مركز دولي لحوار الاديان والحضارات

جاد الحاج

يدأب عدد ملحوظ من الأكاديميين على دفع فكرة اقامة مركز دولي لحوار الاديان والحضارات في لبنان. ويرى هؤلاء في المشروع تثبيتاً للتوجه الاوسع نحو لبنان سويسرا الشرق، بلد اللانحياز والانفتاح الايجابي على العالم. إلا ان  عدد اللامبالين والمترددين والمشككين في جدوى تبنّي الفكرة يفوق عدد داعمي  رئيس الجمهورية اللبنانية الذي ما فتئ يبشر بها، والسبب الرئيسي ان الظروف الراهنة تقف في وجهها ويعاندها وضع المنطقة وحروبها من كل حدب وصوب. بالطبع لا غبار على المشروع من الناحية المبدئية ولو انه مشروع كبير يتطلب جهوداً محلية ودولية ودعماً لا يستهان به من التجاوب ضمن المحيط العربي والمتوسطي والدولي. ولعله من المجدي أن نعود إلى كرّ سبحة السلبيات التي تحيط بلبنان وتحبط تطلعاته الطوباوية. ديون دولتنا المشارفة على المئة مليار دولار وشروط البنك الدولي للبدء بتنفيذ مقررات »سيدر« وأزمات المحاصصة وتشكيل الحكومة وتراكم النفايات وانقطاع الكهرباء والوضع الكارثي للمطار والطرق وتفاقم حوادث السير والانتحارات والبطالة والهجرة الكثيفة من الداخل العالي إلى السواحل المكتظة ومنها إلى المغتربات حيثما كانت وبأي ثمن كان، ناهيك عن ذلك الفساد الضارب جذوره ليس في الدولة وحدها بل في الشعب بأسره، كونها تحولت جزءاً عضوياً من تركيبة النفسية اللبنانية، وفي مطلع العام الدراسي رأينا اغلاق عدد ملحوظ من المدارس المدعومة من وزارة التربية ما أدى تعطيل تعليم مئات التلاميذ على امتداد الخريطة… امام هذا كله ألا يبدو طرح مشروع مركز دولي لحوار الأديان والحضارات نوعاً أفلاطونياً من أنواع الاحلام؟

كلا، يقول الاكاديميون المتفائلون، لأن رسالة لبنان في رأيهم ليست مرهونة بظروفه الحاضرة ولا يجب ان تتأثر سلباً بفعل تلك الظروف. بل علينا ألا نقتل الحلم ولا نعتّم التفاؤل لئلا نغرق في مستنقعات الحاضر.

عال! هذا يعني ان الدولة التي اخفقت حتى الآن في التصدي لكل ما ورد أعلاه لا بأس لو فتحت نافذة على افق واعد ولو على سبيل زرع نواة وسقيها دمعة إثر دمعة! وفي الحراك الاخير لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون ظهرت أطياف توافق على المشروع خلال زيارة الرئيس السويسري آلان بيرسي إلى لبنان ولقائه الدافئ بالرئيس عون. قال بيرسي: »ان سويسرا وقفت دوماً إلى جانب لبنان وقضاياه العادلة واستضافت مؤتمرين للحوار الوطني اللبناني، في جنيف سنة 1983 وفي لوزان السنة التالية«. وصرّح فخامة الرئيس انه أطلع نظيره السويسري على فكرة المركز العتيد متمنياً دعم بلاده لتحقيق المشروع. لم يقل فخامته ان سويسرا الرسمية أعربت عن إعجابها بالفكرة وسوف تنظر إلى دعم تنفيذها بصورة جدية. إلا أن المداولات بينهما تناولت الوضع الاقليمي وموقف لبنان المتمسك بعودة النازحين السوريين إلى المناطق الآمنة في بلده وترحيب لبنان بالمبادرة الروسية التي تفصل المسار السياسي عن مسألة النازحين. ناقش الرئيسان اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين بلديهما وأكدا ضرورة تشجيع حركة التبادل التجاري خصوصاً ان سويسرا هي الشريك التجاري السابع للبنان ولبنان هو الشريك الخامس لها في المنطقة. وأكد العماد عون للضيف السويسري ان لبنان متمسك بمبادرة السلام العربية وضرورة احترام حقوق الشعب الفلسطيني وحق عودته إضافة إلى رفض  قانون القومية الدينية الذي أقره الكنيست والتعرض لرمزية القدس ومكانتها الانسانية والدينية. ورأى عون ضرورة تفعيل العلاقة الثنائية التاريخية مع سويسرا على مختلف الصعد وتطوير آليات التعاون في المجالات كافة لما صيخدم مصالحنا المشتركةش… ولا كلمة عن مشروع مركز حوار الاديان والحضارات!

مع ذلك حمل السفير اللبناني الجديد إلى الفاتيكان فريد الياس الخازن مسودة ذلك المركز ناوياً طرحه على الكرسي الرسولي لعله، في أقل تعديل، يحصل على بركة البابا ولعل المؤمنين يتفاءلون بمعجزة …فكم  نحن في أشد الحاجة إلى المعجزات!