رئيس الوزراء العراقي الجديد وسيناريو التحولات المقبلة

د.ماجد السامرائي

تبدلت معطيات القيادة السياسية في عالمنا العربي، ففي العهد الثوري العربي الذي امتد منذ العهد الناصري 1952 وحتى أفول قياداته في 2003 و2011 كان الحكم بيد الزعيم الذي يصل القصر عبر الدبابة والبيان العسكري الأول ويصبح هو رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وحتى وزارات الداخلية والمالية.. ألخ ولكن حصلت متغيرات كبيرة بعد ظهور اللعبة الديمقراطية التي جلبها الأمريكان عبر الاحتلال أو ما سمي بالربيع العربي في كل من العراق واليمن وليبيا وتونس ومصر أو تلك التي نمت بفعل البرلمانات التقليدية خصوصاً في المغرب والجزائر لكنها ديمقراطية تكتنفها الفوضى  »الخلاقة« وتهديم البني التحتية التي تحققت مثلما حصل في العراق، حيث هيمنت الأحزاب الطائفية في أقسى تجربة سياسية يتحملها شعب العراق حيث تحطمت فيه قوى الحياة المادية والمعنوية، وتفككت أوصر المجتمع وسادت قيم الكراهية والعنف بدلا عن التسامح والمحبة، وكان الأهم من كل ذلك هو إن تلك الأحزاب الطائفية وفي مقدمتها حزب ) الدعوة ( والتي رفعت السلاح بوجه نظام )صدام ( لكونه مستبداً ودكتاتورياً لم تقدم البديل للجمهور العراقي، صحيح تحققت حرية الفوضى وفتح حدود العراق أمام جميع أنواع  »القاذورات« من مخدرات وإرهاب وأجهزة مخابرات مدمرة لوحدة البلد، لكن لا أمن فردي أو جماعي في ظل عمليات القتل على الهوية والتغييب والاعتقالات الجماعية من دون تحقيقات قضائية عادلة وغياب أدنى مقومات الحقوق الانسانية، أضاف اليها احتلال  »داعش« لثلث أرض العراق مآسي جديدة في النزوح عن الأرض والسكن الى المجهول، ليتحول العراقي في أغنى بلد الى متسكع متسوّل جائع تسوده أرقام مذهلة في الأطفال اليتامي والأرامل.

هذه هي الحالة التي صاحبت الوضع العراقي منذ عام 2003 ولحد اليوم، في ظل حكم أحزاب الاسلام السياسي  »الشيعي« وخصوصاً حزب الدعوة الذي ترأس الحكومة لأثني عشر عاماً. ورغم كل هذه المظاهر التي تدعو أي حزب يعتد بتاريخه النضالي أن يترك المسؤولية ويعتذر أمام شعب العراق الصابر، ولكن احزاب العراق لا يهمها الشعب بقدر الانشغال بكيفية ترتيب أمور الحفاظ على السلطة وفق التقسيم الطائفي المشؤوم ) المحاصصة ( وحاول حزب الدعوة تقديم طروحات الالتفاف على شعار   »المحاصصة« بما سمي بالأغلبية السياسية أو شركائه من القيادات الشيعية لما سميت  »بالأغلبية الوطنية« لكن تفككه التنظيمي وفشله امام جمهوره قد غلب على أمره بعد انقسام زعامتيه ) المالكي والعبادي ( لدرجة فقدان العبادي لفرصة الولاية الثانية التي كان يطمح اليها بعد دخوله مع كتلة  »سائرون« بزعامة مقتدى الصدر.

كانت نتائج الانتخابات المزورة بدخول ما لا يزيد عن 30 من العراقيين للانتخابات قد كشفت المكانة المتواضعة لحزب الدعوة وتقدم كتلة  »الفتح« برئاسة هادي العامري الذي يقود منظمة ) بدر( التي كانت في يوم ما منظمة عسكرية تابعة للمجلس الاسلامي الأعلى بزعامة ) محمد باقر الحكيم ( ثم من بعده شقيقه ) عبد العزيز ( الى جانب منظمات المليشيات المسلحة التي كانت تابعة سابقاً الى جيش المهدي ( بقيادة مقتدى الصدر ثم إنشقوا عنه مثل ) عصائب أهل الحق ( بقيادة الخزعلي، وهذه أفرزتها الحرب على  »داعش« بعد عام 2015 ولهذا أخذت تموضعات التحالفات منحى جديداً في المظهر وليس في الجوهر، جميع أحزاب الاسلام السياسي ) الشيعي ( شعرت بالقلق من حصول تحولات لتقدم المشروع الوطني اللاطائفي بسبب شعارات مقتدى الصدر وبسبب المظاهرات التي عمت مدن الوسط والجنوب خصوصاً )البصرة ( التي شكلت مأساتها الانسانية وصمة عار في جبين جميع تلك الأحزاب، وكان الأجدر بها أن تتخلى عن الحكم وتعطي الفرصة لعراقيين مخلصين لبلدهم وشعبهم.

 ولكن بعد إعلان نتائج الانتخابات في مايو الماضي بدأت مرحلة القوى النافذة في العراق تأخذ دورها، واستقر في بغداد كل من الجنرال الإيراني ) قاسم سليماني( ومستشار الرئيس الأمريكي ) بريت ماكغوري ( لإدارة ملف تشكيل الحكومة الجديدة في ظل ظرف جيوسياسي مهم هو تصاعد الصراع الأمريكي الإيراني وتأثير ذلك على الساحة العراقية، التغيّر الشكلي الذي حصل بما يسمى  »بالمحاصصة الناعمة« هو تعديل الصيغة التقليدية بأن يقدم ممثل المكون السني مرشحاً واحداً لرئيس البرلمان والمكون الكردي مرشحا واحدا لرئيس الجمهورية، بالذهاب بأكثر من مرشح للبرلمان.

