29 أكتوبر

معن بشوّر

يبقى التاسع والعشرون من أكتوبر 1956، يوم بدء العدوان البريطاني الفرنسي الاسرائيلي على مصر بقيادة الزعيم الخالد الذكر جمال عبد الناصر نقطة تحول تاريخي في حياة مصر والأمة..وحتى العالم إذ شهدت البشرية سقوط الاستعمار القديم بجناحيه البريطاني والفرنسي بعد فشل عدوانهما مع الكيان الصهيوني على مصر وتقدم الولايات المتحدة لملء الفراغ عبر ما يسمى »بمشروع ايزنهاور«…

في ذلك العدوان انقسم النظام العربي الرسمي إلى قسمين في قمة بيروت الشهيرة قسم يريد قطع العلاقات مع دول العدوان وعلى رأسها سورية، ورئيسها الراحل شكري القوتلي وأحزابها الوطنية وفي مقدمها حزب البعث والحزب الشيوعي السوري وبعض الكتل النيابية الوطنية الاتجاه…

وحتى لبنان لم ينج من الانقسام أيضا فرفض رئيس الجمهورية يومها كميل شمعون قطع العلاقات مع دول العدوان فيما أصر رئيس الوزراء آنذاك عبد الله اليافي ومعه وزير الدولة صائب سلام على قطع العلاقات واستقالا احتجاجا لتبدأ معارضة واسعة للعهد قادت مواجهة سياسية وانتخابية حادة )1957(أودت إلى مواجهات مسلحة عام 1958…

لم يكن ما جرى في لبنان هو رد الفعل الوحيد على ذلك العدوان الذي رأى في فشله كثيرون بداية انطلاق المد القومي العربي، لتعم المظاهرات المؤيدة لمصر وعبد الناصر الامة كلها من المحيط الى الخليج..

فكانت لكل قطر عربي ذكرياته الرائعة المتفاعلة مع مواجهة القاهرة وبورسعيد وغيرهما من المدن المصرية لهذا العدوان…سأكتفي الان بأحداث ثلاثة متمنيا لو يكتب آخرون عن تفاعل أفكارهم مع مواجهة ذلك العدوان.

أولها في سورية حيث اقدم ضباط أحرار على تفجير أنابيب النفط الممتدة من كركوك إلى بانياس لتواجه أوروبا أزمة نفط خانقة فيما اقدم بحار سوري من المشتاية في وادي النصارى على تفجير نفسه وزورق طوربيد يقوده في بارجة حربية فرنسية قبالة بورسعيد ليؤكد ان الأمة كلهابكل، مكوناتها واقطارها، موحدة حول مصر..

ثاني الاحداث هو ما جرى في العراق من تظاهرات منددة بموقف حكومة نورى السعيد الذي كان يقود السياسات المناقضة لسياسات عبد الناصر والذي كان متهما بتحريض أنطوني ايدن رئيس وزراء بريطانيا لإسقاط جمال عبد الناصر…

في تلك التظاهرات كان يرتقي شهداء ويسقط جرحى فتتحول أربعينية الشهداء الى مواجهة يسقط فيها شهداء…وهكذا دواليك حتى قامت ثورة 14 تموز 1958 لتطييح بالنظام الملكي وبحلف بغداد…

أما ثالثة تلك الأحداث فكانت في بلدان المغرب العربي كلها التي كانت جماهيرها تدرك أن أحد أسباب العدوان على مصر هو رغبة فرنسية بالانتقام من القاهرة وجمال عبد الناصر لمساندته الملموسة لحركات التحرير والاستقلال في بلدان المغرب…

في هذا الإطار فهم الجزائريون ومعهم كل العرب توقيت اختطاف طائرة تقل زعماءهم الخمسة فيما كانت متجهة من المغرب إلى تونس وعلى متنها الزعيم احمد بن بلة المعروف بصلته الوثيقة بجمال عبد الناصر..

أما في المغرب فلم يستبعد القائد المغربي الكبير الراحل الفقيه البصري أن اختيار يوم 29 أكتوبر 1956 لاختطاف رفيقه المناضل المغربي والعربي والأممي الكبير الشهيد المهدي بن بركة في باريس وتصفيته بالتعاون مع الموساد واجهزة أمن فرنسية كان مرتبطا بالثأر من حركة التحرر العربية التي ألحقت هزيمة كبرى بالاستعمار القديم الفرنسي والبريطاني في 29 أكتوبر 1956

أما في تونس فلم يكن مصير الزعيم الاستقلالي التونسي العروبي الكبير الشهيد صالح بن يوسف مختلفا لناحية تصفيته الجسدية وهو الذي كان يمثل الجناح العروبي الوثيق الصلة بمصر الناصرية في الحركة الاستقلالية التونسية…

هناك الكثير مما يمكن قوله عن التداعيات الكبيرة لذلك العدوان واثاره على كل أقطار الأمة والتي يمكن تلخيصها بكلمة واحدة هي »معركة المصير الواحد« والتي تتجدد اليوم في غير قطر عربي..أما بشكل احتلال أو عدوان أو حرب كونية…