علي عاصي… الخط الأنيق

لا يرحمك علي عاصي إذا خرجتَ عن الخط، أو إذا هربتَ عن الزيح… هو يعرف أم كل الأمكنة ينقصها روح لتستريح، لتصير هياما، ولتصبح مع الوقت محتوى أجمل للحس والذوق الرفيع…

هو مع البدايات النهائية، ومع نهاية الكلمات ببداية جُمل تليق بسمعة الحروف… ربما هو آخر الواقفين على السطر، من دون حيازة رشاش أو مدفع…

حين كانت أيام العزّ للصحافة الورقية، كنا نشتهي مانشيت الصحيفة لا لعنوانها المثير، بل لنبض حركتها وروحها وتألق الخطّاط الذي يمعن في امتشاق اللحظة فيعجن الخبر بروحه ليقدّم لنا جمالا ورونقا في الرؤية، مهما كان الحدث مريعا ومخيفا… كانت لذّة من نوعٍ آخر…

علي عاصي واحدٌ منهم… هو »الأبونا« حيث اعتدنا تسميته ؛ فهو أب الجميع حين يحضر مجلسا لأصدقائه، يروي النكات بطريقة جميلة كحَرْفِه، يوزّع علينا البسمات، يلعب على الكلمات كأنها جزء من صياغة الجريدة التي اعتاد أن يبيض عليها عشقه للحروف…

علي عاصي

علي عاصي يخاف البياض، ويحرص على جعل خطّه أجمل من بياض الصفحات، لأن جوهر الإبداع وديدنه هو الخوف من ظلمة النور، أكثر من امتداد الضوء على بقعة الكلام…

وحين أتت التكنولوجيا وثورة المعلومات لتستبدل حروف علي عاصي وخطوطه، بورق »الليتراسيت« أي حروف الماكينة الحديثة، بدأ علي عاصي يهرم »ويختير« قبل أوانه، وكأنه أصيب بنشاف اللغة، فانعكس ذلك على روحه التي لم تكلّ تستهزيء بالعصر الذي وصلنا إليه، فبقي علي مُصرّا على نبض حروفه بجمال الخط الذي يزيّن به سدرة الأوقات أينما حلَّ ضيفا، من أغلفة الكتب التي يرسمها لعشّاق الكتاب، إلى زياراته لزملائه في وزارتي الثقافة والتربية وقصر الأونيسكو، فبات قطعة نادرة في زمن الصعوبات التي نحمل والضغوطات التي نعيش…

علي عاصي هو من أواخر عناقيد الزمن الأنيق والجمال المبهر والذاكرة المستعادة…

 نحبُّكَ »أبونا« علي… وأطال الله بعمرك… وأعدك أن باب الشعر لن يوصد طالما لم تزل أناملك تقطر وحيا…

 

 

العدد 87 –كانون أول 2018