رحيل نجم ومطرب الأوبرا.. حسن كامي

رحل الفنان..وتفجرت المفاجأة..تفاصيلها تروى في ساحات القضاء

أمين الغفاري

هي قصة نصادف مثيلاتها في الحياة، بين حين وآخر، تأخذ منا أحيانا موقع الدهشة والأستغراب، مع أنها عادية بمنطق الواقع المألوف، ولكن هناك أيضا بعض القصص ربما لشهرة بعض أطرافها، وبريق الضوء من حولها، وكذلك لجاذبية التفاصيل والوقائع، وتلك لمحة لاتقل اشعاعا، تأخذ منا تلك الشواهد المزيد من الأهتمام في متابعة الأحداث، والاطلال على فصول الرواية، ترقبا للمشهد النهائي قبل الختام.

بطل القصة الغائب هو نجم الأوبرا المصرية ومطربها » حسن كامي« والأطراف وهم الآن )الأبطال( الحاضرون في الواجهة المباشرة، المحامي الذي كان )الراحل( يتعامل معه من جانب، وخصومه وهم ورثة)المرحوم(وهن شقيقتان من جانب آخر، أما الأطراف غير المباشرة والمشاركون في المشهد فهم مجموعات من مقدمي البرامج التلفزيونية، ومذيعي )التوك شو( الذين وجدوا في هذا )الأشتباك( مادة دثمة يتناوبون الجلوس على مائدتها، والأغتراف من وقائعها، ليديروا الحوارات بشأنها، ثم تضاف وزارة الثقافة المصرية التي سارعت بفرض حظر

الفنان حسن كامي وزوجته نجوى
قصة حب ظللها الفن.. ووفاء يملأ القلوب قبل العيون

التصرف في المكتبة.)غّل اليد واغلاق المبنى بالشمع( والمكتبة )احدى اركان التركة وأهمها( قبل الحصر العام لكل موجوداتها، وذلك للنظر في مدى اهمية محتوياتها، وكذلك اقدام مكتبة الأسكندرية التي اجتهدت بدورها، وقامت بالأتفاق مع الورثة في حالة صدور حكم قضائي بأحقيتهم، ان تتم اضافة تلك الكتب او المخطوطات أو الخرائط إلى رصيد مكتبة الأسكندرية. القضية على هذا النحو لم تعد مجرد خلاف على تركة، وانما لأن التركة بها مايمكن رصده تحت اعتبارات الوزن التاريخي والثقافي والتراثي.القضية على ذلك مركبة، تتزاحم على ساحتها الأوراق والأعتبارات من عقود البيع، واستحقاقات الميراث، وأهمية بعض المقتنيات، ثم دور الدولة الواجب في المحافظة على التراث، وأصول المدونات ذات القيمة التاريخية.

