في حوار مع الكاتبة والشّاعرة سميّة تكجي لمجلّة الحصاد لندن

بيروت من ليندا نصّار

الكتابة بالنّسبة إليها خيار الحياة بل هي النّفس والحياة. في نصوصها التفات إلى الإنسان وعلاقته بواقعه ومجتمعه، تجسّد من خلال كتاباتها رؤيتها العميقة للوجود بكلّ ما فيه. إنّها الكاتبة سمية تكجي التي تعيش في عالم مليء بالأحلام على أمل أن تتحقّق يوما ما في وطن عشنا فيه مرارة الخذلان. تصّور الكاتبة من خلال شعر الومضة والقصّة القصيرة جدّا معاناة الإنسان المقيّد الطّموح، فتأتي نصوصها بشكل ساخر، لعلّ رسالتها تصل إلى آذان صاغية. وكلمحة عن سمية تكجي إنها كاتبة وإعلامية، تطوعت في الائتلاف اللبناني الفلسطيني -حملة حق العمل، كما حضرت العديد من المؤتمرات في لبنان وفي الخارج وشاركت في العديد من ورش العمل حول الهجرة واللجوء. وأدارت وقدمت العديد من الندوات.

درست الكاتبة سمية تكجي اللغة الاسبانية وأتقنتها وترجمت العديد من المقالات السياسية والأدبية في الصحف والمواقع الإلكترونية. كتبت المقالات الأدبية في عدد من المواقع الإلكترونية والصحف اللبنانية وبخاصة في صحيفة البناء. لها مقابلات متلفزة ومقابلات منشورة في الصحف العربية واللبنانية. استلمت مهمة الملف الثقافي في المركز الثقافي اللبناني العربي ونظمت العديد من الأمسيات الشعرية، وأعدت مطالعات أدبية في نصوص الشعراء كما شاركت في العديد من الأمسيات في بيروت والجنوب والجبل. أصدرت ديوان  »مرايا البوح« في 2016. وكتاب بين أنا وعيوني البعيدة 2018 وهو مجموعة قصص قصيرة جدا وشعر ومضة. وسيصدر لها قريبا أيضا عن دار ناريمان ديوان شعر هو قيد الطبع.

1-  »بين أنا… وعيوني البعيدة« عنوان مجموعتك الجديدة. لماذا هذا العنوان وإلى أيّ مدى يفتح للقارئ عتبة النّصوص؟

أود أولا أن أعبر عن شكر جزيل التعبير للإستضافة في منبركم الكريم ولك الأدبية

 والإعلامية ليندا نصار على هذا الحوار القيم.

بالعودة إلى السؤال، أحب أن أشير إلى أنني أميل إلى العنوان الجميل والبسيط والكثير المعنى وهذا ما توخيته في عنوان مجموعتي، فلا أحب العناوين النافرة التي تصفع القارئ أو التي تثير الكثير من الفضول. أرى أن العنوان يطرح إشكالية الإنسان امرأة أو رجلا. فعندما أحاور

الكاتبة والشّاعرة سميّة تكجي

نفسي أحاول السفر في الذات، والتعبير عن المكنونات والتقاط اللحظة المؤثرة. وكذلك عندما أصطحب القارئ حيث البعيد يكون الهدف من ذلك أن أفتح كوة في الظل أو كي أرى ما وراء الأشياء وأضيء بالحبر ممرات ضيقة وداكنة، وكذلك أرى بعيون القارئ كي تتمدد عيوني للبعيد.

2- كيف انطلقت فكرة كتابة هذه المجموعة وما هي أكثر المواضيع المطروحة فيها؟

كل نقطة حبر تحمل قصة وراءها والحبر في أكثر الأحيان يمارس سطوته ويكتبنا من دون أن نخطط لذلك. بالنسبة إلى القصص القصيرة لقد كانت أكثرها من الحياة والمعاش وهي لحظات وأحداث من العمر أثارت نبضي وصمتي ومشاعري فأحببت أن ألونها بالحبر. ومن ناحية ثانية أحس أن هذه المجموعة تشبهني كثيرا فأنا في الحياة قليلة الكلام وأحب أن أعبر عن الكثير في عبارات قليلة. مواضيع القصص هي متنوعة جدا وفيها قصص حقيقية من طفولتي تلك الطفولة التي تسكن عيون الكاتب ولا تبارحه أبدا. وفي القصص القصيرة جدا هناك مواقف سجلتها طي السطور تجاه الواقع الاجتماعي والعقائد المغلوطة في الدين والسياسة والكثير من نواحي الحياة.

3 – تضمّ هذه المجموعة شعر الومضة والقصص قصيرة. كيف استطعت الجمع بين النّوعين في كتاب واحد؟

 نعم لقد كتبت القصة القصيرة ثم القصيرة جدا ثم الومضة وكأني تدرجت من الموجز إلى الأكثر إيجازا.

سؤالك مهم جدا ويستبطن أسئلة عديدة فهو يفتح باب مناقشة مفهوم فتح الحدود بين الأنواع الأدبية ومفهوم الشاعر القاص. والشبه أو الإشتباه بين قصيدة الومضة وق ق ج.

