رحيل الدوري الصغير-شارل ازنافور

جاد الحاج

مات »الدوري الصغير« شارل ازنافور عن 94 سنة، وثلاث زيجات وستة أولاد، ومئات الاغاني والمعزوفات ومئة مليون اسطوانة مباعة.

أطلقوا عليه لقب »سيناترا فرنسا« و»الأرمني الطروب« لكن »الدوري الصغير« الذي اسبغته عليه إديث بياف بقي على لسان الجميع منذ 1948 عندما سافر معها للمرة الاولى إلى الولايات المتحدة حيث ساعدته للتواصل مع فناني المرحلة امثال كول بورتر، لوي ارمنسترونغ، ديوك إلينغتون وديزي غيلليبسي. في رحلته التالية إلى اميركا سنة 1963 كان أزنافور قد وضع بصمته على طليعة فناني الاغنية الفرنسية إلى جانب كبارها: موريس شوفالييه، شارل ترينيه، جورج براسانز، جاك بريل، ليو فيرّيه، إيف مونتان، جيلبير بيكو، جولييت غريكو، باربرا وبالطبع إديث بياف، إلا انه لم يكن بعد معروفاً في اميركا. وهذه المرة أراد أن يترك تلك البصمة بأي ثمن. استأجر قاعة كارنجي هول ذات الشهرة والقيمة العلميين، مدعوماً ببرنامج تلفزيوني لجاك بارّ، إضافة إلى ترويج دوره في فيلم فرانسوا تروفو »لا تطلق النار على عازف البيانو«. في النتيجة جاء العرض مذهلاً وهكذا وصلت بصمة ازنافور إلى العالم الجديد.

 لعل السؤال الذي طالما راوده وراود كل من كتب عنه: ماذا لو هاجر شارل مع اهله إلى اميركا بعد تهجيرهم من ارمينيا، عوض البقاء في فرنسا؟ كان والده ميشا مغنياً وأمه كنارّ ممثلة. وأدركوا باريس سنة 1920 آملين بالرحلة من هناك إلى الولايات المتحدة، إلا أن تأشيراتهم تأخرت وبقيت العائلة في أوروبا. وعلى غرار كثر من فناني الاستعراض والغناء في فرنسا جاء ازنافور من الطريق إلى عالم الفن، لا من الجامعة. يقول ازنافور ان الاغنية الفرنسية هي النص الغنائي أولاً. الكلمات تقود الموسيقى. معظم كتّاب الاغنية الفرنسيين يشبهونني لأنهم لم ينهوا دراستهم، فأنا تركت المدرسة في الحادية عشرة من عمري ومعظم أولئك الكتّاب والشعراء جاءوا مثلي من الطريق إلى الادب. أنا أبدأ دائماً من الكلمات. الجملة الاولى تأتيني من الافواه الدارجة. أشياء يقولها الناس كل يوم. والناس يقولون لي: تعرف، أنت تقول الكثير في أغانيك مما نقوله كل يوم. وأعتقد هذا ما يجعل الاغنية شعبية. لكن هناك اغنيات اخرى اكتبها عن قضايا اجتماعية وانسانية. قد لا تعرف الرواج نفسه لكنها تنجح على المسرح دائماً: مدمنو الكحول، المصابون بمرض الايدز، حوادث السير، الطلاق، الاطفال في زمن الحرب… ورجل يحب امرأة صماء وخرساء. تلك الاغاني تمثل حقيقتي اكثر من غيرها.

بعض اغانيه وضعها خلال ساعات وأخرى استغرقت سنوات. واكتشف مثلاً ان اللغة الفرنسية تصلح للاغنية السريعة ولا تصلح للجاز لأن بعض كلماتها صعب الاختصار. ولم يكن ازنافور ليبدأ التلحين إلا بعد ان تكون الكلمات جاهزة تماماً. عندئذ ينطلق باحثاً عن اللحن المناسب. وفي احدى اغنياته بقي اللحن مرتبكاً حوالي 12 سنة!

 في الطرف المقابل من حياته الفنية يسجل ازنافور مشاركته في حوالي ستين فيلماً سينمائياً، احياناً في ادوار البطولة او في ادوار جانبية. ويجدر القول انه لم يوفق تماماً في اختيار المخرجين او القصص السينمائية المناسبة. لكنه يحب اجواء التصوير السينمائي ولطالما اراد ان يخصص حوالي سنتين من حياته للانصراف تماماً إلى تصوير الافلام، خصوصاً مع صديقه الارمني الكندي آتوم إيغويان.

ما هي اغنيته المفضلة؟

 يقول ازنافور: » يقال ان المهم في العرض الغنائي ان تغني شيئاً في البداية وآخر في النهاية مما يحبه الجمهور أما في الوسط فيمكنك ان تفرض نفسك على الجمهور بما تحب انت. لكن أنا عنيد. أغني أولاً ما يحلو لي وأعتبره الاقرب إلى تفكيري وقلبي، ثم انطلق إلى الآفاق التي يبحث عنها الجمهور. وقد تعلمت ذلك من بياف«.

رحمه الله.

العدد 87 – تشرين الثاني 2018