حسن كامي.. الأنسان والتاريخ والدور

حسن كامي مطرب أوبرا مصري )2 نوفمبر 1936 ذ 14 ديسمبر 2018( ينتمي إلى الأسرة العلوية التي حكمت مصر منذ عام 1805، فوالدته من سلالة الأميرة )زهرة باشا( ابنة محمد علي، وكان اسمها ايضا الأميرة نازلي، فحتى اسماء النساء كانت مركبة.والده كان يعمل في وزارة الثقافة.درس في مدرسة )الجيزويت( في القاهرة.اهتمام والده باللغة العربية جعله لايكتفي بتعليم المدرسة وانما اتفق مع أحد المدرسين )الشيخ فهمي( على تدريسها له في المنزل.بدأ عشقه للموسيقى في الصغر، حيث كانت الموسيقى والأغاني العربية والأجنبية عبر آلة الأستماع القديمة )الجرامفون( تملأ الأسماع في أرجاء المنزل، وكان بدوره يحاول تقليد المطربين في الأداء كعبدالوهاب وفريد الاطرش، وحين دخل لأول مرة إلى دار الأوبرا في القاهرة، وكان عمره احدى عشر عاما، أخذه هذا النوع من الفن الأوبرالي، وازداد عشقا له، حين شاهد فيلما أنتجته شركة مترو جولدوين ماير عن المغني الايطالي الأوبرالي الكبير تحت اسم )كاروزو العظيم( الذي رحل عام 1921 عن 48 عاما بسبب سرطان الرئة، ولكنه مازال مثلا وأسطورة في قوة الصوت وجماله في فن الغناء الأوبرالي، بل يمكن القول أنه لم يظهر من يخلفه في هذا المجال وفي عروضه المختلفة. يستطرد حسن كامي في القول، ومرت سنوات، ودخلت كلية الحقوق، ولكن عشقي لهذا اللون من الغناء جعلني اتجه إلى مدام رطل )الدكتوره جيلان رطل استاذة الغناء الاوبرالي في معهد الكونسرفتوار في القاهرة، وهي مصرية من أصل أرمني، وحصلت على شهادة الدكتوراه في علم تربية وتدريب ألأصوات(، وفي نفس الوقت كانت ظروفي العائلية تحتم علي أن أعمل لكي ادفع تكاليف دراستي في معهد الكونسرفتوار، خاصة بعد ان استمع إلى أدائي الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة في ذلك الوقت، والدكتور خيرت ابو بكر عميد معهد الكونسرفتوار، وقد قبلا ترشيحي للأشتراك في عرض )غادة الكاميليا( بعد ان تم تعريبها، وقد أخذت الدور الأول، وللتوفيق بين عملي ودراستي التحقت بالقسم الحر في المعهد، وقد درست به لمدة 6 سنوات. عملت في عدة شركات منها شركة )الكرنك للسياحة، ثم مديرلمحطة طيران الشرق الأوسط للسياحة، ثم مديرا لشركة طيران تونسية، وكان عملي في مطار القاهرة، ثم بالأشتراك مع بعض الأصدقاء قمنا بانشاء شركة سياحة، )شركة بون فوياج للسياحة( وكان مقرها في شارع قصر النيل، ومن هنا تولدت علاقتي بمكتبة كانت تقع في نفس الشارع وعلى مقربة من مقر الشركة، وهي مكتبة )المستشرق( ومن كثرة ترددي عليها توثقت علاقتي بمن يملكها، وتلك مرحلة اخرى في حياتي.

حسن كامي.. والأوبرا

 مشوار حسن كامي على مسارح الأوبرا يعد العنصر الأشد الحاحا في مسيرة حياته، فقد كانت الأوبرا هي عشقه. طاف من خلالها عدة دول. كانت )أوبرا عايده( هي مركز اعتزازه باعتبار أن الموسيقار العظيم )فردي( كان قد وضع موسيقاها لكي تعرض على مسرح دار الأوبرا المصرية التي شيدها الخديوي اسماعيل في مناسبة احتفالية افتتاح قناة السويس عام 1869، وقد وضع قصة )ألأوبريت( ميريت باشا عالم المصريات الفرنسي الشهير، وبعد ترجمتها تسلمها الموسيقار الأيطالي )فردي( لكي يضع موسيقاها وقد تقاضى مقابل ذلك 150 الف فرنك

وزيرة الثقافة المصرية ايناس عبدالدايم
اجراء حاسم وقاطع بغّل اليد والتشميع

ذهبا. تدرب عليها وقدمها حسن كامي ولعب دور البطولة فيها، وفي غيرها من فنون الأوبريت العالمية على عدة مسارح في عدة دول مختلفة من انحاء العالم منها مسارح الأوبرا في الأتحاد السوفييتي وفي فرنسا وبولندا والولايات المتحدة واليابان وكوريا والدنمارك وغيرها، وحاز على الجائزة الثالثة العالمية عام 1969 في الغناء الاوبرالي في ايطاليا والجائزة السادسة في اليابان عام 1976 وفي كوريا الجنوبية عام 1880. يروي حسن كامي أنه في اول مرة قدمها على مسرح الأوبرا في مصر – قدمها بعد ذلك في 440 عرض مسرحي على مسارح متعددة – فوجئ بعد الفصل الأول أن جاءه الملحن الشهير محمد القصبجي، ودعاه إلى لقاء )أم كلثوم( وكانت حاضره لمشاهدة العرض، وذهب اليها في مقصورتها، وأثنت عليه وقدمت له عدة نصائح هي )الأستمرار في التدريب، ولعب الرياضة يوميا للمحافظة على سلامة الصحة وخصوصا الصدر والنفس، وتناول ملعقة من العسل قبل الأفطار يوميا، والأبتعاد كليا عن التدخين والكحوليات(.

