العقوبات الأميركية تكشف الوضع الإيراني وتكبل أيدي حزب الله

الحريري ونصر الله يمددان للأزمة الحكومية

بيروت ـ غسان الحبال

في زمن الاتحاد السوفياتي السابق، سادت نكتة حول الشيوعيين اللبنانيين، مفادها أنه كلما أمطرت في موسكو حمل شيوعيو لبنان الشماسي وفتحوها من دون ان تلوح غيوم شماطرة في لبنان.

المفتي دريان وباسيل: هل تملك دار الفتوى الحل

مناسبة هذه الطرفة هو حديث اللبنانيين وترقبهم منذ أشهر لمفاعيل تطبيق العقوبات الأميركية على أيران، هذا الترقب الذي يصح فيه وصف فيكتور هيغو ل  »أحدب نوتردام« الذي احدودب ترقبا لصفعة لا تأتي على رقبته،  والذي فرض فوضى سياسة عارمة أتاحت تعطيل تشكيل الحكومة اللبنانية لفترة تجاوزت حتى الأن سبعة أشهر، مع كل ما جره هذا التعطيل من أزمات على اكثر من صعيد اقتصادي واجتماعي ومعيشي.

وفيما كان أهل الحل والربط من كل الأطراف السياسية في لبنان يضعون العصي في عجلة تشكيل الحكومة ترقبا لما ستؤول إليه العقوبات الأميركية على إيران، وانعكاساتها على لبنان، كانت تتكشف داخل إيران مفاعيل هذه العقوبات.

مفاعيل العقوبات على ايران

وكانت الدفعة الثانية من العقوبات الأميركية على إيران قد دخلت حيز التنفيذ مع مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني، مستهدفة قطاعي النفط والمال، وذلك بعد 3 أشهر من دفعة أولى استهدفت قطاعات الصلب والألومنيوم والتكنولوجيا، وغيرها من المرافق الاقتصادية.

في هذا الوقت، كانت نتائج الحصار الأميركي الطويل على إيران تتكشف في الداخل، وكان عضو اللجنة الإقتصادية في البرلمان الإيراني شهاب نادري، قد أفاد في وقت سابق، بأن 80 في المئة من المواطنين الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر، وقال إن  »البطالة أصبحت أزمة أمنية حقيقية تهدد النظام الإيراني، بعدما طالت نسبة كبيرة من الشباب«، في وقت اعلن وزير الداخلية الإيراني عبدالرضا رحماني فضلي، عن بلوغ نسبة البطالة 60 في المئة في بعض المدن الإيرانية، فيما نقل تقرير لوكالة الأنباء الرسمية )إرنا( عن المجلس الأعلى للعمل، وهو بمثابة نقابة العمال، أن الحد الأدنى لأجور العمال شهريا وصل إلى ما يعادل 160 دولارا أميركيا، في الوقت الذي بلغت فيه تكاليف الحد الأدنى لمعيشة عائلة مكونة من أربعة أشخاص نحو 600 دولار أميركي.

وبحسب تصريحات مسؤولين إيرانيين، فإن 11 مليون شخص من عوائل العمال يعيشون تحت خط الفقر، بينما يحصل نحو 7 ملايين عامل على الحد الأدنى من الأجور.

أما نائب وزير العمل والرعاية الإجتماعية أبو القاسم فيروز آبادي، فقد أعلن أن هنالك 12 مليون شخص يعيشون فقرا مطلقا في إيران وبحاجة ماسة للمساعدة العاجلة، بينما لا توجد خطة عمل لمساعدتهم، فيما اعترف وزير التعاون والعمل والضمان الاجتماعي بوجود 40 مليون فقير في إيران، بحاجة إلى المساعدات المالية والصحية والسكنية.

وبحسب رئيس منظمة الرفاهية، أنوشيروان محسني، فإن ما يصل إلى 13 مليون إيراني يعيشون في بيوت الصفيح. أما وزير الطرق والمدن عباس آخوندي، فقد اعلن عن وجود نحو 19 مليون إيراني في مساكن سيئة، لا تتوفر فيها إمكانيات الراحة والأمان.

