قراءة في »على صهوة حلمٍ أبيض« مجموعة قصصية بين العبرة والتجربة

بيروت – رنا خير الدين

»ماج صوت آخر من المرآة: حافظي على هدوءك وصوني لسانك! لست ماكرة ولست عنيدة، إنما أستجيب لنسب الأبعاد والخطوط والألوان وأجسّدها كما هي، أسكبها جملاً مفيدة، أعكس الصورة دائماً ولا أعكس الحقيقة أبداً«.

هي فضيلة الصدق عند المرآة، تلك التي تعكس ملامح الصورة. الصورة هي المرأة العجوز الهرمة التي ما زالت تختبئ عند صهوة أمجاد الشباب، يغريها ويفتنها فنّ الكذب والكلام المعسول، فهو داءها الوحيد الذي ينسيها ما أكلته منها الحياة من جمال ومظهر، وأوضح عليها ملامح الشيب والتجاعيد. هي سنّة الحياة، نولد، نكبر، نشيب ثم نموت ويولد آخرون ويموتون… وكذا، فهل نحن جاهزون لكبر العمر ومجاباة سنين الدنيا؟ وكيف لنا ذلك؟

هذه العبرة وغيرها يجدها القارئ في كتاب محمود شباط الصادر عن »دار أبعاد«، وتحديداً في الجزء الثاني تحت عنوان »كذبة بيضاء بلون الفحم«، حيث توجّه شباط من وإلى روحية الحياة وواقعيتها وبعض من ثمرات التجارب وسكبها بكلامه المفتول ونصّه المتماسك إلى كلّ ذات فينا، مع الاحتفاظ بشيء من نفسه عند كل نهاية أقصوصة.

»على صهوة حلم أبيض« كتاب ليس كغيره، ففيه من العبر الكثير، ومن التجارب وبعض القصص الخفيفة الحلوة، بحلّة متجددة اعتمدها الكاتب قصداً كي لا يملّ القارئ لكثرة توارد القصص التي تحمل العبر.

غلاف الكتاب كعنوانه، ما بين صهوة الحلم وصهوة الحصان مسافة قليلة، يحاول الإنسان الحفاظ على هذه الصهوة بالمحاولة والمثابرة، وما اذا وقع فلا الحلم ينتهي ولا الحصان يقع، فقط يذهبان إلى آخر.

إن المجموعة القصصية التي أصدرها الكاتب محمود شباط مؤخراً بعنوان »على صهوة حلم أبيض«، والتي تحتوي على ثلاثين قصة قصيرة. عدد منها يمكن إدراجه ضمن فئة الخواطر والوجدانيات العابقة بالوجدان بحسب قوله لـ»الحصاد«.

الكاتب محمود شباط
مجموعة قصصية تحمل في طياتها رسائل وعبر

ويتابع »سعيت لحبكها بخيوط الحنين إلى مرابع الطفولة والماضي الجميل، مثل قصص »مدرسة الشيخ علي« و»بيت خالتي خولة« و»يعقوب الأرملي« .

»أبو مرهج« حكاية كلّ مظلوم

أمّا العنوان فانتقاه الكاتب من قصة »على صهوة حلم أبيض« التي هي إحدى القصص في هذه المجموعة القصصية، وذلك لأن الشخصية المحورية في القصة، المغترب الكهل العامل »أبو مرهج«، حيث قصد إبراز جمالية الحلم بتكرار مفردة »حلم« سبع مرات للتأكيد على حق الإنسان بشكل عام، والمظلوم على الأخص، أن يحلم بغد أفضل. ويتصاعد سمو هذا الحق حين يكون الرابض تحت عبء أوضاعه التعيسة البائسة في نفق كابوس لا قبس أمل في فضائه الدامس.

ولعلّ أفضل ما يجسّد الحالة الحلمية يكمن في طوايا هذا النصّ من قصة »على صهوة حلم أبيض«، حيث يقول: »الهواء الفرني يلفعه من رأسه حتى أخمص قدميه المحميتين بخف بلاستيكي على وشك الإهتراء، لا مكان للهروب من الهاجرة الحمراء سوى فيء كوفيته ومظلة الحلم بيوم السفر«.

