رسالة إلى المسلمين – لاخلافة لا رجال دين لا دولة دينية في القرآن 3 من 7

رؤوف قبيسي:

لقد وُضعت كتب السيرة المنسوبة إلى رواة فرس وعرب، بعد مئات السنين على وقوع الأحداث، ولا أحد يمكنه أن يثبت إذا وقعت فعلا! كُتب لعبت فيها الأغراض التجارية والسياسية والقبلية والمذهبية كل مذهب، ولا نملك صفحة أصلية واحدة منها، علماَ بأن ابن هشام، كما في الكتب، وضع السيرة الأولى، بعد مضي 132 سنة على وفاة الرسول، وهوما يعادل اليوم ألف عام! حتى لو أخذنا بما كتب ابن هشام وغيره من الرواة، سندرك من غير عسر، أن الفترة الراشدية التي تقول المراجع إنها استمرت ثلاثين عاماً، لم تكن عصراً ذهبياً على الإطلاق. فيها لاقى ثلاثة من الخلفاء الراشدين، عمر وعثمان وعلي، مصرعهم، وفيها حدثت حروب الردّة، وفيها انقسم المسلمون شيعاً وأحزاباً.

من حسن الطالع أن  »النبي« لم يترك وصية مكتوبة يوصي فيها لخليفة من بعده، أو يذكر فيها ما يدل على شيء له علاقة بخلافة أو بدولة. أما اجتماع المسلمين في السقيفة، الذي تفيدنا الكتب أن فيه تمت البيعة لأبي بكر الصديق خليفة على المسلمين،  فأمر لا يتماشى مع القرآن، الذي لا ذكر فيه لخلافة أو لدولة. حتى إذا اعتمدنا السيرة، وأقررنا بصحة ما جاء فيها من قصص وروايات، وأردنا أن نطبق عليها قيم ومعايير أيامنا، لن نتردد في القول، إن ذلك الاجتماع لم يكن ديموقراطياً، ولا قانونياً، ولا شرعياً، لأنه لم يؤخذ فيه برأي جموع المسلمين، أي أن بيعة أبي بكر، لم تكن شورى كاملة، أو نتيجة استفتاء عام، لذلك قال عمر بن الخطاب  »إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله المسلمين شرها«! مهما يكن، للشيعة كتبهم الخاصة بالسيرة، وهم لا يقرون بنتائج اجتماع السقيفة، والخلافة عندهم هي لعلي بن أبي طالب، ابن عم النبي وصهره وأبو سبطيه، الحسن والحسين، ثم لأولاده الأئمة من بعده. حجتهم في ذلك أن  »الرسول« في حجة الوداع، في السنة العاشرة بعد الهجرة، وفي أثناء عودة المسلمين من المدينة المنورة، توقف في مكان يدعى  »غدير خم«، وهناك رفع يد علي وخاطب جموع المسلمين وقال  »من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه«، وقد فسّر الشيعة تلك الخطبة، بأنها إقرار واضح من  »النبي« بخلافة علي، أما السنة فيقولون إنها إقرار من الرسول بفضائل علي، لا بخلافته.

هذا ما دوّنه الرواة في كتب وُضعت بعد مئات السنين من وفاة  »الرسول«، والناس تتداول ما قيل وما جرى، كأنها أحداث وقعت البارحة! أين الحقيقة إذن؟ لا أحد يعرف! ليس هناك نص مكتوب موّثق يعود إلى تلك الفترة. ما الصواب إذاَ، أن نركن إلى حوادث وأحاديث مختلفة وغير موثقة على الإطلاق، أم نقول إن ليس في الإسلام دولة ولا خلافة؟  القرآن لا يشير إلى دولة ولا إلى خلافة، ولا إلى حكم جمهوري أو أميري، أو ملكي، أو مستبد، ولا يرسم آليات للحكم بالمعنى السياسي للكلمة، بل ترك الأمر شورى بين المسلمين، ومن حسن الطالع أنه تركه شورى، ليتسنى للناس اختيار النظام الذي يرتأون!

أي عاقل يتدّبر القرآن والسيرة، سيراوده الشك في أمر البيعة، وفي مسألة الخلافة، ومن الخير ومصلحة الإسلام والمسلمين أن يشكّوا في أمرها، ولا يعتبروها ركناً من عمارة الإيمان، وحكم الخلفاء الأربعة إن حدث كما قيل في الكتب، كان حكماً استثنائياَ فرضته ظروف ذلك الزمن، ولا يصح أن يتردد، لأنه بعيد عن الإسلام الصحيح، ولا يصح بمعايير عصرنا الحاضر، الذي يتطلب الاستفتاء العام، ثم أن مشكلة الخلافة أوجدت سنة وشيعة، وأحدثت انقساماً  »سياسيا« لا تزال الفرق  »الإسلامية« تعانيه حتى اليوم، وهذا ما يفرض عدم الأخذ بها. أما السبب الآخر الذي يجعلنا نرفض الخلافة، ونعتبرها خروجاً على أحكام القرآن، فهو حاجتنا الماسة إلى بناء الدولة المدنية التي لا خلاص للبنان، والعالم العربي إلا بها، وهي للمؤمنين، أقرب إلى  »الله« والقرآن، من أي خلافة، أو دولة دينية أو دولة مذهبية.