وذكرت وكالة الأنباء الخاصة  »فارارو«، ان الرئيس الإيراني حسن روحاني اجتمع بثلاثين خبيرا اقتصاديا على مدار ساعتين ونصف الساعة في 15 أكتوبر الماضي، واستمع منهم إلى ملاحظاتهم وانتقاداتهم  للسياسات الاقتصادية للحكومة، والتي تعتمد على  »حلول ذات دوافع

النواب السنة الستة: مستقلون عن من وتابعون لمن؟

سياسية« و»قصيرة الأجل«.

قلق.. وتحليلات في لبنان

وفيما كثرت التحليلات حول أبعاد العقوبات الأميركية المعلنة على إيران، كان لبنان الرسمي والشعبي، وقطاعه الخاص عموما، يعيش حالة من القلق والترقب تحسبا لتأثير هذه العقوبات، التي تطال بجانب منها  »حزب الله«، على الإقتصاد اللبناني، حيث أجمع عدد من المحللين السياسيين والاقتصاديين في أحاديث إعلامية، على تأثر الاقتصاد اللبناني، بنسبة أو بأخرى، بالعقوبات على إيران و»حزب الله«.

فمن جهته، استبعد رئيس قسم العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت هلال خشان، أن يكون  »لهذه العقوبات تأثير كبير على حزب الله أو الاقتصاد اللبناني«، قائلا أنّ الحزب لا يعتمد على المساعدات المالية من إيران كما كان في الماضي، ومعربا عن اعتقاده بأنّ الحزب لا يزال يحصل على تمويل من إيران،  »إلا أنّه نجح في السنوات الأخيرة في تحديد مصادره الخاصّة، وأنّ هناك العديد من الشركات في لبنان والخارج يمتلكها  »حزب الله« لكنّها تعمل تحت أسماء مستقلة«، وأشار الى أنّ  »المنتمين للحزب يستخدمون المال النقدي من دون حسابات مصرفية«.

وأكد خشان أخيرا  »أنّ إيران لن تتعرّض للشلل الإقتصادي بسبب العقوبات الجديدة.. العقوبات ستؤثر بشكل خطير على الاقتصاد لكنني لا أعتقد أن هذا سيشل ايران.. فالولايات المتحدة أعفت ثماني دول من العقوبات، علمًا أنّ بعضها من أبرز مستوردي النفط الإيراني«.

والتقى المحلّل السياسي وليد مبارك مع خشان بأنّ  »إيران تستطيع المناورة والتحايل على هذه العقوبات لأنّ لديها خبرة سابقة في كيفية التعامل معها« وقول إنّ  »حزب الله أيضا كان يتعامل مع مثل هذه العقوبات لفترة طويلة جداً، وهو يعتمد على المال النقدي لتجنّب التعامل مع النظام المصرفي اللبناني، إلا أنه يمكن أن يتأثر بطريقة غير مباشرة«، موضحا  »أن القاعدة الشعبية للحزب يمكن أن تتأثر لأن الولايات المتحدة تفرض عقوبات على الشركات والأفراد الذين يدعمون  »حزب الله« ممّا سيؤثر على الاقتصاد اللبناني، لأنّ أموال هؤلاء سوف تُجمّد في المصارف، فضلا عن تأثيرات أخرى ترتبط بالخدمات الإجتماعية التي يقدّمها الحزب، مثل العلاج في المستشفيات والتعويضات التي يدفعها لـعائلات شهدائه«.

أما مدير معهد المشرق للشؤون الإستراتيجية والإقتصادية سامي نادر، فقد اعتبر أن تأثر القاعدة التي تدعم  »حزب الله« بالعقوبات الجديدة هو أمر محسوم، وقال:  »العقوبات تنصّ على أنّه ليس بإمكان أي شخص أن يتعامل مع شركة تتعامل مع ايران، هذه هي الطريقة التي وسّعت بها واشنطن نطاق العقوبات«، بمعنى أنّ أيّ مورد لشركة تدعم  »حزب الله« ستطاله العقوبات هذه المرة.

