عقوبات أميركية تاريخية ضد إيران وتخوف من انفجار يهدد المنطقة

واشنطن-طهران: سرّ الصدام

محمد قواص *

يجمع مراقبون للشؤون الإيرانية في واشنطن أن الإدارة الأميركية تنتهج خطابا متشددا حيال إيران، إلا أن الإجراءات والتدابير العقابية تسير وفق هندسة محسوبة لا تؤدي إلى أي فوضى غير متوقعة في آثار هذه العقوبات على مصير ومسار النظام في السياسي في طهران.

وأضاف هؤلاء أن الإدارة الأميركية حريصة على أن يكون لهذه العقوبات رشاقة ذكية بحيث تحقق هدفها في الضغط على أصحاب القرار في إيران من أجل الالتحاق بطاولة المفاوضات.

وبعث وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، برسالة باللغة الفارسية إلى الإيرانيين عبر موقع تويتر، بالتزامن مع بدء سريان ثاني حزم عقوبات واشنطن التي تستهدف شل قدرة نظام طهران إلى أقصى حد، وتغيير سلوكه العدائي بالمنطقة من حيث دعم المليشيات العسكرية

 هل طلب من ترامب تصويب علاقة مع طهران بدأها أوباما؟

والطائفية.

ونشرت صحيفة التايمز البريطانية مقالا كتبه، روجر بويز، يدعو فيه إلى دعم العقوبات الأمريكية على إيران. ويذكر روجر أن إيران أوصلت جوا إلى النظام السوري 21 ألف جندي و5 آلاف طن من العتاد العام الماضي.

ويجمع المراقبون على أن خطاب الرئيس دونالد ترامب قد تطور في مسألة التوتر مع إيران من مرحلة المواجهة الخشبية ضد إيران إلى مرحلة الضغط من أجل أن يغير النظام الإيراني من سلوكه ويلبي 12 شرطا أعلنها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في 12 مايو الماضي أي بعد أيام على إعلان ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الذي وقعته طهران مع مجموعة الـ 5+1 في فيينا عام 2015.

وقال  »بومبيو« في تغريدة، باللغة الفارسية على حسابه الرسمي، إن  »الولايات المتحدة تتضامن مع الشعب الإيراني وتعلن وقوفها إلى جواره، خاصة بعد أن تلقى الصدمة الأكبر على مدار 40 عاما بسبب سوء الإدارة وتفشي الفساد الاقتصادي«.

وتقول مصادر دبلوماسية أميركية إن الإدارة الأميركية الحالية تسعى إلى تصحيح الاتفاق الذي سعت إليه إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما مع إيران بحيث يمنع أي اتفاق دولي من أن يتيح لإيران المضي قدما في أنشطتها المزعزعة للاستقرار وتلك الداعمة للإرهاب في العالم.

وتضيف المصادر أن ترامب لا يريد اتفاقا مع إيران بل معاهدة دولية تلتزم إيران بموجبها بأن تحترم المواثيق الدولية وتتصرف بصفتها دولة عادية وليست استثناء في المشهد الدولي العام.

ويرى بويز في التايمز أن الولايات المتحدة تتصرف وفق مصلحتها. والعقوبات ليست في الواقع منعا كليا لصادرات النفط الإيراني. فالناقلات الإيرانية شرعت في نقل النفط سرا إلى آسيا.

ويقول  »لن يتسبب الأمر في زعزعة الأسواق العالمية ولن يترك أوروبا للبرد في الشتاء. كما أن ترامب يتفهم قلق أصحاب السيارات لغياب الوقود وتأثير ذلك على التنمية العالمية والتضخم«.

وتوقع خبراء في الشؤون الدولية أن تشهد العلاقات الأميركية الإيرانية مزيدا من التوتر وتبادل الخطابات المتشددة.

وقال هؤلاء إن تصاعد السجال بين واشنطن وطهران سيكون منطقيا في وقت تفرض فيه الولايات المتحدة عقوبات غير مسبوقة لم تفرضها أية إدارة سابقة على أي بلد في العالم قبل ذلك.

