البلد ماشي والشغل ماشي.. ولكن إلى متى؟

بالونات إعلامية وأزمات دستورية مفتعلة تؤخر تشكيل الحكومة اللبنانية

بيروت ـ غسان الحبال

في عهد رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، لحن الفنان أحمد قعبور وغنى: »البلد ماشي والشغل ماشي«، وذلك في »فيديو كليب« أطلقه تلفزيون »المستقبل« لكلمات كان يرتجلها الرئيس الراحل، ويجاهر بها ردا على حملات المعارضة، ومحاولاتها عرقلة المشاريع الإنمائية للنهوض بالعاصمة بيروت وبلبنان ككل.

اغتيل الرئيس رفيق الحريري في العام 2005 وبقي »البلد ماشي والشغل ماشي« بنسبة أو بأخرى حتى اليوم، وإن على خلاف ما كان يريد له الرئيس الراحل.

وما بين العام 2005 والعام الحالي 2018، مر لبنان بأزمات كبرى ومستعصية وبقي صامدا. صمد برئيس للدولة وبلا رئيس، بحكومة وبلا حكومة، بمجلس نيابي فاعل وبمجلس نيابي معطل.

عون، بري والحريري وأزمة التشكيل

شن العدو الإسرائيلي حروبا اجتياح عدة وصولا إلى العاصمة بيروت والقصر الرئاسي، وبقي لبنان صامدا مؤكدا على قدرته الاستمرار في العيش بلا دولة، وبلا مجلس نيابي وبلا حكومة، وبلا  رئيس الجمهورية.

5 أشهر تكليفا.. ولا تأليف

ومع صدور هذا العدد يكون قد مر خمسة أشهر تقريبا على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل حكومة جديدة، في أعقاب الانتخابات النيابية التي جرت في شهر أيار/مايو الماضي، وفيما واجه ويواجه الرئيس المكلف منذ ذلك الوقت شروطا تعجيزية تتناوب على طرحها وافتعالها مختلف الأطراف السياسية المعنية، الحليفة منها وغير الحليفة على حد سواء، يبدو »البلد ماشي والشغل ماشي« في ظل حكومة تصريف الأعمال، ووسط تحذيرات يلتقي حولها الجميع، من وصول الاقتصاد اللبناني حافة الانهيار والإفلاس.

وفي واقع الأمر أنه كلما تأخرت ولادة الحكومة، كلما انكشفت الأسباب الداخلية الظاهرة لهذا التأخُّر، والناتجة عن النزاع الدائر بين الافرقاء المعنيين حول الاحجام التمثيلية والحصص المتمثلة بالمقاعد الوزارية والحقائب.

والحديث عن الأسباب الداخلية لا يلغي الحديث عن الاسباب الخارجية التي تؤخر بدورها تشكيل الحكومة، والتي تشكل بعدا استراتيجيا للأطراف المتنازعة على السلطة، على خلفية القناعة المحلية بدور التدخلات والمتغيرات الخارجية في انتخاب اي رئيس جديد للجمهورية، فمحليا، يدرك الجميع أنّ الحكومة التي يعمل الرئيس المكلف على تأليفها حاليا، ستعيش غالبا حتى نهاية ولاية مجلس النواب الحالي وانتخاب مجلس جديد في ايار 2022، من غير استبعاد احتمالات حصول تطورات سياسية داخلية، أو خارجية قد تفرض تغييراً حكومياً قبل سنة 2022، لاسيما انّ المنطقة تشهد حروباً وأزمات ومتغيرات قد تؤثر ويتأثر بها الوضع اللبناني، ولذلك فإن مختلف القوى السياسية اللبنانية، الطامحة للمشاركة في الحكومة المرتقبة، تسعى الآن بكل الوسائل المتاحة أمامها الى تعزيز موقعها ضمانا لبقائها في السلطة أيا كانت المتغيرات والتطورات المتوقعة في المنطقة، وأيا كان الواقع الجيوسياسي الذي سترسو عليه المنطقة مستقبلاً.

