معنى أن تكون قومياً عربياً

بشور يحدد اثنا عشرة سمة للقومي العربي

لا مقايضة بين أهداف الأمّة ولا تساهل مع الاحتلال والتدخل الأجنبي

معن بشور

معنى أن تكون قومياً عربياً هو عنوان المحاضرة التي ألقاها السيد معن بشور الرئيس المؤسس للمنتدى القومي العربي أمام الندوة التثقيفية التي نظمها الشباب القومي العربي وأدارتها منسقة الإعلام ملاك خليل.

بشور أشار إلى اثنا عشر سمة يتسم بها التيار القومي العربي المعاصر والتي تعتبر من عناصر هذا الفكر الرئيسية.

1. ان تكون قومياً عربيا يعني ان تدرك ان العروبة هوية تنطوي على دعوة للوحدة، ومشروع للنهضة، وبهذا المعنى تشكل العروبة هوية جامعة بوجه عصبيات التفتيت والتشرذم العرقية والطائفية والمذهبية، كما تشكل الفكرة القومية العربية مشروعاً للنهوض لا مجرد شعار تعبئة إيديولوجية، فالشعار يحشد المؤيدين ويستفز الآخرين، فيما المشروع يحدد نقاط تلاق بين  منتمين لتيارات فكرية وسياسية مختلفة.

2. أن تكون قومياً عربياً هو أن تعتبر نفسك، مهما كان حجم تأثيرك محدوداً ودورك الفاعل صغيراً، مسؤولاً عن الأمة كلها، بكل مكوناتها الاجتماعية والدينية، وعن الوطن الكبير بأسره بكل المقيمين فيه أيّاً تكن انتماءاتهم العرقية أو القومية.

فالمواطنة أساس الفكر القومي العربي حيث لا تفّرقة بين المواطنين على أساس الجنس أو الدين أو اللون أو العرق.

3. أن تكون قومياً عربياً هو أن تمتلك رؤية شاملة للواقع العربي، وأن تدرك الترابط العميق بين أقطاره، فمثل هذه الرؤية تحصن صاحبها من الغرق في الجزئيات بكل ما يقود إليه هذا الغرق من تشويش وغموض وارتباك في التحليل وضياع في تحديد الأولويات وصولاً إلى مقايضة أهداف المشروع النهضوي العربي وإهمال بعضها لحساب بعضها الآخر.

أما أهداف المشروع النهضوي فهي التي تلاقت عليها تيارات رئيسية في الأمة، وهي الوحدة العربية، الديمقراطية، والاستقلال الوطني والقومي، والتنمية المستقلة، والعدالة الاجتماعية.

4. أن تكون قومياً عربياً هو أن تدرك إن وحدة العرب، بغض النظر عن شكلها الدستوري )تضامن، تنسيق، تكامل، كونفدرالية، فيدرالية(، ليست مجرد  صدى لرغبة ذاتية عند العرب، بل هي تعبير عن حاجة موضوعية للأمة في مواجهة كل التحديات، سواء تحديات الأمن القومي، أو التنمية المستقلة، أو حتى الوحدة الوطنية للكيانات القطرية التي باتت مهددة بالتفتيت في ظل الضعف العربي.

5. أن تكون قومياً عربياً هو أن تدرك إن الرابطة القومية العربية هي دائرة في إطار سلسلة دوائر، بعضها أضيق منها كالعائلة والعشيرة والجهة والكيان الوطني، أو أوسع منها كالدين والأخوة الإنسانية، فهي لا تلغي من هو أضيق منها، كما لا يمكن  إلغاؤها بما هو أوسع منها، بل هي حلقة وسيطة تحقق التكامل بين هذه الدوائر جميعاً.

فالعروبة هي تكامل وطنيات لا إلغاء وطنية لحساب أخرى، وعلاقة العروبة بالإسلام هي علاقة تكامل بين جسد وروح، فهناك عرب غير مسلمين يرون في الإسلام ثقافة لهم وحضارة، وهناك مسلمون غير عرب يرون في العربية لغة قرآنهم ومهد الرسول والصحابة.

وعلاقة العروبة بالأمم الأخرى، ناهيك عن أمم الجوار، هي تعبير عن رسالة الأمة في محيطها والعالم، فالبعد الإنساني للعروبة هو بعد أساسي تحدده عوامل عدة.

6. أن تكون قومياً عربياً هو أن تميّز بوضوح بين التناقضات الكبيرة  التي نواجهها كعرب، وبين التعارضات الثانوية التي نعيشها في تفاصيل حياتنا اليومية، فنخضع الثانية للأولى، ونراعي في مواجهتنا للأولى كل متطلبات معالجة الثانية.