ورأى هؤلاء أن السلوك الأميركي سيثير ردود فعل من قبل المدافعين عن الاتفاق النووي والرافضين لهذه العقوبات في أوروبا والصين وروسيا، لما لهذا الخيار من تحوّل في الكيفية التي تدير بها واشنطن الأزمات الدولية بمعزل عن مصالح الدول الكبرى، سواء كانت من الحلفاء أو

كيف يرتب المرشد علي خامنئي الاستدارة المتوقعة صوب المفاوضات؟

الخصوم.

ويشير بويز إلى أن وظيفة العقوبات الآن هي أن تضع القيادة الإيرانية تحت الضغط لتقبل بالتنازلات. وعلى أوروبا دعم الجهود الأمريكية، بدل من التكهن بأن سياسات ترامب ستؤدي إلى الكارثة.

ونفى وزير الخارجية الأميركي في رسالته إلى الإيرانيين ادعاءات ترددها وسائل إعلام مقربة من نظام ولاية الفقيه، أنه  »خلافا لما يقوله النظام الإيراني فإن العقوبات لن تشمل مبيعات الغذاء والحاصلات الزراعية، والدواء، والأدوات الطبية«.

ويقول متخصصون في الشأن الإيراني أن طهران تملك خبرة طويلة في كيفية التفاوض مع المجموعة الدولية ومقاربة أزماتها معها منذ قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979.

ويضيف هؤلاء أن طهران ستطلق خلال الأسابيع المقبلة خطابا مكابرا يقلل من تأثير هذه العقوبات على القرار السياسي في طهران. إلا أنهم يؤكدون أن التجارب السابقة أثبتت أن إيران تقرأ جيدا الوقائع وحقيقة الأرقام وأنها، وكما استدارت باتجاه القبول بالتفاوض المضني لإبرام الاتفاق النووي، فإنها ستضطر إلى القبول بالذهاب إلى التفاوض حول كافة مسائل الخلاف، خصوصا أن بقية دول العالم، حتى تلك الدول المدافعة عن الاتفاق النووي، تبدو متسقة مع رياح العقوبات وغير قادرة على إنقاذ طهران من ورطتها الحالية.

وتتمحور المطالب الأميركية حول ثلاثة ملفات. الأول يتعلق بمستقبل البرنامج النووي وضرورة التأكد من مساره على المدى الطويل الذي لم تلحظه اتفاقية فيينا. الثاني يتعلق ببرنامج إيران للصواريخ الباليستية. والثالث يتعلق بضبط النفوذ الذي تمارسه إيران في الشرق الأوسط، لا سيما تدخلها في شؤون دول هذه المنطقة.

وما زالت إيران مصرة حتى الآن على عدم العودة للتفاوض حول الاتفاق النووي وتعتبر أنها غير ملزمة بمراجعة اتفاقية لم تلتزم بها الولايات المتحدة. ورغم دفاع الاتحاد الأوروبي عن الاتفاقية النووية، إلا أنها بدأت تدعو إلى العودة إلى التفاوض حول كافة الملفات، خصوصا وأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يردد أن  »الاتفاق النووي لم يعد كافيا«.

وتعبر المجموعة الدولية عن قلقها من الأنشطة الإيرانية المهددة للاستقرار في الشرق الأوسط وتدخل إيران المباشر في شؤون قطاع غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن كما تدخلها في الشؤون الداخلية لدول الخليج.

واعتبرت مراجع سياسية أوروبية أن لدى الجانب الأميركي من المعطيات ما يجعل الرئيس ترامب متأكدا من أن إيران ستجبر على التفاوض من جديد.

