الاقتصاد اللبناني يترنح والتطمينات لا تلغي حقيقة الأزمة -تقرير دولي ينذر بانهيار وشيك وآخر بنظرة مستقرة

تقرير دولي ينذر بانهيار وشيك وآخر بنظرة مستقرة

»المركزي« واثق من صلابة الوضع النقدي

آلاف المتاجر أغلقت أو تكاد.. وأرقام تُظهر عمق الأزمة

=============================

»الحصاد« – بيروت ذ هيثم محمود

نشرت مجلة »ذا إيكونوميست« البريطانية تقريراً لم يكن صادماً بقدر ما جاء ليسلّط الضوء على العوامل المتراكمة والمتفاعلة في القطاعات كافة لتولّد أزمة كفيلة بأن تؤدي بالاقتصاد اللبناني الى الانهيار الشامل،  يزيد من عمق الأزمة فشل الطبقة السياسية في التوصل الى قواسم مشتركة تؤدي الى تأليف حكومة جديدة هي الأولى بعد الانتخابات النيابية. غير أن  السياسيين أنفسهم وعلى اختلاف انتماءاتهم لا يتوانون عن التذكير والتنبيه من ان البلد يسير نحو هاوية اقتصادية سيكون من الصعب تفاديها أو التصدي لها ما لم تتم المسارعة الى تشكيل الحكومة في أقرب وقت ممكن. من جهة أخرى أصدرت وكالة »ستاندرد أند بورز« تقييمها الجديد للتصنيف الائتماني اللبناني والذي بدا أكثر إيجابية في النظرة العامة،  ما أوجد نوعاً من التوازن مع تقرير »الايكونوميست«.

وإذا كان التقرير  في جوهره لا يضيف شيئاً إلى المعلومات المعروفة عن التراجع الاقتصادي في لبنان بل يوصّفه بشكل واضح فإن السؤال الذي يتوجب طرحه: هل إن هذا التقرير اصادر عن مؤسسة عالمية معروفة هو مجرد تقرير يضاف الى مئات التقارير التي تناقش وضع الاقتصاد المحلي؟ أم أنه في توقيت إصداره رسالة ضمنية الى الجهات الرسمية لتسريع تشكيل الحكومة وإيلاء الموضوع الاقتصادي الأهمية اللازمة قبل وصول الأمر الى مكان لا يمكن تصحيحه؟

أزمة في الأفق

بعنوان: »كان اقتصاد لبنان بطيئاً منذ فترة طويلة،  الآن تلوح أزمة في الأفق«  كتبت »الايكونوميست«: »الميزة الرئيسية لبيروت ليست المآذن والكنائس،  بل الرافعات. عن سطح أحد الفنادق الفاخرة في وسط المدينة،  يمكنك رؤية 17 منها تشيّد الشقق الفاخرة التي يصل سعر الواحدة منها إلى مليون دولار. يتناول اللبنانيون الأثرياء النبيذ على تراساتهم ويناقشون الفرص الاستثمارية. يعتمد اقتصاد لبنان على السياحة والبناء والتمويل للنمو. القطاعات ثلاثة تبدو مزدهرة«.

التقرير يضيف: »البلد يتجه نحو ركود عقاري،  وربما أزمة مصرفية تهدد عملته. قد يؤدي الانهيار الاقتصادي إلى زعزعة الاستقرار في بلد غرق بالفعل باللاجئين ويعاني من الانقسامات الطائفية«.

بحسب التقرير: »بداية من السياحة،  التي كانت ترتد للخلف خلال فترة الاضطرابات الإقليمية. وصل الوافدون إلى لبنان إلى أعلى مستوى في خمس سنوات في عام 2017. لكن عددهم بقي أدنى من الذروة التي تحققت في عام 2010،  وهذه الصناعة متقلبة أصلاً«. يستدرك التقرير: »في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وعلى إثر  استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري من السعودية التي عاد عنها لاحقاً،  انخفض معدل إشغال الفنادق بمقدار 14 نقطة مئوية خلال شهر واحد. وتراجع عدد الزائرين السعوديين،  الذين يمثلون أكبر حصة من الإنفاق السياحي،  بنسبة 19 هذا العام«.

كذلك الحال بالنسبة للاستثمار السياحي الذي تباطأ بشكل ملحوظ فوفق تقرير »ايكونوميست« »قامت شركة كفالات،  التي تضمن القروض للمشاريع الصغيرة والمتوسطة،  بدعم 117 مشروعا سياحيا في العام الماضي،  بانخفاض قدره 6 عن عام 2016. وتظهر الأرقام السنوية من النصف الأول من عام 2018 انخفاضا إضافيا بنسبة 18.

