تساؤلات لبنانية حول المبادرة الروسية لإعادة النازحين

هل تنجح موسكو في حل الأزمة السورية؟

بيروت غسان الحبال

أوجدت المبادرة الروسية لمساعدة لبنان على عودة النازحين السوريين إلى سوريا، مخرجا للتناقضات اللبنانية لجهة العلاقة مع النظام السوري ورأسه بشار الأسد، وتركت إرتياحا رسميا وشعبيا على الرغم من التعقيدات التي تحيط بالخطة الروسية لإعادتهم، والتي تم الاتفاق عليها بين القطبين الأميركي والروسي في قمة هلسنكي.

ويذكر أن أكثر من نصف السكان السوريين تشردوا داخل سوريا وخارجها، منهم أكثر من خمسة ملايين لجؤوا إلى دول الجوار، لبنان وتركيا والأردن بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011.

ويعيش اللاجئون السوريون في لبنان في ظروف إنسانية صعبة لضعف الإمكانات المادية في لبنان، فيما تؤكد منظمات دولية وغير حكومية أن هؤلاء اللاجئين يساهمون في تنشيط الحركة الاقتصادية، لأنهم ينفقون المساعدات المالية التي يتلقونها في الأسواق المحلية.

هل أن المبادرة الروسية تجاه لبنان في تسهيل عودة النازحين السوريين إلى بلادهم هي مساعدة للبنان، أم لسوريا، أم للنازحين أنفسهم؟ وأين تكمن مصلحة روسيا في دفعها باتجاه عودة النازحين إلى بلادهم؟

وتشير سجلات الأمن العام اللبناني، التي تعتبر الأكثر دقة، إلى أن عدد اللاجئين السوريين إلى لبنان منذ بداية الأزمة السورية بلغ حوالي مليونا ونصف المليون نسمة، إلا أن المعنيين في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يقولون عدد النازحين يبلغ حالياض أقل من مليون شخص للمرة الأولى منذ العام 2014، حيث وثقت الأمم المتحدة في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وجود 997.905 لاجئين سوريين مسجلين في لبنان، غالبيتهم من النساء والأطفال، مقارنة مع 1.011.366 في ديسمبر/كانون الأول من العام 2016، علما أن المنظمة الدولية تجري مراجعات لأعداد اللاجئين السوريين في لبنان أربع مرات سنويا لتقييم الدعم الذي يحتاجونه.

قمة هلسنكي

ووسط أجواء من التجاذب السياسي بين طرف لبناني يدعو إلى ضرورة عودة النازحين السوريين إلى المناطق السورية التي نزحوا منها، واشتراط طرف آخر عودة آمنة لهم، فاجأت روسيا اللبنانيين بمبادرة للمساعدة على عودتهم الآمنة، وذلك في أعقاب الاتفاق الاميركي- الروسي في قمّة هلسنكي على العمل سويا لإعادة ملايين اللاجئين السوريين من لبنان والأردن وتركيا إلى سوريا، على أن تلعب موسكو دور الضامن السياسي والامني لعودة النازحين، وعلى أن يقدم لها النظام السوري الضمانات لعدم التعرض للمعارضين منهم، أو مصادرة أملاكهم أو الزامهم الخدمة العسكرية، فيما تتولى الأمم المتحدة الشق اللوجستي لعملية العودة.

وبناء لاتفاقه مع نظيره الأميركي دونالد ترامب، بادر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى التحرك لمعالجة أزمة اللاجئين السوريين، وإتصل بكل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وأطلعهما على الاتفاق، وأبلغ الجانبين وجوب التحرك الأوروبي للمساعدة في هذا الإطار »لأنه ليس من مصلحة دول أوروبا إبقاء أزمة النازحين قائمة«.

وفيما أنشأت روسيا مركزا لاستقبال وإعادة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم، تمثلت أولى نتائج تحرك اللجنة الروسية-الأميركية-اللبنانية المشتركة بعودة النازحين السوريين المقيمين في شبعا وقرى العرقوب وراشيا الوادي والبقاع الغربي، والبالغ عددهم 950 شخصا سجلوا استعدادهم للعودة إلى بلداتهم، بواسطة حافلات أتت من سوريا، وبإشراف الأمن العام اللبناني الذي اتخذ كل الإجراءات المطلوبة لتسهيل عملية العودة.

وقد جاءت هذه الخطوة في أعقاب زيارة وفد رئاسي روسي برئاسة المبعوث الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لافرينتيف، إلى لبنان اجتماعه مع الرؤساء اللبنانيين الثلاثة، إعلانا لبدء تنفيذ المبادرة الروسية وآلية التنفيذ بالتنسيق مع الطرفين اللبناني والسوري الرسميين.

الإجراءات وأزمة التطبيع

ووسط ترحيب وإجماع لبنانيين على أهمية تنفيذ عودة النازحين وانعكاساتها الإيجابية المتوقعة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة، ما كان لإطلاق الخطوات التنفيذية الروسية الأولى لعودة النازحين السوريين أن يمر من غير تشكيك بسهولة التنفيذ، إتخذ مرة شكل تعليقات سلبية ومرات أخرى شكل تساؤلات حول أبعادها السياسية والاقتصادية الروسية.