وهذا حصل عند انتخاب ) محمد الحلبوسي ( بعد طرحه من قبل ائتلاف كتلة  »الفتح الشيعية« ثم حصلت ذات الحالة في ترشيح رئيس الجمهورية من قبل الحزبين الكرديين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني وسط تطمينات وتعهدات من قادة الأحزاب  »الشيعية« لمسعود البرزاني باختيار ) فؤاد حسين ( لكن ما حصل في انتخاب )برهم صالح ( أدى الى استياء مسعود البرزاني الذي سيؤدي الى تداعيات سلبية في الوسط الكردي.

وكانت العقدة الأهم هي الاتفاق على إسم رئيس الوزراء، ويبدو إن الطبخة قد انجزت سريعاً في ذات وقت اختيار رئيس الجمهورية، ولهذا تم الاتفاق على مرشح ما سمي بالتسوية ) عادل عبد المهدي ( على صيغة توافق الكتلتين الكبريتين  »الشيعيتين« وكان لشخصية عادل عبد المهدي دوراً في تبوئه لهذا المنصب من حيث اعتداله السياسية واستقلاليته التنظيمية رغم إنه من الاسلام السياسي الشيعي، لكنه أكثر سلاسة أمام الجمهور العراقي، وقد ينبئ بحراك نحو الاصلاح إذا ما عاونته الأحزاب الكبيرة الباحثة عن مصالحها، ولكن هناك اسئلة كثيرة تواجهه وكان لطريقته الحرة المباشرة عبر الانترنيت في طلب التقدم للوزراء ما يعني محاولة منه لتجاوز الهيمنة الحزبية، في ظل حالة الترهل للعملية السياسية الحالية والتفكك والمواجهة المباشرة من قبل الشعب خصوصاً شعب البصرة البطل، ولهذا فالسؤال الكبير الذي يتقدم جميع الأسئلة : هل سيتمكن عبد المهدي من إنقاذ العملية السياسية من حالتها الحالية ؟ لا شك إنه رغم جميع مواصفاته الايجابية في الفكر والسياسية لن يتمكن من ذلك، لأن التراكم السلبي وصل درجة عالية حيث يقدم فيها الماء المالح ليشربه مواطنو أهل البصرة بالإكراه كما إن عملية التغيير الكبيرة لا يمكنه تحقيقها والتي لا شك إنه يؤمن بها من خلال إطروحاته السياسية منذ عام 2016 بعد استقالته من وزارة النفط.

ومع ذلك فاليوم يدخل في حقل المسؤولية الأولى في العراق كسياسي  »شيعي« والسؤال الاستراتيجي الأول المهم : هل سيتمكن من إنقاذ الحكم الشيعي مما وصل إليه، أم إنه سينطلق من المفهوم الوطني لإنقاذ البلد ؟ الجواب هو في أولى ممارسات وسياسات وبرامج عادل عبد المهدي، هل سيصبح رقماً مضافاً الى قائمة الحكام الشيعة، أم إنه سيدخل معركة المشروع الوطني ضد المشروع الطائفي رغم إن منبعه المذهبي  »شيعياً« وهو مؤهل لذلك لكي ينتصر لكل ما هو وطني مذبوح في العراق الطائفي.

والأسئلة الفرعية الأخرى تتعلق بالتفصيلات ومن بينها : هل سيخضع لضغوطات الأحزاب الكبيرة التي جاءت به لرئاسة الوزارة، وقد ينتفض ويقدم استقالته أم أن موقع رئاسة الوزارة فيه الكثير من الدهاليز المحلية والاقليمية والدولية، وقد يكون قد استوعبها خلال السنين الأخيرة، وهل سيبتعد عن التصريحات الكثيرة ويكون ديوانه المقبل العمل لا الكلام الكثير، ويختار فريقه من بين الكفاءات العراقية من دون إعتبار طائفي وعرقي، ويكون لديه مستشارون لا يغلفون الوقائع بما يحب هو وإنما وفق الحقائق، وهل سيزيل الكثير من الحلقات الزائدة في منظومة الحكومة كهيئات مجلس الوزراء والوزارات، وهل سيواجه إمبراطورية الفساد ويحطم أوكارها وزعاماتها بقوة ويودعهم في السجون عن طريق القضاء العادل، وهل سيشيع العدل بين العراقيين بعد أن وصل الحيف ونكران الحقوق مداه، وهل سيخرج الأبرياء من داخل السجون والمعتقلات ويعيد مئات الشباب المختطفين من قبل المليشيات المسلحة الى عوائلهم، وهل سيتمكن من حصر السلاح بيد الدولة.

وما هو مشروعه العملي في الاصلاح وفي إعادة الحياة للمدن المنكوبة التي احتلها  »داعش«، وما مقدار تعاطيه في ضبط الموازنات الدولية والاقليمية في ظل تصاعد الصراع الإيراني الأمريكي على أارض العراق، ومن دون انحياز مضر. وما هو المدى الذي سيتمكن فيه من إعادة العراق لمحيطه العربي لصالح العراق ومصالحه العليا.