الفنان التشكيلي النحات والكاتب الفراتي جمعة الناشف

هربت إلى الكتابة لأصرخ في وجه التعتيم

حوار : ليلى الداهوك

هو نحات ورسام وشاعر يريد أن يرسم الصخر بالكلمة واللون، واقعيته البيضاء تقارب الرمز والإنطباعية وتطرح موضوعات بسيطة في الشكل، غنية وعميقة في المضمون بإحترافية عالية، إنه الفراتي الهوى والقلب الفنان التشكيلي والنحات والكاتب جمعة الناشف. على هامش توقيع كتابه »خربشات خلف القماشة« وإفتتاح معرضه في دار الندوة بيروت كان لنا معه هذا اللقاء…

من هو الفراتي الانسان والفنان ؟

* الفراتي هو ابن ضفاف الفرات العظيم..منطقة الجزيرة السورية بلاد مابين النهرين..الرافدين القسم الاعلى..محافظة الرقة السورية درَّة الفرات. أما فراتي منذ ولادتي وتبرعم شبابي، الى ان اصبحت في هذا العمر والمكان..احمل رسالة المحبة والسلام بحياتي وفنوني وترحالي،

الفراتي جمعة الناشف في معرضه

وأصرخ على الملىء : ليكن الفن بكل اشكاله والوانه رسالة محبة وسلام في العالم اجمع.

 ما سر لقب الفراتي الذي تعشقه اكثر من اسمك ؟

* أولا تيمنا بنهر الفرات الذي كان أول أنفاسي عبقه ونسيمه.. ذلك النهر الذي ولدت على ضفافه وتعمدت بمائه.كما كل مَن ولد وترعرع على ضفتيه ونهل من صفاء ونقاء مائه. مرَّت عليه الحضارات من البابلية والسومرية والآكادية والأشورية وغيرها حتى تاريخنا هذا، وهو باق يعمد من يجاوره. للفرات الكثير من النبض في دمي وأنفاسي أعشقه ويعشقني.عسى أن تكون مسيرتي نقطة من ذلك النهر. انا اعشق اسمي الذي لم اختره، لهذا، الفراتي جمعة هو الاجمل والاقرب الى روحي…

 ما الصور التي حفرت من الطفولة ؟

* وجه امي الحبيبة وجه أبي الحبيب. جيراني رفاقي في الحي والمدرسة..ومعلم مادة الرسم والموسيقى وكل المعلمين، أول تشكيل منحوتة كان من الطين..نهر الفرات والسمك الفراتي والرمل وحصى ضفافه ألوانها وأشكالها..سور الرقَّة العظيم، باب بغداد والجامع القديم الذي يعود تاريخه الى ما قبل عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد، ولذلك سُميت مدينة الرشيد والذاكرة تطول…

 كيف ومتى بدأت حياتك مع الالوان ؟

* منذ الصغر وفي الصف الأول الإبتدائي بدأت علاقتي مع الألوان بعشق لا مثيل له. وقد إستقيت الألوان من الطبيعة الفراتية..مساحات الأراضي الخضراء في الربيع، وفي الصيف القمح وسنبلاته الذهبية، القطن وكل اشكال المزروعات وألوانها.فصول السنة وليل الفرات العظيم..لذلك أحب كل الألوان ومنها تتشكّل فسيفساء الحب والمحبة…

 من هو مثالك الاعلى ؟

* كل مبدع يتأثر باللذين سبقوه ومعلميه، لكن صدقيني نرجسيتي كبيرة فمثالي الأعلى هو نهر الفرات وقرميد أثاره هذا بالنسبة إلى الفن. أما في الحياة، فأبي هو مثالي الأعلى ذلك الرجل العصامي عزيز وكريم النفس والأخلاق. كان أكثر الرجال حنانا مع أهله وعائلته امي واخوتي، ورزقه من عرق جبينه…

