التلوث البيئي في العراق وأهمية تضامن معظم الوزارات والجمهور في مواجهته

الدكتور هيثم الشيباني

1.المدخل:

أن محنة التلوث البيئي في العراق ذات صلة وثيقة بالتصحر، وأن التصدي لها بحاجة الى دراسات معمقة وتحليل دقيق أملا في التوصل الى حلول عملية وملموسة تبعث على التفاؤل نحو مستقبل مزدهر يعيد صورة العراق الأخضر، والذي عرف في الماضي بأرض السواد، أرض الرافدين التي تتدفق فيها المياه الصالحة للشرب والري والسقي واحياء الأرض قبل موتها وموت من يعيش عليها.

يعرف التلوث البيئي بأنه ذلك التغير السلبي الذي يطرأ على أحد مكونات الوسط البيئي، والذي ينتج كُلأ أو جزءأ عن النشاط الإنساني الحيوي والصناعي، وذلك بالمقارنة مع الوضع الطبيعي الذي كان سائدأ قبل تدخل الإنسان. ويظهر ذلك في حدوث تغيرات الطاقة، والمستويات الإشعاعية المختلفة، والتغيرات الحيوية والفيزيائية والكيميائية غير المرغوب فيها، التي تحدث في المحيط الحيوي الذي يحيط بالبشر، والذي تعيش فيه جميع المخلوقات الحية الأخرى.

ان الرعب البيئي مختلف عن رعب الجرائم الجنائية، لأن هذا النوع يمشي في خطى بطيئة بفعل الأثر التراكمي الذي تتصف به الاضرار البيئية، ولكنه في آخر الامر يهدد حياة الناس، ويهدد معاشهم والنظم البيئية التي يحصدون منها حاجاتهم من سلع وخدمات، في النطاق المحدود والنطاق الواسع.

وسوف لا تتسع صفحات مقال واحد لتغطية كافة ملفات التلوث البيئي، منها معضلة النفايات ومعضلة المجاري، لذا فأن كاتب المقال قرر الأكتفاء بتناول بعضها، أملا في تناول ما تبقى في مقالات قادمة ان شاء الله.

  1. نبذة تأريخيه: حماية البيئة في التشريع العراقي

 ان المتتبع لحضارة وادي الرافدين يجد صورة الجانب البيئي واضحة في الكثير من المراجع، فقد عبر فنانو حضارة وادي الرافدين عن استلهامهم لنظم البيئة الطبيعية فزينوا كل مكان برسوم تعبيرية حسب ما يظهر على الرقم الطينية التي عكستها هذه الحضارة، ووجدنا أن الملك حمورابي يؤكد على عمالة في الاهتمام بمياه النهر وضفافه ومحاسبة المخالف.

 نشأت الدولة العراقية الحديثة بعد نهاية الحكم العثماني مع بداية القرن العشرين وظهور المملكة العراقية ولم يذكر القانون الاساسي العراقي لعام 1925 البيئة ضمن نصوصه لكن صدرت عدة قوانين تهتم بجوانب معينة من البيئة خاصة الصحة والنظافة مثل : قانون الاشراف على الحرف ذات الروائح الكريهة لسنة 1931.

وقانون تصريف المياه الوسخة لسنة 1934، وقانون تنظيف الشوارع ونقل الازبال وازالة المكاره لسنة 1935، وقانون منع تلويث الانهار لسنة 1935، وقانون المحلات المضرة بالصحة العامة لسنة 1936.

 اما بعد ثورة 14 تموز 1958 وقيام النظام الجمهوري، فقد صدرت تشريعات تخص الصحة ولم يصدر تشريع يخص البيئة لغاية عام 1974.

 وعلى المستوى التشريعي فقد كان العراق من أوائل الدول العربية التي فكرت في حماية البيئة والحد من تدهورها، وجاء ذلك عقب مشاركة العراق في مؤتمر استوكهولم للبيئة البشرية عام 1972.

فشكلت الهيئـة العلـيا للبيـئة البشرية، بموجــب أمر ديــوان الرئاسة فـــي 10/3/1974 وأنيطت رئاسة الهيئة بوكيل وزارة البلديات وبعضوية ممثلي الدوائر ذات الصلة بالبيئة.

