أول اختراق للأقطاع السياسي في باكستان – انتخاب لاعب الكريكت الشهير عمران خان رئيسا للوزراء

هل تخطو باكستان الى مرحلة جديدة تتخطى فيها صراعاتها التقليدية؟

أمين الغفاري

نجم جديد يغزوالساحة السياسية في باكستان. صعد الى موقع رئاسة الوزارة في اختراق يكاد ان يكون مستحيلا لكتل سياسية تقاسمت النفوذ والسلطة والمال في حقب طويلة من الزمن. قطبا التنظيمات السياسية في باكستان هما حزب الشعب الذي أسسه بوتو، والرابطة الأسلامية )ن( ايماء الى نواز شريف( وكان الجيش في حقب ثلاث )أيوب خان ثم يحيي خان، وضياء الحق، وبرويز مشرف( هوالعازل بينهما في التداول. اقتحم الميدان أخيرا عمران خان يحمله جمهور الناخبين لسدة الحكم. كانت الرياضة هي ميدانه الأول و لعبة الكريكت تحديدا هي ملعبه وميدان حركته، وكان الفوز حليفه ورهانه، وبعد أن حقق أهدافه، وأشبع رغباته، وتقدم به السن قام بعملية الأنسحاب المنظم من سباقات الرياضة وأضوائها الى عالم آخرأكثر صخبا، وأشد ضجيجا، وان كان أعمق أثرا. عالم مثقل بالمهام الكبار والمسؤوليات الجسام. انه عالم الناس وخاصة البسطاء منهم، وما يتعلق بشؤون حياتهم من توفير لرغيف الخبز، ولضمان الحرية في الرأي، و كذلك لحرمة الأرض واستقلال الأرادة الوطنيه. دلف عمران خان الى عالم السياسة، ومعاركها الطاحنة، وصراعاتها العنيفة بل والقاتلة أحيانا. عالم كما هو عامر بالآمال الكبيرة، فهو مفعم كذلك بالآلام النازفة، المؤلمة والحزينة في آن واحد. بدأ النجم الوافد مسيرته بانشاء حزب سياسي وشعاره )انصاف. انسانية. كرامة(، وكان عليه بالضرورة أن يدرس تركيبة المجتمع الذي تقدم لخدمته، وصولا الى الأحاطة بعلله ومشاكله المزمنة كمقدمة حتمية

عمران خان
النجم الصاعد في الحياة السياسية الباكستانيه
الى اي حد يمكن أن يطور ويضيف ويحقق الآمال؟

لرسم طريق يصحح سياساته ويصوب حركته، ويضع أساسا صلبا لشق طريق النهضة والتقدم الحقيقي من اجل مستقبل واعد.

 تقدم على الساحة الأجتماعية كذلك عن طريق العمل الخيري، فبنى مستشفى في العاصمة )اسلام آباد( للسرطان بتكلفه تزيد عن 25 مليون دولار جمعها من تبرعات من انحاء العالم، وبنى مستشفى آخر في لاهور للسرطان ايضا )توفيت والدته بمرض السرطان(، ويوالي مساعيه في اطار تحسين الصحة والتعليم. لايكف عن السعي للأنتشار في أواسط الطبقات الفقيرة والبسطاء من المعدمين والمهمشين لاسيما وان المجتمع الباكستاني يعاني أصلا من فوارق اجتماعية صارخة تستدعي رأب الصدع في المجتمع الواحد. كان علي نجم الرياضة الوافد لعالم السياسة أن يقدم رؤى جديدة لمعالجة التراكم الكمي والكيفي لأزمات باكستان الداخلية والخارجية معا

خارطة القوى السياسية الرئيسية

تبدو على الساحة السياسية الآن ثلاثة أحزاب تحتل موقع الصدارة. حزبان كبيران في مقدمة كل منهما عائلة تتوارث السلطة وبالتالي النفوذ، اعترض مسيرتهما أكثر من مرة الجيش بقيادات كان لها بصمة في الداخل والخارج، والآن ظهر وافد جديد أخترق القواعد القديمة للسلطة، وهو عمران خان.