حسن كامي..ومكتبة  المستشرق 

تقع المكتبة في شارع قصر النيل وقد اسسها يهودي مصري اسمه )فيلدمان( في اواخر القرن التاسع عشر، وفي اعقاب العدوان الثلاثي على مصرعام 1956 رحل عن مصر وباعها إلى مواطن مصري له اهتمامات بالقضايا الثقافية اسمه )شارل بحري(وكان شديد الأعتزاز بها، ولتقدمه في السن وافق أخيرا على بيعها لحسن كامي بعد ان ربطتهما صداقة من كثرة تردد حسن كامي على المكتبة وشراؤه للكتب، وقد داعبه حسن كامي ذات مرة وقال له لماذا لاتبيعني اياها، لقد أخذت مني الكثير من المال في شراء الكتب مايوازي ثمنها، فقد كنت من زبائنها لمدة 17 سنة، وأحلم باقتنائها بشدة.وافق شارل بحري على البيع بعد ان وثق من عناية حسن كامي بها وعنايته لها، وكان حسن كامي وزوجته )نجوى( من عشاق الكتب والقراءة، الى الحد ان تركت زوجته عملها وكانت نائبة لرئيس احدى المؤسسات الأجنبية، وتفرغت لأدارة المكتبة. يقول فرج يونان مسؤول تقييم وتنسيق الكتب في مكتبة )المستشرق( عن محتويات المكتبة. ان المكتبة عبارة عن ثلاثة أدوار بها 600 لوحة للمستشرقين الذين جاؤوا إلى مصر والشرق الاوسط تبلغ قيمتها من 8 آلاف إلى 180 الف جنيه للوحة الواحدة، وعدة آلاف من الكتب كما يوجد بها عدد 4 نسخ أصلية من كتاب )وصف مصر( أبان الحملة الفرنسية، وقد بيعت منها نسخة السنة الماضية بمبلغ 400 الف جنيه لأحد الفنادق بالغردقة.، ويوجد بالمكتبة كتاب )مساجد مصر( الخاص بوزارة الاوقاف وعليه توقيع الملك فاروق وبيعت نسخة ليس عليها التوقيع بمبلغ حوالي 45 الف جنيه. يضيف السيد فرج ان السفارة السعودية في القاهرة أرسلت فريقا مكونا من 3 اساتذة جامعة لشراء كتب وضعت داخل خمس كراتين بمبلغ 800 الف جنيه من اجل وضعها في السفارة بالقاهرة، ثم ذكر أن )ايطاليا أخذت منا العديد من اللوحات(. أضاف أيضا معلومة فحواها)في بداية عام 2917 جاء مواطن امريكي وعرض شراء الكتب واللوحات كلها مقابل 17 مليون دولار، وكانت ضمن مشروع عالمي لمؤسسة والت ديزني الشهيرة، ، وأن أول عام 2018 اشترى حسن كامي 12 خريطة لمصر، بيعت واحدة منها بمبلغ 35 ألف جنيه، والكتب عموما لايقل عمرها عن 350 إلى 400 سنة. شاهد آخر من العاملين هو السيد عزيز يقول)أن المكتبة بها مايربو على 22600 كتاب، وتبلغ قيمة الكتب المسعرة منها فقط 16 مليون جنيه، واذا اضيفت اليها الكتب التي لم يتم تسعيرها بعد وهي حوالي 6000 كتاب فسوف تصبح القيمة 20 مليون جنيه.ذكر أن بالمكتبة لوحات(على ورق الأرز للفنان

ضمن لوحات مكتبة المستشرق
لوحة للفنان الأسكتلندي ديفيد روبرتس رحل عام 1865 
 تعرض استقبال محمد علي له في القاهرة

الأوسكتلندي ديفيد روبرتس وهي من أغلى اعماله ثمن الواحدة 80 ألف جنيه، وتوجد 31 صورة منها، كما توجد لوحة )وادي الملوك( تقدر قيمتها ب50 الف دولار، ويوجد بالمكتبة أيضا نسخ من كتاب )حول العالم في ثمانين يوما( للروائي الفرنسي الشهير جول فيرن وقد صدر الكتاب عام 1873، ثم يقول السيد فرج أن )حسن كامي كان بياخد حاجات كثيرة من المكتبة للفيلا بتاعته، وأحيانا يجيب منها للمكتبة، وفي احدى المرات جاب ساعة مصنوعة في أواخر القرن ال19 وكان عايز يبيعها.

