العراقي المرواتي د. عمار أحمد:الثقافة في خطر من الدخلاء والجوائز

من نعيم تلحوق

المرواة فضاء سردي لا يرضى بتابوت التجنيس

 بيروت »الحصاد«

يحمل عودَه ويمشي حتى تظن أنهما ملتحمان، يخاف عليه من الرطوبة والهواء وأي مستجد قد يؤثر عليه فيُجلسه كالأمراء ويحاكيه بلغة النبض كأنه يعتذر منه لأنه سيتركه لبعض الوقت. إنه الدكتور عمار أحمد »المرواتي« الذي يخوض معاركه الثقافية برقي دفاعاً عن مدرسته الأدبية واللحنية الجديدة »المرواة«. إستضافه منتدى شهرياد في بيروت في أمسية مميزة إلتقيناه وكان لنا معه هذا الحوار:

كيف تنظر إلى الحركة الثقافية في العراق؟

لا يختلف الوضع الثقافي في العراق عن الوضع العربي للثقافة عموماً، فهناك الكثير من المهرجانات الأدبية والندوات والمؤتمرات. وأكثر ما تعاني منه الثقافة اليوم بشكل عام هو دخول الكثير من الدخلاء الذين تغلغلوا في مفاصل ثقافية إدارية مما يؤدي إلى خلل كبير في عمق المنظومة الثقافية. ناهيك عن فوضى النشر التي وإن كانت إيجابية بعض الشيء ولكنها أسهمت في خلط الحابل بالنابل.

وما ألاحظه بإستمرار أثناء جولاتي العراقية والعربية على حدّ سواء هو بقاء المجاملة قوة إسهامية تورط »المجامل« وتدفعه إلى مناطق يضيع فيها. كما أن فعل »الكارتلات« والجماعات المحكومة بعلاقات الصداقة ما زال قوياً في تسليط الضوء على فلان دون علان. وما أراه

حوار: ليلى الداهوك

الأخطر على ثقافتنا هو المسابقات والجوائز الإعلامية التي تسلّط الضوء على الرواية الفائزة بالمرتبة الأولى وتلغي البقية، وفي هذا الأمر تزييف خطير للإبداع الروائي والشعري وتحكُّم هائل بالقارىء. إن توجيه الأنظار إلى رواية واحدة لأمر خطير، لأن الروايات غير الفائزة ستكون في نظر القارىء فاشلة دون أن يقرأها. وقد فاز أحياناً أمِّيون بعيدون كل البعد عن الثقافة وغاب عن أنظارنا وأسماعنا مبدعون حقيقيون جديرون بالقراءة. وأخشى من القول أنهم لن يفوزوا أبداً لأن المتحكِّم بالجوائز يعرف ماذا يريد.

كيف يعرّف د. عمار أحمد الإنسان والفنان نفسه؟

ربما لا يحق لي أن أتطرق إلى أوصاف إجتماعية أو أخلاقية، فهذا لا يجوز وسيصفني الآخرون أوضح وأدق إذا ما توافرت فيهم صفة النزاهة والوعي ولكني أستطيع التأكيد أني حصيلة جهود شخصية وعوامل أخرى تخص تربيتي وتكويني وعصارة ما خُزن في لاوعيي.. هذه الحصيلة هي » المرواتي« ولا أخفيك سراً لو قلت إني حققت أمراً مهماً هو أني إستطعت تغيير إسمي وهو ما يشبه القدر في كثير من الأحيان، غيرته إلى ما يشير لرسالتي الأهم في حياتي وأعني بهما الكتابة والتلحين فصار »المرواتي« إسمي وصفتي.

ما الذي دفعك لابتكار المرواة، وما هي أهم عناصرها؟

ربما يكون أهم عناصرها أنها ما عادت تُعنى العناية الكبيرة بالإخبار، وليست معنية بنسج العلاقات بين الشخصيات. هذا الأمر الذي لا يحتاج إلا لوقت مع تراكم الخبرة لتحقيقه، المرواة قلبت معادلة مهمة هي: الإنحياز إلى التفاصيل المؤثثة للعمل السردي على حساب الهيكل العام المنظم للحكاية.

بتعبير الشكلانيين الروس الذين إكتشفوا أن الرواية والقصة تتشكلان من متن حكائي ومبنى حكائي. فالمرواة إنحازت إلى هيمنة المبنى على حساب المتن، فضلاً عن عناية المرواة بالكلام أكثر من عنايتها باللغة كما كانت تفعل الرواية والقصة والمسرحية. إنها تعنى بكلامها بوصفه دالاً ومدلولاً في آن واحد، والحرص بالسير على الحد الفاصل بين النثر والشعر، هذا وتعتمد المرواة أيضاً على ذاكرتها. وللتوضيح أكثر إن المرواة تركن إلى حكاية شعبية أحياناً لا أثر لها في الذاكرة الجماعية، أي أنها تخلق حكايتها الشعبية لنفسها. وليس توظيف الجمل الموسيقية آخر هذه الخصوصية.

