ما هو سرّ السلم المفاجئ بين أثيوبيا وأريتريا والصومال وما دور أبو ظبي؟

القرن الأفريقي: التسويات الغامضة!

محمد قواص *

لم يعد خفيا أن العالم يشهد تحالفات تاريخية ومفصلية كبرى. تعود روسيا لتعلب دورا حيويا مفصليا في تقرير مسار العالم فيما تعيش أوروبا أزمتها الداخلية كما أزمة علاقة بينها وبين الولايات المتحدة. وينسحب الأمر على شكل ومضمون ووظيفة الحلف الأطلسي كم على طبيعة الحرب التجارية التي تشمها واشنطن والتي لا توفر الصديق والخصم على السواء.

ولم يعد خافيا أيضا أن العالم بصدد دفن قواعد قديمة في اللعبة الدولية

طالما تداعت على المشهد الجيواستراتيجي هنا وهناك. ولا ريب أن ما شهده القرن الأفريقي في الأسابيع الأخير، وعلى الرغم مما أشاعه من جو مفاجئ لدى المراقبين، إلا أنه يعلن نهاية تقاليد وبداية أعراف جديدة في علاقات العالم البينية كما في دور ووظيفة الدول الأفريقية، لا سيما تلك في القرن الأفريقي، داخل المشهد الدولي العام.

وتبدو التحولات المتعلقة بالعلاقة الجديدة بين أثيوبيا وإريتريا متكاملة مع تحوّلات لافتة يشهدها العالم على نحو غير مسبوق. وما كان مستحيل الانجاز بين أديس أبابا وأسمرة جرى تحقيقه بسرعة لافتة مقارنة بعقود العداوة المتجذرة بين البلدين. فإذا ما كانت قمة سنغافورة بين دونالد ترامب وكيم جونغ أون مفاجأة لها ما بعدها، فإن القمة التي جمعت آبي أحمد وأسياس أفورقى في العاصمة الإرترية شكلت صاعقة استفاقت لها العواصم وحرضت حبراً كثيراً في العالم.

يقود رئيس الوزراء الأثيوبي الجديد آبي أحمد بلاده باتجاه سقوف طموحة عجز نظام بلاده عن اختراقها خلال العقود الأخيرة. يبشّر رجل أثيوبيا الجديد، الداخل كما الخارج، بما كان نظّر له أحمد داوود أوغلو في تركيا في بدايات عهد حزب العدالة والتنمية في السلطة من تصفير

رئيس وزراء أثيوبيا آبي أحمد: مفتاح ورشة السلم الطارئة

للمشاكل مع العالم، قريبا كان هذا العالم أم بعيدا.

ما يشبه »الثورة« قاد آبي أحمد أحمد في أثيوبيا إلى منصبه الجديد. دفعت الاحتجاجات الواسعة التي انتشرت في البلاد في فبراير الماضي النظام السياسي نفسه إلى حمل الرجل نحو قمة السلطة بعد رحيل حكومة هايلي ديسالين. يمثل آبي أحمد تحوّلا قد يكون إصلاحياً لا انقلابيا في أثيوبيا. ينتمي الرجل إلى قبيلة الأورومو المسلمة التي همشت عن متن السلطة في إثيوبيا رغم أن تعدادها يصل إلى 40 بالمئة من عدد السكان، ولطالما أصدرت المنظمات الدولية التقرير تلو التقرير عن الاضطهاد الذي تعاني منه. ومع ذلك يتصرف رئيس الوزراء الجديد، المنتمي إلى الأورومو، بصفته زعيما لكل الاثيوبيين معتبراً أن وقف التوتر مع العالم وصفةٌ لوقف التوتر الداخلي الذي عبرت عنه الاحتجاجات، ووصفةٌ لنقل النظام من طور ثوري متقادم إلى آخر يتّسق مع شروط الراهن ومفرداته.

يتعامل آبي أحمد مع الدوائر الإقليمية بصفتها امتدادا لنَفَسهِ الإصلاحي داخل أثيوبيا. أقفل الرجل ملف العداء والحرب مع إريتريا وهو بصدد نزع فتائل التوتر مع مصر. بادر إلى زيارة القاهرة لمباشرة سياق يحوّل سد النهضة المثير للجدل إلى مناسبة لإعادة ترميم العلاقات مع القاهرة بصفتها مسلّمة من مسلمات العلاقات الدولية لبلد يتوق إلى جوار يستدرج الأمن والسلم والرخاء وكثير من الاستثمارات.