 حدثني عن علاقتك بالخشب والرخام والحجر ؟

 علاقة الأب مع أولاده مع المواد التي من صنع الطبيعة، حين أتعامل معها تكون العلاقة أكثر حميمية ولذلك فإن صدقي في فني وابداعاتي مردّه إلى علاقة الإنسان في داخلي مع الطبيعة… الخشب من الشجر المثمر في كل أنواع الفائدة… الصخر والرخام كذلك كم من الفائدة نجدها

غلاف كتابه خربشات خلف القماشة

في بناء المنازل وصناعة الجماليات والفنون…

 كيف تتعامل مع قسوة الحجر ؟

 قلتها في نص منذ فترة طويلة: »الصخرة مرا..بدها أيادي حنونة لتحكي.«

 منذ سنوات كانت لك معارض كثيرة أين اختفيت ؟

 هذا سؤال كبير وصعب… لم أتوقف عن الانتاج الفني أبدا، ولكن السبب وراء غيابي لعدة سنوات هو نفسه الذي يعاني منه كثير من المبدعين في كل الفنون، نحن نعاني من آفة الاحتكار والمحسوبيات وتجار الفن ومزاجياتهم والمصلحة..ومن يحمل السلم بالعرض يلاقي ما لاقيته.. أنا أحترم فني، لم ولن أتزلف لأحد لأني أحمل رسالة انسانية جمالية. أحمل في جعبتي سنوات طوال ومعارض وكم كبير من النتاج التشكيلي وتجارب كثيرة من تشكيل وفن كنسي أيقونات ونحت المجسمات في الساحات والقصور والمعارض لذلك أنا أثق أني سأدخل من باب عال.

 لماذا توجهت الى الكتابة ؟ ألم يسعك التعبير باللوحة والمنحوتة ؟

منذ زمن طويل أكتب ولي خربشاتي قبل عام 2003 ولكني لم أسعَ إلى طباعة كتاب. أما كيف توجهت الى طباعة كتاب وادخاله الى عالم الفراتي وابداعاته بالعلن مثله مثل الرسم والنحت فلعل الأمركان هروبا من الفن التشكيلي وصالونات العرض ومزاجياتهم. وصرخة في وجه التعتيم وأظنه هروب جميل الى الامام فقد دفعني إلى التنوع والتوسع في رسالتي. كذلك فقد هربت إلى الإبداع الفني بشكل آخر وكتبت للمرة الأولى نص مسرحي سينفذ على خشبة المسرح قريبا..

 اما بالنسبة للفن التشكيلي النحت والرسم فيبقى الأكثر تعبيرا عن مكنونات الفراتي وانفعالاته ووجدانياته وغرامياته. وهنا لا بدَّ من الإعتراف بأنني عندما أكتب تسقط الحروف من بين ألواني وصخوري..وأنا أحمل ماقاله الشاعر نعيم تلحوق في كتابي..خربشات خلف القماشة : هذه الخربشات التداعيات تقدم ما تبقى من غبار منحوتات الفراتي وألوانه المسربة الى القعر…

 حدثنا عن أدب الفراتيات ؟

* هناك الكثير من الأدباء والشعراء والكتاب الفراتيين وعلى رأسهم عميد الرواية والقصة والشعر الاديب الدكتور عبد السلام العجيلي رحمه الله، والأديب ابراهيم الخليل، والشاعر عايد السراج، والشاعر عدنان الجدوع وآخربن. الفرات هو تاريخ وتراث ومن يرنمه ليل الفرات مرة