 مارست الهيئة مهام عملها لمدة أكثر من عام ونصف، حتى صدر قرار لمجلس قيادة الثورة آنذاك في 19/11/1975، لتشكيل المجلس الأعلى للبيئة البشرية بإعتباره الجهة المركزية لحماية البيئة وأنيطت رئاسة المجلس بوزير الصحة وعدلت تسميته لتصبح مجلس حماية البيئة. إرتبطت بهذا المجلس دائرة عرفت بأسم دائرة الخدمات الوقائية والبيئية وهي من دوائر وزارة الصحة، ثم صار أسم هذه الدائرة دائرة الوقاية الصحية وحماية البيئة مع الابقاء على المجلس، وكان من بين أهم تشكيلات الدائرة المذكورة هو مركز حماية البيئة الذي كان الذراع التنفيذية للمجلس، وكذلك مركز الوقاية من الاشعاع وتمت تلك التغييرات أثر صدور قانون مجلس حماية وتحسين البيئة المرقم 76 لسنة 1986 الذي حدد ارتباط مجلس حماية وتحسين البيئة بنائب رئيس الجمهورية، وبقى نافذ المفعول لغاية 1997، حيث صدر القانون لسنة )1997( قانون حماية وتحسين البيئة والذي ربط مجلس حماية البيئة بمجلس الوزراء، بدلا من نائب رئيس الجمهورية.

 اما وزارة البيئة فقد تأسست في العراق بعد الاحتلال الذي حصل في عام 2003 بموجب امر سلطة الائتلاف المؤقتة لسنة 2003.

 وتطبيقاً لذلك صدر قانون وزارة البيئة لسنة 2008، ليبين هيكلية واختصاصات هذه الوزارة والاهداف التي تسعى لتحقيقها والمهام الملقاة على عاتقها، ثم تلاه قانون حماية وتحسين البيئة لسنة 2009 حتى تكتمل العملية التشريعية الخاصة بحماية البيئة، حيث اصبح مجلس حماية وتحسين البيئة مرتبطاُ بوزارة البيئة.

لكن تشكيل وزارة البيئة والمهام التي أنيطت بهذه الوزارة، كان يشعرنا بالتفاؤل الشديد اذ أن الحفاظ على البيئة يستحق اهتماما يرقى الى درجة تشكيل وزارة، وصدورقانون باسمها يتضمن تفاصيل كثيرة تبدأ من الهيكل التنظيمي وتنتهي بالأسباب الموجبة.

الا أن الدولة اتخذت قرارا بالغاء وزارة البيئة ودمجها تحت مظلة وزارة الصحة، وهذا يستوجب منا المطالبة بمراجعة هذا القرار لأسباب تنظيمية وعلمية وادارية.

  1. مخاطر التلوث البيئي ونقص المياه في العراق

لا شك أن هناك ترابطا كبيرا بين مخاطر التلوث البيئي ونقص المياه في العراق، وكي يتوضح هذا الترابط نطلع على المقابلة التي أجرتها فضائية الجزيرة مع الدكتور وائل عبد اللطيف عضو أول مجلس حكم بعد احتلال العراق، وعضوالبرلمان العراقي لعدة دورات، والدكتور علي العموري رئيس الجمعية العراقية للادارة والتنمية الصحية، ونشرت الحوار التالي:

 لقد بدأت تظهر في الآونة الأخيرة آثار نقص المياه ومياه الشرب بالإضافة إلى انتشار الأمراض المزمنة والخطرة، يترافق ذلك مع قلة الخدمات، فما مستوى الخطر البيئي والصحي في العراق؟ وما هي مسبباته وأبرز آثاره؟

 فتحدث الدكتور وائل عبد اللطيف عضو لجنة الزراعة والمياه في مجلس النواب، كذلك الدكتور علي العموري.

لقد صنفت بغداد حسب مؤسسة ميرسر العالمية من حيث الجانب البيئي أنها صعبة العيش )مؤسسة معنية بتقييم مستوى مدن العالم المعيشي( وهنالك اشكاليات في البنى التحتية منذ 2003 وحتى هذا اليوم، وهناك أزمة الكهرباء، وهناك موضوع المجاري والنفايات والنفايات ترمى في بعض الساحات والشوارع.