7. أن تكون قومياً عربياً هو أن تقرأ الماضي بعين موضوعية فترى ايجابياته الكثيرة دون إغفال السلبيات، وتدرك السلبيات دون أن تهمل الايجابيات، فالرؤية القومية هي رؤية وحدوية، والوحدوية هي قراءة متكاملة ومتوازنة لما يدور حولنا، فالماضي إما أن يكون سجناً يأسر الغارقين فيه، أو أن يكون ممارسة يستفيد المرء منه في فهم الحاضر والتطلع إلى المستقبل.

8. أن تكون قومياً عربيا عليك أن تقرأ الحاضر وتحلله أيضاً بعين التوازن والتجرد والتكامل، كما بعين العصر وتطوراته، كي تتمكن من قراءة مشاهد )سيناريوهات( المستقبل بوضوح ودقة علمية.

منذ أكثر من ربع قرن كلف مركز دراسات الوحدة العربية فريقاً من عشرات الباحثين والأكاديميين لإعداد دراسة تستشرف مستقبل الوطن العربي ووصل الفريق إلى ثلاثة مشاهد أولها استمرار المشهد القطري الراهن والذي سيقود حتماً إلى انهيار الدول القطرية نفسها، وثانيها مشهد التعاون الإقليمي الذي إذا لم يتجه نحو التكامل القومي فمصيره الانهيار أيضاً، أما المشهد الثالث وهو مشهد الخلاص المتمثل بالتكامل بين الدول العربية وهو مشهد يحتاج إلى مشروع نهضوي وكتلة تاريخية تنهض به.

9. أن تكون قومياً عربياً هو أن تركز على القضايا الجامعة للأمة وأن تحشد الطاقات حولها لا سيّما قضية فلسطين وكل ما يتصل بالاحتلال والتدخل الأجنبي، لأن الاستقلال الوطني والقومي هو الأساس الذي تقوم فوقه وحدة الأمة وحريتها وتنميتها وعدالتها الاجتماعية.

10. أن تكون قومياً عربياً هو أن تناضل دون هوادة ضد ثلاثية الاستبداد والفساد والتبعية وتدرك حجم الترابط بين أركانها، فلا تسكت عن استبداد أو فساد بذريعة مقاومة التبعية، ولا تبرر التبعية والتدخل الأجنبي بحجة مقاومة الفساد والاستبداد.

وفي ضوء هذا التعريف يصبح واضحاً انه إذا كان أي بلد عربي يتعرض لعدوان أو تدخل من الخارج، تحت أي مسمى أو عنوان فتقف بوجهه دون تردد أو حساب، وإذا كان الضيم داخلياً يلحق بالشعب تحت أشكال القمع أو القتل أو الاحتراب أو الفتنة داخل الوطن الواحد أو حتى الصراع الحدودي بين قطرين، فان تكون قومياً عربياً يعني أن تكون جسراً للحوار، وداعية للمصالحة، ونداء لرفع الظلم، ودعوة لتحصين الوطن.

11. أن تكون قومياً عربيا يعني أن تكون مقاوماً لكل احتلال خارجي، واختلال داخلي، ليس فقط على مستوى الأمة، بل على مستوى العالم كله، فالبعد العالمي للقومية العربية هو قوة لها وسند، تماماً كما تشكل الحركة القومية العربية بالمعارك التي تخوضها على مستوى الأمة ركناً رئيسياً من أركان حركة التحرر العالمية لأنها تسهم في هزيمة المشروع الاستعماري بكل مسمياته، والمشروع الصهيوني  بكل أشكاله.

12. أن تكون قومياً عربياً هو أن تجسد بسلوكك اليومي جملة فضائل وخصائل طالما اعتز بها مجتمعنا العربي، وأبرزها، دون شك، الصدق، والوفاء، والنخوة، والكرم، والشجاعة والإقدام، والاعتزاز بالثقافة العربية والدفاع عن اللغة العربية.

أن تكون قومياً عربياً هو أن تكون مبادراً، بالفكر والعمل والنضال، في الانتصار لكل قضية عربية محقة ولكل قضية إنسانية عادلة، غير هيّاب في قول كلمة الحق أيّاَ كانت العواقب.

بل أن تدعو كل العروبيين في كل التيارات الرئيسية في الامة )قوميين وإسلاميين ويساريين وليبراليين( إلى التلاقي والتفاعل والتكامل على طريق وحدة الأمة بأسرها، خصوصاً بعد أن باتت الوحدة هي درع الأمة ومصدر قوتها ومبرر وجودها.