من زوار المعرض

وصباحاته مرات وطبيعته وأهله وقرميد آثاره.. فرقة الدبكة العالمية فرقة الرقَّة للفنون الجميلة والفنانين ابراهيم الأخرس والفنان حسين الحسن وفراتياتهم..نعم هناك الكثير والكثير، الموسيقى الفراتية المواويل والعتابا والسويحلي، كل هذا جاء من تلاطم أمواج الفرات على ضفافه الزاخرة بعبق التاريخ منذ فجره الأول بمملكة توتول ومملكة ماري مع امتداده إلى سهل نينوى حيث جلجامش الخالد عبر التاريخ الذي شرب ماؤه فأصبح خالدا عبر كل العصور الى يومنا هذا. هذا النهر الذي كانت له انعكاساته ومازالت حتى اليوم على سكان ضفتيه، في الأدب بكل أشكاله من شعر وقصة ورواية..اضافة الى الفنون تشكيلية كانت أم فنية، والموسيقى الشجية النابعة من قلب الفرات العظيم والتي كان لها أثرا واضحا في نفوس أهل الفرات الطيبين.

 كيف تقيم الوضع الثقافي اليوم ؟

* هناك قامات في الوسط الثقافي أجدر بتقييم الوضع الثقافي… لكن من وجهة نظر الفراتي أقول بأن الثقافة تحتاج الى اهتمام كبير من وزارة الثقافة والحكومات ويجب أن يشمل هذا الدعم الثقافة في كل مجالاتها دون استثناء.. وغياب هذا الدعم يظهر جليا في ندرة الإنتاجات في المسارح ودور السينما والمراكز الثقافية وغيابها عن المشهد الثقافي اليوم.

 كيف تنظر الى مستقبل الفن التشكيلي ؟

* الفن التشكيلي لم ولن يحدّه حدّ، منذ العصر الحجري وقبل الكلمة وكيف اكتشفنا ذلك العصر الى يومنا هذا والى الأمام سيبقى دائما يؤرخ الحياة والأحداث، ليبقى الفن للفن وللانسان مهما حورب وهُمّش. إن الفن التشكيلي هو من أهم الاستثمارات في الحياة التجارية وهو بألف خير ولا خوف عليه.

 أين تكمن معاناتك اليوم كفنان تشكيلي ونحات ؟

* المعاناة عند الفراتي خلقت عنده الكثير من الايجابية فهرب إلى الامام وأبرز تعبير على ذلك هو صدور كتابي الجديد، وكتابة النص المسرحي والى خشبة المسرح.. للفراتي الكثير من التجارب التشكيلية لم تظهر للعلن..معاناة الفراتي كفنان تشكيلي تكمن في الفرصة الاكبر والاهتمام بعيدا عن المحسوبيات. ومن يثبت أنه فنان مبدع فليأخذ حقه.. وهكذا ستنتهي معاناة المبدعين..لكن للأسف فالواقع قاس جدا ولا بدّ من القول : لا يصحّ إلا الصحيح.

 هل تضع نفسك في خانة النقد ؟

* منذ أول ولادة لوحة وأول منحوتة كان الفراتي ناقدا لذاته وهذا سبب أساسي في تطوري وتقدمي بتجاه التطور الايجابي.. وأنا من الفنانين الذين يهتمون بالنقد الموجه إليهم. نحن بحاجة الى النقد الموضوعي بعيدا عن المحسوبيات وعن المصلحة بأشكالها كافة..لكي نتمكن من تحقيق التقدم والإرتقاء، اما بالنسبة للشعر ففي لبنان نهصة شعرية تفوق الخيال وولادات يحسب لها حساب في تقدم وتطور الشعر.. وأنا ألاحظ حالة ومخاض وخلق سوف تفرز مدرسة جديدة وتؤدي إلى تطور مهم في عالم الشعر. فكما في كل نهضة تطرأ السجالات والنقاشات وفي آخر

من معرض الفراتي في دار الندوة

المطاف يصعد إلى خشبة المسرح الجديرون فقط.. اما بالنسبة للكلمة فهي أن تقول كلمة الحق خير من أن تكتب حول كلمة الحق أطروحة، فللكلمة أثرها وتأثيرها في كل الفنون والحياة، أدبا أم شعرا أم فنا.. من هنا فلا خوف على الشعر ولا على الكلمة…