الاشتباك بين عون والحريري ينتهي في اللحظة الإقليمية المناسبة

لا اعتذار ولا تشكيل.. اللبنانيون ضحايا المصير المجهول

بيروت – غسان الحبال

»كل عام وأنتم بخير«… على أمل أن يحمل العام 2019 بعضا من خير ينشده اللبنانيون بعدما كانوا افتقدوه طوال العام الماضي.

وبالفعل كان العام 2018 قد أقفل للأسف على مزيد من الوعود السلبية للبنان الذي وعد مواطنوه انفسهم بحكومة وطنية تكون بمثابة »عيدية« لهم عشية رأس السنة.

إستمرار »سياسة قطاع الطرق«

فبعد افتعال أزمة توزير أحد النواب السنة المحسوبين على قوى الممانعة بقيادة »حزب الله«، في أواخر العام الماضي، لاحت نوايا الإصرار على سياسة قطع الطريق على تشكيل الحكومة اللبنانية الموعودة، مع افتعال الوزير السابق وئام وهاب، تصريحا مصورا تم تسريبه إلى وسائل الإعلام، يحمل فيه على الرئيس المكلف سعد الحريري ووالده الرئيس الراحل الشهيد رفيق الحريري، بما يطال سمعتهما الشخصية، وبما أوحى هذه المرة بأن الهدف هو حمل الرئيس المكلف على الاعتذار عن تشكيل الحكومة.

وأدت التطورات وافتعال التوتير المذهبي إلى تحرك الأجهزة القضائية ومصرع أحد مرافقي وهاب )محمد أبو دياب( في حادث إطلاق نار شابه الكثير من الالتباس، في وقت عملت قوى الممانعة على استثمار التطورات بالالتفاف حول وهاب الأمر الذي سمح له بتصعيد لهجته ضد الرئيس الحريري وصولا إلى التشكيك بقدرته على تشكيل حكومة وترؤسها.

وفيما استمرت ممارسات وهاب بدءا بتحميل الرئيس الحريري وقائد قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان مسؤولية دم مرافقه أبو دياب، وصولا إلى تهديدهما بالقتل، كان اللافت الذي أدى إلى التمديد للأزمة، لا بل إلى تصعيدها، ظهور التباين بين رئيسي الجمهورية والحكومة إلى العلن، مع إعلان الرئيس عون، وفي موقف بدا مفاجئا، تراجعه في دعم موقف الرئيس المكلف الرافض لتوزير نائب من مجموعة النواب السنة على حساب حصته، ملوحا بإحالة الأزمة على المجلس النيابي، فضلا عن التحاقه طرفا بموقف »حزب الله«، الأمر الذي دفع الرئيس الحريري إلى سرعة الرد متسلحا بتشكيلة الإئتلاف الوطني التي اقترحها وتوافق عليها مع الرئيس عون ومعظم القوى المعنية بالمشاركة في الحكومة، والتي تم تعطيل إعلانها في ربع الساعة الأخير، حيث أكد في بيان صدر عن مكتبه الإعلامي على عدد من الثوابت أبرزها عدم استعداده للاعتذار والرضوخ حيال افتعال أزمة التوزير واستحضار اقتراح حكومة من 32 وزيرا لتبرير توزير أحد النواب السنة الذين يتمسك »حزب الله« بتمثيلهم، مشددا على أن من ابتدع المشكلة ليجد لها العلاج المناسب من ضمن حصته أو حصة حلفائه، إضافة إلى رفضه توظيف حق لجوء رئيس الجمهورية إلى المجلس النيابي كوسيلة للنيل من صلاحيات الرئيس المكلف.

السنيورة: ممارسات مستهجنة

هذا التطور الذي أوحى بأزمة مرشحة للتصعيد بين الرئاستين الأولى والثالثة، استدعى تدخل الرئيس فؤاد السنيورة في تصريح قال فيه »أننا نشهد في هذه الفترة ممارسات مستهجنة بقصد فرض أعرافٍ جديدة لا علاقة لها بالدستور، ولم يشهد نظامنا السياسي مثيلا لها من قبل«، وأضاف ملمحا إلى دور »حزب الله« في تعطيل التشكيل: »من المستهجن أن يتحكم فريق سياسي بفرض تعيين وزراء من خارج فريقه، وان يشترط ذلك على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، والا فهو لا يسمح بتشكيل الحكومة بل هو يعرقل تشكيلها«.