يتموضع السلم بين أثيوبيا وإريتريا على خلفية مناخ دولي يدفع بهذا الاتجاه. لعبت الإمارات دوراً مباشراً في هذا التطور على ما يفسر رحلة ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد إلى أديس أبابا ورحلة زعيم إريتريا آسياس أفورقى إلى أبو ظبي. وفي تلك الدينامية الإماراتية ما يمثل منحىً خليجيا مصريا لقراءة الأمن الاستراتيجي قراءة واسعة عميقة متعددة المستويات تفكك الأزمات وتعيد تركيب المشهد الإقليمي وفق قواعد أكثر حنكة ونجاعة.

تأتي اللحظة التاريخية التي حملت آبي أحمد إلى السلطة متصادفة مع لحظة تاريخية أخرى بات بها نظام آسياس أفورقى في إريتريا تواقاً للعبور نحو التسويات التاريخية. بدا أن اسمرة التي استفادت من صراعات الآخرين في العقود الأخيرة لتتطوع للعب أدوار ووظائف، لم تعد تجد سوقا كبيراً لخدماتها. وبدا أن العالم في تحولاته، خصوصا على تخوم إريتريا القريبة، لم يعد يحتمل الاستثناء الإريتري على منوال عدم تحمله لاستثنائيّ كوريا الشمالية كما إيران.

قد يجوز التنويه إلى أن محور السعودية الإمارات ومصر ومناخات دولية أخرى، تسهر بعناية على حسن صياغة التحولات في القرن الأفريقي. فإذا ما كان الضجيج حول سد النهضة يشغل القاهرة في السنوات الأخيرة، فإن التحولات الجارية في اليمن تشغل بال الخليجيين على نحو يتطلب مراعاة شاملة لمصالح كافة عواصم هذه الملفات. وقد يجوز التنويه أيضا إلى أن انشغال العالم بمسائل الهجرة والإرهاب و»الترامبية« والـ »بوتينية«، قد وّفر لأفريقيا، لا سيما في روافدها الشرقية وتلك المطلة على باب المندب، لحظة عبور نحو تموضعات بينيّة محلية لا تتناكف مع أجندات الدول الكبرى وحساباتها.

غير أن ما هو وردي في مشهد الانفراج الإقليمي العام حول أثيوبيا ما زال متعلقاً بشخص آبي أحمد وبقدرته على الدفاع عن حكمه وذاته وبرامجه. يعمل الرجل على رأس دولة ما زال عمقها يتحكم بمصير قمّتها. نجح آبي أحمد في إزاحة رؤوس كبرى نافذة في مؤسسات الأمن والعسكر، بيد أن محاولة الاغتيال التي تعرض لها مؤشر إلى مخاطر المشهد الجديد في أثيوبيا. تخلت الدولة العميقة التي استندت خلال العقود الأخيرة على أقلية التيغراي )6 بالمئة من عدد السكان( عن رجلها هايلي ديسالين، وبدا أنها قدمت آبي أحمد البديل على مضض. وإذا ما كان آبي أحمد يدرك حساسية وضعه على رأس البلاد ويراعي بدقة موازين القوى فيها، إلا أن القوى النافذة داخل الدولة العميقة ما زالت تملك أوراق الحل والربط، لا سيما في الملفات التي قد تهدد مصالح ونفوذ أصحاب المصالح والنفوذ.

لا يبدو أمر إريتريا في هذا الصدد بنفس مستوى التعقيد. يمسك أفورقى نظام بلاده بيد من حديد. حكم الرجل في العقود الأخيرة متخلصاً من معارضيه مقفلا السبل أمام أي تعدد أو اختلاف. اعتبر العالم إريتريا بلدا يخضع لديكتاتورية قاسية، لكنها ديكتاتورية جرى التعامل معها واستعمالها بماكيافيلية تامة. ومع ذلك يطرح أمر المصالحة مع أثيوبيا أسئلة حول دينامية نظام أسمرة المقبلة وطبيعة تأثره بمفاعيل الانفتاح مع الخارج. ولا ريب أن الحدث يعيد تسليط المجهر على شرعية نظام غرف كثيراً من عقيدة عدائه لإثيوبيا ويضع علامات استفهام حول مستقبل تلك الشرعية بعد زوال هذا العداء.