كل شيء يتجه نحو الجمود

ما يثير القلق أكثر هو صناعة البناء،  التي تضم ما يقرب من واحدة من كل عشرة وظائف في لبنان،  وفق »إيكونوميست«. إذ »على الرغم من الرافعات المنتشرة في بيروت،  فإن القطاع آخذ في التباطؤ. كان عدد التصاريح العقارية الصادرة في النصف الأول من عام 2018 أقل بنسبة 9 مما كان عليه في نفس الفترة من العام الماضي. وانخفضت معاملات العقارات بنسبة 17 على أساس سنوي في الربع الأول«.

كثير من الأزواج الشباب لا يستطيعون تحمل القروض غير المدعومة لشراء المنازل،  والتي تحمل معدلات بين 8 و9 وفترات سداد لا تتجاوز 15 سنة،  البعض ألغى حفلات الزفاف نتيجة لذلك. ويخشى المطورون من حدوث هبوط أعمق إذا استمر توقف دعم البنك المركزي لقروض الرهن العقاري،  الكفيل بتقديم قروض لمدة 30 عاماً مع معدلات فائدة منخفضة تصل إلى 3،  ففي مارس/ آذار  الماضي توقفت القروض الأمر الذي وضع ضغطاً كبيراً على القطاع العقاري.

يلفت تقرير »إيكونوميست« إلى أن »اقتصاد لبنان كان يعاني بالفعل. كان نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي 8 في عام 2010،  قبل بداية الحرب السورية،  منذ ذلك الحين بلغ متوسط النمو أقل من 2. والتباطؤ في سوق العقارات سيجر النمو إلى الأسفل.

قوة المصارف راسخة

على الورق،  على الأقل،  يبدو القطاع المصرفي صلبًا،  وفق التقرير. إذ تحتفظ البنوك التجارية بحوالي 200 مليار دولار من الودائع،  ويدير البنك المركزي أصولاً بقيمة 44 مليار دولار،  باستثناء الذهب،  وهو ما يكفي لتغطية أكثر من عامين من الواردات.

يقول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إن كل شيء على ما يرام. ويشير إلى الأشهر التي أعقبت استقالة الحريري،  عندما أنفق البنك المركزي مليار دولار لدعم الليرة اللبنانية،  التي يصل سعرها إلى 1500 ليرة مقابل الدولار الواحد،  ما أدى إلى استعادة الاحتياطات لعافيتها مباشرة تقريباً.

يؤكد تقرير »ايكونوميست« أن المصرف المركزي كان رائداً عام 2016 في ما يسمى الهندسة المالية،  أو المقايضة النقدية،  وهي خطة معقدة يقترض فيها البنك المركزي من احتياط العملات الأجنبية من المصارف التجارية. ويستخدم الدولار للحفاظ على ربط العملة. وتحصل المصارف بالمقابل على عوائد مذهلة،  وصلت إلى 40 خلال عام واحد.

مصرف لبنان المركزي لا ينشر بيانات عن احتياطه الصافي،  وينسب تقرير »ايكونوميست« إلى خبراء قولهم أن الودائع التي خضعت لـ »السواب« تبلغ قيمتها 65 مليار دولار،  مما يعني أن الأصول الصافية سلبية بالفعل.  وخوفاً من خفض قيمة العملة،  أصبحت المصارف يائسة بشكل متزايد لجذب العملات الأجنبية. أسعار الفائدة حتى بالنسبة للودائع قصيرة الأجل هي في أعلى مستوياتها في ما يقرب من عقد من الزمان. وتعني المعدلات المرتفعة أن الشركات الصغيرة لا تستطيع الحصول على الائتمان. قبل عقد مضى،  ازداد الإقراض التجاري في لبنان بما بين 15 و20 سنوياً،  لكنه هذا العام يتقلص.

وتعهد المجتمع الدولي والجهات المانحة بتقديم 12 مليار دولار كمساعدات للبنان في مؤتمر »سيدر 1« في إبريل/ نيسان الماضي،  ومعظم هذه التعهدات هي عبارة عن قروض وليست هبات،  علماً أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي يُتوقع أن ترتفع من نحو 150 اليوم إلى 180 خلال 5 سنوات بحسب تقديرات »صندوق النقد الدولي«.

تطمينات.. ولكن!