ويقول هؤلاء إن قرار الإدارة الأميركية منح استثناءات لـ 8 دول، وضمن شروط مالية معينة، للاستمرار في استيراد النفط من إيران، يهدف إلى منح إيران هامشا يتيح لقادتها تأمل الأمور والتفكير في مقاربة عقلانية تفرضها المصالح الحقيقية لإيران بغض النظر عن الخطاب الخشبي الذي يلجأ إليه قادة الجمهورية الإسلامية، سواء على مستوى المرشد علي خامنئي أو على مستوى رئيس الجمهورية حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف.

ويرى بويز في صحيفة التايمز أن منتقدي ترامب الذين يعتقدون أن العقوبات على إيران الهدف منها تفقير الشعب الإيراني مخطئون. فقد وضع الرئيس الأمريكي استثناءات لعدد من الدول منها الهند واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان واليونان وتركيا وإيطاليا وحتى الصين لتواصل

هل يمكن لطهران ضبط الشارع الإيراني الذي بدأ التحرك قبل شهور

استيراد النفط الإيراني دون أن تمسهم العقوبات فورا.

واقترحت الولايات المتحدة أن تدفع هذه الدول مقابل استيرادها النفط الإيراني لطرف ثالث يحتفظ بهذه الأموال. وهذا، حسب الكاتب، ليس أسلوب زعيم يريد أن إسقاط نظام الملالي بين ليلة وضحاها.

غير أن ما تسلكه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد لا يختلف كثيرا، إلا بالشكل، عن الاستراتيجية القديمة التي رسمت علاقات الولايات المتحدة بإيران تاريخيا، وخصوصا بعد  »غزة« نيويورك التي شنها تنظيم أسامة بن لادن عام 2001. فقد روّجت اعتداءات 11 سبتمبر الشهيرة لفكرة داخل الولايات المتحدة تعتبر أن إيران حليف طبيعي لواشنطن والمجموعة الغربية ضد  »الإرهاب السنّي« الذي يمثله تنظيم القاعدة وأخواته.

لم يكن الأمر مجرد ترف أبجدي، بل أن الحربين اللتين خاضهما الأميركيون وحلفاؤهما ضد أفغانستان والعراق جرتا بتواطؤ كامل مع طهران. وعلى قاعدة هذه الأسس الاستراتيجية العقائدية انسحب هذا الخيار داخل الإدارات الأميركية المتعاقبة، وصولا إلى ولادة الاتفاق النووي مع إيران في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.

قبل ذلك لم تصادم الولايات المتحدة نظام الجمهورية الإسلامية في إيران. سهّلت واشنطن، بالتواطؤ مع باريس ولندن، انتقال الخميني لقيادة الثورة التي اندلعت ضد شاه إيران. كانت شروط الحرب الباردة تتطلب رعاية نظام إسلامي يقف بالمرصاد ضد الشيوعية )الملحدة( في الاتحاد السوفياتي، وما عدا ذلك، تفصيلات لا تدخل في الحسابات الأميركية. وحين كشفت عقائد الخميني عن عداء لـ  »الشيطان الأكبر«، فاحتجزت دبلوماسييه في طهران وخطفت رعاياه في بيروت وفجرت ثكنة المارينز التابعة له هناك، لم يؤد ذلك إلى صدام مباشر تشنّه الولايات المتحدة الجريحة ضد إيران.

شكّلت فضيحة الـ  »إيران غيت« نموذجاً لطبيعة العلاقة الحقيقية التي تقارب بها واشنطن رؤيتها الاستراتيجية لإيران. كانت إيران أيام الشاه حليفا موثوقاً للولايات المتحدة وشرطيّها في منطقة الخليج. لم تبارح إيران هذا الموقع في الخرائط الأميركية، ولطالما اعتبرت الانتلجنسيا الحاكمة في واشنطن أن إيران، في جموحها الثوري المقلق، لا تهدد مصالح الولايات المتحدة في العالم، وأن سياسة  »الاحتواء« التي مورست معها، كفيلة بأن تُبقي الحراك الإيراني محاصراً محدود الطاقات، فيبقى ضجيجاً يصمّ آذان الجيران دون أن يربك خطط الكبرى في واشنطن.