قد يوفر الصلح مع إريتريا منفذاً بحريا لأثيوبيا على البحر الأحمر من خلال ميناء عصب الإريتري الشهير. بين أن ذلك قد ينعكس على طبيعة التفاهمات السابقة التي وفرت لأديس أبابا منافذ بحرية في جيبوتي والصومال والسودان. يعيد الحدث رسم الخرائط وسوْق المسارات بما يجعل من التطور الثنائي حدثا إقليميا دوليا يغير القواعد الجيوستراتيجية التي سادت خلال العقود الأخيرة في المنطقة وتصرفت المصالح الدولية وفقها. لكن الأبرز أن مقاربة آبي أحمد الجديدة قد تؤشر إلى مغادرة أثيوبيا إطلالاتها على المصالح الإيرانية التركية القطرية الإسرائيلية لصالح استراتيجية أوسع في مقاربتها لمصالح مصر ودول الخليج ضمن مشهد دقيق ومحسوب. وقد لا يكون القصد هنا أن أثيوبيا تغير اصطفافاتها، بل أنها تستقيل من وظيفتها القديمة كبلد مستفيد بانتهازية من تناقضات الدول وخلافاتها.

وتبدو التحولات في تسارعها جدية تحظى برعاية خارجية لم يظهر من يعاندها. وعلى ذلك عوّل الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو حين سارع إلى تلبية دعوة نظيره الارتري لإقفال ملف النزاع المزمن بين بلديهما. مقديشو تريد الالتحاق بقطار السلم وما يعد به من ازدهار، وأسمرة إنهاء خلافها مع الصومال لرفع عقوبات مجلس الأمن التي طالت إريتريا بسبب نزاعها مع الصومال، لا سيما اتهامها بالتدخل في الحرب الصومالية لصالح حركة الشباب المتمردة هناك.

يخلع نظاما أثيوبيا وإريتريا تاريخهما الثوري الذي أسس لقيام أثيوبيا على أطلال حكم أمبراطورية هيلا سيلاسي كما انفصال إقليم إريتريا ليصبح بلدا مستقلاً. وفّرت الذاكرة الجماعية للبلدين مشهدين متنافرين. واحد جمع »المناضلين« ضد الإمبراطور وآخر حوّل نفس المناضلين إلى أعداء سال بينهم دم كثير. تُسقِط أديس أبابا وأسمره هذه الذاكرة وتعيد قراءة التاريخ بمنظار حداثي يعيد رسم الصلح بملامح المصالح وحسابات الربح والخسارة.

غادرت الإيديولوجيا العالم منذ عقود وها هي تغادر ولو متأخرة فضاءات القرن الأفريقي وضواحيه.

على أية حال فإن التاريخ وضع على سكة جديدة في القرن الأفريقي. تسعى واشنطن البعيدة كما الأوروبيين إلى تسهيل إطفاء هذه البؤرة المتأججة منذ عقود. قد يبدو أن تقاطعا وليس تناقضا في تحقيق ذلك قد تحقق بين شرق وغرب بين موسكو وبكين كما بين واشنطن ولندن وباريس. غير أن التاريخ ليس نهائيا وأعراضه تتبدل وفق تفاصيل طارئة غير متوقعة، لذلك فإن الجميع حذرين في اعتبار الأمر منتهيا وبالتالي فإن التسويات تحتاج إلى صيانة وتحديثات دائمة.

لم يعد خافيا أيضا أن العالم بصدد دفن قواعد قديمة في اللعبة الدولية

طالما تداعت على المشهد الجيواستراتيجي هنا وهناك. ولا ريب أن ما شهده القرن الأفريقي في الأسابيع الأخير، وعلى الرغم مما أشاعه من جو مفاجئ لدى المراقبين، إلا أنه يعلن نهاية تقاليد وبداية أعراف جديدة في علاقات العالم البينية كما في دور ووظيفة الدول الأفريقية، لا سيما تلك في القرن الأفريقي، داخل المشهد الدولي العام.

يتموضع السلم بين أثيوبيا وإريتريا على خلفية مناخ دولي يدفع بهذا الاتجاه. لعبت الإمارات دوراً مباشراً في هذا التطور على ما يفسر رحلة ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد إلى أديس أبابا ورحلة زعيم إريتريا آسياس أفورقى إلى أبو ظبي. وفي تلك الدينامية الإماراتية ما يمثل منحىً خليجيا مصريا لقراءة الأمن الاستراتيجي قراءة واسعة عميقة متعددة المستويات تفكك الأزمات وتعيد تركيب المشهد الإقليمي وفق قواعد أكثر حنكة ونجاعة.