المفاجأة..ومستقبل مكتبة ألأستشاق 

يقول المحامي خالد راشد نقيب المحامين في محافظة المنوفية أنه أثناء عمله مع الراحل )حسن كامي( قرر في حياته أن يحول فيلته بعد رحيله إلى )دار للأيتام(، وأن تكون المكتبة دارا للثقافة والفنون والتراث يستفيد منها المجتمع. يقول أيمن فرحات وهو أحد العاملين بالمكتبة أنه كان بسبيل تكوين مجلس أمناء للمؤسسة التي تحمل اسم زوجته )نجوى( تحت اسم )مؤسسة نجوى كامي للثقافة والفنون والتراث(.المفاجأة في الموضوع هو خروج المحامي )عمر رمضان( واعلانه أنه قد أشترى الفيلا من الفنان الراحل، وأن المكتبة تكونت لها شركة يملك حسن كامي فيها 1 فقط وأنه يملك الباقي مع آخرين، وأن البيع قد تم منذ عام 2015 وكان بالتقسيط، ، ان الفنان حسن كامي كانت علاقاته مع أسرته الشقيقات كانت سطحية، وأن الفاصل في الأمر في النهاية هو )المستندات وعقود البيع وتوقيعات السيد حسن كامي(، ثم يضيف ان قيام وزارة الثقافة باجراءات منع التصرف حتى يتم حصر محتويات المكتبة ومقتنياتها ومدى اهميته لايقلقني لأن الأمر سيعود لي في النهاية بالشكل القانوني وبناء على ما تحت يدي من مستندات تحمي حقوقي. يقول المحامي خالد الراشد أنه كان محاميه الخاص لوقت من الزمن، وأنه يشهد على أمور كثيرة في حياته، وأن الراحل قد قسم تركته على ورثته وأن معه أوراق بخط يده تؤكد ذلك، وأن مايدعيه البعض أنه اشترى المكتبة والفيلا في عام 2015 يتناقض تماما مع المستندات التي عرضها كون أن ماكان حسن كامي يفكر فيه ويخطط له واتخذ الأجراءات القانونية لتدعيمه بعد رحيله كان في ذات العام الذي يدعي فيه المحامي )عمرو رمضان( أنه اشترى الفيلا والمكتبة بالتقسيط من الراحل.

أين الحقيقة وماهو مصير التركة أوذلك التراث ؟

سجال تلعب فيه الاوراق والتوقيعات الدور الأكبر، ثم تسلسل الوقائع والأحداث، ومهارات المحامين مع شهادات الشهود، ومنهم محامون، لاتقتصر مهاراتهم على دراسة القانون بمواده، وحفظ النصوص وسطورها ولكن ايضا لمماراساتهم في الواقع، ولتفسير المواد، ومقاصدها سجال لابد ان تكون العدالة فيه هي الحكم، وأن يكون القانون هو الحارس وبيت القصيد.

حاشية لابد من الأشارة اليها

ارتبط حسن كامي مع زوجته نجوى بقصة حب مثيرة لما لها من حميمية شديدة، ونظرا لقلقه عليها بعد رحيله فقد أعطاها كل مايملك بعقود بيع، الفيلا والمكتبة نظرا لأنها مسيحية لا يحق لها أن ترثه في حالة وفاته، ثم حدث ان رحلت هي، بينما هو مازال على قيد الحياة، وخرج اعلان الوراثة لكي تؤول التركة من خلاله إلى والدتها وشقيقها، وعندما تبينا ذلك، قاما على الفور بعمل عقود بيع جديدة للزوج حسن كامي ورد كل ما أعطاه لزوجته، وورثاه هما عنها، لكي يسترد حسن كامي ثروته من جديد.نوع من الوفاء والأصالة النادرة تستحق كل الأعجاب مع خالص التقدير ووافر الأحترام.

ضمن محتويات مكتبة المستشرق
كتاب نادر حول العالم في ثمانين يوما
صدر عام 1873للروائي الفرنسي جول فيرن

 

 

 

 

 

 

 

 

العدد 89 –شباط 2019