بدا أن أوباما تخرّج من هذه المدرسة. تواصلت إدارته مع النظام الإيراني، بحيث أتاحت خطوط مسقط استيلاد اتفاق وافق عليه المجتمع الدولي. بدا أيضاً أن روسيا والصين مستسلمان لتقاطع يجري بين طهران وواشنطن، وكأنه مسلّمة في العلاقات الدولية، سواء كان الحاكم في طهران شاهً أم ولياً للفقيه. من تلك المسلّمة خرج أوباما ليقول للخليجيين أن أصلحوا أنظمتكم واذهبوا لتقاسم النفوذ مع إيران في المنطقة. لم يطلب من إيران أن تصلح نظامها ولا حتى أن تغير سلوكها. فهل تغير كل ذلك وانقلبت واشنطن على عقائدها في عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب؟

قد نتساءل جميعاً عن السبب الذي يقف وراء هذه العدائية اللافتة في خطاب ترامب ضد إيران. لا يعبّر الرجل عن رؤية فكرية ذاتية في هذا المضمار. فترامب، ومنذ أن كان مرشحاً للمنصب الذي فاز به، أطل على العلاقات الدولية على نحو مرتجل لا يتأسس على تراكم معرفي سابق، وبالتالي لا يمكن أن يكون مفجّراً لتحوّلات تاريخية في كيفية مقاربة بلاده لخرائط العالم. لم يفعل ذلك خريج هارفرد، باراك أوباما، فكيف لتاجر العقارات أن يُقدِم على ذلك. بدا أن المرشح-الرئيس الجديد يمثل وجهة داخل الدولة الأميركية العميقة بالتعامل بشكل آخر، أكثر ذكاء

أوروبا والصين وروسيا مستفيدون من عقوبات واشنطن ضد طهران

وخبثاً، مع إيران، ومع هذا النظام بالذات في طهران، على النحو الذي يعيده إلى المجال الاستراتيجي الأميركي وليس خارجه.

ليس صحيحاً أن ترامب هو من قوّض الاتفاق النووي، بدأ ذلك، للمفارقة، في عهد أوباما. تولت طهران عن طريق استدارة كبرى، أشرف عليها المرشد علي خامنئي، الشروع بمفاوضات لإبرام الاتفاق النووي. من أجل ذلك كان يجب أن يفوز حسن روحاني برئاسة الجمهورية، وهو صاحب الخبرة في التفاوض الدولي حول هذا الملف. ومن أجل ذلك كان يجب أن يتم الاتفاق أولا مع واشنطن، ومن خلال واشنطن، ذلك أن الهدف السامي هو إطلاق شراكة أميركية إيرانية في المنطقة. بدا أن أمر ذلك قد حصل في اتفاق فيينا عام 2015، وأن أوباما قد أبلغ في مقابلته الشهيرة مع صحيفة  »أتلانتيك«، في مارس 2016، العالم والمنطقة طبيعة موقع إيران وطبيعة شراكة بلاده مع نظام المرشد في إيران، فـ  »اذهبوا وأصلحوا أنفسكم وتشاركوا النفوذ في المنطقة مع إيران«.

لكن أوباما كان كاذباً، أو أن الدولة العميقة في بلاده أتاحت له مع إيران ما كان متاحاً ومنعت عنه ما هو مستحيل. منّت طهران النفس بإفراج فوري عن أصول إيران المحتجزة، وعوّلت على تدفق الاستثمارات الأجنبية والإفراج عن آلية وصلِ أوردتها الاقتصادية مع الشبكات المالية والمصرفية الدولية. حصلت إيران على بعض هذه الأصول. تم رفع بعض العقوبات. ثم بدأت تشتكي من تباطؤ تنفيذ بنود الاتفاق. وتلاحقت اجتماعات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بنظيره الأميركي آنذاك جون كيرى في محاولة لحثّ واشنطن على رفع الفيتو عن الوصل المالي لإيران مع العالم.