 اتهمت السلطة البيئة العراقية كلا من وزارتي النفط والكهرباء بتلويث البيئة بسبب عدم معالجة مخلفاتهما حيث تصرف بشكل مباشر في مياه الأنهر، وهو أمر أدى إلى ارتفاع نسبة الملوثات فيها، وكذلك حذرت عدد من المنظمات من ارتفاع الملوحة في معظم محافظات الجنوب فصارت التربة غير صالحة للزراعة، وفي موضوع التلوث في العراق فقد نشرت صحيفة التايمز البريطانية أن القوات الأميركية العائدة إلى بلادها بعد سبع سنوات ونيف تركت وراءها كما هائلا من المواد السامة، وما لا يقل عن خمسة آلاف طن من النفايات السامة بما فيها بقايا اليورانيوم المنضب المشع، في أكثر من ثلاثمئة موقع كانت تشغلها هذه القوات في العراق، وهذا ما يعتبره ذوو الاختصاص مشكلة بيئية وصحية سيظل يعاني منها العراق على مستقبل غير منظور.

أضاف الدكتور وائل عبد اللطيف أن الهموم العراقية كثيرة، منها مسألة الزراعة ومياه الصرف الصحي، ونقص المياه مما يوثر على انتاج الطاقة الكهربائية.

 وأكد المتحدث أيضا معاناة العراق في الحصول على المياه من ايران وتركيا كما فصلنا في مقال سابق.

يقول علي العموري: ان انخفاض مستوى المياه الناجم عن تناقص في حجم المياه الواردة من الدول المحيطة من المصبات المائية لنهري دجلة والفرات، يؤثر على حجم المياه الواصلة إلى مختلف مناطق العراق، مما يؤثر على حق السكان في الحصول على ماء صالح للشرب، علما هناك تناقص في نسبة السكان الذين يحصلون على ماء صالح للشرب في العراق، وإذا نظرنا إلى حجم التناقص وفقا لوزارة الصحة العراقية هناك حوالي 80 من السكان العراقيين فقط يحصلون على ماء صالح للشرب، هذا إذا افترضنا أن هذا الماء فعلا صالح للشرب لأن الاختبارات التي تجرى على هذه المياه أثبتت أن هناك نسبة كبيرة من هذه المياه غير صالحة للشرب.انها تصل إلى المناطق المختلفة ولكنها غير صالحة للشرب وبالتالي هذا ينجم عنه الكثير من المشاكل الصحية التي يعاني منها المجتمع العراقي خصوصا خلال السنتين الماضيتين، مثل تفشي الكوليرا في العراق، لكن في هذه السنة لم تشهد تزايدا مثلما شهدت في السنتين الماضيتين، وان العراق مرشح في أي لحظة لأن يظهر وباء بسبب انتقال مجموعة من الأمراض عبر المياه، خصوصا أن المياه ناقل رئيسي لكثير من الأمراض.

صدر تقرير التنمية البشرية لعام 1993 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي ذكر إن نسبة الأشخاص الذين كانوا يجهزون بمياه مأمونة وصالحة للشرب بين عام 1988 حتى 1993 هم 93 من مجموع سكان العراق، لكن الآن هبطت النسبة الى 80.

و إذا ابتدأنا من التواريخ التي ذكرت في تقرير التنمية البشرية منذ ذلك الحين والعراق واقع تحت تأثير الحصار الاقتصادي لمدة 13 عاما ثم الاحتلال في 2003 ثم الوضع السياسي المضطرب خلال السنوات اللاحقة من 2003 إلى يومنا هذا، كل هذا مترافق مع زيادة مضطردة في حجم السكان، وهذا في غياب إستراتيجيات واضحة المعالم قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، لتأمين الماء الصالح للشرب للسكان مما أدى إلى انخفاض في نسبة السكان الذين يحصلون على ماء صالح للشرب. وفي المعدل العام فان المسوح التي أجرتها كل من وزارة التخطيط ووزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية تشير الى تراجع في نسبة السكان الذين يتناولون الماء الصالح للشرب وذلك بسب عدم حصول ادامة لمحطات المياه ولا لشبكات الماء الصالح للشرب.

وأضاف الدكتور وائل عبد اللطيف: أن المشاكل العراقية الحقيقة كثيرة جدا، وأن العراق يفتقد إلى قاعدة بيانات إحصائية لعدد نفوسه على الأقل، وهذه أبسط معلومة إحصائية غير متوفرة، كم عدد النساء ؟كم عدد الرجال؟ كم عدد الأطفال؟ يعني قاعدة للبيانات. وهذه المعلومات ربما متوفرة في داخل المدن فقط، أما الأهوار والريف فمن الصعب الوصول إليها. هؤلاء السكان يشربون من مياه النهر بشكل مباشر وعن طريق أكف اليدين فقط، وبالتالي فان البلد الذي يفتقر الى قاعدة بيانات وإحصاءات دقيقة لكل مرافق الحياة لا يمكن أن ينهض. لقد كان وضعنا في الماء خلال الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات أفضل، والأسوأ بدأ من عام 2000 حتى هذا الوقت، وفي ظهور ارتباط مياه الصرف الصحي مع المياه الصالحة للشرب، إن كانت هناك مياه صالحة للشرب، ونجد العدد الهائل جدا من أبناء العراق يلجأ إلى صنابير المياه وهي غير صالحة للشرب أو يلجأ إلى مياه النهر.