أما الذي دفعني إلى إبتكارها هو إحساسي بأن العصر الذي نعيش فيه قد أوجد منصَّات إرسال ثقافية وإبداعية كثيرة، ولا يُخفى على أحد قوة فن السينما على جذب ملايين المشاهدين لتروي لهم رواية معززة بالصورة والصوت ومدهشة بفن الإخراج الأمر الذي أدَّى إلى تضييق مساحة تلقي الأعمال السردية بطرائقها التقليدية.

ما الصعوبات التي واجهتها المرواة؟

مثل أي جديد قوبلت بالرفض بل بالتهكم في كثير من الأحيان وإشتغل معها بقوة المبدأ المعروف »الإنسان عدو ما يجهل« ولكن ليس هذا ما يثير إستغرابي لأنه أمر طبيعي ومتوقع، فالمستغرب هو الصمت إزاء المرواة من نقاد كثيرين يدعون أنهم داعمو التحديث. صمتوا صمت القبور لأن صمتهم كان سلبياً تماماً ولم يطلقوا حكماً واحداً سواء مع أو ضد بل إكتفوا بالمجاملات الشفهية خلال اللقاءات معي في الندوات أو المؤتمرات أو حتى اللقاءات الإجتماعية.

علامَ تقوم الألحونة؟ وما الهدف منها؟

تقوم الألحونة على نص نثري سواء كان قصيراً في الأساس أو مقطعاً من نص طويل يقدم وحدة دلالية واضحة. هي لحن قصير متحرر من سياقات اللحن السائد من حيث إلغاء المقدمة الموسيقة، كما إلغاء الفواصل الموسيقية بين المقاطع، ويقوم على محورين هما: التكثيف اللحني

الفنان العراقي المرواتي احمد يغني العراق

العالي والتنويع النغمي ضمن هذا الفضاء اللغوي الدلالي الجمالي المكثف.

أما الهدف منها فهو محاولتي ولا أزعم أكثر من ذلك في توسيع قاعدة تلقي قصيدة النثر التي تعاني الإنحسار مرتين، مرة من طبيعتها ونخبويتها ومرة من إنحسار القراءة وهذا العمل هو الأخطر على مجمل الثقافة المقروءة.

هل الإلتماعات تنافس القصة القصيرة؟

الإلتماعات فضاء سردي مواز للقصة القصيرة جدا حالها حال المرواة التي لم تكن فناً منافساً للرواية أو القصة، وهي فن قام على محورين من محاور إهتماماتي الأول أدبي ففي الإلتماعة تأثيرات من فن المقامة ومن مصادر ثقافتي الشعرية الكثيرة والغنية. الثاني موسيقي ولها أثرها من حيث العناية بالجرس الموسيقي للكلام والعناية الفائقة بإنتخاب المفردة هذه دون غيرها ووضعها في هذا الموضع بما يطمئنني على تناسق الأصوات ودعمها للدلالة. نحن بحاجة إلى ثورة شكلية وجمالية، لأن السكون موت وكل حركة تغيير تقوم على الوعي والإدراك هي فعل مهم في حركة التاريخ ككل.

ما رأيك بدور المرأة اليوم في الوسط الثقافي؟

دور المرأة في كل العصور ذو حدين هي الوسم والسم معا، فثقافة المرأة وإسهاماتها هو الأساس المتين الجميل معا لأن ثقافتها ستنعكس على الحياة من خلال دورها أماً وأختاً ومربية أو في مجال عملها فكيف الحال إذا كانت أديبة أو شاعرة أو فنانة فضلاً عن نشاطها الحيوي في كل المجالات. ففي هذه الحال ستكون الرسم الأعذب والأكمل، وتكون السمَّ الزعاف إذا كانت منحشرة في الوسط الثقافي أو الفني، فحينها لا خير يرجى لأنها ستنحر في الثقافة والفن وتأخذ إستحقاق غيرها.

ثمة نساء دخلن الأوساط الأدبية والفنية والأكاديمية وهنَّ تمتلكن مواصفات وقدرات على التنازل عن الأهم للوصول إلى الأهداف والمآرب. وهذا ما نلاحظه اليوم فهناك نساء كثيرات فاعلات في حركة الحياة وتقدمها وناشطات مدنياً وروائياً وشعرياً بالإضافة إلى فنانات ملتزمات راقيات، مثلما نرى أخريات تملن إلى الجانب المظلم.