غير أن ما هو وردي في مشهد الانفراج الإقليمي العام حول أثيوبيا ما زال متعلقاً بشخص آبي أحمد وبقدرته على الدفاع عن حكمه وذاته وبرامجه. يعمل الرجل على رأس دولة ما زال عمقها يتحكم بمصير قمّتها. نجح آبي أحمد في إزاحة رؤوس كبرى نافذة في مؤسسات الأمن والعسكر، بيد أن محاولة الاغتيال التي تعرض لها مؤشر إلى مخاطر المشهد الجديد في أثيوبيا.

أثيوبيا-إريتريا: حكاية صراع قديم

لطالما كانت الجبهة الإريترية الإثيوبية مشتعلة، منذ العام 1961، أي التاريخ الذي بدأت فيه إريتريا التي كانت خاضعة للحكم الإثيوبي، حربها لنيل استقلالها، بعد انتهاء عصر الاستعمار الإيطالي للبلدين. تخلّلت معركة الاستقلال، حربان أهليتان في إريتريا، دامت الأولى بين عامي 1972 و1974، والثانية بين عامي 1980 و1981.

من قرر وقف البركان بين أريتريا وأثيوبيا

أدت الحربان الأهليتان اللتان بدأتا بخلفيات دينية، بين مسلمي الساحل الإريتري ومسيحيي الجبال، إلى سيطرة »الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا«، وهو تنظيم ماركسي يقوده أسياس أفورقى. لاحقاً تحوّل أفورقى إلى زعيم وطني في البلاد، مع إعلان استقلال إريتريا عن إثيوبيا رسمياً وفقاً لاستفتاء شعبي، في العام 1993، بعد سنوات من اعتماد »الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا« أسلوب حرب العصابات، التي دفعت القوات الإثيوبية لخارج البلاد. كلّفت هذه الحرب 230 ألف قتيل من الجانبين. مع العلم أن من مسببات الهزيمة الإثيوبية أيضاً، هو تعرّض البلاد لمجاعة قاتلة في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، خلّدها المصوّر البرازيلي سيباستياو سالغادو. كما أن نظام منغيستو هايلي ماريام في أديس أبابا، قتل أكثر من نصف مليون إثيوبي، وكان ذلك من الأسباب التي ساهمت في هزيمة إثيوبيا.

أدى هذا الاستقلال إلى إغلاق مداخل البحر الأحمر تماماً عن إثيوبيا، التي كانت تستند إلى الميناءين الإريتريين، عصب أولاً، ومصوع ثانياً، لتأمين إطلالتها على البحر الأحمر، وتصدير بضائعها للخارج. بالتالي باتت إريتريا تمتلك ساحلاً طويلاً على البحر الأحمر، بطول ألف كيلومتر، كما تتبع لها أكثر من 360 جزيرة، وتتحكّم في طريق الملاحة بالبحر الأحمر، ويمكن استخدام بعض هذه الجزر كموانئ عسكرية وإنشاء مطارات ومحطات رادار. عدا ذلك، تمكنت إريتريا من السيطرة على جزر حنيش اليمنية على مدخل مضيق باب المندب، في البحر الأحمر، منتصف التسعينات، وخاضت نزاعاً عسكرياً مع اليمن في شأنها.

بدت إثيوبيا خاسرة فعلياً من التبدّلات التي كرّسها النظام العالمي الجديد، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، في العام 1991، الذي كان داعماً لنظام منغيستو. حاول الزعيم الإثيوبي الجديد ميليس زيناوي، المولود لأب إثيوبي وأم إريترية، اعتماد »صيغة فدرالية«، تسمح في إبقاء إريتريا تحت السيطرة الإثيوبية، مع حق الحكم الذاتي. رفض رفيق درب زيناوي في الحروب الطويلة مع نظام منغيستو، إسياس أفورقي، ذلك. بناءً عليه، اندلعت الحرب بين البلدين، بين عامي 1998 و2000، وسقط فيها أكثر من 300 ألف قتيل، خصوصاً على جبهات تسورونا وبادمي وبوري.

انتهت الحرب بعد توقيع الجانبين على اتفاق الجزائر في العام 2000، الذي نصّ على تكليف قوات حفظ السلام من 60 دولة، بحفظ الأمن في »منطقة آمنة مؤقتة«، على مساحة 25 كيلومتراً بين الجانبين. كما منحت محكمة العدل الدولية في لاهاي في العام 2002، إريتريا الحقّ في منطقة بادمي، لكن ذلك لم يؤدِّ إلى خروج القوات الإثيوبية منها، ما ترك الأبواب مفتوحة لتجدّد الحرب في أي لحظة بين البلدين، كما حصل فجر الاثنين، وكاد أن يحصل في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي.