مسببات الأزمة وآثارها ومؤشرات تزايد المخاطر

 نتعرف على بعض الأرقام التي تتحدث عن الوضع البيئي والصحي في العراق:

– تبلغ الكثافة السكانية في العراق 436 شخصا لكل ألف هكتار وهي كثافة منخفضة نسبيا بالمقارنة مع بعض الدول المجاورة.

– برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 1993: نسبة الأشخاص الذين كانوا يجهزون بمياه مأمونة في العراق للمدة 1988- 1993 نحو 93 من المجموع العام للسكان.

– يوجد في العراق 30 محطة فقط لمعالجة مياه المجاري تعمل دون حدود الكفاءة المقبولة وبعض المحافظات لا توجد فيها أي محطات.

– يضخ يوميا في نهر دجلة من مياه الصرف الصحي الفجة )غير المعالجة( نحو 1500 مليون متر مكعب.

– منظمات دولية: حجم التلوث الإشعاعي الذي تعرض له العراق يفوق التلوث الإشعاعي الناتج عن قنبلتي هيروشيما وناكازاكي.

– مستشفى البصرة: نسبة الإصابة الحالية بالسرطان بين الأفراد ضمنها سرطان الدم وسرطان الثدي كبيرة جدا.

 ان مياه نهري دجلة والفرات الآن قد انخفض منسوبها ومياه الصرف الصحي تعود إليها من غير معالجة والمصانع والمعامل ترمي فيها النفايات، وذلك يشكل خطورة مباشرة وغير مباشرة، مباشرة عبر شرب المياه الملوثة يعني لا توجد تقريبا أي معالجة حقيقية لمياه الصرف الصحي، أو مياه المعامل، أو أي نوع من المخرجات المائية، التي ترمى مباشرة إلى نهري دجلة والفرات، وبالتالي كل ما يخرج من دجلة والفرات ممكن أن يشربه الإنسان بشكل مباشر أو غير مباشر أو أن يذهب إلى الأرض أو تأخذه الحيوانات وهذه الحيوانات بالنتيجة يتغذى عليها الإنسان، فبالتالي هناك الكثير من المخاطر الصحية الناجمة عن تلوث المياه. في نفس الوقت تجد مناطق كثيرة غير مخدومة بأنابيت المياه الصالحة للشرب، اضافة الى التخسفات الحاصلة في مياه المجاري والاختلاطات التي تصير ما بينها وما بين المياه الصالحة للشرب.

 يضاف إلى ذلك فقد اتنتشرت في مناطق جنوب العراق وسائل بديلة، منها المياه الجوفية وهذه المياه الجوفية ليست مأمونة.

و كلما نزلت جنوبا كلما ازداد الوضع سوءا، حيث ان الماء غير المعالج الذي يصب في نهري دجلة والفرات تزداد كمياته. عندما أجرت السلطات البيئية كشفا على المياه في محافظات العراق المختلفة وجدت أن هناك سبع محافظات، فيها الماء غير صالح للشرب وفيه أمراض كثيرة، وممكن أن تنقل عبر هذه المياه في بغداد العاصمة والأنبار والنجف والقادسية وكربلاء إضافة إلى ذي قار والمثنى.

ويرى الدكتور وائل عبد اللطيف أيضا مع انخفاض منسوب نهري دجلة والفرات، تتسع ظاهرة التصحر وتزداد نسبة الملوحة في المياه، خصوصا أنه ابن الجنوب.