ورأى نادر أنّ العقوبات الجديدة ستزيد من مستوى المخاطر الاقتصادية على لبنان الذي يتوجب عليه  »أن يرسل إشارات إيجابية للمجتمع الدولي بأنّ الإصلاحات ستنفذ وأن الاستثمارات والسياح سيعودون إلى لبنان«. وشدّد على أنّ هذه العقوبات تسير في الاتجاه المعاكس بتخفيض مستوى الثقة في الاقتصاد اللبناني،  »ولدينا أسعار فائدة مرتفعة للغاية بسبب الوضع المالي الذي نمرُّ به، وهو ما يعد نتيجة مباشرة للأزمة المالية والإنكماش الاقتصادي لدينا«.

 »العقدة السنية« والتعنت المتبادل

ويزيد من الخطر الاقتصادي الذي يتهدد لبنان نتيجة العقوبات الأميركية المتصاعدة ضد إيران و»حزب الله« الإشارات السياسية السلبية  الصادرة عن لبنان نتيجة ربط  »حزب الله« والقوى السياسية التي تدور في فلكه، موضوع تشكيل الحكومة بالضغوطات الاقتصادية الأميركية

»حزب الله«:  »الكاش« التفافا على العقوبات

على إيران، عبر تعطيل عملية التشكيل وإطالة عمر الأزمة، لا بل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بلبنان.

وفيما كانت الولايات المتحدة الأميركية تزيد من ضغطها المباشر على  »حزب الله« عبر الإعلان عن وضع اسم جواد نصر الله نجل الأمين العام للحزب حسن نصر الله على لائحة الإرهاب ك  »رئيس لميليشيات حزب الله«، برزت أكثر من إشارة تؤكد أن موضوع تشكيل الحكومة ما زال أسير الطريق المسدود،  وأن التمديد لأزمة التشكيل مستمر إلى ما بعد نهاية العام 2018 الحالي بداية العام 2019 المقبل، وتمثلت أبرز الإشارات بإصرار الأمين العام لـ »حزب الله« على التمسك بحقيبة وزارية للنواب السنة المستقلين حين قال في الكلمة التي ألقاها في مناسبة جماهيرية  »نحن نعتزّ بالنواب السنّة وبكل أخ وأخت من سنة 8 آذار لأنّ موقفهم صامد منذ 2005 ومنعوا اي حرب مذهبية.. ولأن المطروح هو حكومة وحدة وطنية والأخذ بنتائج الانتخابات ولأنّ النواب الـ6 يمثلون سنة 8 آذار سنبقى معهم سنة واثنتين والى قيام الساعة«.

إلا أن الرئيس المكلف سعد الحريري لم يتأخر في رد  »كرة التأزيم والتصعيد«  إلى حضن نصر الله محملا  »حزب الله« مباشرة مسؤولية عرقلة تشكيل الحكومة، ومعلنا أن  »عملية تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة واجهت عقبة كبرى نتيجة العراقيل التي تضعها  »جماعة حزب الله المدعومة من إيران أمام الجهود الرامية لتحقيق ذلك الهدف«، مؤكدا على استمرار جهوده لتشكيل الحكومة، وقائلا إن  »الحكومة حاجة وطنية وتأليفها سهل إذا رجعنا للأصول وفق الدستور، وهذه المهمة لدي ولدى الرئيس ميشال عون، أنا عملت كل ما بوسعي وعلى الجميع أن يتحمل مسؤولياته«.. وطالب الحريري  »الأحزاب بالانفتاح وعدم تقوقع كل حزب في منطقته لأن التنازل لمصلحة البلد مكسب وليس خسارة«.