تدخلت دول عدة، خصوصاً العربية منها، لمنع تجدّد الحرب بين البلدين، وعملت قطر تحديداً على بناء علاقة قوية مع إريتريا وإثيوبيا، وعلى الرغم من عدم نجاح الدوحة بالكامل في الملف الإريتري الإثيوبي، إلا أنها نجحت بنشر المئات من جنودها على الحدود بين إريتريا وجيبوتي، بعد خلافات حدودية بينهما، انتهت باتفاق وُقّع في الدوحة في العام 2010.

أبي أحمد.. التيغري، الاورمو الامهرا

قد يكون للتقارب بين أثيوبيا وإريتريا أجندات خارجية وداخلية، لكن الثابت أن وصول آبي أحمد إلى السلطة قد قلب الستاتيكو القديم رأسا على عقب. جاء ابي احمد يحمل بين يديه اجنده تحول كبير بدأ بها بالشأن الداخلي.

وكما هو معلوم فإن قومية التيغري كانت مسيطرة على مفاصل الدولة الاثيوبية بعد ازالة نظام منغستو الذي كان تسيطر عليه قومية الامهرا. ولقد بدا ابي احمد بترتيب البيت الداخلي فقام بإعلان عفو شامل لكل المعتقلين والسياسيين وإقالة الجنرال القوي ساموراي رئيس أركان الجيش الاثيوبي بحجة انه تجاوز الستين وكانت الازاحة مباغته للجنرال اذ تم تكريمه في لقاء حاشد وفي ذات اللقاء تم اعفاؤه لدرجة ان الجنرال تفاجأ بالإعفاء ولم يصافح ابى احمد الشاب المندفع بقوة واصرار.

وتبع ذلك استقالة ستة من وزراء قوميه التيغراي. وتؤيد بعض مناطق التيغراي المتاخمة لدولة ارتريا والسودان، وهي المنطقة من شيري إلى الحمرة، مع مشروع السلام مع إرتريا، أما الجزء الشرقي لإقليم تيغراي، وهي مناطق عدوه واكسوم..إلخ فلم تتجاوب مع فكرة السلام مع

ما دور الامارات في إخراج الصلح التاريخي بين مقديشو وأسمرة؟

ارتريا.

عير أن ابى احمد الذي ينتمي الي قومية الارومو التي تشكل 50 بالمئة من السكان ومن مساحة أثيوبيا واقتصادها الزراعي، هي مع فكرة السلام إضافة إلى قومية أخرى لعبت دورا في ماضي وحاضر أثيوبيا وهي قومية الامهرا وإقليم الاوغادين الذين رجحوا وصوتوا للسلام مع الجارة ارتريا.

وقد ضمن ابى احمد تأييد أكثر من 90 بالمئة من سكان اثيوبيا وقواها السياسية والجغرافية داخل البرلمان، وفوق هذا كانت الاستجابة الجادة من أسياس أفورقى الذي ذهب بعيدا في التاريخ، وقال لقد كنا وحدة واحده اسمها أثيوبيا لكن الاستعمار الايطالي في القرن التاسع عشر نزع تلك المنطقة من أثيوبيا وأطلق عليها اسم ارتريا كدوله مستعمرة.

مصالح الدول الكبرى

لا شك أن رغبة محلية أثيوبية أريتريا شكلت الحوافز الأساسية للاتفاق، بيد أن أمر هذه المنطقة لا يمكن أن يكون محليا. فسواحل البحر الاحمر وشرق افريقيا لها تأثير كبير على السياسة والاقتصاد الدولي والاقليمي وهناك دول لديها مصالح ترى من الاهمية بمكان تلاقي ارتريا واثيوبيا، سيما الامارات والسعودية ومصر في الاقليم، وقوى دولية لديها مصالح في المنطقة تري أهمية تلاقي ارتريا واثيوبيا وغياب التوترات على سواحل البحر الاحمر الغربية.