وأكثر المناطق تتضررا بهذا الوضع هي الفرات الأوسط والمنطقة الجنوبية البصرة والعمارة والناصرية، حيث إن مياه الفرات تصلها مياه مالحة، أما مياه دجلة فهي قليلة وبالتالي يمكن عبر ظاهرة المد والجزر أن تصعد المياه المالحة من البحر العربي لتصل تقريبا إلى مناطق العمارة. ان هذه المياه طيلة الفترة الماضية لم تكن لتصل إلى هذه المناطق وكانت المياه عذبة صالحة للشرب، وكان المواطن يأخذها من الأنهار وهي صالحة للشرب دون معالجة، ولكن في الوقت الحاضر حتى المياه المعالجة تعتبر مياه ملوثة، فكثيرا ما ترتبط مع مياه الصرف الصحي، والأمر خطير اذا فكرنا في عام الهدف الذي يطلق عليه العام 2025.

ويذكر في بعض التقارير إن سوريا تريد أن تستخدم مياه دجلة لمعالجتها والاستفادة منها في مائتي هكتار في الأراضي السورية أو أكثر، وهذا سيؤثر على المياه في العراق.

يعقب الدكتور وائل عبد اللطيف: في سنة الهدف 2025 سوف لن يصل إلى العراق إلا مليار متر مكعب من المياه سنويا والعراق يحتاج إلى مائة مليار متر مكعب، وهذا النقص كبير جدا وينذر بخطورة على نهري دجلة والفرات على السواء، وإذا ذهبنا إلى بحيرة الرزازة نجد عدة بحيرات وليس بحيرة واحدة، وهذا يعني أن جرس الخطر بدأ يدق على الأرض العراقية، فعندما تعالج الموضوع يستوجب هذا تغييرا كاملا في أنظمة المياه أضف إلى ذلك أن كل محطات الكهرباء تحتاج إلى مياه نقية تماما وهذا غير متوفر. وأخيرا فأن كل مياه المعامل ومياه الصرف الصحي تبدأ بالانحدار من شمال العراق إلى جنوبه، يعني ان المنفذ الذي يستقبل المياه بسهولة هي محافظة البصرة.

 وهناك أمراض محددة تنقلها المياه من جملتها التيفوئيد والديزنتري والكوليرا وهذه الأمراض تصيب الأطفال، وبالتالي فان العراق واحد من الدول الأكثر ارتفاعا في معدل ارتفاع وفيات الأطفال الرضع والأطفال دون سن الخمس سنوات، وإذا أردنا أن نخرج بخلاصة فإنه لا توجد لحد الآن بشكل واضح وملموس إستراتيجية بعيدة المدى إلى عام 2025 لتحقيق الهدف. نحن نؤمن أننا إذا وفرنا الفرصة لأولادنا وأطفالنا بالحصول على ماء صالح للشرب بأقل نسبة من الخطورة، فذلك يعني أننا كلما عالجنا المشكلة من بدايتها قللنا الكلفة في النهاية.

  1. الأمراض السرطانية وأمراض أخرى بعد احتلال العراق

يقول الأطباء: إنهم يجدون صعوبة في التعامل مع ارتفاع الإصابات بالسرطان والأورام، خصوصاً في المدن التى تعرضت للقصف الثقيل بأسلحة اليورانيوم المنضب في بدايات حرب عام 1991 وعام 2003. لقد ظهر خطر جديد يفتك بكثير من النساء والرجال والشيوخ والأطفال الرضع، حيث أفاد أحدث تقرير طبي صادر عن وزارة الصحة بأن نحوَ 164 ألف شخص أصيبوا بالسرطان خلال السنوات الماضية.وقد جاء في التقرير الذي أعد في عام 2012 م من قبل عدد من المتخصصين بأمراض السرطان أن الإحصائيات المتوفرة في المحافظات العراقية، باستثناء تلك التابعة لإقليم كردستان، تؤكد إصابة 164 ألف و923 شخصاً، تعرض أغلبهم الى الموت.

 وكي لا تضيع الصورة أمام أي فريق يشرع بالدراسة والتقيم والمعالجة للأمراض السرطانية يجب أن لا يكون التفكير محصورا بأن الأشعاع هو السبب الوحيد للأمراض السرطانية، فعلى سبيل المثال ورد في تقرير منظمة الصحة العالمية لرصد الأمراض السارية والأمراض الجديدة في الشرق الأوسط، وفي برنامج أقرته قبل بضع سنوات، برصد ومتابعة الأمراض الجديدة في المنطقة، وأمكن رصد أكثر من 200 مرض سار و120 مرضاً جديداً تعد نتاجاً لتطور بكتيريا، أو فيروس، أو دخول مواد كيميائية، أوتراكم مواد أخرى. وقد رصد البرنامج الإقليمي 60 مرضاً وبائياً في مناطق مختلفة من العراق.

