شيخة تونس سعاد عبد الرحيم: جمالية المدينة وتحسين المناطق المهملة في رأس اولوياتي

تونس – جاد الحاج

قلة ممن زاروا تونس العاصمة تستطيع اغفال الفارق الصارخ بينها وبين العواصم العربية الأخرى، خصوصاً لجهة التنظيم المديني وشبكة الطرق والاهتمام الرسمي بهندسة العمارة. الا ان العاصمة التي تعد اليوم اكثر مليوني نسمة من اصل سبعة ملايين في البلد كله، يعيش منهم اربعة ملايين في المدن والضواحي، لم تكن منذ قرن مضى سوى المدينة العربية القديمة ولم يتجاوز عدد سكانها ثلاثمئة الف نسمة حتى بعد الإنتداب الفرنسي وبدء الانتشار العمراني خارج اسوار القصبة.

في منتصف القرن التاسع عشر ارتبطت مدينة تونس بضاحيتين، الى الشمال صرباط باب السويقةش وإلى الجنوب صرباط باب الجزيرة. ش لكن صالداخلش بقي مغلقاً على ذاته اسير سلطة الباي الذي منع مواطنيه من تخطي الأبواب للاتصال بالعالم الريفي. فكأن ابن خلدون وصفها بالذات عندما تحدث عن مجتمعي المدينة )الحضر( والريف )البدو(. ولعل تسمية صتونس الحاضرةش من هذا المنطلق اكثر إصالة من تسميتها اللاحقة صتونس الخضراش.

العام 1858 في الثالث من آب )اغسطس( تأسست بلدية تونس-العاصمة. والتاريخ في ذاته يحمل دلالات اجتماعية وسياسية تركت آثارها على مصير المدينة حتى اليوم، اذ كان العلماء ورجال الدين من الشيوخ يتولون مسألة التخطيط والانتشار قبل تأسيس البلدية. وكانت تلك السلطة التي مارسوها عفوياً آخذة بالانحسار والتراجع مع تردي الأوضاع الصحية وانكشاف المجارير والمجاري وانتشار المستنقعات. وبينما دأبت البلدية الأولى برئاسة الجنرال حسين علي على تطوير هيكليتها التنفيذية والإدارية، ضغط الفرنسيون بواسطة قنصلهم ليون روش على الباي للحصول على إذن البناء خارج جدران المدينة القديمة. فكانت تلك الخطوة الأولى نحو انتشار طاول الضواحي وأدى مع الوقت الى تكامل المدينة الموازية. ومنذ 1881 تجلت في وضوح ضرورة ردم المستنقعات البحرية فقامت السيدة الايطالية فاشيوني بالحصول على اذن من الباي لتجفيف الجون الضحل لجهة باب البحر. الا ان الاراضي المتاخمة للبحر لم تكن مناسبة لنوعية البناء، مما دفع بالفرنسيين والايطاليين المقيمين في المدينة الى البحث عن جهات اكثر خضرة لاقامة فيللاتهم.

بعد الحرب العالمية الثانية كانت تونس بلداً منكوباً تدمرت فيه مساحة مسكونة بلغ اتساعها 840 الف متر مربع وتشرد اكثر من 50 الف نسمة. وغني عن القول ان العاصمة دفعت الثمن الباهظ من الدمار. الا ان الحركة العمرانية استعادت نشاطها في قوة وزخم بعد الاستقلال )1956( وتكاملت الضواحي السكنية مثل المنزه حيث تسكن الطبقة المتوسطة وكباريا موئل الطبقة الشعبية وسيدي فتح الله مركز تجمع الفقراء.

بين 1962 و1969 توثق ارتباط التطور العمراني والتخطيط المديني بتحولات النشوء الاقتصادي. ووجدت العاصمة نفسها في مواجهة الظاهرة السياحية ذات المتطلبات العالية خصوصاً في حمامات ونابل وسوس والمنستير وجربة. ويرى الزائر مدى التماسك القائم في أساليب العمارة وتخطيط الطرق والانسجام الهندسي عبر تلك المناطق.