لم تنتظر إيران طويلاً. كشفت واشنطن بوضوح حدود هذا الاتفاق ومهامه. خرج المتحدث باسم البيت الأبيض جون إرنست في أبريل 2016 مصرحاً بأن الولايات المتحدة تفي بالتزامها فيما يخص الاتفاق النووي، ومشيرا إلى أن السماح لإيران بدخول النظام المالي الأميركي لم يكن جزءا من الاتفاق. في هذا الوقت كان هناك مرشح للرئاسة في الولايات المتحدة يعتبر الاتفاق هو الأسوأ في تاريخ بلاده واعداً بتمزيقه في حال فوزه. وهذا ما حصل، فاز الرجل ومزق الاتفاق.

لا تريد واشنطن إسقاط النظام في إيران. تحرص الإدارة الأميركية على تأكيد ذلك، تارة على لسان وزير الخارجية وتارة على لسان وزير الدفاع وتارة على لسان مستشار الأمن القومي. تتحدث واشنطن عن تغيير سلوك هذا النظام واستجابته للشروط الـ 12 الشهيرة التي أطلقها مايك بومبيو في 21 مايو الماضي لتفسير سرّ انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق النووي في 8 من نفس الشهر. والواضح أن واشنطن لا تعمل على أي برنامج لإسقاط النظام الإيراني، وهي ستكون حريصة على أن تتمتع عقوباتها التاريخية ضد إيران بخواص ذكية تمارس من الضغوط على طهران ما يقودها إلى طاولة المفاوضات وليس إلى سقوط وفوضى لا تحمد عقباها.

على هذا تمنح واشنطن استثناء لـ 8 دول لمواصلة شراء النفط من إيران. أمر ذلك مؤقت محصور بـ 180 يوما هي مدة كافية لاستدارة إيرانية جديدة صوب المعاهدة التي يريدها الرئيس الأميركي. لم يكن ترامب المرشح حين مقت الاتفاق النووي يتحدث عن معاهدة جديدة ولم يكن يعلم بشروط 12 من أجل التوصل إلى ذلك. فالدولة العميقة التي وضعت لاتفاقية أوباما حدوداً، هي نفسها من تخترع لها ملاحق مكمّلة تستبطن أبعادا سياسية استراتيجية تعيد رسم المنطقة، وتخترع لإيران وظائف جديدة داخل تلك الخرائط. فإذا ما تم ذلك، ولا يبدو أن أي دولة في العالم سواء في أوروبا أو الصين أو روسيا، ستحول دون ذلك، فإن إيران ستعود صديقة لواشنطن وربما حليفة للولايات المتحدة، على نحو قد لا يبدو فيها أن عقيدة ترامب تبتعد كثيراً عن عقيدة أوباما.

هنا فقط يجوز السؤال: إذا ما حصلت واشنطن على ما تريد من إيران من خلال عقوبات ترامب التاريخية، ألن يعني ذلك أن شراكة أميركية إيرانية قادمة في المنطقة؟

وهنا فقط على العرب أن يجيبوا على هذا الاحتمال وأن يتساءلوا عن طبيعة موقفهم في حال أسس الاتفاق الأميركي الإيراني بنسخته الجديدة المنقحة لشراكة بين واشنطن وطهران، كما عن طبيعة إيران المقبلة ودورها ووظيفتها في الشرق الأوسط في حال رفع هذا الاتفاق الحظر المفروض على إيران وباتت شركات العالم تتوافد على السوق الإيراني أفواجا.

تتمحور المطالب الأميركية حول ثلاثة ملفات. الأول يتعلق بمستقبل البرنامج النووي وضرورة التأكد من مساره على المدى الطويل الذي لم تلحظه اتفاقية فيينا. الثاني يتعلق ببرنامج إيران للصواريخ الباليستية. والثالث يتعلق بضبط النفوذ الذي تمارسه إيران في الشرق الأوسط، لا سيما تدخلها في شؤون دول هذه المنطقة.