لقد جاءت الخريطة الخاصة بالأمراض في العراق وتبعا للعامل الجغرافي ووفقا لوحدة البحوث الطبية الأميركية الميدانية على الشكل الآتي :

– بغداد/ البصرة/ النجف/ كربلاء/ ديالى، ظهور أمراض انتقالية ووبائية خطيرة وسجل في هذه المحافظات ظهور 33 مرضاً جديداً.

– بغداد/ البصرة/ النجف/ كربلاء/ وديالى/ واسط/ ميسان والأنبار، شهدت ظهور امراض سببها الاشعاعات ومنها اليورانيوم المنضب وبقايا المنشآت العسكرية العراقية السابقة التي قصفت إضافة إلى بقايا المقذوفات الأميركية بمختلف أنواعها وأسباب أخرى.

– الناصرية/ البصرة/ الديوانية/، كربلاء/ الحلة/ بغداد/ ديالى/ واسط/ ميسان وصلاح الدين، ظهور أمراض سارية ومعدية انتقالية و11 مرضاً جديداً.

– حلة/ ميسان/ بغداد/ الناصرية/ البصرة وديالى، ظهور أمراض وبائية معدية وأخرى غير معدية.

 بدأت بعض الأمراض تتفاقم يوما بعد يوم، حتى أن أمراضاً تعد الأولى من نوعها في العالم قد استوطنت: كداء الفقاعة، والأنوسيميا، وتجلط المراهقين والشباب.

هذه صورة بيئة عراقية ملوّثة خلال السنوات الماضية، مع خريطة وبائية مخيفة بشهادات دولية. إنه غول الأوبئة يستوطن أرض الرافدين، أمراض غريبة استوطن بعضها جنوب العراق تحديداً فيما انتشرت في معظم المحافظات الأخرى فيروسات لم تعد تكترث لحقن المضادات الحيوية بعدما كيفت نفسها طوال سنوات الإهمال. أمراض سارية كثيرة، ومراكز ومؤسسات صحية شبه عاجزة.

  1. العواصف الترابيه:

 ان غفران حسين وعمرها خمس وعشرين عاما وهي خريجة قسم علوم الحياة، تضطر الى مراجعة الصيدلية مع عدد من كبار السن الذين يعلو سعالهم وعطاسهم كلما اشتدت الاجواء صفرة مع هبوب العواصف الترابية. كذلك تهرع فاطمة للاسراع باستلام الكمامات وبخاخ الهواء، لمواجهة نوبات الربو المصابة به منذ صغرها. يرتفع تلوث الهواء بسبب عوادم السيارات ومولدات الطاقة الكهربائية وغيرها من الأنشطة الصناعية الأخرى، كذلك مصانع الأسلحة قبل عام 2003 ومواقع الطاقة الذرية ومختلف أنواع الأسلحة والذخائر خلال الحروب.

لا تتوفر احصائيات دقيقة عن معدلات هذا التلوث حاليا، الا ان تقريرا دوليا خاصا بالبيئة العراقية، أعده فريق من الباحثين الأميركيين في مركز دراسات الحرب في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، أشار إلى أن الغبار في العراق يحتوي على 37 نوعاً من المعادن ذات التأثير الخطير على الصحة العامة، إضافة إلى 147 نوعاً مختلفاً من البكتيريا والفطريات التي تساعد على نشر الأمراض، بحسب دويتشة فيله )هي الإذاعة الدولية لألمانيا إلى العالم الخارج(.

بينت وزارة الصحة ان ارتفاع مستويات التلوث في العراق سببت ارتفاع نسبة الامراض المرتبطة بالجهاز التنفسي بشكل كبير ووصولها الى مستويات مخيفة خلال العقود التي تلت حرب الخليج الاولى.

واضافت أن اهم اسباب هذه الامراض هي زيادة نسبة التلوث في الهواء والتربة والماء نتيجة الحروب المستمرة منذ اربعين عاما وازدياد مخلفات الوقود وحرائق النفط والاهمال بالزراعة.

و تخضع المستشفيات العراقية إلى حالة إنذار قصوى لاستقبال مئات المرضى المصابين بحالات اختناق عند هبوب العواصف الترابية، وذكرت مصادر طبية في بغداد ومدن عراقية بأن أكثر من 4360 شخصاً نقلوا إلى مستشفيات عدة بسبب حالات ضيق التنفس الناجمة عن تلك العواصف التي ضربت ربوع العراق منتصف يونيو/ حزيران 2016 فقط. بحسب دويتشة فيلة.

