»شفاه الريح«… شعرنة الفكر

نعيم تلحوق

تختزل أسماء الشرقي بُرهتَها بشهقة ألم موروث جينيّا منذ أيام المعز والمعتز، هي بنت المهدية التي هَدَت العالم سحر البلاغة والانزياحات اللغوية، تداوي تعبها بالحروف الصادقة، لتحيلها الى عبارات ومن ثم الى جُمل شعرية تخيطها بذهن الحاذق، فلا هي كلاسيكية، ولا هي حداثوية، هي ظلّ يقع بين جمعَين، الروح والجسد.. وكلاهما موصول بمتعة الحياة…

لكن الحياة عند أسماء حقيقية لا موهومة، أي أنها لا تحاكي الواقع المعيوش ملامسة، بل تحمل الحقيقة غير المرئية التي تريد أن تبحث عنها وتدعونا جميعا الى ذلك… هذه الشاعرة تنبض بألم الرؤية، وفاتحتها الرؤيا البعيدة لا الواقع المُشاهَد، وإنما الحقيقة التي تبحث فيها عن معنى لوجودها…

أسماء الشرقي

وحين تتعربس الحروف لدى أسماء، تخاطر باللون فتخطّ بأنامل التعب متعة البحث عن خلاص… فهي فنانة تشكيلية أخذت من الألوان مشاهدة الحياة ذ الوهم، ودعتنا الى وليمة الأحلام الحقيقية… بالطبع لا يكون هذا إلا بصدقٍ ممزوج بتمرّدٍ يعاند الصورة… وكأنها تؤكد بنا أن العالم المفترض غير موجود أصلا…

لهذا جاءت لوحتها أكثر عفوية قاصدة إيهامنا أنها من الواقع، لكن المُشار اليه غير الدلالة التي نحظى بها حين تدلُّنا على تأثير قابع في هنينهات اللوحة كما في طيّات القصيدة، هو ما دعاه سيدنا الحلاج »القول الذي لا يترك تأثيرا لا يدخل حيّز الكلام«، أما أسماء ذهبت الى دلالات ورؤى وانزياحات جعلتنا نؤكد ما أضفته على عبارة الحلاج: »وكلُّ كلام لا يفترق عن معناه لا يصبح شعرا«…

لن ندخل في سجال بياني حول شعر أسماء، فالنص يحمل جينات ذاتية غير متوارثة، وإنما بعيدة في جدّيتها الى مزاولة المعنى.. ليفيض، أو ليصيب أفقا أو جُرحا بعيد المدى.. »شفاهُ الريح« مجموعة شعرية ملونة بألمٍ وحبّ يستطيعهما العقل ويعشقهما القلب.. وكأننا ننتظر قيامة تولد لنؤسس ذاكرة جديدة…

فلنقرأ أسماء ومن ثمّ نسمعها بهدوء كي ننال القصد مما نقول…

هكذا يكون التجديد.. التحكم بوظيفة الكلام.. لا بالدفاع عنه. كي يبدأ الشعر…

العدد 87 –كانون أول 2018