وملخص القول أن الضغوطات التي يمارسها مختلف الأطراف تهدف إلى نيل حصة من المقاعد الوزارية توازي الحجم التمثيلي النيابي لهذا الطرف أو ذاك عبر إسناد حقائب وزارية وازنة إليه، واذا تعذّر ذلك لا بأس بحقائب عادية وان كان بينها »وزارات دولة«، لأنّ الاساسي بالنسبة إلى كل الأطراف المعنية هو تأكيد مشاركاتها في السلطة التنفيذية وفي قراراتها، فضلا عن أن الحصول أيضا على حقائب وزارية خدماتية تمكن الأطراف الممثلة في السلطة من أسباب تعزيز رصيدها الشعبي والأصوات المؤيدة  والداعمة في الاستحقاقات المقبلة )2022(، وأبرزها الإستحقاق الرئاسي في ضؤ الإستحقاقين الحتميين الحكومي والنيابي.

»تناتش« هدفه الرئاسة المقبلة

ومن هنا يمكن فهم الأسباب الحقيقية الكامنة وراء تأخّر ولادة الحكومة، على خلفية المماحكات والمناورات و»حروب تناتش الحصص« التي كانت قد بدأت في الانتخابات النيابية الاخيرة، والتي تنسحب الآن على الاستحقاق الحكومي، حيث تقوم، منذ تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة العتيدة، محاولات بعض الأطراف إلغاء من لم يتمكن من إلغائهم في انتخابات أيار 2018، وذلك عبر محاولة منع تمثيلهم في الحكومة او تقليص حصصهم، ليكون هو الاقوى بين مجموعة ضعفاء يخضعون لقراراته ولمشيئته ولمشاريعه السياسية، حيث بات من الواضح، من طبيعة النزاع المتقاقم اليوم بين »التيار الوطني الحر« برئاسة الوزير جبران باسيل، وبين حزب »القوات اللبنانية« برئاسة سمير جعجع، انّ الوزير باسيل، يدعمه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، يرغب وينشط بقوة حتى تؤول إليه رئاسة الجمهورية في

القصر الحكومي.. في انتظار تشكيل الحكومة العتيدة

الاستحقاق الرئاسي المقبل، فيما لا »القوات اللبنانية« ولا تيار »المردة« بزعامة الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية يخفيان طموحاتهما الرئاسية.

ومما يزيد من العرقلة التي تسببها الطموحات الرئاسية المبكرة، عبر الخلافات المعلنة حول احجام التمثيل في الحكومة الموعودة والتي يبتعد موعد ولادتها يوما بعد آخر، هو هذا الافتعال اليومي، المباشر أو بالواسطة عبر الأنصار والحلفاء، لأزمات دستورية تتمثل بالنقاشات المعلنة، والتي لا فائدة ترجى منها، حول »جنس الملائكة« والتي لم ولن ينتج عنها سوى تعطيل تشكيل حكومة متوازنة ومتجانسة وفاعلة تعيد العمل لعجلة التنمية في البلاد.

وبعيدا عن تفاصيل نزاع الحصص والمقاعد التي ملها الناس، فإن الأسئلة البديهية والملحة التي يطرحها المواطن اللبناني اليوم هي:

إلى متى سنستمر بلا حكومة؟

هل بوسع لبنان الصمود إلى ما لا نهاية من دون سلطة تنفيذية تدير شؤون البلاد والعباد؟

هل ان »البلد ماشي والشغل ماشي« فعلا في ظل حكومة تصريف الأعمال؟

هل أن هذا النزاع حول الحصص الوزارية الذي يكاد لا ينتهي، هو لإسناد الحقائب الى الأكثر كفاءة من الوزراء بهدف مكافحة الفساد ووضع مؤسسات الدولة على الطريق المستقيم وإنقاذ مستقبل لبنان واللبنانيين؟

بالونات إعلامية وأزمات مفتعلة

في محاولة للإجابة على مجمل هذه الأسئلة/التساؤلات، يقول وزير سابق رفض أن نكشف عن اسمه، أنه »خارج النزاع الحقيقي بين بعض القوى السياسية حول الحصص الوزارية، والذي يمكن حله في جلسات مصارحة وتفاهم تعيد التوازن بين هذه القوى المتنازعة، فإن الملفات التي يتم إثارتها إعلاميا ما هي سوى أزمات مفتعلة الهدف منها إطالة عمر الأزمة الرئيسية المتمثلة بتأخير تشكيل الحكومة، واللعب في الوقت الضائع، في انتظار اتضاح مسار المفاوضات الدولية والإقليمية لإرساء حلول مبدئية  للنزاعات في المنطقة وفي الدول العربية التي تحيط بلبنان والتي يتأثر بها بقدر ما يؤثر، والدليل على ذلك أن جميع الأطراف السياسية تقارب حلولا لهذه الأزمات المتعلقة من غير أن تقرها او تأخذ بها نهائيا«.