وتابع منتقدا تلويح الرئيس عون باللجوء إلى المجلس النيابي: »ربما كان من الأجدى بفخامة الرئيس وهو المؤتمن على الدستور والأكثر إدراكا للصعوبات التي تمرّ بها البلاد، أن يُعالج الأمر بالتعاون مع رئيس الحكومة المكلف من أجل التوصل إلى حل يرضي اللبنانيين ويحظى بثقتهم. فما قرأناه في وسائل الإعلام حول إمكانية إحالة الأمر إلى مجلس النواب سيدخلُ لبنان في أزمة أكبر وأكثر تعقيدا وخطورة من الأزمة التي تمر بها البلاد اليوم، كما أنّ ذلك لن يحل مشكلة تأليف الحكومة ولن يساهم في إيجاد مخرج للأزمة«، معتبرا »أن حل هذه المشكلة برُمَّتها لا يمكن ان يتمّ إلاّ بالعودة والالتزام الكامل بأحكام الدستور بعيدا من الضغوط والإملاءات«.

ومع تحول الحديث علنيا عن أزمة ثقة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف محورها التأليف الحكومي المتعثر، كانت الأوساط الدستورية والسياسية المعنية تحصر اهتمامها بمضمون الرسالة التي قد يوجهها رئيس الجمهورية إلى البرلمان، ومناقشة أبعاد اعتذار الحريري أو سحب التكليف منه.

وتعليقا على التلويح برسالة رئاسية إلى المجلس النيابي، يقول الخبير الدستوري عادل يمين أنه »بإمكان رئيس الجمهورية في أي أمر أو شأن يراه أن يوجه عند الضرورة رسالة إلى مجلس النواب عملا بأحكام الفقرة 10 من المادة 53 من الدستور. وحيث أن رئيس الجمهورية رئيس للدولة ورمز وحدة الوطن ويسهر على احترام الدستور، فإن من واجبه، عندما يلاحظ أن تشكيل الحكومة متعذر، وأن مدة طويلة مرت على التكليف وأن التأخير يضر بالبلاد والمواطنين، أن يتوجه إلى مجلس النواب بصفته المصدر الأساسي لاختيار الرئيس المكلف، حتى يطلعه على واقع الحال فيكون من واجب البرلمان إذ ذاك اتخاذ الإجراء اللازم«.

ويشرح يمين الإجراءات الواجب تطبيقها حين يرغب رئيس الجمهورية بتوجيه رسالة إلى البرلمان، استنادا إلى المادة 145 المضافة في الجلسة العامة للمجلس النيابي المنعقدة بتاريخ 10 و11 شباط 1999، وعملا باحكام الفقرة 10 من المادة 53، بالآتي:

أولا: اذا كانت رسالة رئيس الجمهورية مباشرة، يبادر رئيس المجلس الى دعوة المجلس الى الانعقاد خلال ثلاثة ايام من تاريخ ابلاغه رغبة رئيس الجمهورية.

ثانيا: بعد استماع المجلس الى رسالة رئيس الجمهورية، يرفع رئيس المجلس الجلسة لمدة 24 ساعة، تستأنف بعدها الجلسة لمناقشة مضمون الرسالة واتخاذ الموقف او الاجراء او القرار المناسب.

ثالثا: »أما اذا كانت الرسالة موجهة بواسطة رئيس المجلس، فعليه ان يدعو المجلس لانعقاد خلال ثلاثة ايام لمناقشة مضمون الرسالة، واتخاذ الموقف أو الاجراء أو القرار المناسب«.

معايير سحب التكليف

ويتابع يمين: »وبناء عليه، يمكن للبرلمان جوابا على رسالة الرئيس أن يصدر إحدى التوصيتين التاليتين، إما توصية تتضمن طلب اعتماد معيار واحد في التشكيل أو مواصفات معينة، وإما توصية تتضمن الطلب من رئيس الجمهورية سحب التكليف من الرئيس الحريري، فيكون عندها لرئيس الجمهورية إذا شاء إصدار كتاب بسحب التكليف والدعوة إلى استشارات نيابية ملزمة من أجل تسمية رئيس مكلف جديد«.

ويرى يمين أن حق مجلس النواب بالتوصية بسحب التكليف »فيستند إلى النظام اللبناني البرلماني، والى أن المصدر الأساسي للتكليف هو البرلمان أصلا، والى أن المجلس هو الذي يمنح الثقة للحكومة، وهو الذي يحجبها عنها، فمن يستطيع حجب الثقة عن حكومة قائمة وعاملة ومكتملة المواصفات الدستورية بكليتها او عن أي من أعضائها، فبالأحرى أن يكون قادرا على طلب سحب التكليف من رئيس مكلف، لأن من يستطيع الأكثر يستطيع الأقل، فضلأ عن أن هدف التكليف هو التأليف، فإذا استعصى فما هو المبرر لاستمراره، كما أن هدف التكليف هو ولادة حكومة تحوز تأييد الأغلبية البرلمانية، فإذا أعلنت هذه الأغلبية نزع ثقتها من رئيس الحكومة المكلف فيسقط جدوى التكليف«.

