر في الأمر هو أن امتداد ازمة الاسكان من دون توفير الحلول وفي ظل غياب النمو الاقتصادي يمكن ان يؤدي الى تعثر شركات عقارية، وبالتالي فإن هذا السيناريو  من شأنه أن يصيب القطاع بانهيار وأن يكشف المصارف على مخاطر كبيرة في تحصيل ديونها من المقترضين. والحق يقال فإن هذا السيناريو لا يبدو قريب التحقق وهناك رهان كبير على دور المصرف المركزي في منع حصول أي شيء من هذا القبيل.

يؤكد نقيب المقاولين مارون الحلو ان لا انهيار في القطاع العقاري  لأن القطاع كان ولا يزال قيمة ثابتة أهم من النقد. واوضح ان العقار مرّ بمراحل عديدة في السنوات الماضية، تنقّل فيها بين الجمود والارتفاع، ولكنها المرة الاولى التي نشهد فيها حركة شبه معدومة في بيع العقارات وشرائها.  واعتبر في تصريح أن الامر  مرتبط بغياب النمو الاقتصادي في البلد،  مشيراً الى ان اسعار العقارات ترتفع في العادة مرة كل 7 سنوات، لكن القطاع يمر بجمود لافت..

لب المشكلة اليوم يكمن في الجمود الذي أصاب شراء الشقق السكنية، فلا حركة بيع على الشقق الكبيرة بسبب ارتفاع اسعارها، والطلب على الشقق الصغيرة متوقف بسبب أزمة قروض الإسكان بانتظار أن يطرح المصف المركزي سلة تحفيزات جديدة مطلع العام المقبل

100 مليون دولار لقطاع المقاولات

في جانب آخر من القصة، ثمة صرخة في قطاع المقاولات، إذ يعاني أصحاب الشركات فيه من ارتفاع الفوائد، وتأخر الدولة في سداد مستحقاتهم والتي تقدر بنحو 100 مليون دولار وتعود لعشرات السنين، سياسياً، اعدت كتلة  »المستقبل« اقتراح قانون يرمي الى معالجة موضوع القروض التي تمنحها المؤسسة العامة للاسكان بشكل مستدام، بحيث تتولى الدولة اللبنانية دعم فوائد هذه القروض، ويحدد الاقتراح اجراءات تقديم هذا الدعم. كما يلحظ الاقتراح دعماً اضافيا للمستأجرين.

وفي سياق البحث عن مخارج لأزمة قروض الإسكان التقى وزير الشؤون الاجتماعية، بيار بو عاصي، مدير عام و رئيس مجلس إدارة  »المؤسسة العامة للإسكان« روني لحود، وأكد بو عاصي بأن كل الحلول المقترحة لا بد أن تنطلق من طرحه الأساسي المبني على حصر القروض المدعومة بذوي الدخل المحدود وضمن شروط المؤسسة العامة للإسكان خلافاً لما كان يحصل في السابق.