وهو يضرب مثالا على ذلك، الأزمة التي أثيرت حول وجود مهلة متاحة أمام الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة أو الاعتذار، »والتي انقسم الرأي حول ما إذا كان الدستور اللبناني قد تطرق إليها أم لا، وقد دار الجدل طويلا حول الأمر لكنه يقي غير محسوم، قبل أن ترمي المطابخ الإعلامية ببالون إعلامي جديد تمثل في الإشارة إلى تلويح الرئيس عون برسالة ينوي توجيهها إلى البرلمان اللبناني«، تطالبه بمعالجة تكليف الرئيس سعد الحريري، ووضع حدّ لمهلة التكليف المفتوحة، في ظلّ العجز عن تأليف الحكومة، »لكن رغم اعتراف القوى السياسية بالحقّ الدستوري لرئيس البلاد بمخاطبة المجلس النيابي ومطالبته بما يراه مناسباً، فإن خبراء الدستور يحزنون بأن المجلس النيابي ليس مخوّلاً إسقاط التكليف عن الحريري، وأن لا أحد في وارد إدخال البلاد في صراع دستوري«.

وفي معرض تأكيده على مقولة »اللعب في الوقت الضائع«، يشير الوزير السابق إلى »بالون إعلامي رماه النائب جميل السيد مبكرا وتم استهلاكه وتنفيسه بسرعة قياسية قبل اتساع الجدل حوله، وذلك حين غرد السيد على حسابه في »تويتر« موحيا ب)عريضة موقّعة من 65 نائباً عبر المجلس إلى رئيس الجمهورية ليسقط تكليف الحريري كأنه لم يكُن.. والبُدَلاء كثيرون«(، وقد جاءت هذه التغريدة المفتعلة على خلفية إتهام الرئيس المكلف بمسايرة القوات اللبنانية ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في مطالبهما الحكومية، ما حمل الرئيس الحريري على الرد عليه سريعا بالقول )يروح يبلّط البحر(، فيما جاء الرد السياسي الحاسم لكل جدل هذه المرة، من

الوزير السابق اللواء أشرف ريفي الذي علق بالقول )دعوة جميل السيّد لتوقيع عريضة نيابية لإسقاط تكليف الرئيس الحريري تخالف الطائف وتضاف إلى دعوات مماثلة لتحديد مهلة الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة، وهذا لعب بالدستور ومسّ جوهري به وبصلاحيات رئيس الحكومة، فحذار اللعب بالنار(«.

وفي خضم الجدل القائم حول »جنس الملائكة« يمكن الاستنتاج راهنا، انّ الاستحقاق الحكومي دخل في متاهة متشابكة في غياب أي بصيص أمل بإمكانية ولادة الحكومة المرجوة قريبا، ذلك أن النزاع المبكر على الاستحقاقات الدستورية المقبلة، وهو نزاع في غير أوانه ويؤخّر تأليف

جنبلاط والخليل.. التنسيق بين التقدمي وأمل على جميع المستويات

الحكومة، يكاد يطغى على كل ما يتم تداوله من أسباب ومعوقات أو »كلمة سر« خارجية يقول كثيرون إنها لم تأتِ بعد، وهي تتحكّم بمصير الحكومة العتيدة ومستقبلها.

الرؤساء ميقاتي والسنيورة وسلام يضعون النقاط على الحروف:

أسس ومعايير الرئاسة غير موجودة في النصوص الدستورية

جاء البيان الذي صدر عن الرؤساء نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، ليضع النقاط على الحروف حول الأزمة التي يواجهها الرئيس سعد الحريري في تشكيل حكومة لبنانية جديدة، وليشكل ردا صريحا وواضحا على موقف رئيس الجمهورية ميشال عون من أكثر من تشكيلة اقترحها عليه الرئيس الحريري، كاشفا حقيقة الموقف الرئاسي الرسمي وخلفياته.