وبعيدا عن رأي يمين الذي يقول ان على الرئيس الحريري ان يقرن رفضه لتشكيلة وزارية من 32 نائبا بمخرج أو بحل بديل قادر على السير به من أجل ولادة الحكومة، فان رأيا دستوريا آخر يرى أن »رمي بعبدا الكرة في ملعب البرلمان لسحب تسمية النواب للرئيس الحريري المكلف أصلا بموجب مرسوم موقع من رئاسة الجمهورية، لا قيمة دستورية له، فالحريري وحده قادر على انهاء التكليف باعتذاره عن تأليف الحكومة، ما يعني أن الكلام عن سحب التكليف لا يتعدى التهويل السياسي، ولا أحد يستطيع التأويل في تفسير الدستور، وجل ما يمكن أن يفعله رئيس الجمهورية أن يحث الرئيس المكلف على الإسراع في التشكيل، أو أن تلجأ المكونات السياسية للضغط السياسي على الحريري من أجل دفعه إلى توجيه رسالة الاعتذار«، الأمر الذي يبدو أن قوى الممانعة قد كلفت الوزير السابق وئام وهاب القيام به لجوءا لأسوأ السبل.

تشابك الازمات

هل يبدو الوضع السياسي اللبناني قاتما إلى هذا الحد؟

يقول سياسي مخضرم وضالع في فهم التشابك السياسي بين لبنان والأزمات التي تعصف بمحيطه الإقليمي والأبعاد الدولية لهذه الأزمات، أن تفاعل لبنان وتأثره سلبيا بما يحيط به من تطورات على أكثر من صعيد سياسي واقتصادي وأمني، هو أمر حتمي بدليل الخلاف التاريخي، السياسي والطائفي والمذهبي فيه، وعلى الرغم من الأزمات الاجتماعية وسوء الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها اللبنانيون، هناك دائما بصيص أمل يمكن لأهل السياسة التمسك به، ربما عبر الرسالة إلى مجلس النواب ذاتها حيث تصبح الكرة في ملعب رئيس المجلس نبيه بري الذي لن يسمح بدوره أن تاخذ الأحداث مسارا خطرا، علما أنّ مجلس النواب ليس هو المخول بتشكيل الحكومة ولا التدخل في آلية تشكيلها. إذ إنّ مهمته تنتهي بانتهاء الاستشارات الملزمة لكي تعود له الصلاحية عندما يَعْرِضُ رئيس الحكومة المكلف التشكيلة الحكومية عليه مرفقة ببيانها الوزاري لكي تنال الحكومة الثقة منه«.

ويصف السياسي المخضرم تفاصيل ما يجري من تقاذف لكرة توزير نائب من مجموعة السنة المحسوبين على »حزب الله«، أو بالأحرى على قوى الممانعة و8 آذار ككل، باللعب في الوقت الضائع »وهو الأمر الذي يحسن حزب الله إدارته بواسطة عون والحريري، حيث يبدو أن تصلب كل منهما حيال موقفه مرتكزا إلى دور حزب الله في حماية التوازن بين الطرفين بهدف تأجيل تشكيل الحكومة إلى ما بعد اتضاح صورة الوضع الإقليمي، قبل أن يدفع في اتجاه الموقف المناسب الذي يحفظ للحريري ماء وجهه من غير أن يسمح بانكسار رئيس الجمهوري وحصوله على 11 وزيرا«.

وفي حال طالت الأزمة أكثر من ذلك، يبدي السياسي المخضرم تخوفه من إمتداد الخلاف إلى الشارع بما لا تريده الأطراف المعنية بهذا الخلاف، ويقول أن رئيس الجمهورية »لا يمكنه الدخول في خلاف سياسي مع حليفه الاستراتيجي والتكتيكي »حزب الله«، غير أن الأمر لا يعني الدخول في معركة لإحراج الحريري وإخراجه ودفعه إلى الإعتذار عن مهمة تأليف الحكومة، ولذلك فهو يسعى حاليا إلى حلّ العقدة الراهنة عبر مبادرة الوزير جبران باسيل، ولن يدخل في المدى القريب في معركة ضدّ رئاسة الحريري للحكومة المقبلة، إذ لا مخرج دستوريا حقيقيا وواضحا يمكن الإعتماد عليه، ولأن أي خطوة تؤدي إلى تخطي دستوري للحريري عبر مجلس النواب، قد تؤدي بالتالي إلى إشكال سياسي مرشح للإمتداد إلى الشارع وهذا آخر ما يريده الرئيس عون«.

ويستنتج السياسي المخضرم أخيرا، أن »الأزمة الحكومية ستستمر وتطول، غير أن الرهان على إنفصال كامل بين الرئيسين عون والحريري غير وارد في المدى المنظور، لأن أي اشتباك كامل مع الرئيس المكلف قد يطيح بالعهد وبآمال الإستقرار السياسي الموعود«ّ.

العدد 88 –كانون الثاني 2019