وجاء التمديد لأزمة تشكيل الحكومة وتعطيل عجلة السلطة التنفيذية ليمدد بدوره للجمود الذي يطال شؤون البلاد والعباد، وليفاقم من حدة الأزمة التي تهدد الاقتصاد اللبناني وليزيد من شدة الأزمات الاجتماعية والمعيشية التي تضغط على المواطن الذي يعاني الأمرّين، في وقت تشير الدراسات الميدانية إلى عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر بلغ ما يفوق نصف اللبنانيين.

عون وبري لتدوير الزوايا

وبصرف النظر عن البحث الأميركي عن سبل جديدة لحصار  »حزب الله« ماديا وتكبيل يديه عن أي عمل أمني أو عسكري، يقول مصدر مقرب من رئيس مجلس النواب نبيه بري، أن نصرالله والحريري  »أعادا بموقفيهما الكرة الى ملعب الرئيس ميشال عون لحل  »العقدة السنية« من باب حرصه على مستقبل لبنان وإعادة اطلاق عهده بحكومة قوية ومتجانسة ومتآلفة، وإلا فإن الانتظار سيكون طويلا جدا، والمخاطر كبيرة بدءا من الانهيار الاقتصادي، مرورا بالتوترات الأمنية، ووصولا الى المؤتمر التأسيسي«.

عون وبري: المصلحة الوطنية وتطوير الزوايا

ويضيف المصدر قائلا:  »أن هذا الأمر لا يعني  أن الأبواب أصبحت مقفلة نهائيًا في وجه الحلول الممكنة للخروج من الأزمة الحكومية، والدليل أن جلسات مجلس النواب في تشريع الضرورة لم تفقد نصابها، وإن كان التشريع تخطّى ما هو ضروري. ولو حصل ذلك لكان الوضع قد وصل إلى مرحلة اللاعودة، على عكس ما يتم حاليًا من وراء الكواليس، وقد يكون لمهندس تدوير الزوايا، أي الرئيس نبيه بري، تدخل يعوّل عليه كثيرون من الأطراف السياسية المهتمة بأن يكون الإستقرار خطًّا أحمر«.

مصالحة جعجع فرنجية وأبعادها الرئاسية

تشكل المصالحة التي تمت مؤخرا في الصرح البطريركي في بكركي، بين رئيس حزب  »القوات اللبنانية« سمير جعجع، وقائد قوات  »المردة« سليمان طوني فرنجية برعاية البطريرك الماروني بشارة الراعي، خطوة مفصلية تاريخية في العلاقات المسيحية – المسيحية، من شأنها أن تحدث تحولا في التنافس الذي بدأ مبكرا على موقع رئاسة الجمهورية اللبنانية بين رئيس  »التيار الوطني الحر« الوزير جبران باسيل الذي يعد نفسه بخلافة عمه )والد زوجته( الرئيس الحالي ميشال عون، وبين سمير جعجع الذي يعتبر طموحه للرئاسة أحد الأسباب الرئيسة الذي دفعه لصياغة  »اتفاقية معراب« بين  »القوات« و»التيار« والتي تكفلت بوصول عون إلى سدة للرئاسة، وقطع الطريق على سليمان فرنجية المنافس الأقوى لعون يومها.

وعلى الرغم من ان الطرفين لم يلتزما بتفاهمات سياسية في وثيقة المصالحة التي صدرت عن اللقاء، واكتفيا بالتأكيد على التسامح ونسيان الماضي الدموي، واستمرار الحوار والتعاون في كل ما يعني مستقبل لبنان والمجتمع المسيحي، وتضييق مساحة الاختلاف السياسي بينهما، إلا أن قارئ الوثيقة يستطيع أن يقرأ بسهولة بين السطور والفقرات، ان معركة رئاسة الجمهورية المقبلة اعتبر من أبرز أسباب هذا التقارب الاستراتيجي، وأن التيار الوطني الحر ورئيسه باسيل هما المستهدفان،مرحليا من هذا التفاهم الذي تم برعاية بكركي.

لقاء فرنجية ـ جعجع: تفاهم مبدئي بعد 40 سنة من العداء المستحكم

 

 

 

 

 

العدد 87 –كانون أول 2018