 حزب الرابطة الأسلامية )ن( وقد أسسها نواز شريف عام 1993 وهي واحدة من المجموعات المنشقة الكثيرة عن الرابطة الإسلامية الباكستانية الأم التي أسسها )أبو الأعلى المودودي( عام 1941 ويرأسها الآن أميرها  »سيد منور حسن« وقد تأسست من أجل الفصل بين باكستان التي يقطنها مسلمون، والهند التي تهيمن عليها أغلبية من الهندوس، بعد استقلالها عن بريطانيا، وقد تحقق ذلك عام 1947، وتعد عائلة )نواز شريف( هي العائلة المسيطرة على مقاليد الحزب، ويحكم شهباز شريف شقيق نواز اقليم البنجاب، ويسانده ابنه حمزه شريف، وتتهم العائلة باحراز ثروات لم تنجح في اثبات مصادرها، ويمثل الحزب أحد ظواهر الاقطاع السياسي في باكستان، ويندرج توجهه بالمعيار السياسي نحواليمين الوسطي وقد حصل في الانتخابات الأخيرة على 63 مقعدا

 حزب الشعب شكله ذوالفقار علي بوتو عام 1967، وعائلته تعد هي العائلة السياسية المسيطرة على مقاليده وبعد اعدام ذو الفقار علي بوتو في عهد ضياء الحق خلفته ابنته بنازير في رئاسة الحزب، وبعد اغتيالها عام 2007 تولى زوجها زرداري ادارة الحزب الى ان تسلم الأبن بيلاوال بوتو زرداري زعامة الحزب. وفق هذا التسلسل يصبح الحزب أقرب الى ان يكون حزب العائلة، وفي اطار المنهج الأيدولوجي يعد الحزب ضمن الأحزاب التقدمية المعتدلة وقد حصل في الانتخابات الأخيرة على 43 مقعدا.

 حزب )حركة انصاف( يرأسه عمران خان رئيس وزراء باكستان الجديد، ولد في الخامس والعشرين من نوفمبرعام 1952 في اقليم لاهور، درس في الجامعات الأوروبية وتخرج من جامعة أكسفورد وحصل من )كلية كيبل( التي درس بها على المرتبة الثانية في السياسة والمرتبة الثالثة في الأقتصاد، كانت لعبة الكريكت هي هوايته، وتفوق في حركتها، وقاد فريقه لتحقيق الفوز الذي سجلته باكستان للمرة الأولى في بطولة كأس العالم عام 1992. دخل الى عالم السياسة وشكل )حركةانصاف(عام 1996 وبعد عام واحد من تأسيسها دخل بها الى انتخابات عام 1997، ولكنه حقق فشلا ذريعا في سباقها، وان كان ذلك لم يحبطه، ومن ثم عاود التجربة من جديد عام 2002 وحقق فيها أول صعود، وان كان بشكل متواضع وهو الحصول على مقعد نيابي واحد،. نزل بعدها الى حلبة العمل ومعترك الحركة بين الناس حيث يتواجدون في الشوارع وعلى المقاهي والنوادي، وكان معنيا بقضايا الشباب، واحباطاتهم من البطالة والفساد. كان عليه ان يدع الترف الثقافي جانبا، والذي يتجاهل كثيرا في المجادلات التي تدور بين النخب معاناة المجتمع الحقيقية. في الانتخابات التالية التي جرت عام 2013 حقق قفزة كبيرة في التأييد الشعبي لبرنامجه وفاز حزبه بحوالي خمسة وثلاثين مقعدا، وفي الأنتخابات الأخيرة عام 2018 واصل عمران خان انطلاقته الطموحة في مجتمع ضخم يضم أكثر من مائتي مليون مواطن ترزح الغالبية منهم تحت تلال من الهموم والمشاكل، وتحاصره أوبئة الفساد وسوء الأدارة، لكي يقدم رؤى وخطط بديلة يستنهض بها الهمم من جديد من خلال خطاب عصري يعد فيه بتطبيقات للعدل الاجتماعي في الداخل، ومد يد التصالح والتعاون وتصفير المشاكل في الخارج سواء على الصعيد الاقليمي أوالدولي، وقد استند عمران في حركته الى تجربة سبق وان خاضها في حكم اقليم )بختونخواه( مسقط رأسه، وقدم فيها نموذجا يمكن الاقتداء به كفكرة في حكم باكستان التي يحلم بها، وهو ما أعطى مصداقية لحركته ولنشاطه ولوعوده التي بسطها لناخبيه. يعد الحزب من الأحزاب المعتدلة ذات التوجه الشبابي، و يرنو بطموحاته الى صياغة جديدة لباكستان تعتمد فيها على نفسها في الأساس، وليس على أي جهات مانحة أو مقرضة وذلك من خلال ديموقراطية شفافة، ونبذ الكراهية والتطرف ومعالجة الأمية والبطالة والظلم الأجتماعي. حصل الحزب في الأنتخابات الأخيرة على 114 مقعدا.