وكان البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية قد أشار في معرض تعليقه على التشكيلة الحكومية المقترحة أخيرا، الى الأسس والمعايير التي كان رئيس الجمهورية قد حددها لشكل الحكومة، بما أوحى أن التشكيلة المقترحة جاءت مخالفة لهذه الأسس والمعايير، الا أن بيان الرؤساء السابقين الثلاثة السنيورة وميقاتي وسلام، كشف ان اشارة رئيس الجمهورية جاءت »في غير محلها لأنها تستند الى مفهوم

غير موجود في النصوص الدستورية المتعلقة بتشكيل الحكومات في لبنان«، حيث جاء في نص البيان/ الرد، الآتي:

»قرأنا في البيان الصادر عن مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، بعد تسلّم فخامة الرئيس من رئيس الحكومة المكلّف صيغة للتشكيلة الحكومية، أن رئيس الجمهورية أبدى بعض الملاحظات على هذه الصيغة استناداً الى ما سمّاه البيان »الأسس والمعايير التي حدّدها لشكل الحكومة والتي تقتضيها مصلحة لبنان«.

أضاف البيان: »انطلاقاً من موقعنا الوطني، واحترامنا لمقام رئيس الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء، وحرصنا على سلامة الحياة السياسية في البلاد، يهمّنا أن نسجّل أنّ إشارة هذا البيان الى الأسس والمعايير التي كان حدّدها رئيس الجمهورية لشكل الحكومة إنّما هي إشارة في غير محلها، لأنها تستند الى مفهوم غير موجود في النصوص الدستورية المتعلقة بتشكيل الحكومات في لبنان.

لقد نصّ الدستور في مادته الثالثة والخمسين، على أن رئيس الجمهورية يسمّي رئيس الحكومة المكلّف استنادا الى استشارات نيابية ملزمة، ويُصدِر بالاتفاق معه مرسوم تشكيل الحكومة. ولم يتحدث الدستور عن أي معيار خلاف ذلك.

كما نصّ الدستور في المادة 64 منه )البند 2(، على أنّ رئيس مجلس الوزراء )رئيس الحكومة المكلّف(، يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها، وفي ضوء هذه الاستشارات، وما يتكون لديه من معطيات ومواقف ومطالب لمختلف الكتل السياسية، يضع رئيس الحكومة المكلّف مشروع تشكيل الحكومة، دون أن يكون مقيداً بمعايير مسبقة، خارجة عن أحكام الدستور، تحكم أو تحدد مسار عمله، كما ورد في بيان مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، ويعرضه على رئيس الجمهورية للتشاور والتداول تمهيداً لإصدار مرسوم تشكيلها«.

وفي تلميح إلى دور »حزب الله« والنائب جميل السيد التنسيقي مع وزير الخارجية جبران باسيل، والذي تبناه بيان رئاسة الجمهورية مواربة، قال بيان الرؤساء السابقين الثلاثة: »لقد سبق أن سمعنا في الأسابيع الماضية، طروحات سياسية وهرطقات دستورية تتعلق بتشكيل الحكومات وبصلاحيات الرئيس المكلف وصلاحيات رئيس الجمهورية وتشكل كلّها اعتداء صريحاً على أحكام الدستور وخروجاً على مبادئ النظام الديمقراطي البرلماني الذي حددت طبيعته في مقدمة الدستور، وتهدف جميعها الى فرض أعراف دستورية جديدة«.

أما ختام بيان الرؤساء السنيورة وميقاتي وسلام، فقد كان واضحا باعتراضه على التدخلات الخفية لتحالف 8آذار والتيار الوطني الحر الهادفة إلى الضغط على الرئيس الحريري لفرض تشكيلة حكومية تواكب وتنسجم مع  معركة رئاسة الجمهورية المقبلة واطلاق هذه المعركة بشكل مبكر حتى تصب في صالح الوزير باسيل الذي يسعى إلى خلافة عمه في رئاسة الجمهورية، حيث ختم البيان بمناشدة »فخامة رئيس الجمهورية، الساهر على احترام الدستور، أن يضع حدّا لهذا المسار الذي يؤدي إلى الإساءة للعهد وإعاقة ورشة التنمية والنهوض التي ينتظرها اللبنانيون«.

جعجع باسيل.. حرق المراحل في سباق الرئاسة الأولى