لكن التقصير في حق المباني التاريخية واهمال المناطق الفقيرة على مشارف العاصمة من الأمور التي لا يمكن للزائر اغفالها، فبقدر ما تثير الإعجاب واغراء العين المنازل البيضاء المقنطرة في سيدي بوسعيد والمنتجعات السياحية الممتدة على شاطئ حمامات، نلحظ ان منطقة المرسى مهملة وطرقاتها محفرة، وعدد كبير من مبانيها فوضوي وبعض الشاطئ المحاذي

لبيوتها متعطش للنظافة. كذلك المنازل المتلاصقة في »جبل الأحمر« وسط منطقة البلفدير، فهي تثير التساؤل الذي لا مفر منه: كيف تحافظ البلدية على حديقة البلفدير محافظة بيئية لا بأس بها، وعلى مرمى حجر منها تطفر مجموعة مساكن خارجة عن كل عرف وقانون هندسيين؟ ثم ما مصير قبة البلفدير، المبنى الاسلامي الرائع في قلب الحديقة، جدرانه وقناطره من اجمل التحف التاريخية، مع ذلك يبدو عرضة للتهرؤ والاندثار؟

 بعد ثورة 2011 وبعد تأخير في تحديد موعدها لاعتبارات بعضها تقني وبعضها سياسي، اجريت الانتجابات البلدية في تونس خلال الايام الاخيرة من شهر نيسان )ابريل( 2018

وفازت الصيدلانية سعاد عبد الرحيم بالمنصب ضاربة عصفورين بحجر واحد، فهي اول امرأة تحتل مركز الصدارة في صمشيخةش العاصمة، واول مرشح مدعوم من حركة النهضة لذلك المنصب. ولتونس تاريخ طويل مع العمل البلدي، يعود إلى منتصف القرن التاسع عشرحين انطلق من تونس العاصمة، »الحاضرة« كما كانت تسمى. ثم انتشرت المجالس البلدية في المحافظات والجهات.

 وفي ما يلي حديثنا مع أول شيخة لمدينة تونس العاصمة:

 كيف تنظرين إلى فوزك بأعلى عدد مقاعد في الانتخابات البلدية ؟

في الواقع أن يتم إجراء أول انتخابات محلية في تونس بعد الثورة يعتبر فوزا كبيرا للبلاد بعد تأجيل موعد إجراء الانتخابات مرتين، وسمعنا سابقا الكثير من الأصوات المشككة في إمكانية تنظيم هذا الاستحقاق، وبقطع النظر عن فوزي بأغلب الأصوات في بلدية تونس العاصمة اعتبر أن المنتصر الحقيقي هو المسار الديمقراطي للبلاد، وهذا بفضل تكريس الباب السابع في لدستور المتعلق بالسلطة الملحية والقاطع مع الحكم المركزي.

 هناك من انتقص من قيمة امرأة لتقلد هذه المسؤولية التي كانت تاريخيا حكرا على الرجال، فما موقفك؟

ما يهمني هو فوزي بأعلى نسبة من الأصوات لأول مرة في التاريخ، وهذا يدل فعلا على أن عقلية المجتمع التونسي بدأت تتغير. وقد كان متوقعا أن يخلق فوزي بالمرتبة الأولى للأصوات جدلا في ظل منافسة شديدة على رئاسة بلدية تونس بين حركة النهضة وحزب نداء تونس، باعتبارهما أكبر حزبين في البلاد.

ولكن تشكيك البعض بجدارة تقلد امرأة منصب رئيس بلدية تونس أو شيخة المدينة يدل على بقاء رواسب من العقلية الذكورية لدى بعض الفئات داخل الطبقة السياسية نفسها، ومع هذا فإن أغلبية الناخبين قدموا رسالة مضمونة الوصول إلينا جميعا بأنهم يثقون في أن تترأس امرأة بلدية العاصمة لإدارة شؤونهم، وهو منصب إداري ورمزي تستطيع المرأة أن تُحسن توليه، لا سيما أنه لا يوجد أي مانع قانوني أو ديني لتقلده.

 هل تعتبرين فوزك عاملا تحفيزيا لتولي المرأة مناصب عليا في البلاد؟

نعم، اعتبر أن فوزي كمستقلة على رأس قائمة حركة النهضة بأعلى الأصوات هدية للمرأة التونسية، ودون أدنى شك سيمثل تتويجي بمنصب شيخة المدينة رسالة للتونسيات بأنهن قادرات على تولي أعلى المناصب بالبلاد، في ظل المكاسب القانونية التي حققتها المرأة التونسية.