أما مركز الإشعاع والطب النووي التابع لوزارة الصحة فقد كشف أن العراق يعاني من )كارثة صحية ( بسبب ارتفاع حالات السرطان بعد تسجيل الاف الحالات السرطانية في البلاد خلال عام 2010.

كما أن التلوث في العراق سبب زيادة الإصابة بالأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية وشلل الأطراف واضطراب الأعصاب، بالإضافة إلى أمراض الجهاز التنفسي والعقم، وكذلك انخفاض معدلات الأعمار في المجتمع العراقي بالإضافة إلى كثرة الإصابة بالأمراض المزمنة التي تصيب الصغار والشباب بعد أن كانت تصيب الإنسان بمراحل متقدمة من العمر.

اشتدت آثار التلوث في العراق خصوصا بعد حربي الخليج الأولى )1980-1988( والثانية 1991، حيث سقطت آلاف الأطنان من القنابل التي يحتوي بعضها على اليورانيوم المنضب، وكذلك تجفيف الأهوار وتحويلها إلى أراضٍ غير صالحة للزراعة وقطع الأشجار وتدمير الغابات في وسط وجنوب البلاد.

يقول الكاتب المصري وحيد محمد مفضل، ان الولايات المتحدة الامريكية من أكثر الدول ممارسة لمفهوم الإرهاب البيئي، وذلك بتعمدها استخدام البيئة والموارد الطبيعية كسلاح.

 وهذا ما حصل في كل من اليابان وفيتنام وأفغانستان والعراق خلال حروبها المختلفة مع هذه الدول

 أكدت وزارة الموارد المائية : أن حجب المياه الدولية المتدفقة إلى العراق من دول الجوار، والإهمال الشديد لمشاريع استصلاح الأراضي وتدهور المستصلح منها، وكمية التبخّر الكبيرة الناتجة عن ارتفاع درجات الحرارة في العراق وقلة كميات الأمطار الساقطة، زادت من ظاهرة تلوث المياه والتربة وتركيز الأملاح في مياه النهرين.

وأظهرت الاستطلاعات الميدانية والقياسات التي أجراها فريق من مركز أبحاث اليورانيوم الأميركي، بالتعاون مع جهات علمية دولية أخرى، وأجرى مسحا موقعيا لبعض مسارح العمليات العسكرية في وسط البلاد وجنوبها، أن ارتفاع مستوى التلوث الإشعاعي في مناطق شاسعة من بغداد ومناطق جنوب العراق كان واضحا، حيث بلغ عشرة أضعاف المستوى الطبيعي. بحسب موقع العربي الجديد هو مشروع اعلامي عربي من خلال موقع ألكتروني وصحيفة ورقية يصدرفي لندن باللغتين العربية والانكليزية

 وأن الدقائق المشعة التي يحملها الغبار والهواء من النوع الدقيق الذي يسهل استنشاقه وترسبه وبقاؤه في حويصلات الرئة.

أشلر جون هنت من وودز هول في عام 1986 إلى أن أكثر من 70 من الاحتياطي العالمي من النفط لا يستلزم الإضرار بالبيئة لاستخراجه، إلا أن فقدان الرقابة في العراق وعدم المبالاة بالنتائج التي سوف تتولد جعل من عملية استخراج النفط في العراق عملية ضارة، جدا وقد بدأ العراق مؤخرا باستثمار الغاز المصاحب للنفط وهو الذي يفيد في عمليات توليد الكهرباء، ولو استثمر بصورة صحيحة لكانت مشكلة توليد الكهرباء في العراق محلولة منذ زمن بعيد.

  1. الاستنتاجات المقترحات :

 انتشرتلوث كبير في عموم العراق، كما ظهرت أمراض متنوعة كثيرة بعضها لم يكن معروفا سابقا، وتدهور الرافدان العملاقان الى حالة من الجفاف المروع.

 لقد بدأت تظهر في الآونة الأخيرة آثار نقص المياه ومياه الشرب، يرافق ذلك قلة الخدمات.

 أعلنت مؤسسة ميرسر العالمية )مؤسسة معنية بتقييم مستوى مدن العالم المعيشي( أن مدينة بغداد صعبة العيش من حيث الجانب البيئي.

اتضح أن وزارتي النفط والكهرباء تساهمان بتلويث البيئة بسبب عدم معالجة مخلفاتهما، حيث تصرف بشكل مباشر في مياه الأنهر.