بنازير بوتو
رحلت ولم تترك بصمة أو أثرا سوى ارثا نالته ثم ورثته

هاك احزاب اخرى يسارية ودينية وقومية ولكنها لاتقترب من تلك الاحزاب الرئيسية :حزب الشعب، والرابطة الأسلامية )ن( : في حجم النفوذ والانتشار منها )رابطة عوامي، الحزب الجمهوري، وغيرها قبل ان يكتسحها جميعا حزب )حركة أنصاف( بقيادة عمران خان.

تقييم العلاقات السياسية

 بين باكستان والقوى الأقليمية والدولية

1 – علاقة باكستان وأفغانستان : هي دولة مجاورة تعاني من اضطرابات داخلية نتيجة لوجود عدة تنظيمات متطرفة ومسلحة على ارضها، وتتهم باكستان بأنها ترعى الأرهاب وتدعمه، على الأقل من خلال ايواء المطاردين والهاربين من افغانستان، وان نشأة تنظيم طالبان يرتبط بها، ويسجل تقرير )سكاي نيوز( ان ضحايا الأرهاب في باكستان يبلغ 700 مواطن يوميا، كما ان باكستان تعاني من قضايا المخدرات التي تزرع في افغانستان ويبلغ ناتج تصديرها حوالي 30 مليار دولار، وهومبلغ يكشف عن حجم المشكلة ومدى خطورتها وبالتالي فأن جوارها لأفغانستان يعرضها للكثير من القلاقل والمتاعب التي تشكل في النهاية خطرا عليها.

2 ذ علاقة باكستان بالهند :تعد الهند الخصم التاريخي لباكستان بعد الأنفصال الذي حدث بينهما عام 1947 ومازالت قضية )كشمير( تمثل نزاعا مباشرا يتجدد بين حين وآخر، ومازالت في الذاكرة الحرب التي قادتها انديرا غاندي رئيسة وزراء الهند ضدها، ونشأ عنها انفصال باكستان الشرقية، وشكلت دولة )بنجلاديش( عام 1971، وهناك مجموعة من الأحزاب داخل كشمير بعضها يوالي الهند والآخر يوالي باكستان، مع وجود داعمين للأستقلال عن الدولتين، يذكر أن حزب عمران خان )حركة انصاف( حين وجه الدعوة الى أعضاء الفريق الباكستاني الذي قادة عمران خان للفوز بكأس العالم للكريكت عام 1992 الى حفل التنصيب وجه الدعوةأيضا الى ابطال الكريكت الهنود، في منحى لترطيب العلاقات مع الهند، وقد أطلق بعض المعقبين على ذلك التصرف )سياسة الكريكت(

3 ذعلاقة باكستان مع السعودية وايران : يحاول عمران خان أن يتجنب الدخول في الصراعات بين الدول المجاورة، ولذلك حين. طلبت السعودية معاونة باكستان في اطارعملية التحالف التي تقودها ضد الحوثيين في اليمن، ترددت باكستان في الدخول الى تلك الحرب نظرا لأن ايران اصبحت طرفا فيها، ولوجود تنوع طائفي داخل باكستان خشي عمران ان ينتقل الى صفوف شعبه، ولذلك فقد تخلفت باكستان عن المشاركة، بل وتعمل على ابرام المصالحة بينهما بالأضافة الى عوامل أخرى يمكنها ان تتصاعد بعملية التوتر لديها في العلاقة مع الهند وقضية كشمير، ورغبة باكستان في تصفير خصوماتها الخارجية.