وأن أكون شيخة مدينة تونس عن طريق آلية الانتخابات يعطي صورة عن درجة تطور الديمقراطية الناشئة عندنا والتغيّر الحاصل في مستوى العقليات، فقد يكون مثلا تعيين امرأة دون إجراء انتخابات في هذا المنصب مجرد إرادة سياسية لرسم صورة معينة حول البلد، لكن أن يقع ترشيح امرأة عبر صناديق الاقتراع يعطي الانطباع بأن المجتمع التونسي حقيقة بات يثق في جدارة المرأة السياسية داخل بيتها وخارجه لبناء الأسرة والمجتمع.

لقد أظهرت تمسكا قويا بالترشح لرئاسة بلدية تونس، لكن ماذا عن حزبك؟

بالفعل، أنا متمسكة بتنصيبي على رأس بلدية تونس، لأن فوزي بأعلى الأصوات يعتبر أمانة على أصوات الناخبين، وهذا أيضا شأن حركة النهضة التي أظهرت تمسكا قويا خلال مفاوضاتها الجارية مع القوائم الفائزة بترشيح امرأة في رئاسة بلدية تونس العاصمة.

وأظن أن حركة النهضة ذات الجذور الإسلامية نجحت في تمرير رسالة إلى العالم بأسره بترشيحها امرأة لرئاسة بلدية تونس، وقد تحدثت صحف عالمية عديدة عن هذه السابقة في التاريخ التونسي، كأن حركة النهضة أرادت أن تقول إن ممارسة الديمقراطية وتجذير مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين ليست مجرد شعارات ترفع في الحملات الانتخابية، وإنما تطبيق الديمقراطية والانفتاح ممارسة حقيقية في سياساتها وخياراتها.

ألا تعتبرين أن تمسكك بهذا الترشح سيكون عامل تفرقة وزعزعة لسياسة التوافق بين حركتي النهضة ونداء تونس المتحالفين في الائتلاف الحكومي منذ 2014؟

مع أني لا أريد أن أكون عنصر تفرقة بين حركة النهضة ونداء تونس فإني أتمسك برئاسة المجلس البلدي بالعاصمة، خاصة أن لدي الأفضلية في الأصوات. لكنني أعتقد بأن الترشح لهذا المنصب لن يصل إلى التصادم أو التخاصم بين الحزبين، ولا أظن أنه سيخرج عن دائرة التنافس المشروع بين أكبر قوتين سياسيتين في البلاد.

لقد تجنبت تونس الأزمات الداخلية بفضل سياسة التوافق، التي تتجسد في وثيقة قرطاج التي تؤطر لبرنامج عمل حكومة الوحدة الوطنية، والتي تجمع حركة النهضة وحزب نداء تونس وأحزاب ومنظمات أخرى، وبالتالي يجب العمل على إيجاد مخارج وتفاهمات لحسم انتخاب رئيس بلدية تونس بشكل توافقي حتى لا يتعطل عمل البلدية.

ولكن إذا لم نصل إلى توافقات سيتم حسم انتخاب رئيس بلدية تونس بانتخاب المرشحين داخل مجلس البلدية )ستين مقعدا( بأغلبية مطلقة )50+1( وبما أن حركة النهضة فازت بـ21 مقعدا تلتها حركة نداء تونس 17 مقعدا؛ فسنكون مضطرين لعقد تحالفات مع القوائم الفائزة الأخرى، وحسم الأمر بواسطة الانتخابات.

 ما هو برنامجك على رأس بلدية تونس العاصمة ؟

لا يخفى أن مناطق عديدة في بلدية تونس العاصمة تعاني من الكثير من المشاكل المتعلقة بالنظافة والبيئة والبنية التحتية، والتي تحتاج إلى وحدة كبيرة من التونسيين من أجل مجابهتها، وما نستطيع أن نعد به الناس هو أننا لن نتخلى عنهم أينما كانت مناطقهم ة، وسنعمل وفق مبدأ التمييز الإيجابي لإيلاء المناطق المهمشة الأولوية.

ومن بين أهم النقاط التي عرضناها في برنامجنا الانتخابي هو أننا سنعمل مستقبلا على تحسين مداخيل البلدية المتأتية من الضرائب المحلية وأملاك البلدية المؤجرة، وكذلك من التحويلات المالية للدولة، التي على أساسها سننطلق في تنفيذ القرارات والمشاريع المتعلقة بجمالية المدينة وتهيئة البنية التحتية وتنفيذ البرامج ذات الأبعاد الثقافية مثل العناية بالمؤسسات التربوية والثقافية، وذات الأبعاد الصحية والاجتماعية كالاعتناء بمراكز الصحة الأساسية، إلى جانب بناء مساكن اجتماعية.