أرى أن عجالة هذا الزمن فرضت علينا ولحظاته المتوترة والمتنقلة انعكست على الأدب لغة مختصرة تنبض في قلب اللغة وكذلك انعكست اهتماما بمشهد لا يتصل بما قبله ولا بعده. أرى أن الأدب بإمكانه أن يكون جسرا ويهدم الجدران ويكون رحبا لاستقبال أي التماع جديد فيه، لا أنكر أن القصة القصيرة جدا ما زالت تائهة مهتزّة في إثبات هويتها وما زال النقاد يختلفون في تعريفها وما يحدد أنها قصة هو وجود شخصية وزمن ومكان وحدث وإلا لن تكون قصة وهي تشترك مع الومضة فقط في الاختصار والتكثيف في المعنى والإيحاء الشعري والدهشة والتأويل.

 4- في نصّ  »حلّ استباقيّ للالزهايمر«، تتبدّى لنا النّظرة العميقة إلى الأحداث والدّخول إلى صلب المعنى، بحيث تأخذنا الكاتبة سميّة تكجي في سباق عكسيّ مع الزّمن نحو الوراء، وتربط هذا الأمر بالوضع المتراجع في لبنان. هل يمكن الاعتبار أنّ هذا النصّ يحمل رسالة إصلاحيّة تجسّدت عبر هذه المقارنة السّاخرة؟

 نعم، هذه القصة هي من النوع المضحك المبكي فيها تهكم وسخرية من الواقع ويلامس المعاش وهي من نوع الكوميديا السوداء التي كنت أكتبها وربما ما زالت تسكنني وليس غريبا لأن ما نراه من حولنا كل يوم هو عبارة عن كوميديا سوداء تجعلنا نضحك قليلا ونفكر كثيرا، نضحك بألم ونقتات أوجاعنا بالحبر، نؤشر بالإصبع على الجرح ولا نحرك ساكنا. فالأدب عليه أن يكون دائما وسيلة للتحرر من الاضطهاد بكلّ أشكاله.

5- إلى أيّ حد أسعفتك اللّغة في كتابة نصوص إبداعيّة عميقة وفي الوقت نفسه قريبة من القارئ؟ وماذا عن صراع الكاتب أو الشّاعر مع اللّغة؟

الأهمّ في الكتابة هو أن نحترم القارىء الذي يسكننا بحيث ننقل الفكرة والرسالة من رأسنا إلى رأس القارىء عبر الكلمة القريبة من وجدانه والتي تلامس روحه وتحرك فيه الأسئلة، ولعل الكلمة البسيطة هي الأقدر على ذلك وهنا يمثّل أسلوب الكاتب وذكاؤه في صياغة الفكرة وتكثيفها وإلباسها ثوب الدهشة. وأحيانا كثيرة، المعنى المقصود يتحدى ذكاء القارىء فيقوم كل واحد بتأويل القصد بحسب ثقافته ومستواه الفكري. وأعتقد أن لغتنا العربية تفي بالغرض إلى حد كبير لأنها غنية وفيها دفق وتوتر وتعبر عن أدق التفاصيل.

6- ماذا تعني لك الكتابة؟ وهل تميلين إلى شكل أو نوع أدبيّ معيّن عندما تكتبين؟

الكتابة تعني لي خيار حياة، هي بالنسبة إلي حالة حب وشغف في الحزن وفي الفرح، عندما أحس أنني غير قادرة على الكتابة أحس بالاختناق والهزيمة، وأشعر أن أشياء وعوالم أحبها قد تهرب مني إذا لم استرجعها وألونها بالحبر، أكتب لأرتمي في حضن الحبر وأتعافى من جرعة حياة زائدة…

7- سمية تكجي مسؤولة اللجنة الثقافية في المركز الثقافي اللبناني العربي وناشطة في الوسط الثقافي. ماذا عن مشاركاتك الثّقافيّة؟ وكيف تنظرين إلى الكتّاب اليوم والإنجازات الأدبية والأمسيات الشّعريّة؟

في المركز أدرت ونظمت الكثير من الندوات والأمسيات الشعرية وأعددت مطالعات في قصائد الشعراء الضيوف وكذلك شاركت كضيفة على منبر الشعر في كثير من الأمسيات على امتداد الجغرافيا اللبنانية.

أنظر إلى النصف الممتلىء من الكوب وأعرف أن الوضع على كافة الأصعدة مؤزّم والثقافة من أحد مشاهد هذا الوضع. وأرى غزارة وطفرة في النصوص الشعرية والأمسيات وعدد الشعراء وهذا ما سيسمح بالفلترة اذا صح التعبير وسيدفع المواهب الجديدة إلى تحسين الحس الجمالي لديها، أعتقد أننا نحتاج كلنا إلى أن نعتاد على أن نقرأ كثيرا ونتباهى بكثرة القراءة قبل أن نتباهى بما نكتب وأن لا نعول على  »تعويم« أنفسنا من خلال أضواء الأمسيات أو الاصطفافات والإعلام بل أن نعول أكثر على الجودة وفي النهاية القارىء الذي يستمع جيدا سوف يحكم والكلمة التي تستحق البقاء سوف تبقى. الجميل في اللقاءات الأدبية أنها تجمع كل أطياف المجتمع بكل اختلافاتهم وهذا صحي ومطلوب وكذلك لقد ثبت من خلال الأبحاث والدراسات النفسية والاجتماعية أن الشخص الذي يميل إلى الفنون من شعر ورسم وموسيقى هو شخص يعيش السلام مع نفسه ومع الآخرين ويكون أقل عدوانية وهذا جل ما نحتاج إليه في عالمنا الذي تلفه الأزمات والحرائق.