قرار واشنطن منح استثناءات لـ 8 دول، وضمن شروط مالية معينة، للاستمرار في استيراد النفط من إيران، يهدف إلى منح إيران هامشا يتيح لقادتها تأمل الأمور والتفكير في مقاربة عقلانية تفرضها المصالح الحقيقية لإيران بغض النظر عن الخطاب الخشبي الذي يلجأ إليه قادة الجمهورية الإسلامية، سواء على مستوى المرشد علي خامنئي أو على مستوى رئيس الجمهورية حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف.

الدولة العميقة التي وضعت لاتفاقية أوباما حدوداً، هي نفسها من تخترع لها ملاحق مكمّلة تستبطن أبعادا سياسية استراتيجية تعيد رسم المنطقة، وتخترع لإيران وظائف جديدة داخل تلك الخرائط. فإذا ما تم ذلك، ولا يبدو أن أي دولة في العالم سواء في أوروبا أو الصين أو روسيا،

ما هو مكان العرب في الخلاف والوفاق بين إيران والغرب

ستحول دون ذلك، فإن إيران ستعود صديقة لواشنطن وربما حليفة للولايات المتحدة، على نحو قد لا يبدو فيها أن عقيدة ترامب تبتعد كثيراً عن عقيدة أوباما.

ليس صحيحاً أن ترامب هو من قوّض الاتفاق النووي، بدأ ذلك، للمفارقة، في عهد أوباما. تولت طهران عن طريق استدارة كبرى، أشرف عليها المرشد علي خامنئي، الشروع بمفاوضات لإبرام الاتفاق النووي. من أجل ذلك كان يجب أن يفوز حسن روحاني برئاسة الجمهورية، وهو صاحب الخبرة في التفاوض الدولي حول هذا الملف. ومن أجل ذلك كان يجب أن يتم الاتفاق أولا مع واشنطن، ومن خلال واشنطن، ذلك أن الهدف السامي هو إطلاق شراكة أميركية إيرانية في المنطقة.

قصة العقوبات الأخيرة

بدأت الولايات المتحدة، في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بتطبيق عقوبات على إيران الغنية بالنفط في ظل أوضاع اقتصادية صعبة تمر بها البلاد.

وكانت الولايات المتحدة قد رفعت العقوبات عن إيران بعد التوصل إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني عام 2015.

تشمل العقوبات الأمريكية مختلف القطاعات الاقتصادية والمالية والصناعية وعلى رأسها قطاع النفط الذي يعتبر مصدر الدخل الأساسي للعملات الصعبة التي تحتاجها إيران:

مشتريات الحكومة الإيرانية من النقد الأمريكي )الدولار(

تجارة إيران في الذهب والمعادن الثمينة الأخرى

معادن الغرافيت والألمنيوم والحديد والفحم فضلا عن برامج كمبيوتر تستخدم في الصناعة

التحويلات المالية بالريال الإيراني

نشاطات تتعلق بأي إجراءات مالية لجمع تمويلات تتعلق بالدين السيادي الإيراني.

قطاع السيارات في إيران

مشغلي الموانئ الإيرانية والطاقة وقطاعات النقل البحري وبناء السفن.

التحويلات المالية المتعلقة بالنفط الإيراني.

التحويلات والتعاملات المالية لمؤسسات أجنبية مع البنك المركزي الإيراني.

وقال ترامب:« نحض الدول أن تقلل أو تنهي استيرادها للنفط الإيراني، لعل النظام الإيراني يغير من سلوكه الخطير والمثير لعدم الاستقرار ويعاود الاندماج بالاقتصاد العالمي«.

وأضاف:  »العقوبات على إيران هي الأشد على الإطلاق، لن يكونوا بخير، يمكنني أن أخبركم بذلك«.