ومعلوم أن هنالك العديد من القواعد العسكرية لعدد من الدول الكبرى. بل أن امبراطوريات مثل الولايات المتحدة وفرنسا لها وجود كبير عسكري واقتصادي في جيبوتي، وحتى الصين لها أكبر وجود مسلح خارج الصين في قاعدتها بجيبوتي. ومعلوم أيضا أن هذه المنطقة لها تأثير كبير على أحداث اليمن سلما وحربا ولعل الذاكرة تعيد دور قوات الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح في حرب صيف 1994 ضد قوات اليمن الديمقراطي الجنوبي. وقد استخدم علي عبد لله صالح القواعد الارترية في البحر الاحمر لضرب وترويض اليمن الجنوبي. ولقد باركت فرنسا وقتها تلك الخطوة باعتبارها موجودة عسكريا في جيبوتي.

وتعمل الصين علي دعم التحول نحو حدود سواحل البحر الاحمر الغربية ومداخله الجنوبية لدعم خططها الرامية الي دعم مشروع الحزام والطريق البري والبحري الذي تريد الصين من خلاله ربط اقتصادها بأفريقيا والشرق الاوسط وآسيا الوسطي وجنوب شرق اسيا لذا وفرت 126 مليار لدولة افريقيا والعالم النامي.

الصومال يلتحق

لم يتأخر الصومال كثيرا في الالتحاق بركب التحولات الكبرى في القرن الأفريقي. لبى الرئيس الصومالي دعوة نظيره الإريتري دون تردد. وكان واضحا أن مقديشو كما أسمرة بحاجة إلى إقفال الخلاف بين البلدين على منوال ذلك الإقفال الذي طال النزاع القديم بين أريتريا وأثيوبيا.

وتوج الرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو، زيارته التاريخية الأولى إلى إريتريا في تموز/يوليو الماضي، بعد قطيعة دامت 15 عاماً، بتوقيع 4 اتفاقيات مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقى، ليعلن رسميا إنهاء الخلافات بين البلدين وتطبيع العلاقات بينهما.

ونصت الاتفاقيات التي وقعها زعيما البلدين، على تعزيز التعاون في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدفاع والأمن، وإقامة علاقات دبلوماسية مباشرة، من خلال فتح سفارات في البلدين، وتفعيل التعاون التجاري والاستثماري بينهما وتبادل الخبرات والتجارب في مجالات التعليم والثقافة، وتعاون البلدين خاصة في مجالي الاقتصاد والأمن في منطقة القرن الأفريقي بشكل عام، حسب وكالة الأنباء الصومالية الرسمية »صونا«.

وخلال زيارته الأولى إلى إريتريا، التي استمرت 3 أيام، قام الرئيس الصومالي بجولة تفقدية لعدد من المشاريع التنموية التي نفذتها الحكومة الإريترية في مجال الصناعة والسدود والزراعة والطاقة الشمسية، وأشار فرماجو إلى إن جمهورية الصومال الفيدرالية تسعى لمواكبة

المصالحة تؤسس لإنهاء نزاع سد النهضة الأثيوبي مع مصر

التطورات الجارية في دول القرن الأفريقي.

كما التقى فرماجو، بالجالية الصومالية المقيمة في إريتريا، واستمع إلى طبيعة أوضاعهم المعيشية في إريتريا، وقدم لهم تفاصيل جلسة المباحثات التي أجراها مع الرئيس الإريتري، الذي رافقه خلال تلك الجولة خارج العاصمة أسمرة.

من جانبه، قال المتحدث الإعلامي للرئيس الصومالي، عبد النور محمد، إن التعاون الإقليمي هو مفتاح التقدم في القرن الأفريقي، وأضاف أن زيارة الرئيس فرماجو تهدف إلى بحث سُبل التعاون وتبادل الخبرات والتنسيق بين البلدين، خاصة فيما يتعلق بالتعاون التجاري والاستثماري.

وقال وزير الإعلام الإريتري، يمانى جبرميسكيل، إن الزعيمين عقدا قمة في مستهل الزيارة، مشيراً إلى أن الوفد المرافق للرئيس الصومالي يضم وزراء الإعلام والخارجية والثقافة والسياحة والمواصلات.

يذكر أن العلاقات بين الصومال وإريتريا، توترت بسبب اتهام الأخيرة بتقديم الدعم المادي والعسكري، لحركة شباب المجاهدين بالصومال، والتي تسعى إلى إسقاط الحكومة الصومالية، ما تسبب في فرض الأمم المتحدة عقوبات على إريتريا منذ 2009 تشمل تجميد أصول ومنع مسؤولين سياسيين وعسكريين من السفر، إضافة إلى حظر على الأسلحة.

 

*صحافي وكاتب سياسي لبناني