وهذا ما ذهبت إليه في إسباغ شعاع من التطّلع نحو الحلم الأبيض، يقول شباط.

ترميز، عبر وحداثة

مزج الكاتب بين القصة القصيرة التي تحمل رسالة وعبرة وبين الترميز وإيصال الرسائل، فهو يرى أن ذلك ما يميز »على صهوة حلم أبيض« عن غيرها، ويقول »منذ الإرهاصات الأولى لولادة القصة القصيرة في روما القديمة، مروراً بإبداعات إدغار آلان بو، وليس انتهاء بأعمال يوسف إدريس وزكريا تامر، على سبيل المثال لا الحصر، انتهج كتاب القصة القصيرة مبدأ الترميز تفادياً لحال عداء أو حرج أو حتى جرح شعور القارىء، ولكن الكاتب ينطلق إلى المباشرة حين يسمح وضع النصّ وسير الأحداث بهامش حرية أرحب.

اعتمد شباط على الأسلوب الحديث حفظه بقالب الكلاسيكية بشكل ملحوظ، ويعتبر أن سبب هذا الأسلوب الخاص هو أن الكلاسيكية جزء لا يتجزأ من هويتنا القومية والوطنية، إذ للهوية وقع خاص في النفس وفي عمق أعماق الوجدان، حتى الطفل الرضيع يبدو على ملامحه الحبور ويبتسم حين نناديه باسمه فيسعده أننا ذكّرناه بهويته. وبما أن سيرورة الزمن تستلزم تحديث القديم على الدوام، قام بوضع لمسات حداثية على متن النصوص في قصصه. وكذلك فعل في رواياته الأربع.

يوجد الكثير من المصطلحات متباينة ومغايرة في النص الواحد، أو العنوان الواحد، ومن هذه التباينات »أنياب الغزلان«، إضافةً إلى استخدام مصطلحات غير مألوفة أو أجنبية: »الكوماندانتي«، وهذه الاستخدامات والأساليب هي لمجرد التنوع والخروج من قفص اللون الواحد لا أكثر.

وفي الختام، يعمل الكاتب محمود شباط على إصدار ديوان بالشعر المحكية، وقد أفشى لنا ببعض الأبيات:

»حَـطّ الـصُـبْـح زَغلُـول عالـقَـرمِـيـد

مـا مَـلّ رَقْـصْ وفَـرْفَـرَه

ولا كَان يْـتْـعَـبْ كَـسْـدَرَه

ولا كَـانْ يْـشـبَـعْ تَـرغَـلِـه وتَـغْـريـدْ

فَـرحَـانْ فَـرحـةْ طـفـلْ يَـوم الـعِـيـدْ«

سيرة ذاتية

محمود حسين شباط، من عيحا، قضاء راشيا الوادي، مواليد عام 1950، نال جائزة شربل بعيني عن الأدب القصصيلعام 2014، ويحوز على دبلوم ميكانيك. يهوى الشعر الفصيح ويقرضه، كما يعشق الشعر العامي الذي نشر المئات منه على مواقع التواصل الاجتماعي.

كمعظم أبناء الريف لم تستوعبهم ربوع قراهم الوادعة الجميلة، انسلخ المؤلف قسراً عن قريته وأهله ومجتمعه وسعى إلى كسب العيش في بيروت خلال يفاعته، هناك استكمل تعليمه، ومن هناك غادر إلى الخليج لاستكمال كسب العيش.

للمؤلف عدة أعمال أدبية منها: »أيهما أمي« )مجموعة قصصية( نشر دار الحداثة لبنان، »ولو بعد حين« عن دار الحداثة، »رجوع النورس إلى عيون سنبل« عن دار بيسان، »عذراء قصر الشيخ عن دار الكفاح«، »أرملة محترمة جداً« عن دار الكفاح السعودية طبعة ثانية، »رجال العميد« عن دار الكفاح.