ان ما نشرته صحيفة التايمز البريطانية حول أن القوات الأميركية التي عادت بلادها بعد سبع سنوات ونيف تركت وراءها كما هائلا من المواد السامة، وما لا يقل عن خمسة آلاف طن من النفايات السامة بما فيها بقايا اليورانيوم المنضب المشع، في أكثر من ثلاثمئة موقع كانت تشغلها هذه القوات في العراق، اعتبرها ذوو الاختصاص مشكلة بيئية وصحية سيظل يعاني منها العراق الى مستقبل غير منظور.

أكد الدكتور وائل عبد اللطيف عضو مجلس النواب السابق أن المشاكل العراقية الحقيقة كثيرة جدا، منها أن العراق يفتقد إلى قاعدة بيانات إحصائية لعدد نفوسه على الأقل.

يتطلب القيام بحملة سريعة ومكثفة لاصلاح وربط شبكات الصرف الصحي، واصلاح تخسفات الشوارع التي تؤدي الى خلط شبكات مياه الشرب مع مياه المجاري.

ضرورة الاستفادة من الكثافة السكانية المنخفضة نسبيا بالمقارنة مع بعض الدول المجاورة، للاسراع في اصلاح البنية التحتية.

إستوطنت على أرض الرافدين، أمراض غريبة بعضها في جنوب العراق، فيما انتشرت في معظم المحافظات الأخرى فيروسات، لا تتأثر بحقن المضادات الحيوية بعدما كيفت نفسها طوال سنوات الإهمال. فالامراض السارية كثيرة والمراكز والمؤسسات الصحية شبه عاجزة.

وكي لا تضيع الصورة أمام أي فريق يشرع بالدراسة والتقيم والمعالجة للأمراض السرطانية يجب أن لا يكون التفكير محصورا بأن الأشعاع هو السبب الوحيد للأمراض السرطانية.

لابد من استثمار الغاز المصاحب للنفط لأغراض الطاقة أولا وحفاظا على البيئة من التلوث ثانيا. وهذا يئكرنا بضورة أن يتوجه العراق لقوة وسرعة نحو الطاقة المتجددة.

يتطلب أن يكون مركز الإشعاع والطب النووي التابع لوزارة الصحة، ومركزا متطورا يضم أفضل المختصين والمنظومات المختبرية في العالم

ان التلوث البيئي في العراق يحتوي على 37 نوعاً من المعادن ذات التأثير الخطير على الصحة العامة، إضافة إلى 147 نوعاً مختلفاً من البكتيريا والفطريات التي تساعد على نشر الأمراض، بحسب دويتشة فيله )هي الإذاعة الدولية لألمانيا إلى العالم الخارج(.

يتطلب الانفتاح والتنسيق مع مراكز البحوث العربية والعالمية، لغرض تبادل الخبرة والمعرفة في الجوانب البيئية..

 بسبب تداخل الاعمال والواجبات بين عدد من الوزارات مثل وزارة الموارد المائية ووزارة الزراعة ووزارة الصحة ووزارة التعليم العالمي ووزارة النفط ووزارة الصناعة ووزارة الكهرباء مع أعباء ومهام البيئة، يتطب التنسيق المشترك وتشكيل اللجان المشتركة الدائمية.

من أجل كل ما ورد أعلاه يجب اعادة النظر بقرار الغاء قرار دمج وزراة البيئة تحت مظلة وزارة الصحة، واعادتها مشتقلة.

رعاية الكوادر البيئية من حيث الاعداد والتطوير وتوفير فرص المشاركة في المؤتمرات العالمية.

 تشجيع الزراعة وتطويق المدن بالاحزمة الخضراء، لتكون حاجزا من العواصف الترابية بشكل رئيسي.

 تنفيذ الثقافة البيئة في برامج تعليمية وثقافية موجهة من خلال توعية المواطن، وطلاب المدارس والجامعات، بالتعاون مع االمؤسسات البيئية والصحية.

 اخضاع المواد الغذائية والأدوية التي تدخل إلى العراق من مختلف المنافذ والمناشئ إلى السيطرة النوعية لضمان خلوها من التلوث.

اتضح أن الحصار الذي ضرب على العراق بعد حرب 1991والوضع المضطرب منذ عام 2003 حتى الوقت الحاضر حرم الكثير من العراقيين من الماء الصالح للشرب.