ويرى ترامب أن الضغط الاقتصادي سيُجبر إيران على الموافقة على عقد صفقة جديدة وعلى وقف نشاطاتها  »الخبيثة«.

ووصف الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الإجراءات الأمريكية بأنها  »حرب نفسية«.

ورفض روحاني في وقت سابق في تصريح للتلفزيون الرسمي الإيراني، فكرة مفاوضات اللحظة الأخيرة قائلا:  »كنا دائما نفضل الدبلوماسية والمحادثات، بيد أن المحادثات تتطلب الأمانة«.

وحذر ترامب الأفراد أو الكيانات التي تنتهك هذه العقوبات من مواجهة  »عواقب وخيمة«.

وعبرت بريطانيا وفرنسا وألمانيا، الشركاء في اتفاق عام 2015 إلى جانب روسيا والصين، عن  »الأسف العميق« للخطوة الأمريكية.

وتعهدت هذه الدول بمواصلة الوفاء بالتزاماتها المقررة في الاتفاق.

وقالت إيران إنها ستواصل التزامها بالاتفاق إذا استمرت تجني ثماره.

وتم ادراج أسماء أكثر من 700 فرد وكيان وسفن وطائرات على قائمة العقوبات، بما في ذلك البنوك الكبرى، ومصدري النفط وشركات الشحن.

وبحسب قول وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، فإن أكثر من 100 شركة عالمية كبر انسحبت من إيران، بسبب العقوبات الأمريكية.

وأضاف:« إن صادرات إيران النفطية انخفضت، بنحو مليون برميل يوميا، ما يخنق المصدر الرئيسي للدخل في البلاد، وإن جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك  »سويفت«، ومقرها في بروكسل، يتوقع أن تقطع اتصالاتها بالكيانات الإيرانية المستهدفة بالعقوبات، مما سيعزل إيران عن النظام المالي العالمي«.

هل يؤثر فوز الديمقراطيين على العقوبات الأمريكية على إيران؟

استبعد مركز أبحاث بريطاني، أن يكون لخسارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام الحزب الديمقراطي في انتخابات مجلس النواب الأمريكي، أي تأثير على العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن على إيران الشهر الماضي.

هل تتطور عقوبات واشنطن إلى صدام عسكري كبير؟

في المقابل توقع معهد  »تشاتهام« الملكي، أن تتسارع جهود حلفاء الولايات المتحدة في الاتحاد الأوروبي لإيجاد نظام جديد للتعامل التجاري مع إيران بعيدًا عن الدولار الأمريكي، بهدف الحفاظ على الاتفاق النووي الموقع بين طهران وست دول كبرى عام 2015.

ورأى في تقرير أن على العالم أن يواصل تعامله مع نهج  »أمريكا أولًا« الذي أعلنه ترامب بعد توليه منصبه أوائل العام الماضي، رغم سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب الأمريكي.

وقال التقرير:  »إن التغيير الذي حصل في أكثرية مقاعد مجلس النواب الأمريكي، لن يؤثر كثيرًا في سياسة الإدارة الحالية تجاه القضايا الرئيسة، خاصة أن تلك القضايا تي تعتبر موضع خلاف بين واشنطن وحلفائها الغربيين، بما فيها تغير المناخ والسلام في الشرق الأوسط وإيران وروسيا والسياسات التجارية«.

ولفت التقرير إلى أن ترامب مصمم بشدة على تطبيق عقوبات شديدة على إيران تتجاوز حدود الولايات المتحدة، ما يعني أنها ستفرض حتى على الشركات والمؤسسات في الدول الحليفة، والتي يمكن أن تتعامل مع إيران.

وختم:  »من المتوقع أن تكون هناك محاولات جديدة لإيجاد آلية بديلة للدولار في إبرام صفقات أعمال مع إيران، بهدف الحفاظ على الاتفاق النووي الموقع عام 2015«.

* صحافي وكاتب سياسي لبناني

العدد 87 –كانون أول 2018