فنانة الرقص الشرقي البلجيكية ليديا لورينزينو: الرقص الشرقي فن قائم بذاته مخطئون الذين يظنون أنه مجرد خلاعة

بروكسل »الحصاد«:

»الرقص الشرقي فن قائم بذاته، ومخطىء من يظنه مجرد خلاعة، وهو مثل باقي الفنون كالرسم والتمثيل وكتابة الشعر، يعلو ويتألق، أو قد يمتهن ويُهان، ذلك كله يتوقف حسب المؤدية«. هذا ما تقوله الفنانة البلجيكية الإيطالية ليديا لورينزينو، التي تعتبر من أشهر الراقصات الشرقيات في أوروبا.

يتسم الرقص الشرقي في المقام الأول بحركة الجذع في الجسم، مع التركيز على المفاصل من الوركين، على عكس العديد من أشكال الرقص الغربية. وكما هو الحال مع معظم الرقصات الشعبية، لا يوجد نظام عالمي موحد لحركات الرقص الشرقي. لهذا الرقص تاريخ طويل في الشرق الأوسط، لكن الأدلة الموثوقة عن أصوله نادرة، وحسابات تاريخه غالبا ما تكون متضاربة للغاية. في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كتب الرحالون الأوروبيون في الشرق الأوسط مثل إدوارد لين، وفلاوبرت، الكثير عما شاهدوه وعاينوه في الشرق، خصوصا الرقص الشرقي، وفي الإمبراطورية العثمانية كان هذا الرقص يدور في قصور السلاطين، ويقوم به فتيان، وفي السنوات الخمسين الماضية انتشر هذا الرقص على نطاق واسع في الغرب مع زيادة عدد المهاجرين والسياح العرب في أوروبا، خصوصا في المدن التي تتواجد فيها جاليات عربية، ومطاعم وأندية عربية.

نشأ الرقص الشرقي الحديث في مصر في الأندية الليلية في القاهرة والإسكندرية، ثم استخدمته في السينما المصرية، وظهر العديد من الفنانات في الأفلام المصرية، وكان لهن تأثير كبير على تطور النمط المصري، مثل سامية جمال وتحية كاريوكا ونجوى فؤاد، وكلهن ساعدن على

الراقصة البلجيكية ليديا لورينزينو

جذب العيون.

ليديا لورينزينو من أهم الفنانات اللاتي جلبن الأنظار في أوروبا، وهي تؤدي هذا النوع من الرقص منذ أكثر من 15 عاما.. ولدت في بروكسل في عام 1987. بدأ اهتمامها بالرقص والمسرح في سن مبكرة مع فرقة »لانفان دي ستار« للمسرح، وفي السادسة عشرة أدت أول أدواره في مسرحية الموسيقى الشرقية »رينغ سميراميس«، التي أخرجها شارلز جيرارد، وأريكس كامبس. بدأت التدرب على الرقص الشرقي مع واحدة من أهم معلمات الرقص الشرقي في بلجيكا، الفنانة المغربية المشهورة فرح البقالي، وهي ترقص الآن في الحفلات والمسارح والأندية الخاصة. في العام 2012، وبعد سنوات من العمل مع مسرح »ستارز بويز«، قررت أن تستقل، وتركزعلى الرقص الشرقي، والثقافة الشرقية. التحقت بمدرسة »ساليمبور« للرقص الشرقي في ولاية كاليفورنيا الأميركية، تحت إشراف معلمة الرقص مايل كورينتارو. وتعتبر هذه المدرسة أهم مدرسة لتعليم فنون الرقص الشرقي في العالم، وقد أسستها جميلة ساليمبور في العام1949. في العام 2016 أصبحت ليديا عضوا مهما في هذه المدرسة وترقص في أهم مهرجانات الرقص الأوروبية، ومنها عرض »بال أنات« الذي تشرف عليه الفنانة سهيلة ساليمبور.

لم تسافر ليديا إلى أي بلد عربي، لكنها مغرمة في الثقافة الشرقية، وتود أن تزور بلدان العالم العربي، وأن تكون مصر وجهتها الأولى، ثم لبنان. تقول إنها لم تختر فن الرقص الشرقي والموسيقى الشرقية، بل أن هذا الفن هو الذي اختارها. تتذكر قول معلمتها سهيلة ساليمبور »عندما نسمع الموسيقى الشرقية نشعر أن دماء أجدادنا تسير في عروقنا«. عن ذلك تقول أيضاَ: »بالرغم من أنني لست عربية أو شرقية، فإن الموسيقى الشرقية تحاكي مشاعري بقوة، أكثر من أي نوع آخر من الموسيقى. إنها تولد فيّ إحساسا فريدا وعاطفة خاصة من الصعب وصفها. وفيه سمة راقية من سمات الارتجال، يساعد الراقصة مثلي على أن تبتكر حركاتها حسب ذوق الجمهور ومتطلباته. هذه العفوية تجعل المؤدية تتجاوب بفرح مع الناس، كل الناس، بغض النطر عن جنسسهم وأعمارهم، وهذا ما يجعلي فعلا سعيدة حين أرى المشاهدين مسرورين«. تتذكر ليديا المرة الأولى التي شاهدت فيها راقصة شرقية. كان لها من العمر سبع سنوات، وكانت في مناسبة زواج أصدقاء لعائلتها يونانيين، »كانت الراقصة فعلا عظيمة، ولم أكن أدري بالطبع، أن هذه الراقصة ستصبح في ما بعد ومعلمتي وهي فرح البقالي«.