وزير شؤون مكافحة الفساد في حكومة تصريف الأعمال نقولا تويني أصدر بياناً نفى فيه وجود خطر على الليرة اللبنانية وقال »لا خطر بتاتاً على الليرة اللبنانية إذا إن إمكانيات المصرف المركزي والبنوك مرتفعة جداً وبإمكان البنك المركزي ان يعتمد سياسة شراء للسندات الحكومية بالليرة في اي وقت يختاره مناسباً لزيادة الكتلة المالية المتداولة وتنشيط حركة السندات والحركة النقدية وزيادة سرعة التداول النقدي«.

واعتبر خبراء اقتصاديون في حديث لـ»الحصاد« أن تقرير »إيكونوميست« لا يعبر عن الواقع،  لكنهم يعترفون ان الحالة الاقتصادية في لبنان متأزمة بسبب عدم وجود استثمارات،  وأن على الدولة اللبنانية ايجاد استثمارات وان لم تتمكن من ذلك فعليها ترك الامر إلى القطاع الخاص،  وفي موازاة ذلك يشدد الخبراء على وجوب علاج وضع المالية العامة للحد من نمو العجز وبالتالي توقف تراكم الدين العام،  الذي يعتبر ثالث أكبر دين عام في العالم من حيث نسبة الدين الى الناتج المحلي.

وكالات التصنيف قلقة

في المقابل،  أبقت وكالة »ستاندرد آند بورز« الدولية تصنيف لبنان الائتماني عند »بي- / بي« مع نظرة مستقبلية مستقرة. وتوقعت أن يلقي عبء الدين العام بظلاله على الحكومة اللبنانية،  ويبقى مرتفعا جدا حتى 2020.

وحذت الوكالة حذو نظيرتها »فيتش« التي أبقت  أيضاً في وقت سابق تصنيف لبنان السيادي عند »بي -« مع نظرة مستقبلية مستقرة،  وسط مخاوف من الارتفاع الشديد بنسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. وقالت »فيتش« إن تصنيفها يرجع إلى الضعف البالغ لأوضاع المالية العامة وارتفاع الأخطار السياسية،  لكنه يأخذ في الحسبان أيضا احتياطات لبنان الأجنبية الكبيرة ونظامه المصرفي القوي.

»المركزي« مطمئن

جدد حاكم مصرف لبنان رياض سلامه التأكيد أن النمو في لبنان سيبلغ 2 عام 2018،  وقال إن »طموحنا أن يكون أكثر من 2 لكنه ليس كذلك لأن هناك عجزاً،  كما أنّ أوضاع المنطقة لا تسهم بذلك«.

وأكد سلامة أن القطاع المصرفي اللبناني متين ومستوف كل الشروط التي وضعت في مؤتمر »بازل 3«. وقال إن اي اقتصاد لا يستطيع أن ينمو ويتطور إذا لم يكن عنده قطاع مصرفي سليم،  مشيراً الى أن المؤسسات الدولية تؤكد كما المصرف المركزي متانة الوضع المالي..

وقال: »عندنا مؤسسات مالية سليمة والنظام المالي لا يعاني قلة سيولة أو مخاطر مالية معينة«. وتابع إن مصرف لبنان متحكم بسعر صرف الليرة وإن كل كلام عن خطر يصيب سعر الصرف،  لا يستند الى أسس رقمية مطمئناً بالتالي الى أن الليرة اللبنانية ثابتة وثابتة باستمرار.

وتحدث حاكم البنك المركزي عن أزمة الإسكان قائلاً إن العملية تحتاج الى تنظيم ووضع أهداف وسياسة للإسكان موضحاً أن هذا ليس من صلاحية مصرف لبنان )…( لكنه لا يدير ظهره لهذا الموضوع بل هو موجود ولكن عليه أن يكون منطقياً مع نفسه،  ومع حماية الصورة المالية الأكبر.

بيانات وأرقام

وتشير بيانات غير رسمية إلى أن 1233 متجراً أعلقت خلال 3 أشهر قبل الوصول الى الافلاس النهائي،  ونتج عن ذلك تسريح نحو 3 آلاف موظف. كما أن هنالك 4 الاف متجر مهددة بالإغلاق ومن اصل 23800 طالب جامعي تخرجوا بإجازات من الجامعات اللبنانية كافة فإن 1800 منهم فقط وجدوا وظائف لهم. وتظهر الأرقام أن البطالة ارتفعت في لبنان الى نحو 66

في القطاع الزراعي الأزمة متفاقمة أيضاً فمزارعو التفاح استطاعوا بيع 38 من انتاج الموسم،  وقد سُجل انكماش في الاراضي الزراعية بنسبة كبيرة،  نظرا الى عدم وجود شبكات الريّ. الوضع الصناعي ليس أفضل فقد اغلق 158 مصنعاً ابوابه نتيجة ارتفاع كلفة الإنتاج وخصوصاً الكهرباء.