ويمكن حصر الإجراءات التي يتوجب على لبنان اتخاذها مع بدء تنفيذ عمليات العودة بتوحيد الموقف اللبناني وتوحيد المعايير تجاه المبادرة الروسية، والاستفادة من الفرصة الدولية المؤاتية لحلّ أزمة اللجوء ليكون لبنان جاهزاً لإعادة اللاجئين في اي لحظة، الأمر الذي يوجب عليه

ما هي حقيقة اعتبار بعض القوى السياسية المبادرة، توظيفا لنفوذ موسكو في سوريا، يهدف إلى استمالة الدولة اللبنانية وإبعادها عن التأثير الأميركي والأوروبي، بما قد يعزز النفوذ الروسي والمصالح الروسية لدى الدولة اللبنانية؟

تحضير الإجراءات اللوجستية اللازمة لوضع ملف العودة على سكة التنفيذ، وأولى هذه الاجراءات هي إعداد ملف يتضمّن إحصاء دقيقاً وواضحاً للعدد الحقيقي للاجئين، يميز بين اللاجئين لأسباب أمنية واللاجئين لأسباب اقتصادية أو خلافها، وتحديد الاماكن التي قدم منها كلّ نازح، وقد تمّ تكليف الأمن العام اللبناني بهذه المهمة التي باشر العمل عليها بالتعاون مع الهيئات المحلية والبلدية في كل أماكن انتشار اللاجئين السوريين.

أما المشكلة الأساسية التي ستواجه الحكومة اللبنانية )المرتقبة( فتتعلّق بالسياسة التي سوف تعتمدها إزاء تطبيع العلاقات مع النظام السوري، خصوصا بعدما عمل عدد من الأفرقاء اللبنانيين على جعل اعادة التواصل أمراً واقعاً من دون التشاور مع الرئيس المكلف سعد الحريري، علما أن الأخير كان قد كرر عدة مرات، خلال لقائه مع الوفد الروسي، الرفض القاطع للتواصل المباشر بين الحكومتين، قائلاً إن »فتح قنوات اتصال مباشرة بين الحكومتين اللبنانية والسورية غير وارد بأي شكل من الاشكال«، وذلك في وقت كان وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال حسين الحاج حسن يصرح من دمشق بان »القسم الأكبر من اللبنانيين بات مقتنعاً بضرورة تطوير العلاقات مع الدولة السورية ومع الشعب السوري ومع المؤسسات السورية، أما القسم الآخر فسيغير ويبدل موقفه اذا أراد مصلحة لبنان«، فيما ذكرت مصادر مطلعة ان »حزب الله وضع أجندة عمل للمرحلة القادمة، حدد فيها جملة خطوات سيعمل لتحقيقها تخدم أهدافه ومشاريعه الخاصة والاقليمية. ومن أبرز هذه الخطوات، تطبيع العلاقات بين لبنان وسوريا«.

العودة والمصالح الروسية

بدوره الجانب الروسي لم يخف مصالحه التي تكمن وراء تصديه لمهمة السعي لعودة النازحين السوريين إلى سوريا، حيث رأى معظم الإعلام الروسي أن الفرصة سانحة لروسيا لتعزيز نفوذها في المنطقة وزيادة مبيعاتها من الأسلحة، وكانت صحيفة »Gazeta.ru« قد نقلت في وقت سابق وفي أعقاب الانتخابات الرئاسية اللبنانية، عن السفير الروسي في لبنان زاسيبكين أمله أن تأخذ الحكومة الجديدة المبادرة في مجال التعاون التقني العسكري، الأمر الذي يأملون به في لبنان أيضاً ، حيث أن »الجنرالات أخذوا يتعلمون الروسية«.

كما جاء مشروع اتفاقية التعاون العسكري بين لبنان وروسيا، التي كان من المفترض بلبنان أن يوقع عليها في شهر آذار/مارس 2018، الأمر الذي لم يحصل، ليؤكد أيضا على الطموحات الروسية بتعزيز نفوذ موسكو في لبنان والمنطقة، وذلك بما تضمنه المشروع من بنود نص أبرزها على فتح الموانئ اللبنانية أمام السفن والأساطيل العسكرية الروسية، بالإضافة إلى جعل المطارات اللبنانية محطة عبور للطائرات والمقاتلات الروسية، وإرسال خبراء عسكريين روس لتدريب وتعزيز قدرات أفراد الجيش اللبناني.

تساؤلات استراتيجية

ويقول مصدر لبناني معني بالمبادرة الروسية، رفض ذكر اسمه، إن »المبادرة شكلت مفاجأة إيجابية مزدوجة، فمن جهة كان إعلانها في حد ذاته هو المفاجأة الإيجابية الأولى، فيما شكل الإعلان عن مباركة الولايات المتحدة الأميركية للمبادرة المفاجأة الإيجابية الثانية«.

ويضيف: »لقد اعتاد اللبنانيون على الكثير من المفاجآت االسلبية منها والإيجابية، ما يستدعي الحذر دائما«، ويطرح في ختام حديثه بعض التساؤلات التي وصفها ب«الاستراتيجية«، وهي:

قمة هلسنكي: بوتين وترامب.. ولعبة الأمم