لا تمارس ليديا أي نوع آخرمن فنون الرقص، وتعتبر أن الرقص الشرقي يكفيها، ويملأ حياتها بالفرح والموسيقى. الهواية الثانية لديها هي المسرح، وتعشق التمثيل. لا تعرف العربية، لكنها تحب أن تفهم معاني كلمات الأغاني العربية التي تؤدي الرقص عليها. عن الذين يشاهدونها في بلجيكا تقول إنهم من مختلق الطبقات والجنسيات، كلهم يحبون الرقص الشرقي وكونها ليست شرقية أمر يثير لدى بعضهم شيئا من التساؤل والغرابة.

من الفنانات في مصر تحب، أكثر ما تحب، سامية جمال ومنى سعيد. تقول إنهما تمثلان كل ما تعشق، لأنهما فنانتان تجعلان من الرقص الشرقي فنا راقيا جدا، وبعيدا عن السطحية. تحب نعيمة عاكف أيضا، وتحب، وإلى جانب معلمتها المغربية فرح البقالي، الإيرانية الإيطالية سهيلة سليمبور، ولديها إعجاب خاص بالراقصة التركية السويدية صبرية تكبليك. تقول إن الكثير يرقصون، لكن المؤدي الحقيقي هو الذي يجعل الرقص فنا، وهذا ينطبق على الرقص الشرقي، الذي هو ليس مجرد حركات جسدية، بل هو تجسيد للحن الراقي، بحركات الجسد وتموجاته، وبما يتسم به من عناصر الدهشة والمفاجأة.

تمارس ليديا عملها كراقصة في الدور والقصور، وفي الأماكن الراقية، لكن المسرح بقى أفضل مكان لها لأنه يتيح لها التحرك بحرية مطلقة والتقرب من الناس. تهوى التمثيل في السينما والغناء، وقد غنت في بعض المسرحيات الغنائية، لكن المسرح أكثر ما يستهويها، وهي تفكر في الذهاب إلى باريس لمزيد من الدراسة في العمل المسرحي. حاليا هي بروكسل حيث تمضي فيها أكثر أوقاتها. هل تعتقد أن جنسية المرأة تساعدها على أن تكون راقصة شرقية؟ تجيب: » العنصر الفعّال أكثر من أي عنصر آخر هو التدرب، والممارسة المنظمة. راقصات الباليه ليس من الضرورة أن يكن فرنسيات أو روسيات، ومغني الجاز ليس من الضروري أن يكون أميركيا افريقيا، أو من أصول أميركية أفريقية، والشيء نفسه ينطبق على الرقص الشرقي«.

هل يمكن أي إمرأة أن تصبح راقصة شرقية، وهل للعمر أو الجمال دور في ذلك؟ تجيب: »ذلك يتوقف على وجود معلمة الرقص القديرة. ما يدهش حقا هو عدد النساء اللاتي يأتين لدروس الرقص الشرقي، وهن في المتوسط من العمر، وما يؤسف له أن الصبايا في سن المراهقة لا يأتين عادة لتعلم الرقص الشرقي بسبب ما يتميز به هذا النوع من الرقص من سمات حسية«. على الرغم من ذلك، تعتقد ليديا أن الرقص الشرقي موهبة من السماء، وصلة تواصل رائعة مع الناس. تشعر بسعادة يصعب وصفها حين تجد نساء محجبات يتماوجن مع أدائها بالتصفيق والحركات، هذا يجعلها تفتخر بنفسها. تقول إنه في هذا العالم الذي تسود فيه العنصرية وتعدد الولاءات، يكون الرقص عنصرا جامعا وموحدا، وحاجة إنسانية للتواصل الاجتماعي والثقافي بين الناس. أما العمر فليس شرطا، كذلك الجمال. قد يكون ذلك أمرا مرغوبا فيه في بعض الحالات، لكن الأهم من كل ذلك في رأيي هو عنصر الدهشة، والقدرة على تحريك الناس، وهذه مزايا لا حدود لها وليست مشروطة بالأعمار«.

عندما سألناها عن سبب اختيارها طريق الفن والرقص كعمل، كان جوابها: « في الغد لن أكون موجودة في هذا العالم، لكن أحب أن يتذكرني الناس على أنني كنت واحدة من الذين حركوا في نفوسهم شيئا جميلا، وإلى الآن، لم أجد طريقة لفعل ذلك أفضل من الرقص والمسرح«.