4 -علاقة باكستان مع الولايات المتحده: العلاقة بينهما تاريخية منذ أن حصلت باكستان على استقلالها بانفصالها عن الهند عام 1947، و نالت في ذلك دعما أمريكيا، ثم توالى الدعم مرة أخرى لبناء قواتها المسلحة وخاصة مع غزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان، وكانت أيضا احدى

محمد علي جناح
أسس دولة، ولكنه لم يؤسس نظام

الدول التي حصلت على تعريف أمريكي بكونها )حليف رئيسي خارج حلف الناتو( نظرا للعلاقات القوية التي جمعت بينهما، بالأضافة الى أن المعونات السخية الأخرى التي حصلت عليها كانت تضعها في المرتبة الثانية بعد اسرائيل من حيث حجم هذه المعونات، وقد كان هذا الدعم في احد جوانبه وسيلة احتواء لباكستان حتى يمكن عدم انجرافها الى المعسكر الشرقي. نالت باكستان ايضا دعما خليجيا مكنها في النهاية من ان تصبح الدولة الأسلامية الوحيدة النوويه. دخلت باكستان طرفا في الحرب على الارهاب، مما أدخلها في تعقيدات داخلية كانت احدى نتائجها العمليات التي نفذتها حركة طالبان الباكستانية واستهدفت فيها 12 مدرسة بدعوى أن)التعليم بمناهجه التي تدرس حرام( وكانت أخطرها ماعرف باسم عملية بيشاورالتي سقط فيها مايقرب من 150 ضحية أكثرهم من الأطفال.

جدير بالذكر أن الولايات المتحدة تتهم باكستان ليس فقط انها لاتواجه الأرهاب عبر الحدود، ولكن باعتبارها تمثل ملاذا للأرهاب، وفي ظل غياب مفهوم محدد للأرهاب يظل الخلاف يتفاقم بينهما، وخاصة بعد اقدام الولايات المتحدة على تعليق مساعدات أمنية لباكستان بمبلغ 300 مليون دولار، ولذلك بدأت الأخيرة في الأتجاه الى كل من روسيا والصين والبحث عن اوجه للتعاون معهما.

5 ذ علاقة باكستان بكل من روسيا والصين: تعدد مناطق التوتر مع الغرب، يؤدي على نحو آخرلفتح الأبواب مع الشرق، خاصة بعد انحسار الأثر الأيدولوجي السابق، ولذلك بدأت باكستان في مد الخطوط مع روسيا خاصة في جانب صفقات الأسلحة، ومع الصين بدأ التعاون يحرز تقدما أكثر في مجال استيراد الصناعات الصينية و انشاء شبكة من الطرق التجارية، لعل أهمها مشروع ضخم يتضمن انشاء )الممر الأقتصادي الصيني الباكستاني( وهو بصورة عامة؛ سيكون عبارة عن شبكة هائلة من الإنجازات في مجالات الطرق، والاتصالات، يخترق القطاع الغربي من باكستان، ويصل الى ميناء )جوادر(، وهو يقرب بدوره من مقاطعة )شينجيانج( الصينية، وقد أكد مسؤول صيني أن هذا الممر سيسهم أزاء عملية نقل البضائع الى ميناء )جوادر( في اختصار المسافات، ويترتب على ذلك توفير الوقت والمال بنسبة تبلغ من 60 % الى 70%، وفي جانب آخر سيعمل على تطوير غرب باكستان، بما لايوفر حاضنة للأرهاب، وسوف يكتمل المشروع بصفة نهائية عام 2030

، وفي تعليق جاء على لسان عمران خان يكشف عن مدى التعاون المنتظر القادم قال )في الحقيقة نسعى الى علاقات أفضل مع روسيا وتعميق علاقتنا مع الصين، وفي هذا رد طبيعي على مايفعله الأمريكيون معنا(.

مرحلة جديدة تقدم عليها باكستان، تعتمد فيها على برنامج قام عمران بالأعلان عنه في فترة الانتخابات، شعاراته الأساسية محاربة الفساد، والعمل على تطبيق العدالة الأجتماعية، والأعتماد على الذات في عمليات التنمية الأقتصادية، والوقوف على درجة واحدة من الصراعات الأقليمية والدولية، بما يضمن عدم الأنزلاق الى معارك أو عداوات، وتظل المصلح الباكستانية هي المعيار في التعامل والحكم في القرارات، وعمران خان وجه جديد، وصوت له مصداقية. لكن يتساءل بعض المراقبين هل ينجح عمران خان في ان يغير باكستان، أم أن باكستان

نواز شريف
تداول حزبه مع حزب الشعب السلطه
ولكن تم العصف بهما معا بوافد يبشر بآمال كبيره

وقضاياها المزمنة هي التي ستغير عمران خان؟