من الخير أن نشك في الحوادث والأحاديث المدونة في السيرة، والمسيئة للرسول والإسلام، ومنها المتصل بزواجه وحياته الشخصية. من منا يستطيع أن يثبت أن الرسول خطب عائشة وهي بنت ست سنين، ودخل عليها، أو بان بها وهي بنت تسع سنين؟! هل تدخل هذه القصة في العقل؟ من منا يستطيع أيضاً أن يثبت أن معركة الجمل بين علي وعائشة وقعت فعلاً! إذا قال قائل  »على رسلك يا رجل، أنت تلغي التاريخ«! سأجيب: نعم، يطيب لي أن أشك في قصص تغض من الرسول ومن علي ومن عائشة، وتناقلتها الكتب بألوان مختلفة، ولا أحد يعرف الصحيح منها وغير الصحيح ولا شيء حولها موّثق! أريد أن أدفع عن التراث، ليبرأ من شوائب الوضع المكذوب الذي يثير الفتن والضغائن والأحقاد. أريد أن أدفع عن رسول الإسلام، وأقول إنه لم يتزوج عائشة الطفلة، ولم يوص لأحد، وأن واقعة الجمل لم تحدث، وأن الهدف من ذكرها بث الفرقة بين المسلمين، لينقسموا سنة وشيعة، ولتقوم الحروب بينهم إلى أجل غير مسمى! حروب تدّك ديارهم وديار آبائهم وأجدادهم هذه الأيام، فيما الصهاينة يريقون مزيداً من دماء الفسطينيين، ويغتصبون مزيداً من أرض فلسطين التاريخية، متسلحين بخرافة اسمها أرض الوعد، وأحد عتاتهم )برنارد لويس( يجرّد العرب من أي روح وطنية وقومية، ويزعم أنهم )أي العرب(، لم يعرفوا في تاريخهم ولاءً إلا للدين أو القبيلة!

لا أريد أن أرى  »شيعياً« يجلّ علياً، ويحّط من قدر عمر وعثمان وأبا بكر، ويتكلم عن الخلافة كأنه حضر اجتماع السقيفة، وكان شاهداً على الأحداث! لا أريد أن أرى  »سنيا« أورثته بيئته عصبية مماثلة،  يكفّر الشيعة ويقول فيهم الأقاويل. أريد أن أسمع أن  »شيعيا« سمى ابنته عائشة، وآخر سمى ابنه عمر أو عثمان، علماً بأن هذه الأسماء ليست إسلامية، بل عربية كانت قبل الإسلام! في كتب السيرة والحديث بحر، بل بحور من الأحاديث والقصص، يسهل على كل من يريد تشويه هذا الدين، وخدش صورة رسوله أن يلجأ إليها، وحتى إلى أهم كتابين منها، عنيت بهما،  »صحيح مسلم« و »صحيح البخاري«.

إذا أردتني أيها القارى الكريم، أن آخذ بالسيرة )من غير غربلة(، سأقول لك إن ما جاء في قصة الغرانيق صحيح، وإن الشيطان دخل على الخط ساعة كان الرسول يقرأ سورة النجم ويتلقى الوحي من السماء، وسوف أقول لك أيضاً إن  »النبي« قال  »رزقي على رمحي«، كما جاء في  »صحيح البخاري«، وأنه بان بعائشة وهي بنت تسع سنين، كما جاء في  »صحيح مسلم«، وإنه صعد مرة إلى الجبل وكاد أن ينتحر، وأنه تحدث بالعربية مع حماره يعفور، وكانت لديه قدرة جنسية تعادل قدرة أربعة الآف رجل! أهذا ما تريد أن تسمعه عن الإسلام، ورسول الإسلام أيها القارىء الكريم، وهو مدوّن في بطون الكتب؟ أتريدنا أن نورث أبناءنا  قصصاً غريبة تشيب لها الرؤوس، منها أن صحابة الرسول كانوا يتبركون ببوله، وأن  »النبي« في إحدى الليالي بال في فخارة ونام، ثم جاءت إمرأة اسمها أم أيمن، أرادت أن تتبرك ببوله، وكانت عطشانة، فشربت ما في الفخارة، فلما أفاق  »النبي« من نومه، قال لها  »يا أم أيمن، قومي أهرقي تلك الفخارة«، فقالت له والله قد شربت ما فيها، فضحك الرسول حتى بانت نواجذه )أي أضراس العقل( وقال لها  »لن تلج النار بطنك«!

 كثيرون من عرب وغير عرب، قرأوا هذه القصص وأشباه هذه القصص، منهم من اشمأز، ومنهم من اتخذها لا يزال حجة للتعريض بالإسلام. أما أنا فلا أشمئّز لأن مؤرخاً أخطأ، أو فقيها كانت له  »غاية في نفس يعقوب قضاها«، لأني لا أعتد بكثير مما جاء في كتب السيرة، ولا أتناول القرآن كما يتناوله المتزمتون، أو كما يرعى الجمل الأعور الأشواك، بل أنظر فيه نظرة المؤمن )غير المتدين( الذي يتصالح به مع نفسه ومع الناس، بما فيهم اليهود والملحدون. أقرأه كما كان يقرأه عبد الله العلايلي، واتخذ منه آية كان ذلك الشيخ الراحل الجليل اتخذها مرشداً له في العمل والحياة:  »قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة«.

العدد 87 –كانون أول 2018